بازگشت

حول حياة المسيح عيسي و نزوله من السماء في آخر الزمان


اعلم انه لاخلاف يعتد به بين المسلمين في رفع المسيح عيسي بن مريم عليهماالسلام حياً الي السماء، و امتداد حياته حتي الآن، و الي نزوله في آخر الزمان.

و قد ادعي بعضهم صريحاً اجماع الامة علي ذلک؛ کابن عطية الغرناطي الاندلسي في تفسيره علي ما نقل عنه ابوحيان الاندلسي ايضاً في تفسيره «البحر المحيط»، قال ابن عطية: و اجمعت الامة علي ما تضمنه الحديث المتواتر من ان عيسي في السماء حي، و انه ينزل في آخر الزمان... الخ. [1] و قال ابوحيان نفسه في تفسيره الصغير:«النهر المار من البحر» المطبوع علي حاشية «البحر المحيط»: و اجمعت الامة علي ان عيسي عليه السلام حي في السماء، و سينزل الي الارض. [2] و قال السفاريني الحنبلي في شرح منظمومته المسماة ب«لوامع الانوار البهية»: قد اجمعت الامة علي نزول عيسي بن مريم عليه السلام، و لم يخالف فيه احد من اهل الشريعة، و انما انکر ذلک الفلاسفة و الملاحدة ممن لا يعتد بخلافه. و قال الشريف سيدي محمد بن جعفر الکتابي في کتابه:«نظم



[ صفحه 308]



المتناثر من الحديث المتواتر»: و قد ذکروا ان نزول سيدنا عيسي عليه السلام ثابت بالکتاب و السنة و الاجماع [3] .

و لاريب ان الاصل في هذا الاتفاق و الاجماع، و ارسال جميع اکابر محدثي اهل السنة و الشيعة و مفسريهم حياة عيسي عليه السلام و نزوله في آخر الزمان ارسال المسلمات، و هو الکتاب و السنة المتواتر التي لامجال لانکار تواترها المعنوي، فصار هذا عقيدة للمسلمين، اخذها الخلف عن السلف من زماننها هذا الي عصر الرسالة.

و مع ذلک يري انه قد وقع اخيراً مورد التشکيک من بعض کتاب العصر الحديث، و تلامذة مدرسة الشيخ محمد عبده؛ اولئک الذين لايومنون بالمعجزات الکونية، او يخفون عقيدتهم بها و حاولوا تاويلها بتعليلها و استنادها الي العلل المادية، او حملها علي الرمز حذراً من ان تقع مورد استبعاد افکار من لا يومن بالله و بعالم الغيب، و ان ياخذ هولاء الماديون، و من يحذر حذوهم و يميل الي طريقتهم من الشباب المتاثرين بکلمات هولاء الماديين علي المومنين بايمانهم بامور لاتوافق السنن العادية الطبيعة التي يظنها هولاء عللاً تامة للحوادث الطبيعية، فانکر هولاء المتسمون باهل الثقافة الحديثة الخوارق، مثل: رفع عيسي حياً، و امتداد حياته، و بعض المعجزات العظيمة الهائلة؛ خوفاً من ردها من جانب اصحاب المادة، او ميلاً الي آرائهم و افکار هم الالحادية.

و لا يخفي عليک ان مايومن به المومن بالله تعالي من خلقه ماسواه اکبر من جميع هذه الخوارق و المعجزات، اذاً فما نستفيد من تاويل المعجزات، و صرف النصوص المتواترة عن مداليلها المعلومة المقبولة لدي



[ صفحه 309]



المومنين بالله و بقدرته تعالي الي معان اخر ليقبلها او لايستبعدها من لايومن بقدرة الله تعالي و خرق العادات الطبيعية؟ و لکن الفئة المذکورة يصرون علي ذلک، فجاءوا في التفسير و الامور الثابتة بالسنة بآراء حديثة تنفي او تضعف الايمان باستناد المعجزات الي الله تعالي، و انه علي کل شي ء قدير.

اجل قد وقع رفع عيسي عليه السلام و نزوله مورداً لتشکيک هولاء الکتاب المتنورين، و قد سبقهم في ابداء ذلک شيخهم محمد عبده علي ما نقل عنه تلميذه رشيد رضا في کتابه المسمي ب«تفسير المنار»، [4] ثم اخذ ذلک منه غيره من الازهريين، کمحمد فهيم ابوعبية، و غيره و قد رد عليهم جماعة من اکابر علماء اهل السنة، فاظهروا غيرتهم علي الکتاب و السنة مثل الاستاذ محمد علي حسين البکري في رسالة اسماها: «صواعق الملکوت علي اباطيل الاستاذ شلتوت»، و الشيخ محمد زاهد الکوثري في رسالة اسماها: «نظرة عابرة»، والصديق الغماري في: «عقيدة اهل الاسلام في نزول عيسي عليه السلام»، و له ايضاً: «اقامة البرهان علي نزول عيسي في آخر الزمان»، و الکشميري في: «عقيدة الاسلام في حياء عيسي عليه السلام»، و غيرهم.

و ممن رد علي الشيخ شلتوت مصطفي صبري شيخ الاسلام للدولة العثمانية سابقاً في کتابه:«موقف العقل و العلم و العالم من رب العالمين و عباده المرسلين»، و لاباس بنقل کلامه بطوله ايضاحاً للموضوع.

قد: و مما يجدر بالذکر هنا انه نشرت مجلة «الرسالة» في عددها (462) مقالةً للشيخ شلتوت، وکيل کلية الشريعة، و عضو هيئة کبار



[ صفحه 310]



العلماء، يجيب فيها علي سوال ورد الي مشيخة الازهر عن مسالة رفع عيسي عليه السلام من عبدالکريم خان بالقيادة العامة الانکليزية لجيوش الشرق الاوسط، و لعل السائل هندي قادياني المذهب، اراد الحصول علي فتوي من الازهر تويد مذهبه، و لعل مشيخة الازهر ندمت بعض الندامة علي ماسبق لها من تنفيذ القرار الصادر عن هيئة کبار العلماء لفصل الطالبين الالبانيين القاديانيين من الازهر، اذ حولت السوال الي الشيخ کاتب المقالة من بين اعضاء الهيئة الذي ستعرف نزعته القاديانية في المسالة المحولة اليه. [5] .

فکان جوابه انه عليه السلام مات في الارض ورفعت روحه، و لم يرفع حياً کما ذهب اليه المفسرون قبل الشخيخ. و اذا لم يصح رفعه سقط القول بنزوله في آخر الزمان، کما ورد في الاحاديث التي لايعتمد عليها الشيخ المجيب رغم کثرتها، بحجة انها اخبار آحاد لاتبني عليها المسائل الاعتقادية. فهو کما خطا المفسرين في مسالة رفع المسيح، خطا علماء اصول الدين القائلين بنزوله علي انه من اشراط الساعة.

و الخلاف بين الشيخ شلتوت و بين المفسرين و المتکلمين و المحدثين راجع الي الخلاف في انکار المعجزات و الاعتراف بها بين المنکرين الذين منهم الشيخ و المعترفين الذين منهم اهل التفسير و الحديث و الکلام، فمن لم يومن بالمعجزات فدابه رفض الاحاديث الايات الواردة فيها



[ صفحه 311]



بالتشکيک في ثبوت الاحاديث مهما کثرت رواتها، والعبث في معني الآيات، لا لکون الاحاديث غير ثابتة في الحقيقة من طريق نقد الحديث المعروف عند علمائه، او لکون الآيات غير ظاهرة الدلالة، بل لعقيدة راسخة في قلب الرافض تدفعه الي انکار المعجزات و سائر اينما ورد ذکرها.

و قد اسلفنا في هذا الباب (الثالث) الکلام عن اصل هذا المرض الذي يجعل التشکيک في صحة الاحاديث و العبث في تاويل الايات سهلاً علي المنکرين. و عقل الشيخ شلتوت الذي لايقبل معجزة الرفع و النزول لعيسي يقبل ان المحدثين کذبوا في سبعين حديثاً رووها في نزوله، کما اخطا المتکلمون في قبول تلک الاحاديث سنداً لعدة من اشراط الساعة، کما ان المفسرين اخطاوا في فهم معني الايتين الدالتين علي الرفع و الآيتين الدالتين علي النزول، و انما اصاب الشيخ شلتوت في مقابل المخطئين، و صدق في مقابل الکاذبين!

و کنا کتبنا في صدر هذا الباب شيئاً کثيراً يتعلق بهذه المسالة، و ارجانا النظر في آيات الرفع و النزول الي محل مناسب، فنقول: ولعدم کون الشيخ في مذهب اليهود و النصاري بشان سيدنا المسيح بل في مذهب الماديين، لم يعترض علي عقيدة المسلمين الماخوذة من قوله تعالي: (و ما قتلوه و ما صلبوه و لکن شبه لهم)، و انما اعترض علي عقيدتهم المستندة الي قوله تعالي: (بل رفعه الله اليه).

و کان هذا الشيخ انکر من قبل وجود الشيطان کشخص حي من شانه ان يفعل الافعال المذکورة له في القرآن، و يتصف باوصاف متناسبة مع تلک الافعال، و کان المانع عنده عن وجود الشيطان هو عين المانع عن



[ صفحه 312]



رفع عيسي عليه السلام و نزوله، اعني العلم الحديث المادي الذي لايقبل الا ما يمکن اثباته بالتجارب الحسية. و هذا المانع عن وقوع معجزات الانبياء الکونية ووجود الشيطان عند المومنين بالعلم المادي اکثر من ايمانهم بکتاب الله و سنة رسوله، يمنعهم - ايضاً- عن القول بنبوة محمد صلي الله عليه [وآله] وسلم، مستبدلين بها العبقرية. فلا يکون کتابه کتاب الله الذي لايجترا علي مسه بکل تاويل، و لا احاديثه احاديث رسول الله الذي لايجترا علي تکذيبها بکل سهولة. فلو لم تکن لانکار رفع عيسي و نزوله اسباب خفية عند الشيخ المنکر، و نظر الي آيتي الرفع و احاديث النزول نظر المحايد غير المرتبط بتلک الاسباب الخفية، لذهب به نظره الي التسليم بعقيدة المسلمين في رفع المسيح عليه السلام و نزوله في آخر الزمان، و لا راي مانعاً عنهما في آيات التوفي التي تمسک بها بدلاً من الايات و الاحاديث القائمة علي الرفع ثم النزول.

فکما ان قوله تعالي: (بل رفعه الله اليه)، و قوله:(ورافعک الي) ظاهران في الرفع الخاص الذي يمتاز به عليه السلام، لارفع الروح العالم لجميع الانبياء و السعداء کما ادعاه الشيخ، فتعقيب قوله تعالي: (و ما قتلوه و ما صلبوه)، بقوله: (بل رفعه الله اليه) قطعي في الرفع الذي نقوله به، لا الرفع الذي يقول به، اذ لامعني يليق بالنظم المعجز في القول بانهم ما قتلوه بل رفع الله روحه اليه کما فسر به الشيخ، لعدم معقولية التقابل علي هذا التفسير بين القتل المنفي و الرفع المثبت، بناء علي ان رفع الروح يمشي مع القتل والصلب، کما يمشي مع عدم القتل والصلب، فلايکون ما بعد (بل) ضداً لما قبله علي خلاف ما صرح به النحاة من ان «بل» بعد النفي او النهي يجعل ما بعده ضداً لما



[ صفحه 313]



قبله. و ليس المنکر لرفعه حياً مجال للجواب عن هذا الاعتراض.

اما آيات التوفي التي تمسک بها الشيخ فليس فيها تاييد لمذهبه يعادل في القوة او يداني ما في تکميل نفي القتل و الصلب باثبات الرفع من تاييد مذهبنا؛ لان المعني الاصلي للتوفي المفهوم منه مبادرة ليس هو الامانة کما يظن الشيخ، بل معناه اخذ الشي ء و قبضه تماماً، [6] فهو - اي التوفي - والاستيفاء في اللغة علي معني واحد، قال في مختار الصحاح: «واستوفي حقه و توفاه بمعني»، و انما الاماتة التي هي اخذ الروح نوع من انواع التوفي الذي يعمها و غيرها، لکونه بمعني الاخذ التام المطلق. و هذا منشا غلط الشيخ شلتوت او مغالطته في تفسير آيات القرآن التي يلزم ان يفهم منها رفع عيسي عليه السلام حياً، لانه ظن ان القرآن معترف بموته في الآيات الدالة علي توفيه، کما ظن ان التوفي معناه الاماتة، نظراً الي ان الناس لايستعملون التوفي الا في هذا المعني، و غفولاً عن معناه الاصلي العام، فکانه قال - بناء علي ظنه هذا -: لامحل لرفعه حياً بعد اماتته، لکنه لو راجع کتب اللغة لراي ان الامانة تکون معني التوفي في الدرجة الثانية حتي ذکر الزمخشري هذا المعني في «اساس البلاغة» بعد قوله: «و من المجاز»، و المعني الاصلي المتقدم الي اذهان العارفين باللغة العربية للتوفي هو کما قلنا: اخذ الشي ء تماماً، و لا اختصاص له باخذ الروح.

و لقد فسر القرآن نفسه معني التوفي الذي يعم الامتة و غيرها، فقال: (الله يتوفي الانفس حين موتها و التي لم تمت في منامها) فهذه



[ صفحه 314]



الآية تشتمل علي نوعين من انواع توفي الانفس الذي هو الاخذ الوافي، نوع في حالة الموت، و نوع في حالة النوع، فلو کان ينحصر في الاماتة کان المعني في الاية: الله يميت الانفس حين موتها، و يميت التي لم تحت في منامها. و الاول تحصيل للحاصل، والثاني خلاف الواقع، ولزم الاول ايضاً ان تکون حالة الموت اماتة الروح لافصلها عن البدن.

و من هذا يفهم ايضاً معني التوفي في قوله تعالي: (و هو الذي يتوفاکم بالليل و يعلم ماجرحتم بالنهار)، و معني قوله تعالي علي هذا التحقيق: (يا عيسي اني متوفيک ورافعک الي و مطهرک من الذين کفروا) اني آخذک من هذا العالم الارضي ورافعک الي. و في قوله: (و مطهرک من الذين کفروا) بعد قوله: (متوفيک) دلالة زائدة علي عدم کون معني توفيه اماتته؛ لان تطهيره من الذين کفروا باماتة عيسي و ابقاء الکافرين لايکون تطهيراً يشرفه کما کان في تطهيره منهم برفعه اليه حياً.

فاذن، کل من قوله تعالي: (متوفيک و رافعک الي و مطهرک من الذين کفروا) بيان لحالة واحدة يفسر بعضها بعضاً، من غير تقدم او تاخير زماني بين هذه الاخبار الثلاثة ل«ان» و من المعلوم عدم دلالة الواو العاطفة علي الترتيب، فلو کان المراد من قوله تعالي: (متوفيک) مميتک، و من قوله: (رافعک) رافع روحک کما ادعي الشيخ شلتوت کان القول الثاني مسغني عنه، لان رفع روح عيسي عليه السلام بعد موته الي ربه و هو نبي جليل من الانبياء الله معلوم لاحاجة الي ذکره، بل لو حملنا القول الاول اعني: «متوفيک) علي معني مميتک کان هو ايضاً مستغني عنه، اذ معلوم ان کل نفس ذائقة الموت، و کل نفس فالله يميتها، و من من الناس او الانبياء قال الله له: اني مميتک؟ فهل لايفکر فيه الشيخ



[ صفحه 315]



الذي يفهم من قوله تعالي: (اني متوفيک) انه مميته؟ الا ا ن يکون المعني: ان الله مميته لا اعداوه، فالمراد: نفي کونهم يقتلونه، و فيه: ان کون الله مميته لاينافي ان يقتلوه؛ لان الله هو مميت کل من جاء اجله حتي المقتولين، و لذا حمل کثير من المفسرين قوله: (متوفيک) علي معني: ان الله متوفي اجله عليه السلام، و موخره الي اجله المسمي فلا يظفر اعداوه بقتله.

و عندي في هذا التفسير ايضاً انه يرجع الي حمل «التوفي» علي معني الاستيفاء کما حملنا نحن لا علي معني الاماتة، لکن التوفي و الاستيفاء معناه: استکمال اخذ الشي ء، لا استکمال اعطائه، فليس الله تعالي مستوفي اجل عيسي عليه السلام، بل المستوفي هو عيسي نفسه، و الله الموفي، اي معطيه تمام اجله.

فقد التبس التوفي علي اصحاب هذا التفسير - والعجب ان فيهم الزمخشري - بالتوفية التي تتعدي الي مفعولين و هو خطا لغوي ظاهر.

و فيه ايضاً تقدير مضاف بين التوفي و ضمير الخطاب، حيث قال الله: (اني متوفيک) اي متوفيک لا مستوفي اجلک، فزيادة «الاجل» تکون زيادة علي النص، کما ان زيادة الروح في آتي رفع عيسي عليه السلام نفسه زيادة علي النص من جانب الشيخ شلتوت؛ لارهاق قول الله خلاف ظاهر المعني المنصوص.

و هذه الزيادة ان کانت خلاف الظاهر بين الرافع و ضمير الخطاب في قوله: (ورافعک) بان يکون المعني: ورافع روحک، فهي في قوله: (بل رفعه الله اليه) اشد من خلاف الظاهر، اي غير جائز اصلاً؛ لکونها مفسدة لما يقتضيه «بل»، من کون ما بعده و هو «رفعه الله



[ صفحه 316]



اليه» ضد ماقبله و هو قوله «ماقتلوه»، بناء علي ان رفع الروح يلتئم کما قلنا من قبل مع حالة القتل ايضاً الذي اعتني بنفيه، فضلاً عن ان هذا الرفع - اي رفع الروح - ليس بامر يستحق الذکر في شانه عليه السلام.

بل ان قوله: (متوفيک) ايضاً مما لاوجه لذکره اذا کان المعني: مميتک، ففي اي زمان تقع هذه الاماتة؟ فان وقعت حالاً، اي في زمان مکر اعدائه به المذکور قبيل هذه الآية، کان هذا الکلام المتوقع منه طمانته عليه السلام علي حياته اجنبياً عن الصدد، بل مبايناً له؛ لان فيه اعترافاً ضمنياً لنفاذ مکرهم بان يکونوا قاتليه و الله قابض روحه، فهل فضيلة الشيخ شلتوت ينکر انهم ماقتلوه کما ينکر ان الله رفعه الي السماء حياً؟ و ان وقعت اماتته في المستقبل البعيد فليس في الآية تصريح به مع ان مقام الطمانة يقتضي هذا التصريح، کما انه يقتضي کون الرفع رفعه حياً، فحيث لاتصريح بکون اماتته في المستقبل البعيد، فقوله: «اني متوفيک» علي معني: اني مميتک، اجنبي عن المقام، حتي ان توجيه العالم الکبير حمدي الصغير صاحب التفسير الکبير الجديد الترکي، بکون ذکر اماتته رداً علي عقيدة النصاري في تاليه المسيح، لايجدي في دفع هذا الاعتراض؛ لکون ذلک الرد ايضاً اجنبياً عن المقام الذي هو مقام الطمانة و الذي ينافيه کل ماينافيها. فالواجب الذي لم يس بوجوبه احد ممن تکلم قبلي، واطلعت عليه في تفسير قوله تعالي: (اني متوفيک) احساسي به، حمل (متوفيک) علي معني: آخذک تماماً، السالم عن جميع الاعتراضات و التکلفات.

و قس عليه السلام في آية المائدة، و هي قوله تعالي: (و اذ قال الله يا عيسي بن مريم ءانت قلت للناس اتخذوني و امي الهين من دون الله قال



[ صفحه 317]



سبحانک ما يکون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان کنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسک انک انت علام الغيوب، ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي و ربکم و کنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني کنت انت الرقيب عليم)، [7] و معني قوله:«فلما توفيتني»: فلما اخذتني من بينهم، جعلت صلتي بهم و بعالمهم الارضي منتهية.

فالمراد «توفيه» اي اخذه بالرفع لا بالاماتة، و قد علمت ان التوفي في اللغة و في عرف القرآن لا يختص بالاخذ من النوع الثاني، اي اخذ الروح.

هذا تفصيل ماورد في القرآن متعلقاً برفع عيسي عليه السلام، و فيه فضلاً عن الآيات المذکورة آيتان يفهم منهما نزوله في آخر الزمان، فيکون فيهما - ايضاً - دليلان علي السابق، کما کانت في احاديث النزول ادلة، و ليس الامر کما توهم الشيخ من ان حادثة الرفع لم يقم عليها دليل في القرآن، و لا محل لنزوله بعد سقوط رفعه...، ليس الامر کما توهم، بل کل من آيتي الرفع و قد سبق ذکرهما، و آيتي النزول و هما قوله تعالي في سورة النساء: (و ان من اهل الکتاب الا ليومنن به قبل موته)، [8] و قوله في سورة الزخرف: (و انه لعلم للساعة) [9] يعضد بعضهما بعضاً، و لا يستطيع الشيخ المنکر لنزوله عليه السلام في آخر الزمان ان يجد تاويلاً لآيتي النزول المذکورتين من دون ان يذهب الي تکلفات بعيدة، کما لايستطيع ان يجد جواباً لما ذکرنا في آيتي الرفع من القرائن



[ صفحه 318]



التي لا تتمشي مع مذهبه الذي هو رفع روحه فقط.

فظهر مما سبق جميعاً ان رفع عيسي عليه السلام ببالمعني الذي يعتقده المسلمون مذکور في القرآن خمس مرات: صراحة في آيتي الرفع، واقتضاء في آيتي النزول، و تلميحاً في آية تطهيره من الذين کفروا.

و لک ان تضم اليها قوله تعالي عنه عليه السلام: (و من المقربين)، [10] ففيه اشارة الي رفعه الي محل الملائکة المقربين، بل في قوله ايضاً: (وجيهاً في الدنيا و الآخرة) [11] لان الوجيه بمعني ذي الجاه، و لا ادل علي کونه ذاجاه في الدنيا من رفعه الي السماء، و قوله عن اعدائه: (و مکرروا و مکر الله و الله خير الماکرين)، [12] فيبلغ ادلة القرآن علي ثمانية.

و من العجائب ان فضيلة الشيخ شلتوت عاکس الواقع مرة اخري، فحاول ان يستخرج من آية المکر دليلاً ضد الرفع منکراً لان يکون في رفعه الي السماء حياً مکر من الله باعدائه الماکرين، و عنده ان مکر الله بهم المتغلب علي مکرهم بنبيه حاصل في اماتته و رفع روحه اليه، لا في رفعه حياً، فکان الله نفذ ما اراد اعداؤه ان يفعلوه به، فقتله قبل ان يقتلوه، او نفذ قتلهم باماتته، فکان الله اذا مساعدهم لا ماکراً بهم.

وانظر بعد هذا التوجيه بالنسبة الي مکره بهم في رفع نبيه اليه حياً، و جعل مسعاتهم لقتله في خياب و هباب... هذا مع ان تمام مکر الله بهم



[ صفحه 319]



مذکور في قوله: (و لکن شبه لهم) [13] بعد قوله:(و ما قتلوه و ما صلبوه) [14] الذي تغاضي عنه الشيخ بالمرة.

و قول القرآن عن سيدنا المسيح: (و ما قتلوه و ما صلبوه)، (بل رفعه الله اليه) [15] لولم يفهم منه رفع المسيح حياً و انما رفع روحه، کما زعمه الشيخ و اصر علي زعمه، فاذن يمکن ان يقول قائل: ان القرآن لاينفي قتل المسيح و صلبه في صورة قاطعة؛ لان رفع روحه الي الله لا ينافي کونه مقتولاً و مصلوباً بايدي اعدائه، و انما يکون هذا القول بانهم ماقتلوه و ما صلبوه من قبيل الهزل، کما لو قتل احد انساناً ثم قال في المحکمة: لم اقتله و لم اقبض روحه و انما الله قبض روحه! فلو ان الشيخ صاحب هذا التاويل الذي يامره به هواه لانکار معجزة الرفع لم يغب عنه ان القرآن کلام الله، لصانه عن ان لايکون لنفيه القتل و الصلب عن المسيح الا قيمة هزلية!!

اما الکلام عن المانع الحقيقي عند کتاب العصر الحديث و اتباعهم من علماء الازهر عن الاعتراف بمعجزات الانبياء عليهم السلام الکونية، و غيرها مما يخالف سنة الکون، کرفع عيسي و نزوله، ووجود الشيطان فيضطرهم بسبب هذه المخالفة الي تکذيب الاحايدث الواردة بشانه، و تاويل الآيات، مهما کانوا ظالمين لائمة الحديث في التکذيب الاحاديث الواردة بشانه، و تاويل الآيات، مهما کانوا ظالمين لائمة الحديث في التکذيب، و مبتعدين عن منطوق الآيات في التاويل، بل ظالمين احياناً في تاويل الايات ايضاً کقول الشيخ شلتوت في مسالة وجود الشيطان، ان القرآن جار فيه عقيدة العرب الجاهلين، و قول الاستاذ فريد وجدي بک في آيات



[ صفحه 320]



المعجزات و البعث بعد الموت: انها آيات متشابهة غير مفهوممة المعاني!

اما الکلام علي هذا المانع فقد وفيت حقه في اوائل هذا الباب، کما لم آل فيما سبقه من الکتاب جهداً لحل شبهة العصريين من الکتاب و العلماء الذين لايومنون بالغيب. [16] .

و اذا وقفت علي ما ذکره هذا الشيخ من اهل السنة فاسمع الي ما ذکره معاصره من الشيعة ايضاً في ذلک، و هو الشيخ المجاهد المدافع عن حريم الاسلام و التوحيد و القرآن الشيخ البلاغي في مقدمة تفسيره القيم «آلاء الرحمان في تفسير القرآن» قال: و من شواهد ماذکرناه هو الاضطراب في معني التوفي، و ما استعمل في لفظه المتکرر في القرآن الکريم، فاللغويون جعلوا الاماتة في معني التوفي، و الکثير من المفسرين في تفسير قوله تعالي في سورة آل عمران :48: (يا عيسي اني متوفيک ورافعک الي) قالوا: اي مميتک، و قال بعض: مميتک حتف انفک، و قال بعض: مميتک في وقتک بعد النزول من السماء، و کانهم لم ينعموا الالتفات الي مادة «التوفي» واشتقاقه، و محاورات القرآن الکريم، و القدر الجامع بينها، و الي استقامة التفسير لهذه الآية الکريمة، و اعتقاد المسلمين بان عيسي لم يمت و لم يقتل قبل الرفع الي السماء کما صرح به القرآن، و الي ان القرآن يذکر فيما مضي قبل نزوله ان المسيح قال لله: (فلما توفيتني)، ومن کل ذلک لم يفطنوا الي ان معني التوفي و القدر الجامع المستقيم في محاورة القرآن فيه و في مشتقاته، انما هو الاخذ و الاستيفاء، و هو يتحقق بالامانة، وبالنوم، و بالاخذ من الارض و عالم البشر الي عالم السماء.



[ صفحه 321]



و ان محاورة القرآن الکريم بنفسها کافية في بيان ذلک، کما في قوله تعالي في سورة الزمر : 43: (الله يتوفي الانفس حين موتها و التي لم تمت في منامها فيمسک التي قضي عليها الموت و يرسل الاخري الي اجل مسمي). الا تري انه لايستقيم الکلام اذا قيل: الله يميت الانفس حين موتها، و کيف يصح ان التي لم تمت يميتها في منامها؟

و کما في قوله تعالي في سورة الانعام:60: (و هو الذي يتوفيکم بالليل و يعلم ماجرحتم بالنهار ثم يبعثکم فيه ليقضي اجل مسمي ثم اليه مرجعکم) فان توفي الناس باليل انما يکون باخذهم بالنوم ثم يبعثهم الله باليقظة في النهار ليقضوا بذلک آجالهم المسماة، ثم الي الله مرجعهم بالموت و المعاد.

و کما في قوله تعالي في سورة النساء :19: (حتي يتوفيهن الموت) فانه لايستقيم الکلام اذا قيل: يميتهن الموت.

و حاصل الکلام: ان معني التوفي في موارد استعماله في القرآن و غيره انما هو اخذ الشي ء وافياً، اي تاماً، کما يقال: درهم واف. و هذا المعني للتوفي ذکره اللغويون في معاجمهم و قالوا: ان «توفاه» و «استوفاه» بمعني واحد، و انشدوا له قول الشاعر:



ان بني الادرد ليسوا الاحد

و لا توفاهم قريش في العدد



اي: لاتتوفا هم و تاخذهم تماماً.

قلت: لکن بين الاستيفاء و التوفي فرقاً واضحاً من جهة اثر الاشتقاق، فان الاستيفاء استفعال کالاستخراج، يشير الي طلب الاخذ و استدعائه و معالجته، و التوفي يشير الي القدرة علي الاخذ بدون حاجة الي استدعاء و طلب و معالجة، و لذا اختص القرآن الکريم بلفظ «التوفي»،



[ صفحه 322]



و عدل عن «الاخذ»؛ لعدم دلالته علي التمام علي التمام والوفاء، کالتوفي الدال علي تمام القدرة علي نحو المعني في (انا لله و انا اليه راجعون).

و لک العبرة فيما قلناه بقوله تعالي: الله يتوفي الانفس حين موتها و التي لم تمت في منامها)، فانک ان جعلت قوله تعالي: (و التي لم تمت) معطوفاً علي (الانفس) لم تقدر ان تقول: ان معني يتوفي: يميت.

و ان قلت: ان التوفي في النام اماتة مجازية، قلنا: کيف يکون معني اللفظ الواحد معنيين: معني حقيقاياً و معني مجازياً، و يتعلق باعتبار کل معني بمفعول، و يعطل احد المفعولين علي الآخر مع الختلاف المعني العامل به؟ و هل يکون اللفظ الواحد مرآة لکل من المعنين المستقلين؟

کلاً، لايکون.

و ان جعلت قوله تعالي: (و التي لم تمت) مفعولاً لکلمة «يتوفي» مقدرة يدل عليها قوله تعالي: (يتوفي الانفس)، قلنا: ان دلالة الموجود علي المحذوب انما هي بمعناه، کما لا يخفي علي من له معرفة بمحاورات الکلام في کل لغة، فکيف يجعل التوفي بمعني الموت دليلاً علي توف محذوف هو بمعني آخر؟!

اذن، فليس الا ان «التوفي» بمعني واحد و هو الاخذ تماماً و وافياً، اما من عالم الحياة، و اما من عالم اليقظة، و اما من عالم الارض و الاختلاط بالبشر الي العالم السماوي، کتوفي المسيح و اخذه. و من الغريب ماقاله بعض من ان رفع المسيح الي السماء غير مشتمل علي اخذ الشي ء تاماً، انتهي.

و ليت شعري ماذا بقي من المسيح في الارض؟ و ماذا تعاصي منه



[ صفحه 323]



علي قدرة الله في اخده، فلا يکون رفعه مشتملاً علي اخذ الشي ء تاماً؟

هذا و لا يخفي ان القرآن ناطق بان المسيح ماقتلوه و ما صلبوه و لکن شبه لهم، و رفعه الله اليه، و ان عقيدة المسلمين مستمرة کاجماعهم علي انه لم يمت، بل رفع الي السماء الي ان ينزل في آخر الزمان، فلاجل ذلک التجا بعض من يفسر التوفي بالاماتة الي ان يفسر قوله تعالي: (يا عيسي اني متوفيک) اي مميتک في وقتک بعد النزول من السماء، و لکني لا ادري ماذا يصنع بحکاية القرآن لما سبق علي نزوله في قوله في اواخر سورة المائدة:116 و 117:(و اذ قال الله يا عيسي بن مريم اانت قلت للناس اتخذوني و امي الهين من دون الله قال سبحانک ما قلت لهم الا ما امرتني به... فلما توفيتني کنت انت الرقيب عليهم) فهل يسوغ ان تفسر هذه الآية بالوفاة بعد النزول؟ و هل يصح القياس في ذلک علي قوله تعالي: (ونفخ في الصور)؟ و هل يخفي ان مقتضي کلام المسيح في الآيتين هو انه بعد ان توفاه الله، و انقطعت تبليغاته في دعوة رسالته، و کونه شهيداً علي امته، تمحص الامر و رجع الي ان الله هو الرقيب عليهم؟ و ان سوق الکلام و اتساقه ليدل علي اتصال الحالين، و ان الرقيب کيفما فسرته انما يکون رقيباً في وجود تلک الامة في الدنيا دار التکليف، لا الآخرة التي هي دار جزاء و انتقام. و لا تصح الطفرة في المقام من ايام دعوة المسيح لامته في رسالته، و کونه شهيداً عليم الي ما بعد نزوله من السماء في آخر الزمان، حيث يکون وزيراً في الدعوة الاسلامية لا صاحب الدعوة.

و من الواضح ان المراد في الآيتين من الناس الذين جري الکلام في شانهم انما هم الذين کانوا امة المسيح، و في عصر رسالة، و نوبة دعوته و تبليغه...، و اما صرف وجهة الکلام الي الناس الذين هم في ايام نزوله



[ صفحه 324]



من السماء فما هو الا مجازفة، فيها ما فيها، و تحريف للکلم.

و اما قوله تعالي: (ونفخ في الصور) فلم يکن اخباراً ابتدائياً، يکون وقوع الفعل الماضي باعتبار حال المتکلم کما في الآيتين، بل جاء في سياق قوله تعالي: (ماينظرون الا صيحة واحدة تاخذهم) في حوادث زمان البعث و القيامة و مقدماتها، فهو في سياقه ناظر الي ذلک الحين، و سياق الکلام يجعله بدلالته في قوة قوله: «ونفخ - حينئذ- في الصور» فهو علي حقيقة الفعل الماضي، و باعتبار ذلک الحين کما في قوله: (و جي ء يومئذ بجهنم). [17] .

هذا و بعض المفسرين لقوله تعالي: (يا عيسي اني متوفيک) قال: اي مميتک حتف انفک. و اقول: ان اراد الاماتة بعد نزول المسيح من السماء شارک ما سبق من التفسير و ورد الاعتراض عليه، و ان اراد اماتته قبل ذلک و قبل نزول القرآن خالف المعروف من عقيدة المسلمين و اجماعهم في اجيالهم، و يرد عليه السوال ايضاً بانه من اين جاء بالاماتة حتف انفه؟ و ماذا يصنع بما جاء في القرآن کثيراً مما ينافي اختصاص التوفي بالموت حتف النف؟ بل المراد منه الاخذ بالموت و ان کان بالقتل، کقوله في سورة الحج: 5، و المومن: 67 في اطوار خلق الانسان من التراب و النطفة الي الهرم: (و منکم من يتوفي و منکم من يردالي ارذل العمر) لتکونوا شيوخاً (و منکم من يتوفي من قبل) و في سورة البقرة: 234 و 241 (و الذين يتوفون منکم و يذرون ازواجاً)، و يونس: 104 (و لکن اعبدالله الذي يتوفيکم)، و النحل: 70 (والله خلقکم ثم يتوفاًکم و منکم من يرد الي ارذل العمر)،



[ صفحه 325]



والسجدة: 11 (قل يتوفاکم ملک الموت)، و الاعراف: 37 (حتي اذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم)، و النساء: 97 (ان الذين توفاهم الملائکة) و النحل: 32 (تتوفاهم الملائکة)، و الانعام: 61 (توفته رسلنا)، و محمد صلي الله و عليه و آله وسلم: 27 (فيکف اذا توفتهم الملائکة)، و الانفال: 50 (ولو تري اذ يتوفي الذين کفروا الملائکة)، و الزمر: 43 (الله يتوفي الانفس حين موتها و التي لم تمت في منامها)، و انک لاتکاد تجد في القرآن المجيد لفظ «التوفي» مستعملاً فيما يراد منه الامانة حتف الانف.

اذن، فمن اين جي ء بذلک في قوله تعالي: (اني متوفيک)؟ نعم ابتلي لفظ «التوفي» و مشتقاته بالاخذ بمعناه يمنة و يسرة، حتي ان العامة حسبوها مرادفةً للموت، حتي انهم يقولون في الذي مات: توفي بفتح التاء والواو و الفاء بالبناء للفاعل، و يقولون في الميت: متوفي بکسر الفاء و صيغة اسم الفاعل، بل يحکي: ان اميرالمومنين علياً عليه السلام کان يمشي خلف جنازة في الکوفة فسمع رجلاً يسال عن الميت و يقول: من المتوفي؟ - بکسر الفاء -.

و اما ما نسب الي ابن عباس من ان معني قوله تعالي: «يا عيسي اني متوفيک»، اني مميتک، فما اراه الا کما نسبت الي ابن عباس في مسائل نافع بن الازرق، کما ذکر في الفصل الثاني من النوع السادس و الثلاثين من اتقان السيوطي من ان. نافعاً ساله عن قوله الله: (ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة اولي القوة) [18] اي بما يرجع الي معني: تبهظهم [19] و تثقل عليهم، کما قال عمرو بن کلثوم في معلقته:



[ صفحه 326]



و متني لدنة سمقت و طالت

روادفها تنوء بما ولينا



و کما انشده اللغويون:



الا عصا ارذن طالت برايت ها

تنوء ضربت ها بالکف و العضد



فذکر: ان ابن عباس قال في الجواب: لتثقل، او ما سمعت قول الشاعر:



تمشي فتثقلها عجيزتها

مشي الضعيف ينوء بالوسق



اي: ينهض بالوسق بتکلف وجهد، علي عکس المعني المذکور في القرآن.

افهل تري ابن عباس يفسر «تنوء» التي في الآية بغير معناها، کما ثار من هذا الاستشهاد المنسوب اليه اعتراض النصاري: جاء بلفظة «لتنوء» في غير محلها؟

و هل تري ابن عباس لا يعرف ان معني «ينوء بالوسق» ليس «يثقل» بل «ينهض به بتکلف»؟

و هل تري ابن عباس لا يدري ببيت المعلقة ليستشهد به استشهاداً صحيحاً مطابقاً منتظماً؟ کيف و ان المعلقات کانت للشعر في ذلک العصر کبيت القصيد، و لکن «حق قدح ليس منها». [20] .

و قد خرجنا عما نوثره من الاختصار، و لکنا منا خرجنا عن المقصود الاصلي من الکلام في تفسير القرآن الکريم، بل سارعنا الي شي ء من الخير، و الله المسدد الموفق. [21] .



[ صفحه 329]




پاورقي

[1] تفسير البحر المحيط: ج 2 ص 473 من سورة آل عمران.

[2] المصدر نفسه.

[3] لوامع الانوارالبهية: ج 2 ص 94 و 95.

[4] راجع ج 3 ص 317.

[5] و کنت قد سمعت عندما فاوضت هيئة کبار العلماء فيما بينهم للبت في امر الطالبين المذکورين ان في الهيئة من يشذ و يتردد في الافتاء بکفر المنکر لکون نبيا صلي الله عليه و آله آخر الانبياء، طعنا منه في حجية الحديث الوارد فيه و الاجماع المنعقد عليه، و في دلالة قوله تعالي: (ما کا محمد ابا احد من رجالکم و لکن رسول الله و خاتم النبيين) عليه القطعية... الخ.

[6] کما ان معني التوفية جعل الغير آخذا للشي ء تماما، قل تعالي: (حتي اذا جاءه لم يجده شيئا و وجد الله عنده فوفاه حسابه)، و قال:(انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب).

[7] المائدة: 116 و 117.

[8] النساء: 159.

[9] الزخرف: 61.

[10] آل عمران: 45.

[11] آل عمران: 45.

[12] آل عمران: 54.

[13] النساء: 157.

[14] النساء: 157.

[15] النساء: 158.

[16] موقف العقل و العلم و العالم من رب العالمين و عباده المرسلين: ج 4 ص 182 - 174.

[17] الفجر: 23.

[18] القصص: 76.

[19] ابهظه الحمل او الامر: اثله و سبب له مشقة.

[20] القدح: احد قداح الميسر، و اذا کان احد القداح من غير جوهر اخواته ثم اجاله المفيض خرج له صوت يخالف اصوات ها فيعرف به انه ليس من جملة القداح. يضرب - هذا المثل - للرجل يفتخر بقبيلة ليس هو منها، او يمتدح بما لا يوجد فيه، انظر مجمع الامثال: ج 1 ص 200.

[21] آلاء الرحمان في تفسير القرآن: ص 37 -33.