بازگشت

تحقيق في اعتبار عدالة الراوي في جواز الاخذ بخبره


ان قلت: لعل الصدوق و غيره من المحدثين - رضوان الله عليهم - اخذوا باصالة العدالة في رواياتهم عن المجاهيل و غير الموصوفين بالعدالة و الصدق في کتب الرجال، و مع انه لا طريق لنا الي معرفة حالهم و احراز عدالتهم و صدقهم لعدم ذکر منهم في تلک الکتب، او عدم ذکر جرح و لا تعديل لهم فيها، فکيف نعتمد علي تلک الروايات؟

قلت: ان اريد بالاخذ باصالة العدالة ان الشرط في جواز الاعتماد علي اخبر و ان کان عندهم عدالة الخبر و صدقه الا انهم کانوا يعتمدون في ذلک علي البناء علي الايمان و عدالة من لم يثبت فساد عقيدته و صدور الفسق و الکذب منه من دون ان يعرفوه بحسن الظاهر، فاستناده اليهم في



[ صفحه 344]



غاية البعد بل معلوم العدم، لعدم وجود اصل تعبدي لهذا الاصل.

اما الاصل التعبدي الشرعي فليس في البين الا الاستصحاب و فساد الابتناء عليه اوضح من ان يخفي؛ لعدم حالة العدالة السابقة المتيقنة لمن لم يثبت فسقه و عدالته حتي تستصحب تلک الحالة.

و اما الاصل التعبدي العقلائي، اي استقرار بناء العقلاء علي قبول کل خبر مالم يثبت جرح مخبره بالکفر و فساد العقيدة او ارتکاب الکبيرة و الفسق، فهذا ايضاً محل الانکار، مضافاً الي رجوعه الي عدم اعتبار شرط العدالة و الغائه في جواز الاخذ بالخبر.

و ان اريد باصالة العدالة: الاعتماد علي حسن الظاهر علي انه العدالة، او علي انه طريق اليها، بناء علي کونها ملکة نفسانية و حالة روحية يشق بها علي صاحبها ارتکاب المعصية، فان اتفق صدورها منه يندم عليها و يتدارکها باتوبة و يلوم نفسه بها، و ان عليها يحکم بعدالة من کان له ظاهر حسن لايتجاهر بما يخالف الشرع و يرتب عليه آثار العدالة، فاجراء هذا الاصل بالنسبة الي المجاهيل و غير الموصوفين بحسن الظاهر واضح الفساد.

نعم، يمکن ان يقال: ان المحدثين القدماء، مثل: الصدوق و الکيني وغيرهما - رضوان الله تعالي عليهم - لم ياخذوا الاحايدث التي اخرجوها في کتبهم من المناکير و ابناء السبيل و القاعدين علي الطرق و الشوارع و القصاص و امثالهم، فمثل الصدوق عادة يعرف شيوخه باسمائم و انسابهم و حالاتهم من الايمان و العدالة و الفسق، و لا يروي عمن لايعرفه بشخصه و اسمه و نسبه و صفاته اصلاً، و لا يکتفي بتعريفه نفسه، فلا يکتب عنه الا بعد معرفته بظاهر حاله و بمذهبه و نحلته، و ان له



[ صفحه 345]



شاناً في الحديث و بعد ذلک اعتماده علي الشيخ الذي يروي مثل هذا الحديث في محلة، و لو کانوا من غير الشيعة او من المقدوحين لصرح بهم.

احتمال آخر: من المحتمل ان يکون بناء القدماء علي الاخذ باصالة الصدق و العدالة مبنياً علي اصالة البراءة، و اعتماد العقلاء بخبر الواحد، و بنائهم علي العمل به مالم يصدر منه ما يوجب الفسق. و المراد من الاصل المعول عليه هنا: اصل العدم، واستصحاب العدم، فيستصحب عدم صدور الکبيرة منه و يبني علي عدم صدورها منه مادام لم يحرز ذلک بالوجدان او التعبد، و لا باس بذلک، فلا حاجة الي اثبات العدالة، سواء کانت عبارة عن الملکة او حسن الظاهر.

و بعبارة اخري نقول: لما کان اعتبار العدالة و احرازها في جواز الاخذ باخبار المخبرين موجباً لتعطيل امور، وتضييع کثير من المصالح لقلة من يحرز عدالته، استقر بناء العقلاء علي العمل بخبر الواحد الذي لم يحرز صدور ما يوجب الفسق منه، و ما يوهن الاعتماد عليه، و لم يکن في البين قرينة حالية تدل علي رفع اليد عن نبئه، و آية النبا [1] انما تدل علي وجوب التبين في خبر الفاسق، اي الذي جاوز الحد، و صدرت منه الکبيرة، دون من لم تصدر منه الکبيرة، و احرز ذلک بالوجدان او بالاصل، و هذا الاحتمال قوي جداً؛ لانا نري: ان العقلاء لايزالون يعملون بخبر غير المتهم بالکذب و الفسق، و انما يردون من الخبر و يضعفون الاسناد اذا کان الخبر فاسقاً، ثبت صدور الفسق منه، او بعلل اخري لاترجع الي عدم اثبات عدالة الراوي.



[ صفحه 346]



ان قلت: فهل يعمل علي خبر المجهول؟ و هل يجوز الاعتماد عليه؟

قلت: الجهل بحال الراوي: اما يکون مطلقاً يشمل الجهل بايمانه و بعدالته و فسقه، و اما يکون مقصوراً بفسقه و عدالته مع العلم بايمانه.

و لا کلام في انه لا يجوز العمل علي القسم الاول و لا يحتج به، و اما القسم الثاني فيجوز مع الجهل - اي الشک في فسقه و عدالته - البناء علي عدم فسقه؛ لعدم ثبوت صدور معصية منه، والاخذ بخبره اذا لم يکن معارضاً بما يخرجه عن استقرار سيرة العقلاء علي العمل بخبر الواحد، فما يخرج الخبر عن صلاحية الاعتماد عليه هو الجرح، و مع عدمه لاحاجة الي تعديل راويه.

ان قلت: اذن کيف يصح الاعتماد علي خبر المخالف او غير الاثني عشرية من الشيعة مع انهم قد جوزوا العمل باخبار اثقات الممدوحين بالصدق و الامانة کائناً مذهبه ماکان؟

قلت: اما رواياتهم المويدة لمذهب اهل الحق، الماثورة في اصول الدين، ورواياتهم في فضائل اهل البيت، و ما اتفقت عليه کلمة اصحابهم و شيعتهم، فاعتمادهم عليهما: اما للاحتجاج عليهم و الجدال معهم بالتي هي احسن، و اما لحصول الوثوق بصحتها؛ لعدم الداعي غالباً لهم في وضع هذه الاخبار، فالاحتجاج بها احسن، والاعتماد عليها افحم للخصم.

و اما رواياتهم في الفروع والتکاليف العملية فالاعتماد عليها يدور مدار کون الراوي موثقاً في جميع الطبقات، يوجب نقله الاطمئنان بصدوره، و لم يکن معارضاً لغيره من الاخبار، و مع التعارض يعمل علي طبق قواعد التعادل و الترجيح کما بين في محله في الاصول.



[ صفحه 347]



و قد اورد علي الحديث ايضاً بما يرجع الي سنده فقال: لوکان الصدوق حکم بصحته، لم لم يرو في فقيهه ما تضمنه من الفقه؟ و لم لم يرو في معانيه ما تضمنه من معاني الحروف؟. [2] .

و الجواب عنه: ان عدم روايته في فقيهه لا يدل علي عدم اعتماده بالحديث، ولاينافي حکمه بصحته، فلعله الف کماله بعد فقيهه، او ظفر بالحديث بعد تاليفه «للفقيه»، فادرجه في کماله، مضافاً الي انه لم يستقص في «الفقيه» جميع الفروع، کما لم يستقصها في مقنعه و هدايته، و ترک فيهما بعض الفروع المشهورة التي لاينساها المحدث و الفقيه عادة، و لا ريب انه لم يلتزم باستقصاء جميع الفروع في کتبه، و لو التزم بذلک ايضاً فلا يستبعد عدم وفائه به لبعض الاعذار مثل النسيان، و مما قلنا يظهر عذره في عدم روايته في معانيه، و ليت شعري اي دلالة لعدم اخراج رواية اخرجها مثل الصدوق في کتاب مثل «کمال الدين» في کتابه الآخر علي ضعف الرواية، و الا فيدل عدم ذکره کثيراً من الفروع في «المقنع» و «الهداية» علي انه لم يکن عنده من الفروع غير ما ذکره، و کذا سائر مولفي الموسوعات الفقهية و غيرها.

و قال ايضاً: لو کان الخبر صحيحاً لم لم يروه الشيخ في غيبته مع وقوفه علي «کمال الدين»؟. [3] .

و هذا ايضاً عجيب منه، فانه لوکان هذا دليلاً علي ضعف الخبر يلزم منه تضعيف کل مالم يروه الشيخ في غيبته مما اخرجه الصدوق في کماله، و ما اخرجه النعماني في غيبته، و الفضل بن شاذان، و غيرهم.



[ صفحه 348]



و اذا کان عدم اتفاق المحدثين في اخراج الحديث من آيات الضعف فقلما يوجد حديث کذلک، و يجب الحکم بضعف اکثر الاحاديث بمجرد ذلک، و هذا شرط لم يشترطه احد في جواز الاخذ بالحديث و حجيته، و اظن ان هذا الناقد ايضاً لايقول به. هذا مضافاً الي ان الشيخ - قدس سره - لم يلزم علي نفسه اخراج الاحاديث، بل کان في مقام الايجاز و الاکتفاء بمايزول به الريب، فلعله لم يذکر هذا الحديث لطوله، و ان اخراجه يخرجه عما هو بصدده من الايجاز و الاختصار.

و من ايراداته ايضاً انه قال: ولم قال الشيخ في رجال في «سعد» بعد عنوانه في اصحاب العسکري عليه السلام: عاصره و لم اعلم انه روي عنه؟. [4] .

و جوابه ايضاً يظهر مما ذکرناه و ان هذا يرجع الي عدم ظفر الشيخ بما رواه الصدوق، و لذا لم يروه في غيبته و قال: لم اعلم انه روي عنه. فالاشکالان يرتضعان من ثدي واحد، والجواب عنهما يرجع الي امر واحد، و هو عدم ظفر الشيخ بکتاب «کمال الدين» قبل تاليف رجاله، او لم يکن عنده حال تاليفه کتاب غيبته. هذا مضافاً الي انه ربما يقال - کما افاده سيدنا الاستاذ [5] اعلي الله في الفردوسي مقامه -: ان الشيخ في تاليف رجاله لم يصل الي نهاية مراده من استيعاب البحوث و تراجم الرجال، و هذا المعروف عندنا برجاله ليس الا ما کتب مقدمة و تهيئة لما کان بصدده من التاليف.

و من ايرادته ايضاً: عدم عد محمد بن ابي عبدالله کوفي، سعداً



[ صفحه 349]



في عدد من انتهي اليه ممن وقف علي معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوکلاء و غيرهم، کما لم يذکر احمد بن اسحاق فيهم. [6] قال: و لو کان ذلک الخبر صحيحاً لعد فيهم. [7] .

و الجواب: ان ماذکره هو عدد من انتهي اليه لاعدد من انتهي اليه و من لم ينته، و عدم انتهاء امر سعد و احمد اليه و سکوته عنهما لا يدل علي عدم وقوف سعد و غيره علي معجزات مولانا بابي هو و امي عليه السلام، و لا علي ضعف روايته ذلک، والا يلزم رد سائر الاحاديث الدالة علي اسماء من وقف علي معجزاته او رآه، وعلي اخبارهم ممن لم يذکرهم محمد بن ابي عبدالله، و لو بنينا علي ذلک لزم ان نرد کل حديث و کل کلمة و خطبة ماثورة عن النبي و الائمة صلوات الله عليهم بمجرد عدم نقل من لم يطلع عليه، او لم ينقله لعذر آخر في باب عقده لذلک في کتابه، و کانه - دام تاييده - غفل عن المثل المشهور: «اثبات الشي ء لاينفي ماعداه» و «عدم الوجدان لا يدل علي عدم الوجود» و «عدم الدليل ليس دليلاً علي العدم» سيما بعد اثبات غير ذلک الشي ء، و وجدانه، و قيام الدليل عليه، فلا معارضة بين الوجود و العدم و بين من يخبر عن امر ويعلمه و بين الجاهل به، و مجرد کون سعد من الاجلة و تاخر موت محمد بن ابي عبدالله عن موته لايستلزم انتهاء جميع احواله اليه.

ثم انه - حفظه الله - بعد الايرادات التي تلوناها عليک شرع في الايراد علي الحديث بمضامين متنه مما يشهد بزعمه علي وضعه. و هو اثنا



[ صفحه 350]



عشر ايراداً، [8] ننقلها واحداً بعد واحد مع جوابه و بيان ضعفه بعون الله تعالي.

الاول: تضمن الحديث تفسير «الفاحشة المبينة» في «المطلقة» بالسحق، قال: و لم يقل به احد، و انما فسروها باذي اهل زوجها او زناها.

والجواب عن هذا الايراد يظهر بالنظر الي تفسير الآية الکريمة، و البحث الفقهي حول حکم خروج المطلقة من بيتها و اخراجها منه، فنقول:

قال الله تعالي: (يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن و احصوا العدة و اتقوا الله ربکم، لاتخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن الا ان ياتين بفاحشة مبينة و تلک حدود الله و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلک امراً) [9] و الذي يهمنا هنا في تفسير قوله تعالي: (لاتخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن الا ان ياتين بفاحشة مبينة) و الکلام فيه يقطع في مقامين:

الاول: فيما يحتمل ان يکون المراد من الآية بادعاء ظهورها فيه، و تمام مايدور الکلام حوله: تعيين مايکون جلمة «الفاحشة المبينة» ظاهرة فيه، و استفادة المعني منها بحسب الاستظهار.

الثاني: بيان ان المستني منه هل هو حرمة اخراجهن من بيوتهن او حرمة خروجهن منها؟

فنقول: قال الراغب: يقال: آية مبينة اعتباراً بمن بينها، و آية مبينة و آيات مبينات و مبينات، و قال: الفحش و الفحشاء و الفاحشة: ماعظم



[ صفحه 351]



قبحها من الافعال و الاقوال، و قال: (ان الله لايامر بالفحشاء)، (و ينهي عن الفحشاء و المنکر و البغي يعظکم لعلکم تذکرون)، (من يات منکن بفاحشة مبينة)، (ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة)، (انما حرم ربي الفواحش)، (الا ان ياتين بفاحشة مبينة) کناية عن الزنا، و کذلک قوله: (واللاتي ياتين الفاحشه من نسائکم) انتهي. [10] وعلي هذا فالفاحشة: ما عظم قبحه من المعاصي، لامطلق المعصية کما فسرها بعضهم به، فتشمل الزنا و السحق و البذاء، و هو الفحش بما يستعظم قبحه و عليه يکون مثل البذاء و اذي الاهل و الزنا و السحق من افراد الفاحشة، بل و الخروج من البيت، و يکون المستثني منه حرمة اخراجهن.

و يمکن ان تحمل الروايات الدالة علي خصوص بعض هذه الامور لبيان بعض المصاديق و الافراد، لا اختصاص مفهوم الفاحشة مثلاً بالزنا او البذاء علي احمائها، فلا مفهوم لکل واحد منها يعارض منطوق غيره، و علي فرض استفادة المفهوم منه دلالة المنطوق اظهر، خصوصاً اذا کان المنطوق موافقاً للکتاب و المفهوم مخالفاً له علي حسب هذا الاستظهار، و يحمل نفي الزنا في رواية سعد علي نفي اختصاص الفاحشة به کما صرح به مثل صاحب الجواهر قدس سره، [11] و لکن لا يخلو من ضعف.

و اما لو کان الاستثناء من حرمة خروجهن يکون المراد من «الفاحشة المبينة» نفس الخروج من البيت و دلالتها علي حرمة خروجهن آکد، الا



[ صفحه 352]



ان هذا الاحتمال لو بنينا علي الرواية و لم نترک جميعها لضعفها مردود، و کانه مخالف لاجماع المفسرين، او اقوال من يعتد به منهم، و لو کان الاستثناء من حرمة الخروج فالمراد بها نفس الخروج دون سائر المصاديق، فالمعني: لا يخرجن الا تعديا و حراما. قال ابن همام: کما يقال: لا تزن الا ان تکون فاسقا، و لا تشتم امک الا ان تکون قاطع رحم، و نحو ذلک، و هو بديع و بليغ جدا. [12] .

هذا ما يحتمل بالنظر الي الفاظ الآية، و قد عرفت ان الاشهر بين المفسرين کون الاستثناء راجعا الي قوله تعالي: (و لا تخرجوهن).

و اما بحسب الروايات، ففي بعضها: فسرت «الفاحشة» باذاها اهل زوجها و سوء خلقها، [13] و في بعضها: فسرت بالزنا فتخرج فيقام عليها الحد، [14] و في رواية سعد بن عبدالله فسرت بالسحق. و مع الغض عما قيل في هذه الروايات سندا، و عدم ترجيح بعضها علي بعض من حيث السند، لا يخفي عليک عدم دلالة غير رواية سعد علي حصر المراد من الفاحشة المبينة بما فسرت به، بل يستفاد منها ان المذکور فيها: اما من مصاديقها الظاهرة کالزنا، او من ادني مصاديقها، و علي هذا لا تعارض بين هذه الروايات و رواية سعد من حيث تفسيرها «الفاحشة المبينة» بالسحق.

نعم، حيث دلت رواية سعد بن عبدالله علي نفي کون المراد بها الزنا، يقع التعارض بينها و بين ما دل علي کون الزنا احد مصاديقها ان لم



[ صفحه 353]



نحمل رواية سعد علي نفي اختصاص الفاحشة بالزنا، و حينئذ يعامل معهما معاملة المتعارضين، و يوخذ بالمرجحات الجهتية اولا، اي يلاحظ جهة صدور الروايات، و انها انما صدرت للتقية، او لاجل بيان حکم الله الواقعي، و مع عدم المرجح فيهما يوخذ بالمرجحات السندية.

و علي کل حال لا يحکم علي الحديث بالوضع، کما لا يحکم علي المتعارضين في سائر الموارد به.

هذا کله بحسب الکتاب و الروايت، و اما بحسب الاقوال فاليک بعضها:

قال الشيخ في «النهاية»: و اذا طلق الرجل امراته طلاقا يملک فيه رجعتها، فلا يجوز ان يخرجها من بيته، و لا لها ان تخرج الا ان تاتي بفاحشة مبينة، و الفاحشة: ان تفعل ما يجب فيه عليها الحد، و قد روي: ان ادني ما يجوز له معه اخراجها ان توذي اهل الرجل، فانها متي فعلت ذلک جاز له اخراجها. [15] .

و قال: اذا ساحقت المراة اخري و قامت عليها البينة بذلک، وجب علي کل واحد منهما الحد مائة جلدة ان لم تکونا محصنتين، فان کانتا محصنتين کان علي کل واحد منهما الرجم. [16] .

و قال ابن حمزة في «الوسيلة»: فان کانت (معها احماوها) و اتت بفاحشة مبينة و اقلها ان توذي اهل الرجل بلسانها، کان للرجل اخراجها عنه الي غيره. [17] .

و قال في السحق: الحد فيه مثل الحد في الزنا، و يعتبر فيه



[ صفحه 354]



الاحصان و فقده علي حد اعتبارهما في الزنا. [18] .

و قال المحقق في «المختصر النافع»: لا يجوز لمن طلق رجعياً ان يخرج الزوجة من بيته الا ان تاتي بفاحشة، و هو مايجب به الحد، و قيل: ادناه ان توذي اهله. [19] .

و قال في السحق: والحد فيه مائة جلدة، حرة کانت او امة، محصنة کانت او غير محصنة، الفاعلة و المفعولة. [20] .

و قال العلامة في «التحرير»: و يحرم عليه اخراجها منه الا ان تاتي بفاحشة، و هو ان تفعل ما يوجب الحد فتخرج لاقامته، و ادني ما تخرج لاجله ان توذي اهله، و قال: حد السحق جلد مائة، حرة کانت او امة، مسلمة کانت او کافرة، محصنة کانت او غير محصنة، فاعلة کانت او مفعولة. [21] .

و من جميع ما ذکر يظهر لک: ان تفسير «الفاحشة المبينة» بالزنا، و اذي اهل زوجها ليس مبنياً علي الحصر، بل هو تفسيرها ببعض مصاديقها، فاستشهاده لوضع الحديث بتضمنه ان الفاحشة المبينة في المطلقة السحق و لم يقل به احد، وقع منه لاجل عدم تدبره في الآية و الروايات ان اراد بذلک نفي القول بکون السحق من مصاديق الفاحشة و بعض افرادها، و لعله ظاهر کلامه، و ان اراد تضمن الحديث حصر المراد بالفاحشة المبينة بالسحق فهو کذلک ان لم نحمله علي نفي الاختصاص کما حمله عليه صاحب الجواهر قدس سره، [22] و لکن لايستهشد بمثل



[ صفحه 355]



ذلک لوضع الحديث، بل يعامل معه و مع معارضه معاملة المتعارضين.

ثم انک قد عرفت الاختلاف في حد السحق، و ان الشيخ فصل بين المحصنة و غيرها، و قال في المحصنة بالرجم، و يمکن ان يقال: انه يستفاد من حديث سعد ان المراة المطلقة الرجعية ليست بمحصنة، فاذا زنت و اقيم عليها الحد ليس لمن ارادها ان يمتنع بعد ذلک من التزوج بها لاجل الحد و ان حدها في السحق مع کوناه غير محصنة - بنام علي هذا الاستظهار - الرجم، و هذا و ان لم نعثر عليه في الاقوال الا انه ليس ببعيد منها، و يويده اطلاق بعض الروايات، و لايمنع من الاخذ بها عدم القائل بها لولم يکن غيرها من الروايات ارجح عليها من جهة السند و غيره.

و کيف کان فليس في حديث سعد الا دلالته علي اختصاص «الفاحشة» بالسحق، و دلالته علي کون الحد فيه الرجم مطلقاً.

و الاول يرد بما اختاره في «الجواهر» [23] من حمله علي نفي الاختصاص. و لا يخفي ان الحمل عرفي، مبني علي حمل الظاهر علي الاظهر، لاقوائية ظهور ما دل علي کون المراد من «الفاحشة» الزنا من ظهور دلالة حديث سعد علي الاختصاص بالسحق، مضافاً الي انه لولم ناخذ بهذا الحمل يعامل معهما معاملة المتعارضين کما مر، کا يعامل معها و مع ما يعارضها و هو ما يدل علي ان شرط الرجم الاحصان، و ان المطلقة الرجعية محصنة ايضاً معاملة المتعارضين.

الثاني: مما جله شاهداً لوضع الحديث: ا اشار اليه بقوله: و تضمن ان السحق افحش من الزنا مع اتفاق الامامية علي انه کالزنا في الحد او ادون بايجابه الجلد فقط و لو کان من محصنة و هو الاشهر.



[ صفحه 356]



اقول: اما کونه افحش من الزنا، فربما يستفاد من بعض الروايات التي فيها التوعيدات الشديدة علي السحق، [24] و مثل قوله عليه السلام في بعضها: «و هو الزنا الاکبر»، [25] و منها رواية سعد هذه.

و اما کون حدها مساوياً مع حد الزاني او ادون منه، و انه الاشهر، فلايدل ذلک علي عدم کونه افحش، لجواز ن يکون ذلک لبعض الحکم، مثل کون الزنا اکثر و اميل اليه مع اشهرية کون حد السحق ادون من الزنا بين القدماء، و مثل الاتفاق الذي نقله عن الامامية لامنع من مخالفته بعدما نعلم ان القولين اللذين وقع الاتفاق عليهما مبناهما الروايات والاستظهار منها.

و کيف کان وقوع مثل هذه المخالفات بين الاحاديث لايقع مستنداً لردها ورد حجيتها، بل لابد لنا من علاج المخالفة بالوجوه المقررة في الاصول.

الثالث من الامور التي زعم انها تشهد بوضعه: ما اشار اليه بقوله: و تضمن لعب الحجة عليه السلام مع ان من علائم الامام عليه السلام عدم لعبه، ففي خبر صفوان الجمال انه سال الصادق عليه السلام عن صاحب هذا الامر، فقال: انه لايلهو و لايلعب. [26] و اقبل ابوالحسن موسي عليه السلام و هو صغير و معه عناق مکية و هو يقول لها: اسجدي لربک، فاخذه ابوعبدالله و ضمه اليه و قال: بابي و امي من لا يلهو و لا يلعب. [27] و في صحيح معاوية بن وهب انه سال



[ صفحه 357]



الصادق عليه السلام عن علامة الامامة، فقال: طهارة الولادة، و حسن المنشا، و لايلهو و لا يلعب. [28] و في اثبات المسعودي و الکتاب المعروف بدلائل الطبري في خبر مشتمل علي خروج جماعة الي الجواد عليه السلام بعد وفاة ابيه لامتحانه، و منهم علي بن حسان الواسطي، و انه حمل معه من آلات الصبيان اشياء مصاغة من الفضة بقصد الاهداء و الاتحاف اليه عليه السلام لطفوليته، قال: فنظر الي مغضباً ثم رمي به يميناً و شمالاً، فقال: ما لهذا خلقنا الله، فاستقلته و استعفيته فعفا، و قام فدخل و خرجت و معي تلک الآلات، [29] الخبر.

اقول: ما ذکره من ان الامام لايلهو و لا يلعب حق لاريب فيه، و يدل عليه من الروايات ازيد مما رواه، کما ان هذا ثابت بدلالة العقل ايضاً، الا ان اللعب يقال علي فعل لم يقصد به فاعله به مقصداً صحيحاً. قال الراغب: و لعب فلان: اذا کان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا، و قال: اللهو: مايشغل الانسان عما يعنيه و يهمه، يقال: لهوت بکذا، و ليهت عن کذا: اشتغلت عنه بلهو. [30] و امثال هذه الافعال الصادرة من الاطفال يترتب عليها منافع مهمة، مثل: رشد جسمه و نموه و اعتدال اعضائه، حتي ان علماء التربية و الرياضة يلزمون علي مربي الاطفال تشجيعهم علي هذه الافعال، و لو لم يکن في طفل رغبة الي هذه الافعال الرياضية يستدلون به علي عدم صحة جسمه، بل و سلامة روحه.

فان قلت: ان هذه الافعال و ان يترتب عليها بعض المنافع الا ان



[ صفحه 358]



الطفل مفطور عليها، لا يقصد بها منفعة.

قلت: نعم ولکن الفرق بينها و بين اللعب و اللهو الذي ينزه عنه الانسان الکامل اوضح من ان يخفي، فالاول قد قصد منه مقصداً صحيحاً تکويناً، وبارادة خالق الانسان عزوجل، و دليل علي کمال خلقته و تمامية فطرته، و عدمه دليل علي النقصان. نعم، لا يفهم الطفل غالباً و نوعاً ما قصد من رغبته الي مانسميه مجازاً، و من غير التفات الي الحکم و الغايات التکوينية لهواً و لعباً، اما الامام فيفهم ذلک، شاعر بهذا الغرض الکاشف عن دقائق حکمة الله تعالي و کمال صنعه.

و الاشکال والاستبعاد بصدور هذه الافعال من الامام الذي اعطاه الله تعالي العلم و الحکم صبياً قريب من قول من قال: (ما لهذا الرسول ياکل الطعام و يمشي في الاسواق) [31] فنفي صدور هذه الافعال عنهم عليهم السلام، لولم يرجع الي اثبات نقص فيهم لايکون کمالاً لهم، ويوول الامر الي تنزيههم من الافعال العادية التي يستحي الانسان ان يراه الناس فيها، والي نفي مثل الشهوة و الميل الجنسي عنهم، والحال ان بکل ذلک تظهر کمالاتهم الروحية، و مقاماتهم الشامخة العالية، و لو راجعنا تواريخ الانبياء و الائمة عليهم السلام لوجدنا فيها ازيد من ذلک بکثير، من اظهرها ما وقع بين النبي صلي الله عليه و آله و سبطيه العزيزين عليه حتي في حال صلاته و في سائل الاحوال، فهو يلاعبهما و هما يلاعبانه و يقول: نعم المطية مطيتکما، و نعم الراکبان انتما. [32] و يقول في الحسين عليه السلام: حزقة حزقة، ترق عين بقة، [33] و لم يقل احد: ان هذا لعب



[ صفحه 359]



لايجوز للنبي صلي الله عليه و آله ارتکابه، او لايجوز لسبطيه عليهماالسلام الرکوب علي النبي صلي الله عليه و آله سيما في حال الصلاة. و هذه سيدتنا و سيدة نساء العالمين کانت ترقص الحسن عليه السلام و تقول: اشبه اباک يا حسن...، و قالت للحسين: انت شبيه بابي لست شبيهاً بعلي. [34] .

فهل تجد من نفسک ان يکون الانبياء والاوصياء محرومين او ممنوعين من هذه الملاطفات التي تقع بين الآباء و الابناء، و من اوضح الشواهد علي لطافة الروح و حسن الخلق و الرحمة و الانسانية مع ما فيها من الحکم و الرموز التربوية، فتمنعهم من هذا الشوق النفسي و الرغبة؟ فسبحان الذي جعلها من الذ لذائذ الحياة، و ما يذهب بها متاعبها، و تنسي مشاقها و مرارتها.

الرابع مما استشهد به من مضامين الحديث لوضعه: ما اشار اليه بقوله: و تضمن منع الحجة اباه عليه السلام عن الکتابة، و لا يفعل مثل ذلک صبيان العامة الا قبل صيرورتهم ذوي تميز، فکيف يفعل ذکل مثله عليه السلام؟

وقد ظهر جوابه من مطاوي ما ذکرناه في الجواب عن ايراده الثالث، ورکوب مولانا الحسن او الحسين عليهماالسلام علي ظهر رسول الله صلي الله عليه و آله، و قوله صلي الله و عليه و آله: نعم المطية مطيتکما، و نعم الراکبان انتما. و لا يطلق علي مثل هذه الحرکات اللطيفة و الملاطفات المحبوبة المنع، و لم يقل احد: ان الامام في حال کونه رضيعاً صبياً في المهد يجب ان يترک الاعمال التي جرت سنة الله تعالي عليها في



[ صفحه 360]



الصبيان، او يجب عليه ان يعامل مع والديه و حاضنته غيرهم خلاف ما هو المالوف عن الصبيان، بل الامر علي خلاف ذلک، قد جرت سنة الله فيهم علي ذلک لحکم و مصالح لعلة يکون منها عدم غلو الناس فيهم فيتخذونهم ارباباً من دون الله تعالي او ابناءه.

الخامس مما استشهد به لوضع الحديث ما اشار اليه بقوله: و تضمن ابقاء العسکري عليه السلام رمانة ذهبية تلع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المرکبة عليها للعب ولده، مع ان ذلک عمل مترفي اهل الدنيا، لا مثلهم عليهم السلام المعرضين عن الدنيا وزخارفها.

اقول: قال الله تعالي: (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده و الطيبات من الرزق)، [35] و قال عز اسمه في سليمان: (يعملون له مايشاء من محاريب و تماثيل و جفان کالجواب و قدور راسيات)، [36] و ان شئت فراجع سيرة الانبياء سيما سيرة سليمان علي نبينا و آله و عليه السلام، فقد کان له قصور و نساء و اماء کثيرة، حتي قيل: انه کان له الف امراة، و کان يجلس علي العرش، وروي: انه کان يخرج الي مجلسه فتعکف عليه الطير، و يقوم له الانس و الجن حتي يجلس علي سرير، [37] و قد روي فيما توسع له و توسع به ما يستعجب منه، [38] و مع ذلک لم يقل احد: ان کل ذلک عمل مترفي اهل الدنيا، و خلاف الاعراض عن الدنيا.

و في الحديث: «ليس الزهد في الدنيا باضاعة المال، و لا تحريم



[ صفحه 361]



الحلال، بل الزهد في الدنيا ان لاتکون بما في يدک اوثق منک بما عند الله) [39] و قال مولانا اميرالمومنين عليه السلام «الزهد کله بين کلمتين من القرآن، قال الله سبحانه: (لکيلا تاسوا علي ما فاتکم و لا تفرحوا بما آتاکم) و من لم ياس علي الماضي و لم يفرح بالآتي فقد اخذ الزهد بطرفيه»، [40] هذا هو الزهد، و لا يلزم معه ترک الانتفاع بما احله الله تعالي و الالتذاذ بالملذات، بل يجمع معه الانتفاع بکل ما انعم الله تعالي به علي الانسان من نعم الدنيا، لان المترفين اخذوا بالنعم حباً للدنيا الدنية فيصعب عليهم ترکها، دون هولاء. فانهم يترکون الدنيا بلا عناء و مشقة، لافرق عندهم في مقام الانفاق بين الرمانة الذهبية و الرمانة الطبيعية. قال اميرالمومنين عليه السلام في وصف حجج الله تعالي: استلانوا ما استوعره المترفون، [41] فهم کما قال اميرالمومنين عليه السلام: شارکوا اهل الدنيا في ديناهم، ولم يشارکهم اهل الدنيا في آخرتهم، سکنوا الدنيا بافضل ما سکنت، و اکلوها بافضل ما اکلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، و اخذوا منها ما اخذه الجبابرة المتکبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ و المتجر الرابح. [42] .

ادن فما شان هذه الرمانة الذهبية التي لم تکن اصلها من الذهب، بل کانت منقوشة به، و ما کان قيمت ها، و من اين علم انه ابقاها؟ فلعلها اهديت اليه في ذلک الحال کما يشعر به قوله: قد کان اهداها بعض روساء اهل البصرة. و يظهر من الفاظه انه بالغ في توصيفها، و ما کان



[ صفحه 362]



اعجابه بها الا لانه رآها بني يدي مولاه، و انها کانت الواسطة لملاطفته عليه السلام مع قرة عينه، ولو وصف غير الرمانة ايضاً مما کان في البيت من الاشياء والاثاث کان توصيفه لها مثل ذلک، فعين مثل عينه التي تشرفت بروية مولانا العسکري و ولده العزيز الذي بشر به الانبياء الائمة عليهم السلام، و وقعت علي الجمال الذي ليس فوقه جمال الا جمال الله - جل جماله -الذي هذا الجمال منه، يري کل ما يري متعلقاً بهذا الجمال جميلاً، و يصفه باحسن ما بامکانه من الالفاظ البليغة، و العبارات اللطيفة.

السادس مما تمسک به الاثبات وضع الحديث: تضمنه انکار تفسير «خلع النعلين» في آية: (فاخلع نعليک) [43] به معناه الظاهري و تاويله بنزع حب الاهل من القلب.

قال: و تضمن الانکار في تفسير آية (فاخلع نعليک) بما فيه مع ان الصدوق نفسيه روي في «العلل» عن ابن الوليد عن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن ابي عمير عن ابان يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام قال: قال الله تعالي لموسي (فاخلع نعليک) لانها کانت من جلد حمار ميت، [44] و الخبر صحيح او کالصحيح، حيث ان اباناً من اصحاب الاجماع علي فرض صحة نسخة الکشي في کونه ناووسياً مع ان الراوي للخبر ابن الوليد النقاد للآثار. و ايضاً: قال تعالي ذلک لما اراد بعثته، فلا معني لقوله في الخبر:«استجهله في نبوته» فالانبياء کانوا لايعرفون شيئاً من الشيئاً من الشريعة قبل الوحي اليهم بها، ثم من



[ صفحه 363]



اين ان صلاة موسي عليه السلام کانت فيها؟ و من اين اتحاد الشرائع في مثله؟ [45] .

اقول: نحن نتکلم اولاً في دلالة الآية الکريمة بالنظر الي ظاهرها، ثم ننظر اي التفسيرين اقرب الي الظاهر، فنقول: الظاهر ان موسي عليه السلام امر بخلع نعليه احتراماً للواد المقدس کما هو شان کل مکان مقدس يخلع الناس النعال عند ورودهم فيه، و کما نري يخلعون نعالهم عند دخولهم المساجد و الشاهد و المقات الشريفة، و هذا علامة تعظيمهم لهذا المکان، و امر الله تعالي نبيه موسي بذلک ايذاناً بانه دخل الوادي المقدس، و يظهر منها ان موسي کان عالماً بان ادب الورود و الکون في المکان المقدس خلع النعلين، و ان الامر لم يکن مولوياً بل کان ارشادياً، و اخباراً بانه وقع في هذا المکان المقدس، فيلزم عليه خلع نعليه، و سواء کان مولوياً او ارشادياً، و سواء کان «طوي» اسم هذا الوادي او کا خبراً ل«ان»، و حکاية عن الحالة الحاصلة لموسي، فالمناسب للتعظيم خلع النعلين. هذا ما يستفاد من ظاهر الآية.

و اما تفسيرها بحسب الروايات فنقول: ان القانون في الروايتين المتعارضتين اذا کانتا متضمنتين لحکم من الاحکام العملية و الفروع الفقهية الجمع العرفي بينهما ان امکن، و الا فالرجوع الي المرجحات المذکورة في باب التعادل و الترجيح ان کان لاحداهما ترجيح علي الاخري، و الا فالحکم هو التخيير کما بين في محله، الا ان لازم ذلک ليس الحکم بکذب الرواية التي رجح غيرها عليها و الحکم بوضعها، کام ان في صورة التخيير لايحکم بتساقط احدما عن الحجية راساً، بل يوخذ بهما



[ صفحه 364]



في نفي القول الثالث، فکلتاهما حجة لولا ابتلاء کل واحدة منهما بالاخري.

و علي هذا، علي فرض ترجيح الخبر الذي فسر الآية بان الله تعالي انما امر موسي بخلع نعليه لانها کانت من جلد حمار ميت، مثل رواية يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام المتقدمة، يجب الاخذ بها بالحکم الظاهري، و هو وجوب تصديق العادل، والبناء العملي علي خبره، ولا يستلزم من ذلک سقوط الخبر من الحجية بالمرة فيما لايعارضه خبر آخر، و لا يجوز الحکم بوضعه و کذبه بمجرد هذا التعارض ورجحان الآخر عليه، فما ذکره الناقد هنا لايوجب خللاً في الحديث، و لا وهناً فيه، فليس هنا الا ان الشارع تعبدنا بالاخذ بما فيه المرجح في مقام العمل، و لا يخفي عليک انه ليس مجرد معاضها خبر آخر اخذنا به علي ما تقتضيه القواعد في مورد تعارضهما موجباً لترک الآخر في غير مورده، فلا يترک خبر «کمال الدين» لان بعض مضمونه معارض لمضمون خبر ابن شعيب، و ان کان الاخير صحيح السند الاول ضعيف السند.

و بعد ذلک کله ننظر الي مضمون خبر «کمال الدين» بالقياس الي خبر ابن شعيب، فنري ايهما اوفق بالآية، فنقول: اما تفسير الاية بانه انما امر الله تعالي نبيه موسي علي نبينا و آله و عليه السلام بخلع نعليه لانها کانت من جلد حمار ميت، فهو خلاف الظاهر، فان الظاهر: ان خلع النعلين بما انها نعلين تعظيم للواد المقدس، و ان الوقوف مع النعلين في هذا الوادي خلاف التعظيم و التکريم، لا لانها کانت من جلد حمار ميت، فيجوز عليه الورود و الوقوف مع النعلين لولم تکن من ميتة، فهذا مخالف لظور الکتاب، و موجب لاختلال شرائط حجية الحديث، لان



[ صفحه 365]



التعراض اذا وقع بين ظاهر الکتاب و ظاهر الخبر لاشک في ان الکتاب هو الحجة، فلولا ابتلاء خبر يعقوب بن شعيب بالمعارض ايضاً مثل خبر «کمال الدين» لايجوز الاستناد به من جهة معارضة ظاهر الکتاب.

لايقال: ان الحديث في مفاده اظهر و انص من دلالة الکتاب علي موضوعية خلع النعلين في آداء التعظيم و تحقق التکريم، فانه يقال: مناسبة الحکم و الموضوع، واقتضاء شرافة المکان، و عرفية خلع النعلين في مقام التعظيم تويد ظهور الکتاب فيما هو ظاهر فيه عرفاً.

و لا يخفي عليک ان التعارض هنا ليس من تعارض المقيد و الخاص مع المطلق والعام، بل التعارض و التخالف وقع بينهما بالتباين، و علي هذا يسقط الاستشهاد لوضع حديث سعد بمخالفة مضمونه لحديث يعقوب بن شعيب. هذا بالنظر الي تفسير الآية برواية يعقوب والاستشکال فيه.

و اما بالنظر الي حديث سعد فالظاهر منه انه ساله عليه السلام عن تاويل الآية لا عما يستفاد منها بحسب ظهورها العرفي الحجة، فلا منافاة بين الظهور و استفادة الامر بخلع النعلين، لانه لاينبغي تادباً الورود و الوقوف في هذا الوادي المقدس و کل مکان ذي شرافة مع النعلين، والتاويل المذکور الذي لايعلمه الا الله و الراسخون في العلم.

و علي هذا لا يراد عليه بان جعل «نعليک» کناية و استعارة عن حب الاهل مجاز يحتاج الي قرينة، و لا قرينة، مع ان الامر بالنزع، لو کان المراد بالنعلين حب الاهل کان للدوام، و ينافيه تعليه (انک بالواد المقدس طوي)، فان هذا يقال لوقلنا: بان ذلک هو المتبادر الي الذهن بحسب الظهور العرفي، لا اذا قلنا بحسب التاويل الذي ورد من اهله،



[ صفحه 366]



مضافاً الي ان باب الاستعارة واسع، والمعيار في استحسانه الذوق السليم، و خفاء القرينة علينا لا يقتضي عدم وجودها بين المتکلم و مخاطبه، فلعله کان حافياً و التعليل يقتضي دوام الامر، فان التشرف بالواد المقدس و التکلم مع الله تعالي يقتضي نزع حب غير الله تعالي من القلب، و ان يکون ابداً ملازماً له، مخلصاً محبته الله.

لايقال: علي هذا يدور الامر بين رفع اليد عن ظاهر الآية برواية ابن شعيب او برواية سعد و الترجيح بحسب السند مع الاولي، لانه يقال: خبر ابن شعيب معارض لظاهر ما يستفاد من الکتاب، و هو ان الامر بخلع النعلين کان للتعظيم کما يدل عليه خبر ابن شعيب ايضاً، فانه قد دل علي ذلک و ان خصصه بما اذا کان النعل من جلد حمار ميت، و معارضته للکتاب انما يکون لاجل دلالة الخبر علي اختصاص التعظيم بما اذا کان النعل من جلد حمار ميت مع ان العرف لا يساعد مع اختصاصه بخصوص هذا المورد، و يري تفسيره بالمورد منافياً للاحترام و التعظيم، فحديث ابن شعيب مردود من جهة دلالته بهذا الاختصاص و نفي الباس عن سائر الموارد، و اما کون المراد من «خلع النعلين» خلع محبة الاهل فهو تفسير لاينفي رجحان، خلع النعلين، و ان کانت الآية ليست بصدد بيان هذا الرجحان، فتامل حتي لايشتبه عليک الفرق بين التفسيرين بالنسبة الي مايستفاد من ظاهر الآية. هذا.

و اما قوله: و ايضاً قال تعالي ذلک له لما اراد بعثته، فلا معني لقوله في الخبر: استجهله في نبوته، فالانبياء کانوا لايعرفون شيئاً من الشريعة قبل الوحي اليهم بها، ثم من اين ان صلاة موسي عليه السلام کانت فيها؟ و من اين اتحاد الشرائع في مثله... الخ.



[ صفحه 367]



ففيه: اولاً: ان کلامه هذا غريب منه، فانه مثل الاجتهاد في مقابل النص، فان الحديث يدل علي ان الامر بخلع النعلين لم يکن لبيان حکم شرعي ابتدائي کما استظهرنا ذلک من الآية ايضاً، و ان موسي کان يصلي في نعله هذا، و بعد ذلک يتجه ما اورد في الحديث علي التفسير الذي زعمه الفقهاء، ورد الحديث بانکار ذلک، والترديد في ان صلاة موسي علي نبينا و آله و عليه السلام کانت فيها، و في اتحاد الشرائع في مثله بعد دلالة الحديث عليه، في غير محله و من الهفوات.

السابع من الوجوه التي توهم انها تشهد بوضع حديث سعد: تضمنه ان الله تعالي اوحي الي موسي ان انزع حب اهلک من قلبک ان کان محبتک لي خالصة، مع ان محبة الخالق علي وجه و محبة الخلائق علي وجه، و لا يزاحم الثاني الاول و لا ينقضه، کيف و قد قال نبينا صلي الله و عليه و آله و هو اکمل الرسل و افضلهم: حبب الي من دنياکم ثلاث: النساء... الخبر، و قال الصادق عليه السلام من الاخلاق (اخلاق - ظ) الانبياء حب النساء، و قال عليه السلام: ما اظن رجلاً يزداد في الايمان (او في هذا الامر) خيراً الا ازداد حباً للنساء. و انما المذموم حب يوجب مخالفة امره تعالي و نهيه، قال عزوجل: (قل ان کان آباؤکم و ابناؤکم... الي قوله: احب اليکم من الله و رسوله) الآية، مع ان جعل «نعليک» کناية و استعارة عن حب الاهل مجاز يحتاج الي قرينة، و لا قرينة، مع ان الامر بالنزع، لو کان المراد بالنعلين حب الاهل کان للدوام، وينافيه تعليله: (انک بالواد المقدس طوي). [46] .

اقول: اولاً: ان توهم التخالف و التعارض بين مثل حديث سعد



[ صفحه 368]



الذي يستفاد منه الترغيب الي الاخلاص في المحبة و کمال التوحيد فيها و ما ذکره من الآيات ناشي ء من عدم التامل في المراد من الطائفتين من الآيات و الاحاديث، فالطائفة الاولي تنظر الي مقام اندکاک کل محبة و محبة کل شي ء في محبة الله، فلا محبوب للمحب الا هو، فکل حب و محب يفني عنده، فلايري شيئاً، و لا يحب احداً سواه، و لا يلتفت الي رويته ماسواه و حبه ماسواه کما اذا کان الانسان مشغول القلب بالتفکر في امر ينسي ماسواه حتي نفسه، و حتي ينسي اشتغاله بالتفکر فيه، و لما کان موسي عليه السلام في هذا المشهد العظيم مشتغل القلب بامر اهله لانه جاء ليقتبس ناراً، و امرهم بالمکث لان ياتيهم منها بقبس، امره تعالي بان يفرغ قلبه له و لما يوحي اليه في هذا المشهد المقدس، فالوصول بهذه المرتبة الرفيعة يناسب ترک الاشتغال بغير الله تعالي و التوجه الي غيره و الي محبة الاهل و الولد، و علي هذا الشان و اعلي مرتبته کان رسول الله صلي الله عليه و آله في حال نزول الوحي اليه و غيره من الحالات المقتضية لذلک، فالشوون متفاوتة، و المشاهد و المقامات المتعالية القدسية لاتقاس مع غيرها من الشوون و المقامات التي لابد للنبي و الولي التلبس بها، و لا يجوز في الحکمة ترفعهما عنها، بل هما ماموران بهما، متقربان بهما الي الله تعالي.

و اما المشهد الذي هو مشهد ظهور محبة الله و الانقطاع اليه، و مشهد التشرف بتکليم الله تعالي يقتضي ترک الاشتغال بغيره، و فناء کل حب و حبيب فيه، و لذا اسرع موسي بعد ذلک الي الذهاب الي فرعون امتثالاً لامره و ترک اهله علي حالهم، و هذا شان ترفع فيه النفس الانسانية الي اعلي المراتب الروحانية و القدسية الملکوتية.



[ صفحه 369]



و اما شانه في حال يوصف بحسبه بحب الاهل و المال و الولد، و يشتغل بحبهم و ملازماته، فهو ايضاً شان من شوونه، ولکن ليس اشتغاله بالله کاشتغاله به في الشان الاول، فاشتغاله به في الاول يتحصل له بغير واسطة، و في الثاني شغله به يتحقق بواسطة غيره، و يجوز في هذا المقام الجمع بين الحبين.

و بعبارة اخري نقول: فعلية اشتغال القلب بمحبة الله في مشهد من مشاهد القرب و معراج الانس تنافي اشتغاله الفعلي بمحبة غير الله و التوجه به، کما ان فعلية اشتغال القلب بحب النساء لاتجتمع مع الاشتغال الفعلي التام بحب الله تعالي. و ان شئت الشهاد لذلک فعليک بالرجوع الي الادعية، ففي ذيل دعاء عرفة المنسوب: «انت الذي ازلت الاغيار عن قلوب احبائک حتي لم يحبوا سواک، و لم يلجاوا الي غيرک» هذا، و لا يخفي عليک قصور عباراتنا عن بيان حقيقة هذه المنازل و المشاهد، سيما اذا کان النازل فيها و شاهدها الانبياء و الاولياء.

و ثانياً: ما ذکره من ان المذموم حب يوجب مخالفة امره تعال و نهيه صحيح لاريب فيه، اي لايترتب علي حب غيره اذا لم يود الي مخالفة اوامره و نواهيه عقاب و ذم مولوي، و الآية (قل ان کان آباؤکم) [47] ناظرة الي ذم هذا الحب المودي الي العصيان و المخالفة، و اما غيره فلم يکلف الله عباده بترکه و ان رغبهم بالجهاد لترک بعض انواع کما رغبهم الي بعض انواعه الاخري، الا انه لاريب في ان شغل القلب بالله تعالي، والانصراف من کل شي ء الي الله، والانقطاع به ممدوح شرعاً، و کلما کان ملازمة النفس بذکر الله تعالي و مداومته به



[ صفحه 370]



اقوي و اتم کان العبد الي الله اقرب، و لو کان جائزاً في حکمة الله تعالي ان لا ينصرف عبده الي غيره مما يتوقف به نظام العالم و بدور مداره ابتلاء الخلق، لکان اللازم علي العبد ان لا ينصرف منه الي غيره.

فعلي هذا نقول: ان حب الاهل و المال و الولد ليس مذموماً بالاطلاق، الا ان الاشتغال التام بالله تعالي، و شغل القلب بمحبته في بعض الاحوال، و مثل المقام الذي تشرف به موسي علي نبينا و آله و عليه السلام ممدوح، بل لازم من لوازم العبودية و معرفة الربوبية، و ينبي ء عن ذلک کله قوله صلي الله عليه و آله: «لي مع الله وقت لايسعه ملک مقرب و لا نبي مرسل»، [48] و قوله في الحديث القدسي:«انا جليس من ذکرني»، [49] و قوله صلي الله عليه و آله: من ذکر الله في السوق مخلصاً عند غفلة الناس و شغلهم بما فيه کتب الله له الف حسنة، و يغفر الله له يوم القيامة مغفرةً لم تخطر علي قلب بشر». [50] .

و ثالثاً: دعواه - ان جعل «نعليک» کناية و استعارة عن حب الاهل مجاز يحتاج الي قرينة، و لا قرينة فيها - ان الظاهر ان هذه الاستعارة کانت معهودة عند اهل اللسان، بل و غيرهم من سائر الالسنة، و لذلک حکي: ان اهل تعبير الرويا يعبرون النعلين بالاهل، و فقدانها بفقدان الاهل، [51] مضافاً الي انه يکفي في القرينة کون النعلين من اللباس، و اطلاق اللباس



[ صفحه 371]



علي الزوجه في (هن لباس لکم و انتم لباس هن) [52] .

و اوضح من ذلک کله: ان السوال في حديث سعد وقع عن تاويل الآية، لاعن تفسيرها، و لذا لاينافي ذلک التاويل کون المراد بالنعلين غير مايراد بها في العرف و اللغة، کما لاينافي ايضاً لوکان المراد من ظاهر الآية الامر بنزع النعلين لانها کانت من جلد حمار ميت و ان کان في هذا الاحتمال ما ذکرناه مما يرد کونه المراد، و الله اعلم.

و رابعاً: قد ظهر مما ذکرناه انه لايلزم من کون المراد بنزع النعلين نزع حب الاهل ان يکون ذلک للدوام، بل يصح ذلک و لو کان لعلة حضوره في مشهد تکليم الرب معه، و التعليل يويد ماذکرناه من عدم منافاة بين الامر بنزع حب الاهل في هذا المقام الشريف و بين ماورد في الترغيب الي حب الاهل. هذا.

و لا يخفي عليک ان بعد امکان الجمع بين رواية سعد و غيره من الروايات لايجوز القول بمخالفتها مع غيرها، والاستشهاد بها لوضعها، سامحنا الله و اياه، و وفقنا لسلوک الطريقة المستقيمة، و هدنا الي السليقة السليمة.

الثامن من المضامين التي استشهد بها لوضع حديث سعد: ما فيه من تفسير «کهيعص» مع ان الاخبار وردت بغير ذلک کلها دالة علي ان «کهيعص» من اسماء الله تعالي.

و فيه: اولاً: ان ذلک علي سبيل التاويل، و سائر الاخبار ورد علي سبيل التفسير.

و ثانياً: لامنافاة بين هذه الاخبار، و لا دلالة لها علي حصر المراد بما



[ صفحه 372]



فيها بعد ما کانت الحروف المقطعة القرآنية من الرموز، فيجوز ان يکون کل حرف منها رمزاً للعلوم الکثيرة، و مفتاحاً لابواب من المعارف و الامور الغيبة، و هذا نحو قوله عليه السلام: علمني رسول الله صلي الله عليه و آله الف باب من العلم، فانفتح لي من کل باب الف باب. [53] .

التاسع: تضمنه ان اليهود کانوا يخبرون بظهور محمد صلي الله عليه و آله يسلط علي العرب کتسلط بختنصر علي بني اسرائيل، و انه کاذب، مع انه خلاف القرآن، فانه تضمن انهم يوعدون اعداءهم به صلي الله و عليه و آله و انه اذا ظهر ينتقم لهم منهم، قال الله تعالي: (و کانوا من قبل يستفتحون علي الذين کفروا فلما جاءهم ماعرفوا کفروا به)، وورد: ان الانصار بادروا بالاسلام لما سمعوا من اليهود فيه، فقالوا: هذا النبي الذي کانت اليهود يخبروننا به.

اقول: هذا ايضاً عجيب، فان ما يدل عليه حديث سعد: ان اليهود کانوا يقولون کذا و کذا عنه صلي الله عليه و آله، و کانوا يکذبونه، و تکذيبهم اياه قد ورد في القرآن المجيد لامرية فيه، و من جملة ما يدل علي انکارهم وردهم رسالته هذه الآية: (وکانوا من قبل يستفتحون...) [54] فاي منافاة بين کونهم مخبرين برسالته قبل دعوته و بعثته او قبل ولادته، و بين انکار هم حسداً و عناداً للحق؟ والانصار ايضاً آمنوا بالحق لما سمعوا من اليهود قبل ذلک من البشارة بالنبي صلي الله عليه و آله في التوارة مع انهم بعد ذلک لم يومنوا به وانکروه، الا القليل منهم کعبد الله بن سلام و غيره.



[ صفحه 373]



ان قلت: ان الآية الکريمة انما تدل علي ان اليهود کانوا قبل البعثة يستفتحون علي الذين کفروا، و کانوا يخبرون عن ظهور النبي صلي الله عليه و آله و يصدقونه، فلما جاءهم ماعرفوا کفروا به، و الرواية قد دلت علي انهم يکذبونه قبل ذلک.

قلت: ما دلت عليه الرواية: ان المجالسين لهما کانوا يکذبونه، و لعل مجالستهما اياهم کانت للاستخبار عن حاله صلي الله عليه و آله و مال حاله، و کانت بعد البعثة، و لاراد لاحتمال ان يکون طائفة من اليهود کانوا يکذبونه قبل ذلک تصعباً؛ لعلمهم بانه من العرب و من ولد اسماعيل علي نبينا و آله و عليه السلام، و بعد جواز الجمع بين ظاهر الآية و الرواية باحد الوجهين المقبولين عند العرف يرفع الاشکال، و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

العاشر: تضمنه ان الرجلين کانا يجالسان اليهود، و يستخبرانهم عن عواقب امر محمد صلي الله عليه و آله مع انهما لم يکونا اهل ذلک، لاسيما الثاني الذي کان جلفاً، جافاً، و حديث اسلامه معروف، و اي مانع من ان يکون اسلامهما طوعاً و يصيران اخيراً منافقين، فکم من مومن صار کافراً فضلاً عن ان يصير منافقاً، قال الله تعالي: (ان الذين آمنوا ثم کفروا) الم يکن ابليس ملکاً [55] مقرباً ثم صار رجيماً لعيناً؟ فاي استبعاد من ان يومن الرجلان طوعاً ثم يکفران حسداً منهما بمقام اميرالمومنين عليه السلام، و استنکافاً عن طاعته کما کفر ابليس بسبب آدم عليه السلام؟ الم يخبر الله تعالي بانتظار وقوع الارتداد من عامة الامة في قوله عزوجل: (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان



[ صفحه 374]



مات او قتل علي اعقابکم)؟. [56] .

اقول: سبحان الله! عيجب عجيب، يا هذا! ماتقول و مع من تتکلم و علي من ترد؟! (ما هکذا تورد يا سعد الابل) علي فرض صحة سند الحديث، بل و علي البناء علي ضعفه لايجوز التکلم فيه ورده بهذا البيان الخارج عن حد الادب، فاذا يجوز ان يکون اسلامهما طوعاً و يصيرا اخيراً من المنافقين لم لايجوز ان يکون طمعاً؟

و اي دلالة في قصة ابليس علي وجوب کون ايمانهما طوعاً؟ و من اين علمت ان ابليس الذي ظهر کفره عند امره بالسجود لآدم لم يکن کافراً منافقاً قبل ذلک؟

و من اين تستدل بقوله تعالي: (و ما محمد الا رسول) علي انهما کانا مسلمين مومنين ثم ارتدا بعد ذلک؟ ولم تفرق بين الارتداد و النفاق، فيجوز ان يکون الشخص منافقاً لم يحکم عليه بالکفر و الارتداد في الظاهر، فاذا اظهر نفاقه ورد و صية النبي صلي الله عليه و آله ورد و لاية ولي الامر ارتد بذلک.

و من اين قلت: ان الآية اخبار بانتظار وقوع الارتداد من الامة؟ ثم کيف تقول بانتظار وقوعه من عامة الامة و لا تستثني احداً منهم حتي الذين لم يرتدوا و علم الله تعالي بانهم لايرتدون؟

کانک تتکلم مع مثلک، او تريد ان تباحث مع الامام بقول: لم و لانسلم، ما هذا ادب التسليم لله تعالي و النبي ولاوصيائه و خلفائه عليهم السلام.

الحادي عشر: ما اشار اليه بقوله: و تضمن انه لم لم ينقض سعد



[ صفحه 375]



دعوي خصمه باخراج النبي ابابکر معه الي الغار بانه لم لم يخرج باقي الاربعة معه لانهم صاروا ايضاً خلفاء مثل ابي بکر مع انه لاينقض دعواه، فان للخصم ان يقول: اني لم اقل اخرجه للخلافة المجردة، بل لانه اسس سلطنة المسلمين، و شکل دولة لهم، و لم فرق بين الباني لبيت و الجائي الي بيت ممهد.

اقول: کان لسعد و لغيره ممن يناظر مع هولاء ان يقول: اذا کان السبب لاخراجه معه علمه بانه يلي الخلافة من بعده، فهو کان عالماً بان باقي الاربعة يلونها واحداً بعد واحد، فيجب عليه اخراج الاربعة معه، و ان کان السبب انه يکون کذا و کذا کان لسعد ان يجبيه بانه ماکان کذا، و ان خلافته کما اخبر عنه عمر کانت لفتة و قي الله الامة شرها، و ان غيره مثل عمر کان ادهي منه، و ما کان ما صدر منه باقل مما صدر من ابي بکر علي راي القوم وزعمهم لولم يکن باکثر و اعظم، و اما ماصدر من علي عليه السلام من بيان الشريعة و تفسير القرآن، و المعارف الحقيقة، و ما نحتاج اليه في امورنا الدينية و الدنيوية والاخروية و ما علم الامة من علم تاويل القرآن والجهاد مع الناکثين و القاسطين و المارقين البغاة، فلايحصيها احد الا الله تعالي.

و کان الناقد راي ذلک، اي تاسيس سلطنة المسلمين و تشکيل دولتهم من اعمال ابي بکر، و لذا راي انه لايمکن لسعد الجواب عنه و لم يلتف الي انه لم يکن وحده فيما کانوا بصدده من السلطة علي المسلمين و الاستيلاء عليهم، بل کانوا حزباً و جماعة يعملون لذلک من عصر النبي صلي الله عليه و آله، و لم يکن مقصدهم تاسيس الحکومة للمسلمين، بل کان مقصدهم الاستيلاء علي الامور و علي السلطان،



[ صفحه 376]



و منع اميرالمومنين عليه السلام عن حقه.

الثاني عشر: اشتمال حيدث سعد بن عبدالله علي موت احمد بن اسحاق في حياة العسکري عليه السلام، و بعثه عليه السلام خادمه المسمي بکافور لتجهيزه، مع ان بقاء احمد بعده عليه السلام امر قطعي اتفاقي... الخ.

اقول: هذا اقوي ما تشبث به لاثبات جعل الحديث، و لاننکر استصعاب الجواب عنه لو کان احمد بن اسحاق المذکور في هذا الحديث هو احمد بن اسحاق بن سعد الاشعري الحي بعد وفاة مولانا ابي محمد عليه السلام، اما لو احتملنا انه غيره يرتفع الاشکال، و لا دليل علي کونهما واحداً و ان لم يکن دليل علي کونهما متعددا لولم نقل بان نفس هذا الحديث دليل علي التعدد، سيما مثل احمد بن اسحاق الاشعري المعاصر لابيه، و لاريب انه لولم يکن عارفاً باحوال الرجال کان عارفاً بمثله، يعرفه معرفة تاملة، و هو مع ذلک اخرج هذا الحديث محتجاً به في کتاب مثل «کمال الدين».

فلو کان احمد بن اسحاق المذکور فيه هو هذا الذي توفي في عصر الغيبة الصغري دون عصر الامام العسکري عليه السلام، کيف لم يتفطن به؟ لايجوز ذلک و لا نقبله، فيدور الامر بين ان نقول: بعدم تفطن مثل الصدوق - قدس سره - بهذا الامر القطعي الاتفاقي المشهور و المعروف الذي لايخفي عليه مثله، او ان نقول: بدس هذا الحيدث في کماله و انه لم يخرجه فيه و زاد عليه بعض الوضاعين کله او ذيله الذي لم يخرجه صاحب «الدلائل»، او ان نقول: بتعدد المسمي باحمد بن اسحاق.



[ صفحه 377]



و المتعين الثالث کما لايخفي، و مجهولية حال المذکور في حديث سعد لايدل علي ضعفه، بل يستظهر منه ان الصدوق کان يعرفه بانه کان خير اهل البلد. و الحمدلله علي الهداية.


پاورقي

[1] الحجرات: 6.

[2] الاخبار الدخيلة: ج 1 ص 98.

[3] المصدر نفسه.

[4] الاخبار الدخيلة: ج 1 ص 98.

[5] هو سيدالطائفة و مجدد المذاهب الامام البروجردي قدس سره.

[6] راجع کمال الدين: ج 2 ص 442.

[7] الاخبار الدخيلة: ج 1 ص 98.

[8] راجع الاخبار الدخيلة: ج 1 ص 104 - 98.

[9] الطلاق: 1.

[10] المفردات: ص 68 و 373.

[11] جواهرالکلام: ج 32 ص 334 کتاب الطلاق.

[12] روح المعاني: ج 28 ص 117، روائع البيان: ج 2 ص 601 و اللفظ منه نقلا عن روح المعاني.

[13] نورالثقلين: ج 5 ص 350 نقلا عن الکافي.

[14] نفس المصدر نقلا عن الفقيه.

[15] النهاية: ص 534.

[16] النهاية: ص 706.

[17] الوسيلة (المطبوعة ضمن الجوامع الفقهية): ص 761.

[18] الوسيلة: ص 781.

[19] المختصر النافع: ص 202.

[20] المصدر نفسه: ص 219.

[21] تحريرالاحکام: ج 2 ص 75 و 225.

[22] جواهرالکلام: ج 32 ص 334 کتاب الطلاق.

[23] جواهرالکلام: ج 32 ص 334 کتاب الطلاق.

[24] راجع الوسائل: ج 14 ص 260 کتاب النکاح، باب تحريم السحق.

[25] الوسائل: ج 14 ص 262 نقلاً عن الکافي

[26] الکافي: ج 1 ص 311.

[27] المصدر نفسه.

[28] الکافي: ج 1 ص 284.

[29] البحار: ج 50 ص 58 نقلاً عن دلائل الطبري مع اختلاف يسير، و راجع اثبات الوصية: ص 86 و ما في المتن موافق له.

[30] المفردات: ص 450 و 455.

[31] الفرقان: 7.

[32] البحار: ج 43 ص 286 نقلا عن المناقب.

[33] نفس المصدر السابق.

[34] المصدر نفسه.

[35] الاعراف: 32.

[36] سبا: 13.

[37] البحار: ج 14 ص 71.

[38] راجع البحار: ج 14 ص 80.

[39] سفينةالبحار: ج 1 ص 568.

[40] نهج البلاغة صبحي الصالح: ص 553 خطبة 439.

[41] نهج البلاغة صبحي الصلاح: ص 497 الحکمة 147.

[42] نفس المصدر ص 383 من کتابه عليه السلام الي محمد بن ابي بکر.

[43] طه: 12.

[44] علل الشرائع: ج 1 ص 63.

[45] الاخبار الدخيلة: ج 1 ص 100-99.

[46] الاخبار الدخيلة: ج 1 ص 100.

[47] التوبة: 24.

[48] انظر البحار: ج 18 ص 360.

[49] الوسائل: ج 1 ص 220 نقلاً عن الفقيه و التوحيد و العيون، و في ج 4 ص 1177 نقلاً عن الکافي.

[50] الوسائل: ج 4 ص 1190 نقلاً عن عدة الداعي.

[51] راجع تعطير الانام في تعبير المنام: ج 2 ص 306، و تفسير الاحکام لابن سيرين المطبوع بهامش تعطير الانام: ج 2 ص 228.

[52] البقرة: 187.

[53] راجع البحار: باب علمه عليه السلام و ان النبي صلي الله عليه و آله علمه الف باب ج 40 ص 127.

[54] البقرة: 89.

[55] و هذا مخالف لقوله تعالي: (کان من الجن)، فتامل.

[56] الاخبار الدخيلة: ج 1 ص 101.