بازگشت

في علة غيبته


اعلم ان اختفاء سبب الغيبة عنا ليس مستلزما لصحة انکار وقوعها،او عدم وجود مصلحة فيها،فان سبيل هذه و سبيل غيرها من الحوادث الجارية بحکمة الله تعالي سواء،فکما انه لاسبيل الي انکار المصلحة في بعض افعاله تعالي مما لم نعلم وجه حکمته و مصلحة لاطريق ايضا الي انکار المصلحة في غيبة وليه و حجته،فان مدارکنا و عقولنا قاصرة عن ادارک فوائد کثير من الاشياء،و سنن الله تعالي في عالم التکوين و التشريع،بل لم نعط مدارک يدرک بها کثير من المجهولات،فالاعتراف بقصور افهامنا اولي،و لنعم ما قاله الشاعر:



و ان قميصا خيط من نسج تسعة

و عشرين حرفا عن معاليه قاصر



وقال بعضهم:



العلم للرحمن جل جلاله

و سواه في جهلاته يتغمغم



ما للتراب و للعلوم و انما

يسعي ليعلم انه لايعلم



و ما احسن ادب من قال: علم الخلائق في جنب علم الله مثل لا شي ء في جنب ما لا نهاية له.

و قال مولانا و سيدنا ابوعبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام فيما روي عنه: «يا ابن آدم،لو اکل قلبک طائر لم يشبعه،و بصرک لو وضع عليه خرق ابرة لغطاه،تريد ان تعرف بهما ملکوت السماوات و الارض!»،والحاصل انه ليس علينا السؤال عن هذه بعد اخبار النبي و المعصومين من اهل بيته صلي الله عليهم اجمعين عن وقوعها،و دلالة الاحاديث القطعية عليها،و بعد وقوعها في الامم السالفة،کما ذکره الامام في رواية سدير الطويلة،قال المفيد - قدس سره -: و ثم ولي لله تعالي يقطع الارض بعبادة ربه تعالي،و التفرد من الظالمين بعمله،و ناي بذلک عن دار المجرمين،و تبعد بدينه عن محل الفاسقين،لايعرف احد من الخلق له مکانا،و لا يدعي انسان منهم له لقاء و لا معه اجتماعا،و هو الخضر عليه السلام موجود قبل زمان موسي الي وقتنا هذا باجماع اهل النقل،و اتفاق اصحاب السير و الاخبار،سائحا في الارض لايعرف له احد مستقرا،و لايدعي له اصطحابا الا ماجاء في القرآن به من قصته مع موسي عليه السلام،و ما يذکره بعض الناس من انه يظهر احيانا و لايعرف،و يظن بعض الناس رآه،انه بعض الزهاد فاذا فارق مکانه توهمه المسمي بالخضر و ان لم يکم يعرف بعينه في الحال و لاظنه،بل اعتقد انه بعض اهل الزمان،انتهي کلامه في «الفصول العشرة». ثم ذکر غيبة موسي و يوسف و يونس و غيرهم. هذا،وقدصرح ابوعبدالله عليه السلام بان وجه الحکمة في غيبته لاينکشف الا بعد ظهوره،و انه من اسرار الله (في حديث عبدالله بن الفضل الهاشمي الحديث الاول من هدا الباب)،فعليه يصح لنا ان نقول: بان السبب الاصلي في حکمته خفي عنا،و لاينکشف تمام الانکشاف الا بعد ظهوره.

نعم،لها فوائد و مصالح معلومة غيره،منها: امتحان العباد بغيبته،و اختبار مرتبة تسليمهم و معرفتهم و ايمانهم بما اوحي الي النبي صلي الله عليه وآله،و بشر به عن الله تعالي،و قد جرت سنة الله تعالي بامتحان بعباده،بل ليس خلق الناس و بعث الرسل،و انزال الکتب الا للامتحان،قال الله تعالي: (انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه)،و قال عز شانه: (الذي خلق الموت و الحيوة ليبلوکم ايکم احسن عملا)،و قال سبحانه: (احسب الناس ان يترکتوا ان يقولوا آمنا و هم لا يفتنون)،و يستفاد من الاخبار التي تقف عليها في هذا الکتاب ان الامتحان بغيبة المهدي عليه السلام من اشد الامتحانات،و ان المتمسک فيها بدينه کالخارط للقتاد.

هذا مضافا الي ان في التصديق و عقد القلب و الالتزام و الايمان بما اخبر به النبي صلي الله عليه وآله و سلم من الامور الغيبية امتحانا و ارتياضا خاصا،و ثمرة لصفاء الباطن و قوة التدين بدين الله تعالي،فامتحان الناس بغيبته عليه السلام يکون عملا و ايمانا و علما،اما عملا: فلما يحدث في زمان الغيبة من الفتن الشديدة الکثيرة،و وقوع الناس في بليات عظيمة بحيث يصير اصعب الامور المواظبة علي الوظائف الدينية. و اما علما و ايمانا فلانه ايمان بالغيب،فلا يؤمن به الا من کمل ايمانه،و قويت معرفته،و خلصت نيته.

و الحاصل ان الناس ممتحنون في الايمان بالله،و التسليم و التصديق بما اخبر به النبي صلي الله عليه وآله و سلم،الا ان الامتحان بالايمان بما کان من الامور الغيبة ربما يکون اشد من غيره،و قد جاء التصريح بوصف هؤلاء المؤمنين في قوله تعالي: (ذلک الکتاب لاريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب...) الآيات،و ذلک لان الايمان بکل ما هو غيب عنا مما اخبر به النبي صلي الله عليه وآله لا يحصل الا لاهل اليقين و المتقين الذين نجوا عن ظلمة الوساوس و الشبهات الشيطانية،و انار نفوسهم نور المعرفة و اليقين و الايمان الکامل بالله و رسله و کتبه.

و منها: انتظار کمال استعداد الناس لظهوره،فان ظهوره ليس کظهور غيره من الحجج و الانبياء،و ليس مبنيا علي الاسباب الظاهرية والعادية،و سيرته ايضا - کما تري في الابواب الآتية - مبنية علي الحقائق،و الحکم بالواقعيات،و رفض التقية و التسامح في الامور الدينية،فالمهدي عليه السلام شديد علي العمال،شديد علي اهل المعاصي،و حصول هذه الامور محتاج الي حصول استعداد خاص للعالم،و رقاء البشر في ناحية العلوم و المعارف،و في ناحية الفکر،و في ناحية الاخلاق،حتي يستعد لقبول تعليماته العالية و برنامجه الاصلاحي.

ومنها: الخوف عن القتل،يشهد التاريخ ان سبب حدوث الغيبة ظاهرا خوفه عن قتله،فان اعداءه - کما ستطلع عليه في الابواب الآتية - عزموا علي قتله اطفاءا لنوره،و اهتماما بقطع هذا النسل الطيب المبارک،و لکن يابي الله الا ان يتم نوره.

و منها: غيرها مما ذکر في الکتب المفصلة.

فان قلت: اي فائدة في وجوده الامام الغائب عن الابصار،فهل وجوده و عدمه الا سواء؟

قلت اولا: ان فائدة وجود الحجة ليست منحصرة في التصرف في الامور ظاهرا،بل اعظم فوائد وجوده ما يترتب عليه من بقاء العالم باذن الله تعالي و امره کما ينادي بذلک قوله صلي الله عليه وآله: «اهل بيتي امان لاهل الارض،فاذا ذهب اهل بيتي ذهب اهل الارض»،و قوله: «لايزال هذا الدين قائما الي اثني عشر اميرا من قريش،فاذا مضوا ساخت الارض باهلها»،و قال اميرالمومنين عليه السلام: «اللهم بلي،لا تخلو الارض من قائم لله... الخ» و سيجي ء في الباب الآتي بعض الاحاديث في انتفاع الناس منه في غيبته.

و ثانيا: ان عدم تصرفه ليس من قبله،و المسؤولية في عدم تصرفه متوجهة الي رعيته،و اشار الي الوجهين المحقق الطوسي في «التجريد» بقوله: «وجوده لطف،و تصرفه لطف آخر،وعدمه منا».

و ثالثا: نقول: انا لانقطع علي انه مستتر عن جميع اوليائه - کما في الشافي و تنزيه الانبياء - فاذا لامانع عن تصرفه في بعض الامور المهمة بواسطة بعض اوليائه و خواصه و انتفاعهم منه.

و رابعا: ما هو المسلم و المعلوم استتاره عن الناس،و عدم امکان الوصول اليه في الغيبة الا لبعض الخواص - و غيرهم احيانا لبعض المصالح - و لکن لايلازم هذا استتار الناس عنه صلوات الله عليه،فانه کما يستفاد من الروايات يحضر الموسم ايام الحج،و يحج،و يزور جده و آباءه المعصومين،و يصاحب الناس،و يحضر المجالس،و يغيث المضطر،و يعود بعض المرضي و غيرهم،و ربما يتکفل بنفسه الشريفة - جعلني الله فداه - قضاء حاجاتهم. و المراد من عدم امکان الوصول اليه في زمان الغيبة عدم امکان معرفته بعينه و شخصه.

و خامسا: لايجب علي الامام ان يتولي التصرف في الامور الظاهرية بنفسه،بل له تولية غيره بالخصوص کما فعل في زمان غيبته الصغري،او علي نحو العموم کما فعل في الغيبة الکبري،فنصب الفقهاء و العلماء العدول العالمين بالاحکام للقضاء،و اجراء السياسات،و اقامة الحدود،و جعلهم حجة علي الناس،فهم يقومون في عصر الغيبة بحفظ الشرع ظاهرا،و بيان الاحکام،و نشر المعارف الاسلامية،و دفع الشبهات،و بکل ما يتوقف عليه نظم امور الناس. و تفصيل ذلک يطلب من الکتب الفقهية،و ان شئت زيادة التوضيح فيما ذکر فعليک بالرجوع الي کتب اکابر اصحابنا کالمفيد،و السيد،و الشيخ و الصدوق،و العلامة،و غيرهم جزاهم الله عن الدين افضل الجزاء.

و فيه 9 احاديث



[ صفحه 264]



632- [1] کمال الدين: حدثنا عبدالواحد بن محمد بن عبدوس العطار - رضي الله عنه - قال: حدثني علي بن محمد بن قتيبة النيسابور يقال: حدثنا حمدان بن سليمان النيسابوري،قال: حدثني احمد بن عبدالله بن جعفر المدائني،عن عبدالله بن الفضل الهاشمي،قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول: ان لصاحب



[ صفحه 265]



هذا الامر غيبة لابد منها،يرتاب فيها کل مبطل،فقلت: و لم جعلت فداک؟ قال: لامر لم يؤذن لنا کشفه لکم،قلت: فما وجه الحکمة في غيبته؟ قال: وجه الحکمة في غيبته وجه الحکمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالي ذکره،ان وجه الحکمة في ذلک لاينکشف الا بعد ظهوره،کما لم ينکشف وجه الحکمة فيما اتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة،و قتل الغلام،و اقامة الجدار لموسي عليه السلام الا وقت افتراقهما،يا ابن الفضل! ان هذا الامر امر من [امر] الله تعالي،و سر من سر الله،و غيب من غيب الله،و متي علمنا انه عزوجل حکيم صدقنا بان افعاله کلها حکمة،و ان کان وجهها غير منکشف.

633- [2] کمال الدين: محمد بن عصام الکليني،عن محمد بن يعقوب الکليني،عن اسحاق بن يعقوب،عن صاحب الزمان صلوات الله عليه في آخر التوقيع الوارد في جواب کتابه الذي سال محمد بن عثمان العمري ان يوصل اليه عجل الله فرجه: اما علة ما وقع من الغيبة فان الله عزوجل يقول: (يا ايها الذين آمنوا لا تسئلوا عن اشياء ان تبد لکم تسؤکم)،انه لم يکن لاحد من آبائي عليهم السلام الا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه،و اني اخرج حين اخرج و لابيعة لاحد من الطواغيت في عنقي،و اما وجه الانتفاع بي في غيبتي فکالانتفاع بالشمس اذا غيبها عن الابصار السحاب،و اني لامان لاهل الارض کما ان النجوم امان لاهل السماء،فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيکم،و لا تکلفوا علم ما قد کفيتم،و اکثروا الدعاء بتعجيل الفرج،



[ صفحه 266]



فان ذلک فرجکم،و السلام عليک يا اسحاق بن يعقوب،و علي من اتبع الهدي.

634- [3] عيون اخبار الرضا: محمد بن ابراهيم بن اسحاق،عن احمد بن محمد الهمداني،عن علي بن الحسن بن علي بن فضال،عن ابيه،عن ابي الحسن علي بن مسوي الرضا عليهماالسلام،قال: کاني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي کالنعم،يطلبون المرعي فلا يجدونه،قلت: و لم ذلک يا ابن رسول الله؟ قال: لان امامهم يغيب عنهم،فقلت: و لم؟ قال: لئلا يکون في عنقه لاحد بيعة اذا قام بالسيف.

635- [4] غيبة الشيخ: الحسين بن عبيدالله،عن ابي جعفر محمد بن سفيان البزوفري،عن احمد بن ادريس،عن علي بن محمد بن قتيبة،عن الفضل بن شاذان النيسابوري،عن الحسن بن محبوب،عن علي بن رئاب،عن زرارة،قال: ان للقائم غيبة قبل ظهوره،قلت: [و] لم؟ قال: يخاف القتل.

و يدل عليه ايضا الروايات: 669،656،654،626،337.



[ صفحه 267]




پاورقي

[1] کمال الدين: ج 2 ص 482-481 ب 11 ح 44؛ علل الشرائع: ص 246-245 ح 8؛ البحار: ج 52 ص 91 ب 20 ح 4؛ اثبات الهداة: ج 3 ص 488 ب 32 ف 5 ح 217 مختصرا.

[2] کمال الدين: ج 2 ص 485-483 ح 4؛ غيبة الشيخ: ص 293-290 ح 247؛ اعلام الوري ر 4 ق 2 ب 3 ف 3؛ کشف الغمة: ج 2 ص 532-530؛ الخرائج و الجرائح: ج 3 ص 1117-1113 ح 30؛ الاحتجاج: ج 2 ص 284-281؛ البحار: ج 53 ص 182-180 ب 31 ح 10،و ج 75 ص 380 ب 30 ح 1 عن الدرة الباهرة.

[3] عيون اخبار الرضا: ج 1 ص 273 ب 28 ح 6؛ کمال الدين: ج 2 ص 480 ب 44 ح 4؛ البحار: ج 51 ص 152 ب 8 ح 1.

اقول: و المراد بالثالث الامام ابومحمد الحسن والد الحجة،و بالامام الذي يغيب،ابنه الحجة عليهماالسلام.

[4] غيبة الشيخ: ص 332 ح 274؛ الکافي: ج 1 ص 338 ب 138 ح 9 نحوه عن ابن بکير عن زرارة؛ غيبة النعماني: ص 176 و 177 نحوه بطرق متعددة و الفاظ متقاربة ح 19 و 20 و 21 و 22 عن ابن بکير؛ علل الشرائع: ص 246 ح 9؛ کمال الدين: ج 2 ص 481 ب 44 ح 9 و عن ابن بکير و عن خالد بن نجيح الجوان و ابن بکير عن زرارة نحوه ح 7 و 8 و 10؛ اثبات الهداة: ج 6 ص 359 ح 23 نحوه مع اختلاف في الرواة و اختلاف يسير في المعني.