بازگشت

حول اختلاف الاخبار في مدة دولته و بقائه بعد ظهوره


اعلم اننا لم نخرج الاخبار المتعارضة في هذا الکتاب الا للاستناد بمداليلها التي اتفقت هذه الاخبار عليها، انه ربما تکون هناک قرائن توجب القطع بصدور بعضها، او يستکمل بعضمها الي غيرها التواتر المعنوي او الاجمالي.

و اما في مورد تعارض بعضها مع بعض فلا نحتج بواحد من المتعارضين فيما هو المطلوب فيه الاعتقاد به دون العمل، لانه لا اعتبار بخبر الواحد فيه؛ لعدم سببيته لحصول الاعتقاد حتي و ان لم يکن له معارض من سائر الاخبار، فلا تشمله الادلة التي اقيمت علي حجية الخبر و قول الثقة في الاحکام العملية، لان اعتباره في الاحکام معناه و جوب العمل به، والاخذ به في البرامج العملية التکليفية، و هذا امر يجوز صدوره من الشارع تاسيساً او امضاء، کما قرر وجوب العمل بالبينة في مواردها المعلومة، و اما في غير الاحکام مما يتطلب فيه العلم و العقيدة به حيث ان الخبر الواحد لا يوجب الاعتقاد - فلا يصح ايجاب الاعتقاد بمضمونه، لانه امر لايتحصل الا بسببه، و هو في باب الاخبار: الخبر المقطوع صدوره بالتواتر، او القرائن الموجبة للقطع، و المقطوع دلالته.



[ صفحه 264]



و مع ذلک لاحاجة الي تشريع الشارع اعتباره و وجوب الاعتقاد به؛ لان الاعتقاد به يتحقق حينئذ بنفسه.

و اما اذا لم يکن الخبر کذلک، و کان ظني الصدور، او ظني ادلالة، فلايتاتي منه القطع بمضمونه، و لا يجوز للشارع التکليف بالاعتقاد به، لان معناه: جعل ما هو علة للظن بالذات علة للقطع، و ايجاب القطع بامر هو المظنون بالذات، و هو محال، و خارج عن شان الشارع.

و بالجملة: في التکاليف العملية مفاد دليل حجية الخبر فيها انما يکون وجوب البناء العملي عليه، و الجري علي طبقه عملاً و هو امر ممکن يجوز التعبد به من الشارع، و اما الاعتقاد فلا يجوز فيه ذلک. و لا فرق في ذلک - کما اشرنا اليه - بين خبر الواحد السالم عن المعارض اذا لم يکن صدوره او دلالته يقينياً، و بين الخبر المبتلي بالمعارض، سواء عولج تعارضه مع غيره بوجه من الوجوه من الجمع العرفي او الترجيح ببعض المرجحات ام لا.

و لا يخفي عليک انه لا يضر اختلاف الاخبار و في تفاصيل امر من الامور بصحة اصله الثابت بالاحاديث المتواترة او الآحاد الصحيحة، حتي و ان لم يظهر لنا وجه الاختلاف، و لا وجه علاجه.

و لا يستلزم التعارض العلم بمخالفة احد المتعارضين مع الواقع مطلقاً، حتي في غير خصوص المورد الذي وقع التعارض فيه بينهما حتي يسقط فيه عن الحجية ايضاً، و ذلک لان التعارض في الاخبار يکن وقوعه لاحد الامور:

الاول: عدم ضبط بعض الرواة، و اختلاف حالاتهم عند تحمل



[ صفحه 265]



الحديث، و حالات من يملي الحديث، مما - ربما - يوجب الضعف او اختلال بعض الشرائط العادية العرفية لتحمل الحديث.

الثاني: النقل بالمضمون، حيث انه قلما يخلص عن اجتهاد الناقل، و اعتماده علي مافهمه من کلام المنقول منه، من حيث: الاطلاق و التقييد، و العموم و الخصوص، و الحقيقة و المجاز، و غيرها.

الثالث: کون نقل الحديث في الصدر الاول - کثيراً او غالباً - عن ظهر القلب لا من الکتاب، مضافاً الي منع الفئة الغالبة علي الحکم بعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم عن الحديث عنه، فانقطع بذلک عند غير شيعة اهل البيت عليهم السلام سلسلة النقل و الرواية عنه الي زمان عمر بن عبدالعزيز، بل الي انقضاء حکومة بني امية علي اختلاف وقع بين ارباب التواريخ في اول زمان رفع المنع الحکومي عن التحدث باحاديث النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

و اول من نهي عن کتابة الحديث هو عمر بن الخطاب، حيث نهي النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن کتابة ما لم يضلوا بعده فقال ماقال، و کان ابن عباس يقول: الرزية کل الرزية ما حال بين رسول الله و بين ان يکتب لهم ذلک الکتاب من اختلافهم و لغطهم، و عن ابي بکر انه قال:... فلاتحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سالکم فقولوا: بيننا و بينکم کتاب الله، فاستحلوا حلاله و حرموا حرامه. [1] و کان عمر شديد المنع من رواية الاحاديث.

و المتدبر يفهم ان ذلک لم يکن منهم الا لعلة سياسية، و هي المنع عن روايات فضائل اهل البيت، سيما اميرالمومنين علي عليه السلام،



[ صفحه 266]



لانها توجب الوهن في حکوماتهم، و تعلن مخالفتهم للنصوص، و توجب ميل القلوب الي اهل البيت عليهم السلام.

الرابع: عدم نقل بعض القرائن الحالية و المقامية التي لها دخل في فهم المخاطب مراد المتکلم من کلامه، بحيث يکون خلو الکلام من هذه القرائن او عدم التفات بعض الحاضرين بها موجباً لاستظهار معني آخر من حاق لفظه.

الخامس: تقطيع الحديث، و رواية بعضه الذي تعلق بنقله غرض الراوي، من بيان حکم، او اثبات امر، او غير ذلک، سواء وقع التقطيع في الفاظ الحديث و متنه او وقع في نقل مضمونه، و لاريب ان ذلک ربما يوثر في دلالة الکلام علي مدلوله الواقعي او بعض مداليه، فلعل التقطيع لا يضر باستفادة ما اراد المقطع من الکلام، و لکن يضر باستفادة السائرين او سائر مايستفاد من الکلام من امور کان دالاً عليها لولا التقطيع.

السادس: کل ذلک يکون و ليس لاحد عمد في ايقاع الاختلاف و الاشتباه، و قد يتحقق بالعمد، و سوء النية، و الاغراض الفاسدة سيما السياسة منها، و هذا تازة يتحقق بوضع الحديث راساً، و تارة بزيادة امر فيه، او اسقاط جملة منه، مما - ربما - يعرفه الخبير بالاحاديث و الاسناد.

السابع: مما يوثر في وقوع الاختلاف في الاحاديث جهة الصدور، فان الاصل في المحاورات ان يکون جهة صدور الکلام عن المتکلم بيان مفاده العرفي و الظاهري، و اذا کان جهة صدور الکلام فيه امراً آخر، مثل: المزاح، او الحذر من الضرر ووقوع الفتنة، او التقية، فينفي مثلاً امراً اثبته جداً في کلامه الآخر، و يقول: اذا کان في مقام التقية مثلاً:



[ صفحه 267]



(لا) في مقام (نعم)، فيقع التعارض بين الکلامين، و لا يدري من ليس عارفاً بالحال، و لا معرفة له بمقاصدالمتکلم و آرائه الظاهرة ان ايهما المراد، فيحکم بالتعارض.

ثم انه بعدما عرف ان الاختلاف انما يقع بسبب من الاسباب المذکورة، ففي کل مورد تحقق التعارض بين الخبرين بالتباين لابد من العمل بالقواعد المذکورة في باب التعادل و الترجيح، من ملاحظة المرجحات السندية، ثم الجهتية، ثم الدلالية، مثلاً: يوخذ برواية کان روايها ضابطاً حافظاً، او اضبط و احفظ دون غيرها، او رواية لا يمکن حملها علي صدور ها لغير جهة بيان الواقع دون ما يجوز ذلک فيه، و يمکن حمل صدورها بملاحظة بعض الشواهد و القرائن علي التقية او جهة اخري، او يؤخذ بالروياة المنقولة بألفاظها، او ما لم يقع فيه التقطيع علي المنقول بالمضمون، او ما وقع فيه التقطيع، و کذا يوخذ بما هو موافق لعموم الکتاب او اطلاقه، دون المخالف لواحد منهما. [2] .

و ان کان الخبران من جميع ما ذکر في باب المرجحات، خارجية کانت ام داخلية، متشاويين متکافئين، فلاترجيح لاحدهما علي الآخر، فيتساقطان و لا يحتج بواحد منهما.

و لا يخفي عليک ان ماذکرناه من اعمال المرجحات، و الاخذ بما فيه جهة من جهات الترجيحات العرفية او الشرعية - کما صرحنا به - لا يجري الا في الاخبار الماثورة في فروع الدين، و ما يراد منه العمل دون الاعتقاد، و اما ما يطلب فيه الاعتقاد فلا يحتج فيه بخبر الواحد السليم عن



[ صفحه 268]



المعارض، فضلاً عن غيره، الا اذا کان مقطوع الصدور و الدلالة، کالخبر المتواتر المقطوع صدوره.

فعلي هذا لا يحتج بخبر الواحد المظنون صدوره في تفاصيل علائم المهدي عليه السلام، و اوصافه، و خصائصه، و غير ذلک من الامور التي المطلوب فيها هو الاعتقاد بها، سواء کان له معارض من سائل الاخبار ام لا.

اذا عرفت ماتلونا عليک فاعلم: انه ربما يقال في الاخبار الواردة في مدة ملکه و دولته عليه السلام: انها بما فيها من الاختلاف في تعيين تلک المدة اکثرها لقلة ما عين فيه من سنيها لا يناسب هذا الظهور المبشر به علي لسان الانبياء، المفسر به آيات من القرآن الکريم، مثل قوله تعالي: (و لقد کتبنا في الزبور...) [3] و قوله تعالي: (و نريد ان نمن علي الذين استضعفوا...) [4] و قوله تعالي: (وعد الله الذين آمنوا منکم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض...) [5] و يقع (اي الظهور) بعد وقوع البشرية طول تاريخ مجتمعها و مدنيتها تحت سلطان ظلم الظالمين، و انواع الاضطهاد، و ليس هذا الا مثل ان يبشر مسجون حکم عليه بالسجن الدائم، و مات ابوه و اجداده قبله في السجن: انک ستخلص من السجن في آخر ساعة او يوم من حياتک، فمستقبلک يکون بذلک مستقبل خير و امن و عدل. اليس له ان يقول: ما قيمة هذا في جنب هذا السجن الطويل الذي فقدت فيه ابي و جدي و...، و رايت فيه انواع المحن و الفتن.



[ صفحه 269]



اذن فيقال: ما قيمة سبع سنين، او تسع، او تسع عشرة و اشهر، او عشرين، او ثلاثين، او اربعين، في حساب مکث البشرية طوال تاريخ ها الطويل في الشدائد و المحن و الظلم و الجور.

و الجواب عن ذلک: انه قد ظهر لک انه لا اعتداد باخبار الآحاد في مثل هذه الامور التي لاياتي الاعتقاد بها منها، و حيث لم يصل الينا خبر قطعي من الرسول الصادق المصدق صلي الله عليه و آله و سلم و من اوصيائه و ورثة علمه بتعيين مدة ملکه، فنترک الاحتمالات بحالها، فمنا: انها علي ما في بعض الاخبار تبلغ ثلاثمائة و تسع سنين، و منها: امتداد الزمان، فيکون يوم کشهر، و شهر کسنة و لابعد، فانه کما يوسع المکان و الفضاء، قال الله تعالي: (و انا لموسعون) [6] يوسع الله تعالي الزمان، قال الشبلنجي: السنة من سنيه مقدار عشر سنين. [7] و قال البکري في الهدية: و الذي يلوح للسر الممنوح انه يمتد الزمان، و يتسع له الاوان. [8] و يويد ماقالاه بعض الاخبار. و منها: انها يمتد نظامها بامتداد الرجعة علي بعض التفاصيل المذکورة في الاخبار، و منها غير ذلک.

فان قلت: قد علم ذلک مما ذکرت، و لکن لنا رد هذه الاخبار الواردة في مدة مکه، سيما ماحددتها بمدة قصيرة، مثل: الخمس، والسبع، و التسع، و نحو ذلک بالبيان السابق.

قلت: اولاً: يمکن حمل المدة المعلومة في هذه الاخبار علي الرمز، بشهادة خبر «عقدالدرر» [9] عن اميرالمومنين عليه السلام، و خبر



[ صفحه 270]



«الارشاد» [10] عن ابي عبدالله عليه السلام و بعد هذا الاحتمال لا يجوز رده.

و ثانياً: نقول: لم لا يجوز ان تکون مدة حکمه عليه السلام في کمال استيلائه و سلطنته علي الشرق و الغرب، و امتلاء الارض بالعدل و القسط، عوضاً عن المدة التي تمتلي الارض من الظلم و الجور، و خفاء الحق حتي لا يقول احد: الله، الا متخفياً؟

و اما الجور الذي لا يعم البسيطة، و الباطل الذي يعرض الحق قباله فهو امر يقتضيه طبع هذا العالم المادي، و لا يزول الا في مدة غلبة حکمه علي جميع الارض.

و لا نقول هذا الا علي سبيل ابداء الاحتمال، و بيان عدم جواز رد هذه الاخبار و الحکم عليه بالبطلان کلاً ام بعضاً. و نسال الله الهداية و الامن من الزلة و الضلالة.

هذا و اعلم ان العلامة المجلسي - قدس سره - قال في مقام الجمع بين هذه الاخبار المختلفة في ايام ملکه عليه السلام: بعض ها محمول علي جميع مدة مکه، و بعضا علي زمان استقرار دولته، و بعضها علي حساب ماعندنا من السنين و الشهور، و بعضها علي سنيه و شهوره الطويلة، و الله يعلم. [11] .

و قال الشريف البرزنجي: وردت في مدة ملک المهدي روايات مختلفة، ففي بعض الروايات: يملک خمساً او سبعاً او تسعاً بالترديد، و في بعضها: سبعاً و في بعضها: تسعاً، و في بعضها: ان قل فخمساً



[ صفحه 271]



و ان کثر فتسعاً، و في بعضها: تسع عشرة سنة و اشهراً، و في بعضها: عشرين، و بعضها: اربعة و عشرين، و بعضها: ثلاثين و بعضها: اربعين منها تسع سنين يهادن فيها الروم.

قال ابن حجر في «القول المختصر»: و يمکن الجمع علي تقدير صحة الکل بان ملکه متفاوت الظهور و القوة، فيحمل الاکثر علي انه باعتبار جمع مدة الملک، و الاقل علي غاية الظهور و الاوسط علي الوسط، انتهي.

قلت: و يدل علي ماقاله وجوه:

الاول: انه صلي الله عليه [وآله] وسلم بشر امته و خصوصاً اهل بيته ببشارات، و ان الله يعوضهم عن الظلم و الجور قسطاً و عدلاً، و اللائق بکرم الله ان تکون مدة العدل قدر ما ينسون فيه الظلم و الفتن، و السبع و التسع اقل من ذلک.

الثاني: انه يفتح الدنيا کلها کما فتحها ذوالقرنين و سليمان، و يدخل جميع الآفاق کما في بعض الروايات، و يبني المساجد في سائل يساح [12] فيها ربع او خمس المعمورة سياحةً، فضلاً عن الجهاد و تجهيز العساکر و ترتيب الجيوش و بناء المساجد و غير ذلک.

الثالث: انه ورد ان الاعمار تطول في زمنه کما مر في سيرته، و طولها فيه مستلزم لطوله، و الا لا يکون طولها في زمنه، و التسع و ما دونه ليست من الطول في شي ء.



[ صفحه 272]



الرابع: انه يهادن الروم تسع سنين. الخ [13] و نحوه قاله السفاريني، [14] و الصبان، [15] و شارح القطر الشهدي، [16] و غيرهم.

اقول: يويد ماقاله البرزنجي من ان الاعمار تطول الخبر الذي رواه المفيد في «الارشاد»، و الشيخ في «الغيبة» عن المفضل بن عمر و ان کان لا يخلو من الغرابة، ففيه: روي المفضل بن عمر قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: ان قائمنا اذا قام اشرقت الارض بنورها، و استغني العباد عن ضوء الشمس، و ذهبت الظلمة، و يعمر الرجل في ملکه... الحديث. [17] .

و لا يخفي عليک انا ذکرنا ماذکرنا عن العلامة المجلسي - قدس سره - والبرزنجي و غيرهما استطراداً، و الا فالتحقيق المعتمد عليه في هذا الموضوع ماذکرناه، و الله تعالي اعلم.



[ صفحه 275]




پاورقي

[1] تذکرةالحفاظ: ج 1 ص 3.

[2] و اما الخبر المعارض لواحد منهما اذا لم يکن مبتلي بالمعارض فهو حجة اذا کان واجدا لشرائطها فيخصص او يقيد به عموم الکتاب او اطلاقه، دون ما اذا کان تعارضه مع الکتاب بالتباين فانه لا يجوز الاخذ و الاحتجاج به.

[3] الانبياء: 105.

[4] القصص: 5.

[5] النور: 55.

[6] الذاريات: 47.

[7] نورالابصار: ص 189.

[8] العطر الوردي: ص 70.

[9] تقدم تحت الرقم: 1199.

[10] تقم تحت الرقم 1203.

[11] بحارالانوار: ج 52 ص 280.

[12] هذا في زمانه و في زماننا امکن سياحة جميع المعمورة بمدة اقل من ذلک بکثير، تعد بالايام و الساعات.

[13] الاشاعة: ص 105 و 106.

[14] لوائح الانوارالاهية: ص 20.

[15] اسعاف الراغبين: ص 140 و 141.

[16] العطر الوردي: ص 70.

[17] ارشادالمفيد: ص 363 ف ذکر مدة ملک القائم؛ غيبة الشيخ: ص 280 ف صفاته و منازله و سيرته.