بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفي علي کل من له المام باتاريخ و الآثار والأحاديث تواتر البشارات المروية عن النبي و آله صلي الله عليه و عليهم و عن اصحابه في ظهور االمهدي عليه السلام [1] في آخر الزمان،و طلوع شمس وجوده لازالة ظلمة الحهل،و رفع الظلم و الجور،و نشر أعلام العدل،و أعلاء کلمة الحق،و اظهار الدين کله و لو کره المشرکون. فهو باذن الله تعالي يخلص



[ صفحه 6]



العالم من ذل العبودية لغير الله،و يلغي العادات و الأخلاق الذميمة،و يرفض القوانين الناقصة التي أحدثتها أفراد البشر حسب أهوائهم،و يمييت جميع مايورث العداوة و البغضاء و يقطع أواصر التعصبات،التعصب القومي و العنصري،التعصب الوطني،و غير ذلک مما هو سب لاختلاف الامة و افتراق الکلمة،و اشتعال نيران الفتن و المنازعات.

و سيحقق الله بظهوره وعده الذي وعده في قوله تعالي: (وعد الله الذين آمنوا منکم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض کما استخلف الذين من قبهم و ليمکنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا). و قوله جل و عز: (و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين)،و سيأتي عصر ذهبي لا يبقي فيه علي الارض بيت الا أدخله الله کلمة الاسلام،و لا تبقي قرية الا و ينادي فيها بشهادة أن لا اله الا الله بکرة و عشيا.

و هذا أمر ربما لا يکون من يدعي اتفاق المسلمين فيه،و اجماعهم عليه مجازفا،کيف و قد ادعي المهدوية غير واحد في الصدر الأول و في الأزمنة التي کان الناس فيها قريبي عهد بزمن النبي صلي الله عليه وآله و سلم و الصحابة و التابعين،و لهم نعهد أحدا من هولاء رد دعواهم بانکار أصل هذه البشائر بل ناقشوهم في الخصوصيات و الصغريات.

و ليس في المسائل النقلية التي لاطريق لاثباتها الا السمع ما يکون الايمان به أولي من الايمان بظهور المهدي عليه السلام لولم نقل بکونه أولي من بعضها؛ لأن البشارات الواردة فيه قد تجاوزت عن مرتبة التواتر،مع أن الأحاديث المنقولة في کثير مما اعتقده المسلون و غيرهم لم تبلغ تلک المرتبة،بل ربما لا توجد لبعض ذلک الا رواية واحدة و مع ذلک



[ صفحه 7]



يعد عندهم من الامور المسلمة. فاذا کيف يصح للمسلم المؤمن بما جاء به الرسول صلي الله عليه وآله و سلم و اخبر به أن يرتاب في ظهوره عليه السلام مع هذه الروايات الکثيرة؟!

ولا تخدش هذه الأخبار بضعف السند في بعضها و غرابة المضامين و استبعاد وقوعها في بعض آخر منها،فان ضعف السند في بعضها لا يضر بغيره مما هو في غاية الصحة و المتانة سندا و متنا،و الا يلزم رفع اليد عن جميع الأحاديث الصحيحة لمکان بعض الأخبار الضعيفة مع أن اشتهار مفادها بين کافة المسلمين،و کون أکثر مخرجيها من أئمة الاسلام،و أکابر العلماء،و أساتذة فن الحديث موجب للقطع بمضمونها،هذا،مضافا الي أن ضعف السند انما يکون قادحا اذا لم يکن الخبر متواترا،وأما في المتواتر منه فليس ذلک شرطا في اعتباره.

و أما استبعاد وقوع ما ذکر فيها من الامور الغريبة فجوابه: أنه ليس للاستبعاد و الاستغراب قيمة في المسائل العلمية سيما النقلية منها،و لو فتح هذا الباب لزم رد کثير من العقائد الحقة الثابتة بأخبار الأنبياء مما ليس للعلم به أو بخصوصياته طريق الا من الشرع،مثل: بعض کيفيات المعاد و الصراط و الميزان و الجنة و النار و غيرها،و قد استبعد المشرکون بشارات النبي صلي الله عليه وآله بظهور دينه و غلبة کلمته في أول البعثة حيث کان الاسلام منحصرا بالنبي صلي الله عليه وآله و سلم و علي و خديجة عليهماالسلام،بل يعد ذلم عندهم من المحالات العادية،و لذا قالوا: «يا أيها الذي نزل عليه الذکر انک لمجنون»؛ لاخباره عن امور کانت عندهم من الممتنعات بحسب العادة و الأسباب الظاهرة و لکن لم تمض الا أيام معدودة حتي جعل الله کلمته هي العليا،و کلمة الذين کفروا السفلي،



[ صفحه 8]



و دانت له العرب،و خضعت للاسلام و المسلمين أعناق جبابرة العرب و العجم،هذا،مع أنه ليس في موضوع المهدي عليه السلام ماهو أغرب و أعجب من المعجزات المنقولة عن الأنبياء و سنن الله تعالي في الامم الماضية کاحياء الموتي و ابراء الأکمه و الأبرص،و معجزات ابراهيم و موسي و غيرهما من الأنبياء عليهم السلام و غيبتهم عن قومهم.

فأذن لا وجه للاستغراب و الاستبعاد في هذه الأحاديث المتواترة التي بعض رواتها مکي،و بعضهم مدني،و بعضهم کوفي،و بعضهم بصري،و بعضهم بغدادي،و بعضهم رازي و بعضهم قمي،و بعضهم شيعي،و بعضهم سني،و بعضهم أشعري،و بعضعم معتزلي،و بعضهم کان في العصر الأول،و بعضهم غيره و من الأعصار؛ لامتناع اجتماع هؤلاء مع بعد مساکنهم و مواطنهم،و اختلاف أعصارهم و آرائهم و مذاهبهم في مجلس واحد،و اتفاقهم علي نقل هذه الأحاديث کذبا،مع أن احتمال الکذب في کثير منها بالخصوص أيضا في غاية الضعف و الفساد؛ لکون رواته من المعروفين بالوثاقة،و من أعاظم العلماء و رجالات الدين و الزهد و العبادة،فلو ترکنا الأخذ بها ما بقي مجال للاستناد الي الأخبار المأثورة عن النبي و عترته عليهم السلام في جميع أبواب الفقه و غيره،و لزم أن نرفع اليد عن التمسک بالأخبار المعتبرة في امورنا الدنيوية و الدينية مع استقرار بناء العقلاء من المسلمين و غيرهم عليه. و هذا الاستبعاد هو عمدة ما اعتمد عليه المخالفون،و اعترضوا به علي الشيعة من غير التفات الي مايؤول اليه أمره مما لم يلتزم به أحد من المسلمين و غيرهم،و سيجي ء زيادة توضيح لذلک ان شاء الله تعالي.

و قد صرح بتواتر هذه الأخبار و اشتهار ظهوره عليه السلام بين



[ صفحه 9]



المسلمين و اتفاق العلماء عليه جماعة من أعلام أهل السنة، [2] کما قد



[ صفحه 10]



أخرج هذه الاحاديث جماعة من اکابر ائمتهم في الحديث،کاحمد،



[ صفحه 11]



و أبي داود،و ابن ماجة،و الترمذي،و البخاري،و مسلم،و النسائي،و البيهقي،و الماوردي،و الطبراني،و السمعاني،و الروياني،و العبدري،و الحافظ عبد العزيز العکبري في تفسيره،و ابن قتيبة في غريب الحديث،و ابن السري،و ابن عساکر،والدار قطني في مسند سيدة نساء العالمين



[ صفحه 12]



فاطمة الزهراء،والکسائي في المبتدا،و البغوي،و ابن الاثير،و ابن الديبع الشيباني،و الحاکم في المستدرک،و ابن عبد البر في الاستيعاب،و الحافظ ابن مطيق،و الفرعاني،و النميري،و المناوي،و ابن شيرويه الديلمي،و سبط ابن الجوزي،و الشارح المعتزلي،و ابن الصباغ المالکي،و الحموي،و ابن المغازي الشافعي،و موفق بن احمد الخوارزمي،و محب الدين الطبري،و الشبلنجي،و الصبان،و الشيخ منصور علي ناصف،و غيرهم.

ولا يذهب عليک ان ظهور المهدي عليه السلام في آخر الزمان موضوع کثر في شانه تصنيف الکتب،و تحرير الرسائل و المقالات الجامعة من عصر الامام ابي محمد الحسن العسکري عليه السلام الي العصر الحاضر فقلما يوجد من علماء الامامية من لم يکن له کتاب خاص او مقالة و کلمة خاصة في هذا الموضوع،و في مراجعة بعضها غني و کفاية لطلاب الحقيقة،هذا مضافا ألي ما صنفه في ذلک بعض العماء من اهل السنة،کالحافظ ابي نعيم الاصبهاني صاحب کتاب «صفة المهدي» و «مناقب المهدي» و الکنجي الشافعي «البيان في اخبار صاحب الزمان»،و ملا علي المتقي صاحب «البرهان في علامات مهدي آخر الزمان»،و عباد بن يعقوب الرواجني صاحب کتاب «اخبار المهدي»،و السيوطي صاحب «العرف الوردي في اخبار المهدي»،و ابن احجر صاحب «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر»،و الشيخ جمال الدين يوسف بن يحيي الدمشقي صاحب «عقد الدرر في اخبار الامام المنتظر»،و غيرهم،و افرد في ترجمته ايضا علي ما في السيرة الحلبية بعضهم کتابا حافلا سماه: «الفواصم عن الفتن القواصم».



[ صفحه 13]



و انما الباعث لتقديم هذا الکتاب الي القراء الکرام ايضاح بطلان دعوي من ادعي المهدوية و الامامة في عصر الغيبة،و خصوصا الازمنة الاخيرة،و هذه فائده يکون المسلمون في حاجة عظيمة اليها في عصرنا،فان اعداءنا لايزالون يتمسکون باية وسيلة حصلت لهم في تشتيت کلمة المسلمين،و ايقاد نار الاختلاف و الخصومات بينهم حتي يسهل عليهم طريق الاستعمار و الاستعباد،و التغلب علي البلاد و العباد،ولعمر الحق لم يذل المسلمين الا اختلافهم و تخصاصمهم،و لم يغلب اصحاب الباطل و الکفر علي انصار الحق و الاسلام الا لما وقع بينهم من المنازعات و المنابذات.

و مما تعتبره تلک الايدي الاثيمة،والاهواء الفاسدة سببا لتشتت کلمة المسلمين،و اشتغالهم بالمجادلات الداخلية عوضا عن المدافعات الخارجية هو مسالة المهدي ارواحنا فداه، [3] فقد بعث لهذه الاغراض في



[ صفحه 14]



بعض الاقطار - کايران و الهند و أفريقية - لادعاء المهدوية بعض من



[ صفحه 15]



السفلة،و طالبي الرئاسة،و المعروفين بسوء الاخلاق و نقصان المشاعر و المدارک و دناءة المرتبة،و غفلوا أو تغافلوا عما في هذه الاخبار من الصفات و السمات و العلامات و الآثار و الآثار و الآيات و النسب الشريف و الحسب الرفيع مما لم يمکن تحققه عادة الا في شخص واحد،و هو الامام الثاني عشر ابوالقاسم الحجة ابن الامام ابي محمد الحسن العسکري بن ابي الحسن علي الهادي بن ابي جعفر محمد الجواد بن ابي الحسن علي الرضا بن ابي الحسن موسي الکاظم بن ابي عبدالله جعفر الصادق بن ابي جعفر محمد الباقر بن ابي الحسن علي زين العابدين بن ابي عبدالله الحسين سيد الشهداء بن اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب عليهم السلام،و هو الذي يملا الارض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا،و يفتح مشارق الارض و مغاربها،و يجعل الاسلام دينا عالميا حتي لا يبقي في الارض احد يعبد غير الله،و لا تبقي قرية الا نودي فيها شهادة ان لا أله الا الله و ان محمد رسول الله،و هو الذي ينادي جبرئيل عند ظهوره باسمه و اسم ابيه من السماء فيسمع من في المشرق و المغرب،و هو صاحب الصفات و العلامات التي سنذکر ان شاء الله نبذة منها،و لا تنطبق علي غيره کائنا من کان فضلا عن المسکين الذي اخذ و سجن و بقي في السجن حتي صلب،و لم يتم له امر،و لم يملک امر نفسه فضلا عن امره غيره،و لکن مع وضوح ذلک ربما يتوهم بعض الغافلين مبني لتلک الدعاوي الباطلة؛ لعدم عثوره علي ماورد في المهدي عليه السلام من الآيات و الاحاديث،و في انه هو الشخص الخاص المعين الذي لا ييشتبه علي احد بنسبه و حسبه و صفاته،فجمعنا طائفة من هذه الاخبار و استخرجناها من الکتب المعتبرة عند الخاصة و العامة بحيث لا يبقي مجال



[ صفحه 16]



للشبهات،و هذه فائدة جليلة عظيمة.

وهنا فوائد اخري لجمع هذه الاخبار علي هذا الترتيب و التفصيل لا بأس بالتنبيه علي بعضها:

منها: ان اعتقاد الشيعي في عصر الغيبة بوجود المهدي عليه السلام،و ظهوره في آخر الزمان ليس مانعا من اجتماع کلمة المسلمين،و رفض الاختلافات المضرة بمجدهم و شوکتهم،فان هذه عقيدة محضة خالصة نشأت عن هذه البشائر،و ليست مخالفة لما بني عليه الاسلام او دل عليه صريح او ظاهر من الکتاب او السنة القطعية،بل عقيدة انبعثت عن الاعتقاد بصدق النبي الکريم صلي الله عليه وآله و سلم صاحب هذه البشائر،فيجب ان يعامل السني في هذه المسالة معاملته مع غيرها من المسائل التي التي اختلفت فيها انظار علمائهم،و يتحري الحقيقة فيها کما يتحري في غيرها.

ومنها: ترک التکرار،فاني بعد ما تصفحت ما وقع بيدي من الکتب المصنفة في هذا الموضوع قديما و حديثا لم اجده خاليا عن التکرار؛ لان کثيرا من الاحاديث لم يتکفل بيان مطلب خاص حتي يستغني بنقله في باب عن ذکره في سائر الابواب بل اشتمل علي جهات و فوائد توجب ذکره في عدة من الابواب،و هذا هو السبب لوقوع التکرار في کتب حديث الفريقين تارة،و تقطيع الاخبار تارة اخري،فاحترزت عنها بالاشارة الي الاحاديث المذکورة في سائر الابواب مع ذکر مواضعها و عددها في خاتمة کل باب.

ومنها: معرفة تواتر عناين کثير من الابواب.

هذا،و قد ذکرنا في الجزء الاول بعض الاخبار الواردة في الائمة



[ صفحه 17]



الاقني عشر عليهم السلام؛ لکمال دخلها فيما نحن بصدده،و الآن نشرع فيما ورد في المهدي عليه السلام و في صفاته و حالاته من طرق الفريقين ان شاء الله تعالي،و لما کان استقصاء الاخبار الماثورة في ذلک فوق حد الواسع و المجال،و لايحصل الا لاوحدي من جهابذة فن الحديث و اکابر العماء اقتصرنا بنقل ما يوضح الحق في ذلک الباب،و يحصل به الغرض الذي لاجله دون هذا الکتاب،و علي من يطلب المزيد الرجوع الي تصنيفات الاصحاب.

کانت هذه المقدمة للکتاب في طبعته الاولي قبل اکثر من اربعين سنة،و قد توفقنا - و الحمدلله - في هذه الطبعة الجديدة الي تأليف مجلد کامل في احاديث الائمة الاثني عشر عليهم السلام،و جعلناه المجلد الاول،و قمنا بتنقيح الکتاب القديم حتي جاء کانه کتاب جديد و جعلناه المجلدين الثاني و الثالث و رتبنا المجلدات الثلاث علي احد عشر بابا و اربعة و تسعين فصلا،کما توفقنا لاضافة بحوث روائية حول موضوعات ترتبط بالامام المهدي عليه السلام،و جعلناها آخر المجلد الثالث.

نسال الله تعالي ان يوفقنا لما يوجب رضوانه،و يعيذنا عن التعصب و الاعتساف،و يهدينا الي سبيل الحق و الانصاف،و ان يجعل اعمالنا خالصة لوجهه الکريم،و ذخيرة ليوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم.

المؤلف



[ صفحه 20]




پاورقي

[1] قال في النهاية: المهدي الذي قد هداه الله الي الحق،و قد استعمل في الاسماء حتي صار کالأسماء الغالبة،و به سمي المهدي الذي بشر به رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم انه يجي ء في آخر الزمان. و في لسان العرب: المهدي الذي قد هداه الله الي الحق،و قد استعمل في الاسماء حتي صار کالاسماء حتي صار کالأسماء الغالبة و به سمي المهدي الذي بشر به النبي صلي الله عليه و آله و سلم انه يجي ء في آخر الزمان.

وفي تاج العروس: و المهدي الذي قد هداه الله الي الحق،و قد استعمل في الأسماء حتي صار کالأسماء الغالبة،و به سمي المهدي الذي بشر به أنه يجي ء في آخر الزمان. جعلنا الله من انصاره.

[2] قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ط مصر ج 2 ص 535): قد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين علي أن الدنيا و التکليف لا ينقضي الا عليه. و قال بعضهم في حاشيته علي صحيح الترمذي (ص 46 ج 2 ط دهلي سنة 1342): قال الشيخ عبدالحق في اللمعات: قد تظاهرت الأحاديث البالغة حد التواتر في کون المهدي من أهل البيت من أولاد فاطمة. و قال الصبان في اسعاف الراغبين (ب 2 ص 140 ط مصر سنة 1312): وقد تواترت الأخبار عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بخروجه،و أنه من أهل بيته،و انه يملا الارض عدلا. و قال الشبلنجي في نور الأبصار (ص 155 ط مصر سنة 1312): تواترت الأخبار عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه من أهل بيته،و أنه يملا الأرض عدلا. و قال ابن حجر في الصواعق (ص 99 ط المطبعة و الميمنة بمصر): قال ابوالحسين الابري: قد تواترت الاخبار،و استفاضت بکثرة رواتها عن المصطفي صلي الله عليه وآله و سلم بخروجه،و انه من اهل بيته،و انه يملک سبع سنين،و انه يملا الارض عدلا،و انه يخرج مع عيسي فيساعده علي قتل الدجال بباب لد بارض فلسطين،و انه يوم هذه الامه و يصلي عيسي خلفه. و قال السيد احمد بن السيد زيني دحلان مفتي الشافعية في الفتوحات الاسلامية (ج 2 ص 211 ط مصر سنة 1323): و الاحاديث التي جاء فيها ذکر ظهور المهدي کثيرة متواتره فيها ماهو الصحيح،و فيها ما هو حسن،و فيها ما هو ضعيف و هو الاکثر،لکنها لکثرتها و کثيرة مخرجيها يقوي بعضها بعضا حتي صارت تفيد القطع،لکن المقطوع به انه لابد من ظهوره،و انه من ولد فاطمة،و انه يملا الارض عدلا،نبه علي ذلک العلامة السيد محمد بن رسول البرزنجي في آخر الاشاعة،و اما تحديد ظهوره بسنه معينه فلايصحح؛ لان ذلک غيب لا يعلمه الا الله و لم يرد نص من الشارع بالتحديد. و قال السويدي في سبائک الذهب (ص 78): الذي اتفق عليه العلماء ان المهدي هو القائم في آخر الوقت،و انه يملا الارض عدلا،و الاحاديث فيه و في ظهوره کثيرة ليس هذا الموضع محل ذکرها؛ لان هذا الکتاب لايستع لنقل مثل هذا. و قال ابن خلدون في المقدمة (ص 367): اعلم ان المشهور بين الکافة من اهل الاسلام علي ممر الاعصار انه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من اهل البيت يويد الدين،و يظهر العدل،و يتبعه المسلمون،و يستولي علي المالک الاسلاميه،و يسمي بالمهدي. و قال الشيخ منصور علي ناصف في غايه المامول (ج 5 ص 362،الباب السابع: في الخليفة المهدي رضي الله عنه): اشتهر بين العلماء سلفا و خلفا انه في آخر الزمان لابد من ظهور رجل من اهل البيت يسمي المهدي يستولي علي المالک الاسلاميه،و يتعبه المسلمون،و يعدل بينهم،و يويد الدين،و بعده يظهر الدجال،و ينزل عيسي عليه السلام فيقتله او يتعاون عيسي مع المهدي علي قتله،و قد روي احاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة،و خرجها اکابر المحدثين کابي داود،و الترمذي و ابن ماجة،و الطبراني،و ابي يعلي،و البزار،و الامام احمد،و الحاکم رضي الله عنهم اجمعين،و لقد اخطا من ضعف احاديث المهدي کلها کابن خلدون و غيره،و قال في (ج 5 ص 381): فائدة: اتضح مما سبق ان المهدي المنتظر من هذه الامة،و ان الدجال سيظهر في آخر الزمان،و ان عيسي عليه السلام سينزل و يقتله،و علي هذا اهل السنة سلفا و خلفا،و قال في (ج 5 ص 382): قال الحافظ في فتح الباري: تواترت الاخبار بان المهدي من هذه الامة و ان عيسي عليه السلام سينزل و يصلي خلفه،و قال الحافظ ايضا: الصحيح ان عيسي رفع الي السماء و هو حي،و قال الشوکاني في رسالته المسماة بالتوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر و الدجال و المسيح: و قد ورد في نزول عيسي تسعة و عشرون حديثا،ثم سردها و قال بعد ذلک: و جميع ما سقناه بالغ حد التواتر کما لا يخفي علي من له فضل اطلاع،فتقرر بجميع ما سقناه ان الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة،و الاحاديث الواردة في الدجال متواترة،و الاحاديث واردة في نزول عيسي عليه السلام متواترة،و هذا يکفي لمن کان عنده ذرة من ايمان،و قليل من انصاف،و الله اعلي و اعلم،(انتهي کلام غاية المامول).

و قال الکنجي الشافعي في البيان (ب 11): تواترت الاخبار و استفاضت بکثرة رواتها عن المصطفي صلي الله عليه وآله و سلم في امر المهدي عليه السلام. و قال احمد أمين في المهدي و المهدوية (ص 106): و قدر قرأت رسالة للاستاذ احمد بن محمد الصديق في الرد علي ابن خلدون سماها «ابراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون»،و قد فند کلام ابن خلدون في طعنه علي الاحاديث الواردة في المهدي،واثبت صحة الاحاديث،و قال: انها بلغت حد التواتر،و نقل احاديث اخري لم يذکرها ابن خلدون،و کان من رده عليه: ان ابن خلدون قال: انه لم يخلص من هذه الاحاديث التي وردت في المهدي الا القليل او الاقل منه،فساله في صراحة،وماذا تصنع بذلک القليل،هل لا يومن بالقليل الا اذا اشتهر او تواتر؟! کلا لا يمکن ذلک؛ لانه لا يري هذا الراي،و لا رآه احد قبله و لا بعده،ثم نقده ايضا في انه احتج في مواضع اخري من تاريخه باحاديث افراد ليس لها الا مخرج واحد،و في ذلک المخرج مقال،اتراه اذا وافق الحديث هواه قبله،و لو کان صحيحا؟؟ (الي ابن قال): ثم قال: انه يؤمن باحاديث المهدي لما ورد فيه من الأحاديث الصحيحة و الحسنة،و ان ابن خلدون مبتدع،و المبتدعة اقسام: منهم من کفر ببدعته کالمجسم و منکر علم الله في الجزئيات،و منهم من لا يکفر ببدعته و هو من ابتدع شيئا دون ذلک،و ربما عد ابن خلدون من هذا القبيل،و قد اطال في ذلک،و خالف ابن خلدون في دعواه الکذب او الضعف في کل من روي عنه ابن خلدون،وروي عن جماعة من اهل العلم قالو شعرا في المهدي يثبتون وجوده مثل:



و خبر المهدي ايضا وردا

ذا کثرة في نقله فاعتضدا



و مثل قول السيوطي:



و ما رواه عدد جم يجب

احالة اجتماعهم علي الکذب



و قد رد علي ابن خلدون ايضا کما ذکره في المهدي و المهدوية (ص 110)ابوالطيب بن احمد بن ابي الحسين الحسيني في رسالته التي سماها «الاذاعة لما کان و ما يکون بين يدي الساعة» وعد اقواله زلة له،و استخلص اخيرا ان المهدي يظهر في آخر الزمان،و ان انکار ذلک جراة عظيمة و زلة کبيرة.

و نقل القول بتواتر هذه الاحاديث في «کفاية الموحدين» عن الشافعي،و ذکر في کتاب «ابرهان في علامات مهدي آخر الزمان» (ب 13) فتاوي اربعة من علماء المذاهب الاربعة،و هم: الشيخ ابن حجر الشافعي مؤلف القول المختصر،و ابوالسرور احمد بن ضياء الحنفي،و محمد بن محمد المالکي،و يحيي بن محمد الحنبلي في المهدي عليه السلام،و قد تضمنت فتاواهم صحة القول بظهور المهدي،و انه قد وردت الاحاديث الصحيحة فيه و في صفته وصفتة خروجه،و ما يظهر من الفتن قبل ذلک کخروج السفياني و الخسف و غيرها. و صرح ابن حجر بتواترها،و انه من اهل البيت،و يملک الارض شرقها و غربها،و يملاها عدلا،و ان عيسي يصلي خلفه،و انه يذبح السفياني،و يخسف بجيشه الذي يرل به الي المهدي بالبيداء بين مکة و المدينة.

[3] نشر الدکتور احمد امين المصري رسالة اسماها «الهمدي و المهدوية»،ورد بزعمه احاديث المهدي،واعتمد في رده علي وجوه سقيمة،احدها: ضعف الاحاديث الواردة فيه،و قد قرأت الجواب عنه،و ثانيها: مخالفة متونها لحکم العقل،و جوابه: انا لا نري في ظهور مصلح في آخر الزمان من اهل البيت من ولد فاطمة صاحب الصفات و اعلامات المذکورة في هذا الکتاب لتاييد الدين،و تکميل النفوس،و تطهير الارض من الشرک و الظلم و تخليصها من ايدي الجبارة و الظلمة مخالفة لحکم العقل،ولو وجد في بعض احاديثه ما يستبعد عادة و قوعه فليس مضرا بغيره من الاخبار الکثيرة مع ان الاستبعاد لا يوجب رفع اليد عن هذا البعض ايضا کما او ضحناه في المتن،و ثالثها: و هو عمدة ما يدور کلامه حوله في رسالته ان لفکرة المهدي و المهدوية في الاسلام تاريخا طويلا محزنا؛ لکثرة الثورات و الحرکات باسم المهدي،و مانال البلاد الاسلامية من الضعف الذي سببته هذه الثورات،و ذکر تأييدا لنظريته بعض الحوادث المتصلة بزعمه بفکرة المهدوية تنبي عن عدم اطلاعه و تدربه في هذا الفن،و عدم بصيرته بمعرفة الفرق،و مبادئها و احصائياتها ان لم نقل بانه ماکتب هذه الرسالة لا ستنتاج نتيجة تاريخية بل کتبها اما لتفريق کلمة المسلمين و منعهم عن الاعتصام بالوحدة الاسلامية حبل الله المتين،و اما تاييدا لبعض الفرق الضالة و الآراء الخبيثة التي اوجدتها ايدي الاستعمار الجانية في البلاد الاسلامية؛ لانه ذکر فيها امورا لاتخفي بطلانها علي من يقرا الصحف و المجلات و تواريخ الفرق السياسية،و لا يکفي في دفع ذلک اعتذاره بقلة المصادر فانه لم يکلف بتحرير مثل هذه الرسالة حتي يعتذر عما وقع فيها من الخلط و الاشتباه و متعابعة هواه،بل کان الواجب عليه ترک ذلک،و ان يدعه لاهله (اذا لم تستطعع شيئا فدعه)،لکن احمد امين لم يلتفت الي ذلک،کما انه لا يهمه تشويه منظرة الدين و ايقاع الامة الاسلامية في الشبه و الشکوک و لعله و من يحذو حذوه يري من الثقافة انکار الحقائق ورد الاحاديث او عطفها علي ما يهوي.

و مهما کان الامر فالجواب عما اسس عليه نظريته: انه اذا کان ماذکر هو الميزان لتميز الحق و الباطل فيلزم عليه انکار جميع الحقائق الثابتة المسلمة التي لا سبيل له الي انکارها،افيري احمد امين انکار التبوات لما وقع من الثورات باسم الانبياء اضعاف ماوقع باسم المهدي؟ او ينکر (العياذ بالله) وجود الاله تبارک و تعالي لان کثيرا من الناس اتخذوا من دونه اندادا و استعبدوا عباد الله؟ او ينکر حقيقة العدل و حسن الاصلاح لان اکثر الناهضين بالثورات و الدعايات انما شرعوا دعواهم باسم العدل و الاصلاح،مع انهم لم يقوموا الا لاثارة الشر و القاء الفساد و لم تبعثهم الي ذلک الا المطامع و الاهواء؟

و واقع الامر ان سبب نجاح ارباب هذه الثورات في الجملة عدم اهتداء الناس - کاحمد امين - الي معني المهدي،و جهلهم بما ذکر له في الاحاديث من الآيات و العلامات،هذا،وقد جاء بعضهم بوجه أوهن من بيت العنکبوت لرد هذه الاحاديث،و هو ان فکرة المهدوية تورث القنوط و القعود عن العمل،و تمنع عن السير نحو التقدم و الترقي! و ليت شعري ما يدعو هولاء الي التعصب و العدول عن الواقع حتي حاولوا رد قول نبيهم،و تخطئة ائمتهم في الحديث و في التاريخ و في سائر العلوم الاسلامية بهذه الوجوه الضعيفة،بل الاعتقاد بظهور المهدي کما سياتي ان شاء الله تفصيله يقوي النشاط،و يوجب صفاء القلوب،ويويد رغبة الناس الي تهذيب الاخلاق و کسب الفضائل و العلوم و الکمالات،و تزکية النفوس من الرذائل و الصفات الذميمة،و يلهب شعور الامة نحو المسؤولية الحقيقة.