بازگشت

ذکر أخبار المعمرين لرفع استبعاد المخالفين عن طول غيبة مولانا


و لنبدأ بذکر ما ذکره الصدوق رحمه الله في کتاب إکمال الدين قال:

1- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الشجري، عن محمد بن القاسم الرقي و علي ابن الحسن بن جنکاء اللائکي قال: لقينا بمکة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممن کان حضر الموسم في تلک السنة و هي سنة تسع و ثلاث مائة فرأينا رجلا أسود الرأس و اللحية کأنه شن بال و حوله جماعة من أولاده و أولاد أولاده و مشايخ من أهل بلده ذکروا أنهم من أقصي بلاد المغرب بقرب باهرة العليا و شهدوا هؤلاء المشايخ أنهم سمعوا آباءهم حکوا عن آبائهم و أجدادهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمر و اسمه علي بن عثمان



[ صفحه 226]



ابن خطار بن مرة بن مؤيد [1] و ذکر أنه همداني و أن أصله من صعد اليمن فقلنا له: أنت رأيت علي بن أبي طالب؟ فقال بيده ففتح عينيه و قد کان وقع حاجباه علي عينيه ففتحهما کأنهما سراجان فقال: رأيته بعيني هاتين و کنت خادما له و کنت معه في وقعة صفين و هذه الشجة من دابة علي عليه السلام و أرانا أثرها علي حاجبه الايمن و شهد الجماعة الذين کانوا حوله من المشايخ و من حفدته و أسباطه بطول العمر و أنهم منذ ولدوا عهده علي هذه الحالة و کذا سمعنا من آبائنا و أجدادنا.

ثم إنا فاتحناه و سألناه عن قصته و حاله و سبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له، و يجيب عنه بلب و عقل، فذکر أنه کان له والد قد نظر في کتب الاوائل و قرأها و قد کان وجد فيها ذکر نهر الحيوان و أنها تجري في الظلمات و أنه من شرب منها طال عمره، فحمله الحرص علي دخول الظلمات فتزود و حمل حسب ما قدر أنه يکتفي به في مسيره و أخرجني معه و أخرج معنا خادمين بازلين وعدة جمال لبون و روايا و زادا و أنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة فسار بنا إلي أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا الظلمات، فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها و کنا نميز بين الليل و النهار بأن النهار کان أضوء قليلا و أقل ظلمة من الليل.

فنزلنا بين جبال و أودية و رکوات و قد کان والدي ره يطوف في تلک البقعة في طلب النهر لانه وجد في الکتب التي قرأها أن مجري نهر الحيوان في ذلک الموضع فأقمنا في تلک البقعة أياما حتي فني الماء الذي کان معنا و أسقيناه جمالنا و لو لا أن جمالنا کانت لبونا لهلکنا و تلفنا عطشا و کان والدي يطوف في تلک البقعة في طلب النهر و يأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا.

فمکثنا في تلک البقعة نحو خمسة أيام و والدي يطلب النهر فلا يجده و بعد الاياس عزم علي الانصراف حذرا من التلف لفناء الزاد و الماء و الخدم الذين کانوا معنا فأوجسوا في أنفسهم خيفة من الطلب فألحوا علي والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم، فعثرت بنهر ماء أبيض



[ صفحه 227]



اللون عذب لذيذ لا بالصغير من الانهار و لا بالکبير يجري جريا لينا فدنوت منه و غرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثا فوجدته عذبا باردا لذيذا، فبادرت مسرعا إلي الرحل فبشرت لخدم بأني قد وجدت الماء فحملوا ما کان معنا من القرب و الاداوي لنملاها و لم أعلم أن والدي في طلب ذلک النهر و کان سروري بوجود الماء لما کنا فيه من عدم الماء و کان والدي في ذلک الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب فجهدنا و طفنا ساعة هوية في طلب النهر فلم نهتد إليه حتي أن الخدم کذبوني و قالوا لي لم تصدق.

فلما انصرفت إلي الرحل و انصرف والدي أخبرته بالقصة فقال لي: يا بني! الذي أخرجني إلي ذلک المکان و تحمل الخطر کان لذلک النهر، و لم ارزق أنا و أنت رزقته و سوف يطول عمرک حتي تمل الحياة، و رحلنا منصرفين وعدنا إلي أوطاننا و بلدنا و عاش والدي بعد ذلک سنيات ثم مات رحمه الله.

فلما بلغ سني قريبا من ثلاثين سنة و کان قد اتصل بنا وفات النبي صلي الله عليه و آله و وفات الخليفتين بعده خرجت حاجا فلحقت آخر أيام عثمان.

فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي صلي الله عليه و آله إلي علي بن أبي طالب عليه السلام فأقمت معه أخدمه و شهدت معه وقائع و في وقعة صفين أصابتني هذه الشجة من دابته فما زلت مقيما معه إلي أن مضي لسبيله عليه السلام فألح علي أولاده و حرمه أن أقيم عندهم فلم اقم، و انصرفت إلي بلدي و خرجت أيام بني مروان حاجا و انصرفت مع أهل بلدي إلي هذه الغاية، ما خرجت في سفر إلا ما کان الملوک في بلاد المغرب يبلغهم خبري و طول عمري فيشخصوني إلي حضرتهم ليروني و يسألوني عن سبب طول عمري و عما شاهدت و کنت أتمني و أشتهي أن أحج حجة اخري فحملني هؤلاء حفدتي و أسباطي الذين ترونهم حولي و ذکر أنه قد سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثة.

فسألناه أن يحدثنا بما سمع من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فذکر أنه لم يکن له حرص و لا همة في طلب العلم وقت صحبته لعلي بن أبي طالب عليه السلام



[ صفحه 228]



و الصحابة أيضا کانوا متوافرين فمن فرط ميلي إلي علي عليه السلام و محبتي له لم أشتغل بشيء سوي خدمته و صحبته و الذي کنت أتذکره مما کنت سمعته منه قد سمعه مني عالم کثير من الناس ببلاد المغرب و مصر و الحجاز و قد انقرضوا و تفانوا و هؤلاء أهل بلدي و حفدتي قد دونوه فأخرجوا إلينا النسخة و أخذ يملئ علينا من خطه: حدثنا أبو الحسن علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد الهمداني المعروف بأبي الدنيا معمر المغربي رضي الله عنه حيا و ميتا قال: حدثنا علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من أحب أهل اليمن فقد أحبني و من أبغض أهل اليمن فقد أبغضني.

و حدثنا أبو الدنيا معمر قال: حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من أعان ملهوفا کتب الله له عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات ثم قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من سعي في حاجة أخيه المسلم لله فيها رضي الله فيها صلاح فکأنما خدم الله ألف سنة و لم يقع في معصيته طرفة عين.

حدثنا أبو الدنيا معمر المغربي قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: أصاب النبي صلي الله عليه و آله جوع شديد و هو في منزل فاطمة قال علي فقال لي النبي: يا علي هات المائدة فقدمت المائدة فإذا عليها خبز و لحم مشوي.

حدثنا أبو الدنيا معمر قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: جرحت في وقعة خيبر خمسا و عشرين جراحة فجئت إلي النبي صلي الله عليه و آله فلما رأي مابي بکي و أخذ من دموع عينيه فجعلها علي الجراحات فاسترحت من ساعتي.

و حدثنا أبو الدنيا قال: حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من قرأ قل هو الله أحد مرة فکأنما قرأ ثلث القرآن و من قرأها مرتين فکأنما قرأ ثلثي القرآن و من قرأها ثلاث مرات فکأنما قرأ القرآن کله.

و حدثنا أبو الدنيا قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: قال



[ صفحه 229]



رسول الله صلي الله عليه و آله: کنت أرعي الغنم فإذا أنا بذئب علي قارعة الطريق فقلت له: ما تصنع ههنا؟ فقال لي: و أنت ما تصنع ههنا؟ قلت أرعي الغنم قال مر أو قال ذا الطريق قال: فسقت الغنم فلما توسط الذئب الغنم إذا أنا به قد شد علي شاة فقتلها قال: فجئت حتي أخذت بقفاه فذبحته و جعلته علي يدي و جعلت أسوق الغنم.

فلما سرت بعيد و إذا أنا بثلاثة أملاک جبرئيل و ميکائيل و ملک الموت صلوات الله عليهم أجمعين، فلما رأوني قالوا هذا محمد بارک الله فيه فاحتملوني و أضجعوني و شقوا جوفي بسکين کان معهم و أخرجوا قلبي من موضعه و غسلوا جوفي بماء بادر کان معهم في قارورة حتي نقي من الدم ثم ردوا قلبي إلي موضعه و أمروا أيديهم علي جوفي فالتحم الشق باذن الله تعالي فما أحسست بسکين و لا وجع، قال: و خرجت أغدو إلي أمي يعني حليمة داية النبي صلي الله عليه و آله فقال لي: أين الغنم فخبرتها بالخبر فقالت: سوف تکون لک في الجنة منزلة عظيمة.

و حدثنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال: ذکر أبو بکر محمد بن الفتح المرکني و أبو الحسن علي بن الحسن اللائکي أن السلطان بمکة لما بلغه خبر أبي الدنيا تعرض له، و قال: لابد أن أخرجک إلي بغداد إلي حضرة أمير المؤمنين المقتدر فاني أخشي أن يعتب علي إن لم أخرجک معي فسأله الحاج من أهل المغرب و أهل مصر و الشام أن يعفيه من ذلک و لا يشخصه فانه شيخ ضعيف و لا يؤمن ما يحدث عليه، فأعفاه.

قال أبو سعيد: و لو أني أحضر الموسم تلک السنة لشاهدته و خبره کان شائعا مستفيضا في الامصار و کتب عنه هذه الاحاديث المصريون و الشاميون و البغداديون، و من سائر الامصار من حضر الموسم و بلغه خبر هذا الشيخ و أحب أن يلقاه و يکتب عنه نفعهم الله و إيانا بها.

2- و أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيي بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فيما أجازه لي مما صح عندي من حديثه و صح عندي هذا الحديث برواية الشريف أبي عبد الله محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين بن إسحاق بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين



[ صفحه 230]



ابن علي بن أبي طالب عليه السلام عنه أنه قال: حججت في سنة ثلاث عشر و ثلاث مائة و فيها حج نصر القشوري صاحب المقتدر بالله و معه عبد الرحمن بن عمران المکني بأبي الهيجاء فدخلت مدينة الرسول صلي الله عليه و آله في ذي القعدة فأصبت قافلة المصريين و بها أبو بکر محمد بن علي المادرائي و معه رجل من أهل المغرب و ذکر أنه رأي أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله فاجتمع عليه الناس و ازدحموا و جعلوا يمسحون به و کادوا يأتون علي نفسه فأمر عمي أبو القاسم طاهر بن يحيي فتيانه و غلمانه فقال: افرجوا عنه الناس ففعلوا و أخذوا و أدخلوه دار أبي سهل الطفي و کان عمي نازلها فادخل و أذن للناس فدخلوا و کان معه خمسة نفر ذکر أنهم أولاده أولاده فيهم شيخ له نيف و ثمانون سنة فسألناه عنه فقال: هذا ابن ابني و آخر له سبعون سنة فقال: هذا ابن ابني و اثنان لهما ستون سنة أو خمسون أو نحوها و آخر له سبعة عشر سنة فقال: هذا ابن ابن ابني و لم يکن معه فيهم أصغر منه و کان إذا رأيته قلت: ابن ثلاثين أو أربعين سنة.

أسود الرأس و اللحية ضعيف الجسم آدم ربع من الرجال خفيف العارضين إلي قصر أقرب.

قال أبو محمد العلوي: فحدثنا هذا الرجل و اسمه علي بن عثمان بن الخطاب ابن مرة بن مؤيد بجميع ما کتبناه عنه و سمعناه من لفظه و ما رأينا من بياض عنفقته [2] بعد اسودادها و رجوع سوادها بعد بياضها عند شبعه من الطعام.

قال أبو محمد العلوي: و لو لا أنه حدث جماعة من أهل المدينة من الاشراف و الحاج من أهل مدينة السلام و غيرهم من جميع الآفاق ما حدثت عنه بما سمعت و سماعي منه بالمدينة و مکة في دار السهميين في الدار المعروفة بالمکتوبة و هي دار علي بن عيسي الجراح و سمعت منه في مضرب القشوري و مضرب المادرائي و مضرب أبي الهيجاء، و سمعت منه بمني و بعد منصرفه من الحج بمکة في دار المادرائي عند باب الصفا.



[ صفحه 231]



و أراد القشوري حمله و ولده إلي بغداد إلي المقتدر فجاءه فقهاء أهل مکة فقالوا: أيد الله الاستاذ، إنا روينا في الاخبار المأثورة عن السلف أن المعمر المغربي إذا دخل مدينة السلام افتتنت و خربت و زال الملک فلا تحمله ورده إلي المغرب فسألنا مشايخ أهل المغرب و مصر فقالوا: لم نزل نسمع من آبائنا و مشايخنا يذکرون اسم هذا الرجل و اسم البلد الذي هو مقيم فيه طنجة و ذکروا أنه کان يحدثهم بأحاديث قد ذکرنا بعضها في کتابنا هذا.

قال أبو محمد العلوي: فحدثنا هذا الشيخ أعني علي بن عثمان المغربي بدو خروجه من بلده من حضرموت و ذکر أن أباه خرج هو و عمه و أخرجا به معهما يريدون الحج و زيارة النبي صلي الله عليه و آله فخرجوا من بلادهم من حضرموت و سار و أياما ثم أخطاؤا الطريق و تاهوا عن المحجة فأقاموا تائهين ثلاثة أيام و ثلاثة ليال علي محجة فبينا هم کذلک إذ وقعوا في جبال رمل يقال له: رمل عالج يتصل برمل إرم ذات العماد فبينا نحن کذلک إذ نظرنا إلي أثر قدم طويل فجعلنا نسير علي أثرها فأشرفنا علي واد و إذا برجلين قاعدين علي بئر أو علي عين.

قال: فلما نظر إلينا قام أحدهما فأخذ دلوا فأدلاه فاستقي فيه من تلک العين أو البئر و استقبلنا فجاء إلي أبي فناوله الدلو، فقال أبي: قد أمسينا ننيخ علي هذا الماء و نفطر إنشاء الله فصار إلي عمي فقال: اشرب فرد عليه کما رد عليه أبي فناولني فقال لي: اشرب فشربت، فقال لي: هنيئا لک فانک ستلقي علي بن أبي طالب عليه السلام فأخبره أيها الغلام بخبرنا و قل له الخضر و إلياس يقرئانک (السلام) و ستعمر حتي تلقي المهدي و عيسي بن مريم عليهما السلام فإذا لقيتهما فأقرئهما السلام ثم قالا: ما يکون هذا منک فقلت: أبي و عمي فقالا: أما عمک فلا يبلغ مکة و أما أنت و أبوک فستبلغان و يموت أبوک فتعمر أنت و لستم تلحقون النبي صلي الله عليه و آله لانه قد قرب أجله ثم مثلا. [3] .

فو الله ما أدري أين مرا أفي السماء أو في الارض فنظرنا و إذا لا أثر و لا عين



[ صفحه 232]



و لا ماء، فسرنا متعجبين من ذلک إلي أن رجعنا إلي نجران فاعتل عمي و مات بها و أتممت أنا و أبي حجنا و وصلنا إلي المدينة فاعتل بها أبي و مات و أوصي إلي علي ابن أبي طالب عليه السلام فأخذني و کنت معه أيام أبي بکر و عمر و عثمان و خلافته حتي قتله ابن ملجم لعنه الله.

و ذکر أنه لما حوصر عثمان بن عفان في داره دعاني فدفع إلي کتابا و نجيبا و أمرني بالخروج إلي علي بن أبي طالب عليه السلام و کان غائبا بينبع في ماله و ضياعه فأخذت الکتاب و صرت إلي موضع يقال له جدار أبي عباية.

سمعت قرآنا فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام يسير مقبلا من ينبع و هو يقول: أ فحسبتم أنما خلقناکم عبثا و أنکم إلينا لا ترجعون.

فلما نظر إلي قال: أبا الدنيا ما وراک؟ قلت: هذا کتاب أمير المؤمنين فأخذه فقرأه فإذا فيه:



فان کنت مأکولا فکن أنت آکلي

و إلا فأدرکني و لما امزق



فلما قرأه قال: سر، فدخل إلي المدينة ساعة قتل عثمان بن عفان فمال إلي حديقة بني النجار و علم الناس بمکانه فجاؤا إليه رکضا و قد کانوا عازمين علي ان يبايعوا طلحة بن عبيد الله فلما نظروا إليه ارفضوا إليه ارفضاض الغنم شد عليها السبع فبايعه طلحة ثم الزبير ثم بايع المهاجرون و الانصار.

فأقمت معه أخدمه فحضرت معه الجمل و صفين و کنت بين الصفين واقفا عن يمينه إذ سقط سوطه من يده فأکببت آخذه و أرفعه إليه و کان لجام دابته حديدا مزججا فرفع الفرس رأسه فشجني هذه الشجة التي في صدغي فدعاني أمير المؤمنين فتفل فيها و أخذ حفنة من تراب فترکه عليها فو الله ما وجدت لها المأ و لا وجعا ثم أقمت معه حتي قتل صلوات الله عليه و صحبت الحسن بن علي عليه السلام حتي ضرب بساباط المدائن ثم بقيت معه بالمدينة أخدمه و أخدم الحسين عليه السلام حتي مات الحسن عليه السلام مسموما سمته جعدة بنت الاشعث بن قيس الکندي لعنها الله دسا من معاوية ثم خرجت مع الحسين بن علي عليه السلام حتي حضر کربلاء و قتل عليه السلام و خرجت هاربا من بني أمية و أنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي و عيسي بن مريم عليهما السلام.



[ صفحه 233]



قال أبو محمد العلوي رضي الله عنه: و من عجيب ما رأيت من هذا الشيخ علي ابن عثمان و هو في دار عمي طاهر بن يحيي رضي الله عنه و هو يحدث بهذه الاعاجيب و بدو خروجه فنظرت إلي عنفقته و قد أحمرت ثم ابيضت فجعلت أنظر إلي ذلک لانه لم يکن في لحيته و لا في رأسه و لا في عنفقته بياض البتة.

قال: فنظر إلي نظري إلي لحيته و عنفقته فقال: ما ترون؟ إن هذا يصيبني إذا جعت فإذا شبعت رجعت إلي سوادها فدعا عمي بطعام و أخرج من داره ثلاث موائد فوضعت واحدة بين يدي الشيخ و کنت أنا أحد من جلس عليها فأکلت معه و وضعت المائدتان في وسط الدار و قال عمي للجماعة: بحقي عليکم إلا أکلتم و تحرمتم بطعامنا فأکل قوم و امتنع قوم و جلس عمي علي يمين الشيخ يأکل و يلقي بين يديه فأکل أکل شاب و عمي يخلف عليه و أنا أنظر إلي عنفقته و هي تسود حتي إذا عادت إلي سوادها (حين) شبع.

فحدثنا علي بن عثمان بن خطاب قال: حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من أحب أهل اليمن فقد أحبني و من أبغضهم فقد أبغضني.

حديث عبيد بن شريد الجرهمي:

3- حدثنا أبو سعيد بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الشجري قال: وجدت في کتاب لاخي أبي الحسن بخطه يقول: سمعت بعض أهل العلم ممن قرأ الکتب و سمع الاخبار أن عبيد بن شريد الجرهمي و هو معروف عاش ثلاثمائة سنة و خمسين سنة فأدرک النبي و حسن إسلامه و عمر بعد ما قبض النبي صلي الله عليه و آله حتي قدم علي معاوية في أيام تغلبه و ملکه فقال له معاوية: أخبرني يا عبيد عما رأيت و سمعت و من أدرکت و کيف رأيت الدهر؟ قال: أما الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا و نهارا يشبه نهارا و مولودا يولد و ميتا يموت و لم أدرک أهل زمان إلا و هم يذمون زمانهم.

و أدرکت من قد عاش ألف سنة فحدثني عمن قد کان قبله قد عاش ألفي سنة و أما ما سمعت فانه حدثني ملک من ملوک حمير أن بعض ملوک النابغة ممن دانت له البلاد کان يقال له ذو سرح، کان اعطي الملک في عنفوان شبابه و کان حسن



[ صفحه 234]



السيرة في أهل مملکته سخيا فيهم مطاعا فملکهم سبعمأة سنة و کان کثيرا مايخرج في خاصته إلي الصيد و النزهة.

فخرج يوما إلي بعض متنزهه فأتي إلي حيتين أحدهما بيضاء کأنها سبيکة فضة و الاخري سوداء کأنهما حممة و هما يقتتلان و قد غلبت السوداء البيضاء و کادت تأتي علي نفسها فأمر الملک بالسوداء فقتلت و أمر بالبيضاء فاحتملت حتي انتهي بها إلي عين من ماء بقي عليها شجرة فأمر فصب عليها من الماء و سقيت حتي رجع إليها نفسها فأفاقت فخلي سبيلها فانسابت الحية و مضبت لسبيلها و مکث الملک يومئذ في متصيده و نزهته.

فلما أمسي و رجع إلي منزله و جلس علي سريره في موضع لا يصل إليه حاجب و لا أحد فبينا هو کذلک إذا رأي شابا آخذا بعضادتي الباب، و به من الثياب و الجمال شيء لا يوصف فسلم علي الملک فذعر منه الملک و قال له: من أنت و من أدخلک و أذن لک في الدخول علي في هذا الموضع الذي لا يصل فيه حاجب و لا غيره؟ فقال له الفتي: لا ترع أيها الملک إني لست بإنسي و لکني فتي من الجن أتيتک لاجازيک علي بلائک الحسن الجميل عندي قال الملک: و ما بلائي عندک؟ قال: أنا الحية التي أحييتني في يومک هذا و الاسود الذي قتلته و خلصتني منه کان غلاما لنا (تمرد علينا) و قد قتل من أهل بيتي عدة کان إذا خلا بواحد منا قتله، فقتلت عدوي و أحييتني فجئت لاکافيک ببلائک عندي و نحن أيها الملک الجن لا الجن فقال له: الملک و ما الفرق بين الجن و الجن.

ثم انقطع الحديث الذي کتب أخي فلم يکن هناک تمامه.

4- حديث الربيع بن الضبع الفزاري: 4 حدثنا أحمد بن يحيي المکتب قال: حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد الوراق قال: حدثنا محمد بن الحسن بن دريد الازدي العماني بجميع أخباره و کتبه التي صنفها و وجدنا في أخباره أنه قال: لما وفد الناس علي عبد الملک بن مروان قدم فيمن قدم عليه الربيع بن الضبع الفزاري و کان أحد المعمرين و معه ابن ابنه



[ صفحه 235]



وهب بن عبد الله بن الربيع شيخا فانيا قد سقط حاجباه علي عينيه و قد عصبهما فلما رآه الآذن و کانوا يأذنون للناس علي أسنانهم قال له: ادخل أيها الشيخ فدخل يدب علي العصاء يقيم بها صلبه و لحيته علي رکبتيه.

قال: فلما رآه عبد الملک رق له و قال له: اجلس أيها الشيخ فقال: يا أمير المؤمنين أ يجلس الشيخ وجده علي الباب فقال: أنت إذا من ولد الربيع بن ضبع قال: نعم، أنا وهب بن عبد الله بن الربيع.

قال للآذن: ارجع فأدخل الربيع فخرج الآذن فلم يعرفه حتي نادي أين الربيع قال: ها أنا ذا فقام يهرول في مشيته فلما دخل علي عبد الملک سلم فقال عبد الملک: و أبيکم إنه لاشب الرجلين يا ربيع أخبرني عما أدرکت من العمر و المدي و رأيت من الخطوب الماضية قال أنا الذي أقول:



ها أنا ذا آمل الخلود و قد

أدرک عمري و مولدي حجرا



أما إمرء القيس قد سمعت به

هيهات هيهات طال ذا عمرا



قال عبد الملک: قد رويت هذا من شعرک و أنا صبي قال و أنا القائل:



إذا عاش الفتي مأتين عاما

فقد ذهب اللذاذة و الغناء



قال عبد الملک: و قد رويت هذا من شعرک أيضا و أنا غلام و أبيک يا ربيع لقد طلبک جد عاثر ففصل لي عمرک؟ فقال: عشت مأتي سنة في الفترة بين عيسي و محمد صلي الله عليه و آله و عشرين و مأة سنة في الجاهلية و ستين سنة في الاسلام.

قال: أخبرني عن الفتية من قريش المتواطئ الاسماء قال: سل عن أيهم شئت قال: أخبرني عن عبد الله بن عباس قال: فهم و علم و عطاء و حلم و مقري ضخم قال: فأخبرني عن عبد الله بن عمر قال: حلم و علم و طول و کظم و بعد من الظلم.

قال: فأخبرني، عن عبد الله بن جعفر قال: ريحانة طيب ريحها لين مسها قليل علي المسلمين ضررها.

قال: فأخبرني عن عبد الله بن الزبير، قال: جبل وعر ينحدر منه الصخر



[ صفحه 236]



قال: لله درک ما أخبرک بهم، قال: قرب جواري و کثر استخباري.

حديث شق الکاهن:

5- حدثنا أحمد بن يحيي المکتب قال: حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد الوراق قال: حدثنا محمد بن الحسن بن دريد الازدي العماني قال: حدثنا أحمد عيسي أبو بشير العقيلي، عن أبي حاتم، عن أبي قبيصة، عن ابن الکلبي، عن أبيه قال: سمعت: شيوخا من بجيلة ما رأيت علي سروهم و حسن هيئتهم يخبرون أنه عاش (شق) الکاهن ثلاثمائة سنة فلما حضرته الوفاة اجتمع إليه قومه و قالوا له: أوصنا فقد آن أن يفوتنا بک الدهر.

فقال: تواصلوا و لا تقاطعوا، و تقاتلوا و لا تدابروا و أوصلوا الارحام، و احفظوا الذمام، و سودوا الحکيم، و أجلوا الکريم، و وقروا ذا الشيبة، و أذلوا الليئم، و تجنبوا الهزل في مواضع الجد، و لا تکدروا الانعام بالمن، و اعفوا إذا قدرتم، و هادنوا إذا هجرتم، و أحسنوا إذا کوبدتم، و اسمعوا من مشايخکم، و استبقوا دواعي الصلاح عند أواخر العداوة، فان بلوغ الغاية في الندامة جرح بطئ الاندمال.

و إياکم و الطعن في الانساب و لا تفحصوا عن مساويکم، و لا تودعوا عقايلکم مساويکم، فانها وصمة قادحة، و قضاءة فاضحة، الرفق الرفق لا الخرق فان الخرق مندمة في العواقب مکسبة للعوايب، الصبر أنفذ عتاب، و القناعة خير مال الناس أتباع الطمع، و قرائن الهلع، و مطايا الجزع، و روح الذل التخاذل تزالون ناظرين بعيون نائمة ما اتصل الرجاء بأموالکم، و الخوف بمحالکم.

ثم قال: يالها نصيحة زلت عن عذبة فصيحة، إن کان وعاؤها وکيعا و معدنها منيعا ثم مات.

قال الصدوق رضي الله عنه: إن مخالفينا يروون مثل هذه الاحاديث و يصدقون بها و يروون حديث شداد بن عاد بن إرم ذات العماد و أنه عمر تسعمائة سنة، و يروون صفة جنته و أنها مغيبة عن الناس فلا تري و أنها في الارض.

و لا يصدقون بقائم آل محمد صلوات الله عليه و عليهم و يکذبون بالاخبار التي وردت فيه



[ صفحه 237]



جحودا للحق و عنادا لاهله.

بيان: قوله مزججا أي مرققا ممددا قوله لقد طلبک جد عاثر الجد بالفتح الحظ و البخت و الغناء أي طلبک بخت عظيم لم يعثر حتي وصل إليک أو لم يعثر بک بل نعشک في کل الاحوال و السرو السخاء في مروءة.

و العقايل جمع العقيلة و هي کريمة الحي أي لا تزوجوا بناتکم إلا ممن يساويکم في الشرف.

و الوصمة العيب و العار و الفادحة الثقيلة و يقال: فيه قضاءة و يضم: عيب و فساد و تقضؤوا منه أن يزوجوه استحسنوا حسبه، و وعاء وکيع شديد متين.

أقول: ثم ذکر الصدوق رحمه الله قصة شداد بن عاد کما نقلنا عنه في کتاب النبوة ثم قال: و عاش أوس بن ربيعة بن کعب بن أمية مأتي و أربع عشرة سنة فقال في ذلک:



لقد عمرت حتي مل أهلي

ثواي عندهم و سئمت عمري



و حق لمن أتي مأتان عام

عليه و أربع من بعد عشر



يمل من الثواء و صبح ليل

يغاديه و ليل بعد يسري



فأبلي شلوتي و ترکت شلوي

و باح بما اجن ضمير صدري



و عاش أبو زبيد و اسمه المنذر بن حرملة الطائي و کان نصرانيا خمسين و مائة سنة.

و عاش نضر بن دهمان بن سليمان بن أشجع بن زيد بن غطفان مائة و تسعين سنة حتي سقطت أسنانه و خرف عقله و أبيض رأسه فحرب قومه أمر فاحتاجوا فيه إلي رأيه فدعوا الله أن يرد عليه عقل و شبابه فعاد إليه شبابه و أسود شعره، فقال فيه سلمة بن الحريش و يقال عباس بن مرداس السلمي:



لنضر بن دهمان الهنيدة عاشها

و تسعين حولا ثم قوم فانصاتا



و عاد سواد الرأس بعد بياضه

و عاوده شرخ الشباب الذي فاتا



و راجع عقلا بعد ما فات عقله

و لکنه من بعد ذا کله مأتا





[ صفحه 238]



و عاش ثوب بن صداق العبدي مأتي سنة.

و عاش خثعم بن عوف بن جذيمة دهرا طويلا فقال:



حتي متي خثعم في الاحياء

ليس بذي أيدي و لا غناء



هيهات ما للموت من دواء



و عاش ثعلبة بن کعب بن عبد الاشهل بن الاشوس مأتي سنة فقال:



لقد صاحبت أقواما فأمسوا

خفاتا لا يجاب لهم دعاء



مضوا قصد السبيل و خلفوني

فطال علي بعدهم الثواء



فأصبحت الغداة رهين شيء

و أخلفني من الموت الرجاء



و عاش رداءة بن کعب بن ذهل بن قيس النخعي ثلاث مائة سنة فقال:



لم يبق يا خذيه من لداتي

أبو بنين لا و لا بنات



و لا عقيم ذي سبات

إلا يعد اليوم في الاموات



هل مشتر أبيعه حياتي؟



و عاش عدي بن حاتم طيئ عشرين و مائة سنة.

و عاش اما باة بن قيس بن الحرملة بن سنان الکندي ستين و مائة سنة.

و عاش عمير بن هاجر بن عمير بن عبد العزي بن قيس الخزاعي سبعين و مأة سنة فقال:



بليت و أفناني الزمان و أصبحت

هنيدة قد أبقيت من بعدها عشرا



و أصبحت مثل الفرخ لا أنا ميت

فابکي و لا حي فاصدر لي أمرا



و قد عشت دهرا ما تجن عشيرتي

لها ميتا حتي تخط له قبرا



و عاش العوام بن المنذر بن زيد بن قيس بن حارثة بن لام دهرا طويلا في الجاهلية و أدرک عمر بن عبد العزيز فادخل عليه و قد اختلف ترقوتاه و سقط حاجباه فقيل له ما أدرکت؟ فقال:



فو الله ما أدرئ أدرکت امة

علي عهد ذي القرنين ام کنت أقدما



متي يخلعوا عني القميص تبينوا

جناجن لم يکسين لحما و لا دما





[ صفحه 239]



و عاش سيف بن وهب بن جذيمة الطائي مائي سنة فقال:



ألا إنني کاهب ذاهب

فلا تحسبوا أنني کاذب



لبست شبابي فأفنيته

و أدرکني القدر الغالب



و خصم دفعت و مولي نفعت

حتي يثوب له ثائب



و عاش أرطاة بن دشهبة المزني عشرين و مائة سنة و کان يکني أبا الوليد فقال له عبد الملک: ما بقي من شعرک يا أرطاة؟ فقال: يا أمير المؤمنين (إني) ما أشرب و لا أطرب و لا أ غضب، و لا يجيئني الشعر إلا علي إحدي هذه الخصال علي أني أقول:



رأيت المرء تأکله الليالي

کأکل الارض ساقطة الحديد



و ما تبقي المنية حين تأتي

علي نفس ابن آدم من مزيد



و أعلم أنها ستکر حتي

توفي نذرها بأبي الوليد



فارتاع عبد الملک فقال أرطاة: يا أمير المؤمنين إني اکني أبا الوليد.

و عاش عبيد بن الابرص ثلاثمائة سنة فقال:



فنيت و أفناني الزمان و أصبحت

لداتي بنوا نعش و زهر الفراقد



ثم أخذه النعمان بن منذر يوم بؤسه فقتله.

و عاش شريح بن هانئ عشرين و مائة سنة حتي قتل في نفرة الحجاج بن يوسف فقال في کبره و ضعفه:



أصبحت ذابث اقاصي الکبر ا

قد عشت بين المشرکين أعصرا



ثمت أدرکت النبي المنذر ا

و بعده صديقه و عمرا



و يوم مهران و يوم تسترا

و الجمع في صفينهم و النهر ا



هيهات ما أطول هذا عمرا



و عاش رجل من بني ضبة يقال له: المسجاح بن سباع دهرا طويلا فقال:



لقد طوفت في الآفاق حتي

بليت و قد (دنا) لي أن أبيد



و أفناني و لا يفني نهار

و ليل کلما يمضي يعود





[ صفحه 240]





و شهر مستهل بعد شهر

و حول بعده حول جديد



و عاش لقمان العادي الکبير خمسمأة سنة و ستين سنة و عاش عمر سبعة أنسر کل نسر منها ثمانين عاما و کان من بقية عاد الاولي.

و روي أنه عاش ثلاثة آلاف سنة و خمسمأة سنة و کان من ولد عاد الذين بعثهم قومهم إلي الحرم ليستسقوا لهم و کان اعطي عمر سبعة أنسر فکان يأخذ فرخ النسر الذکر فيجعله في الجبل الذي هو في أصله فيعيش النسر فيها ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتي کان آخرها لبد، و کان أطولها عمرا فقيل فيه طال الامد علي لبد و قد قيل فيه أشعار معروفة و أعطي من السمع و البصر و القوة علي قدر ذلک و له أحاديث کثيرة.

و عاش زهير بن عباب بن هبل بن عبد الله بن بکر بن عوف بن عذرة بن زيد ابن عبد الله بن وهدة بن ثور بن کليب الکلبي ثلاثمائة سنة.

و عاش مزيقيا و اسمه عمرو بن عامر و عامر هو ماء السماء و إنما سمي ماء السماء لانه کان حياة أينما نزل کمثل ماء السماء و إنما سمي مزيقيا لانه عاش ثمانمائة سنة أربعمائة سوقة، و أربعمأة ملکا، فکان يلبس في کل يوم حلتين ثم يأمر بهما فيمزقان حتي لا يلبسهما أحد غيره.

و عاش ابن هبل بن عبد الله بن کنانة ستمأة سنة.

و عاش أبو الطمحان القيسي مائة و خمسين سنة.

و عاش المستوعر بن ربيعة بن کعب بن زيد مناة بن تميم ثلاثمائة و ثلاثين سنة ثم أدرک الاسلام فلم يسلم و له شعر معروف.

و عاش دريد بن زيد بن نهد أربعمائة سنة و خمسين سنة فقال في ذلک:



ألقي علي الدهر رجلا و يدا

و الدهر ما يصلح يوما أفسدا



يصلحه اليوم و يفسده غدا



و جمع بنية حين حضرته الوفاة فقال: يا بني أوصيکم بالناس شرا لا تقبلوا لهم معذرة و لا تقبلوا لهم عثرة.



[ صفحه 241]



و عاش تيم الله بن (ثعلبة بن) عکابه مائتي سنة.

و عاش الربيع بن ضبع بن وهب بن بعيض بن مالک بن سعدي بن عدي بن فزارة مائتي و أربعين سنة و أدرک الاسلام فلم يسلم.

و عاش معدي کرب الحميري من آل ذي رعين مائتي و خمسين سنة.

و عاش ثرية بن عبد الله الجعفي ثلاثمائة سنة فقدم علي عمر بن الخطاب المدينة فقال: لقد رأيت هذا الوادي الذي أنتم به و ما به قطرة و لا هضبة و لا شجرة و لقد أدرکت اخريات قوم يشهدون بشهادتکم هذه يعني لا إله إلا الله، و معه ابن له يتهادي قد خرف فقال: ياثرية هذا ابنک قد خرف و بک بقية فقال: ما تزوجت أمة حتي أتت علي سبعون سنة و لکني تزوجتها عفيفة ستيرة إن رضيت رأيت ما تقر به عيني و إن سخطت أتتني حتي أرضي و إن ابني هذا تزوج إمرأة بذية فاحشة إن رأي ما تقر به عينه تعرضت له حتي يسخط و إن سخط تلقته حتي يهلک. [4] .

و عاش عوف بن کنانة الکلبي ثلاثمائة سنة فلما حضرته الوفاة جمع بنية فأوصاهم و هو عوف بن کنانة بن عوف بن عذرة بن زيد بن ثور بن کلب فقال: يا بني احفظوا وصيتي فانکم إن حفظتموها سدتم قومکم بعدي، إلهکم فاتقوه و لا تخونوا و لا تحزنوا، و لا تثيروا السباع من مرابضها، و جاوروا الناس بالکف عن مساويهم تسلموا و تصلحوا، و عفوا عن الطلب إليهم لئلا تستثقلوا، و ألزموا الصمت إلا من حق تحمدوا، و ابذلوا لهم المحبة تسلم لکم الصدور، و لا تحرموهم المنافع فيظهروا الشکاة، و کونوا منهم في ستر ينعم بالکم، و لا تکثروا مجالستهم فيستخف بکم، و إذا نزلت بکم معضلة فاصبروا لها، و ألبسوا للدهر أثوابه، فان لسان الصدق مع النکبة خير من سوء الذکر مع المسرة.

و وطنوا أنفسکم علي الذلة لمن ذل لکم فان أقرب المسائل المودة و إن أبعد النسب البغضة و عليکم بالوفاء و تنکبوا الغدر يأمن سربکم و أحيوا الحسب



[ صفحه 242]



بترک الکذب فان آفة المروءة الکذب و الخلف، لا تعلموا الناس إقتارکم فتهونوا و تخملوا، و إياکم و الغربة فانها ذلة و لا تضعوا الکرائم إلا عند الاکفاء، و ابتعوا بأنفسکم المعالي، و لا يحتلجنکم جمال النساء عن الصحة، فان نکاح الکرائم مدارج الشرف، و اخضعوا لقومکم و لا تبغوا عليهم لتنالوا المنافس، و لا تخالفوهم فيما اجتمعوا عليه، فان الخلاف يزري بالرجل المطاع، و ليکن معروفکم لغير قومکم بعدهم، و لا توحشوا أفنيتکم من أهلها فإن إيحاشها إخماد النار و دفع الحقوق، و ارفضوا النمائم بينکم تکونوا أعوانا عند الملمات تغلبوا، و احذروا النجعة إلا في منفعة لا تصابوا، و أکرموا الجار يخصب جنابکم، و آثروا حق الضيف علي أنفسکم، و ألزموا مع السفهاء الحلم تقل همومکم.

و إياکم و الفرقة فانها ذلة و لا تکلفوا أنفسکم فوق طاقتها إلا المضطر فانکم إن تلاموا عند إيضاح العذر و بکم قوة خير من أن تعانوا في الاضطرار منکم إليهم بالمعذرة، وجدوا و لا تفرطوا فان الجد مانعة الضيم، و لتکن کلمتکم واحدة تعزوا و يرهف حدکم، و لا تبذلوا الوجوه لغير مکرمة فتخلقوها، و لا تجشموا أهل الدناءة فتقصروا بها، و لا تحاسدوا فتبوروا، و اجتنبوا البخل فانه داء و ابنوا المعالي بالجود و الادب، و مصافات أهل الفضل و الحياء، و ابتاعوا المحبة بالبذل، و وقروا أهل الفضيلة، و خذوا من أهل التجارب، و لا يمنعنکم من معروف صغره فان له ثوابا، و لا تحقروا الرجال فتزدروها فانما المرء بأصغريه ذکاء قلبه و لسان يعبر عنه.

فإذا خوفتم داهية فاللبث قبل العجلة، و التمسوا بالتودد المنزلة عند الملوک فانهم من وضعوه اتضع، و من رفعوه ارتفع، و تبسلوا بالفعال تسم إليکم الابصار و تواضعوا بالوفاء و ليحبکم ربکم. ثم قال:



و ما کل ذي لب بمؤتيک نصحه

و لا کل موف نصحه بلبيب



و لکن إذا ما استجمعا عند واحد

فحق له من طاعة بنصيب



و حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، عن أحمد بن محمد بن عبد الله بن



[ صفحه 243]



يزيد الشعراني من ولد عمار بن ياسر رضي الله عنه يقول: حکي أبو القاسم محمد بن القاسم البصري أن أبا الحسن [5] حمارويه بن أحمد بن طولون کان قد فتح عليه من کنوز مصر ما لم يرزق أحد قبله فاغري بالهرمين فأشار عليه ثقاته و حاشيته و بطانته أن لا يتعرض لهدم الاهرام فانه ما تعرض أحد لها فطال عمره فلج في ذلک و أمر ألفا من الفعلة أن يطلبوا الباب و کانوا يعملون سنة حواليه حتي ضجروا وکلوا.

فلما هموا بالانصراف بعد الاياس منه، و ترک العمل، وجدوا سربا فقدروا أنه الباب الذي يطلبونه، فلما بلغوا آخره وجدوا بلاطة قائمة من مر مر فقد روا أنها الباب فاحتالوا فيها إلي أن قلعوها و أخرجوها، فإذا عليها کتابة يونانية فجمعوا حکماء مصر و علماءها فلم يهتدوا لها و کان في القوم رجل يعرف بأبي عبد الله المديني أحد حفاظ الدنيا و علمائها فقال لابي الحسن حمارويه بن أحمد: أعرف في بلد الحبشة أسقفا قد عمر و أتي عليه ثلاث مائة و ستون سنة يعرف هذا الخط و قد کان عزم علي أن يعلمنيه فلحرصي علي علم العرب لم اقم عليه و هو باق.

فکتب أبو الحسن إلي ملک الحبشة يسأله أن يحمل هذا الاسقف إليه فأجابه أن هذا قد طعن في السن و حطمه الزمان و إنما يحفظه هذا الهواء و يخاف عليه إن نقل إلي هواء آخر و إقليم آخر و لحقته حرکة و تعب و مشقة السفر أن يتلف و في بقائه لنا شرف و فرج و سکينة، فان کان لکم شيء يقرأه و يفسره و مسألة تسألونه فاکتب بذلک فحملت البلاطة في قارب إلي بلد اسوان من الصعيد الاعلي و حملت من اسوان علي العجلة إلي بلاد الحبشة و هي قريبة من اسوان فلما وصلت قرأها الاسقف و فسر ما فيها بالحبشية ثم نقلت إلي العربية فإذا فيها مکتوب: أنا الريان بن دومغ فسئل أبو عبد الله عن الريان من کان هو قال: هو والد العزيز ملک يوسف عليه السلام و اسمه الريان بن دومغ و قد کان عمر العزيز سبعمأة سنة و عمر الريان والده ألفا و سبعمأة و عمر دومغ ثلاثة ألف سنة.



[ صفحه 244]



فإذا فيها أنا الريان بن دومغ خرجت في طلب علم النيل لاعلم فيضه و منبعه إذا کنت [6] أري مفيضه فخرجت و معي ممن صحبت أربعة آلاف ألف رجل فسرت ثمانين سنة إلي أن انتهيت إلي الظلمات و البحر المحيط بالدنيا، فرأيت النيل يقطع البحر المحيط و يعبر فيه و لم يکن لي منفذ و تماوت أصحابي و بقيت في أربعة آلاف رجل فخشيت علي ملکي فرجعت إلي مصر و بنيت الاهرام و البراني و بنيت الهرمين و أودعتهما کنوزي و ذخائري و قلت في ذلک شعرا:



و أدرک علمي بعض ما هو کائن

و لا علم لي بالغيب و الله أعلم



و أتقنت ما حاولت إتقان صنعة

و أحکمته و الله أقوي و أحکم



و حاولت علم النيل من بدء فيضه

فأعجزني و المرء بالعجز ملجم



ثمانين شاهورا قطعت مسايحا

و حولي بنو حجر و جيش عرمرم



إلي أن قطعت الجن و الانس کلهم

و عارضني لج من البحر مظلم



فأتقنت أن لا منفذا بعد منزلي

لذي همة بعدي و لا متقدم



فابت إلي ملکي و أرسيت ناديا

بمصر و للايام بؤس و أنعم



أنا صاحب الاهرام في مصر کلها

و باني برانيها بها و المقدم



ترکت بها آثار کفي و حکمتي

علي الدهر لا تبلي و لا تتهدم



و فيها کنوز جمة و عجائب

و للدهر إمر مرة و تهجم



سيفتح أقفالي و يبدي عجائبي

ولي لربي آخر الدهر ينجم



بأکناف بيت الله تبدو أموره

و لا بد أن يعلو و يسمو به السم



ثمان و تسع و اثنتان و أربع

و تسعون اخري من قتيل و ملجم



و من بعد هذا کر تسعون تسعة

و تلک البراني تستخر و تهدم



و تبدي کنوزي کلها أنني

أري کل هذا أن يفرقها الدم



رمزت مقالي في صخور قطعتها

ستبقي وأفني بعدها ثم اعدم [7] .





[ صفحه 245]



فحينئذ قال أبو الحسن حمارويه بن أحمد: هذا شيء ليس لاحد فيها حيلة إلا للقائم من آل محمد عليهم السلام وردت البلاطة کما کانت مکانها.

ثم إن أبا الحسن بعد ذلک بسنة قتله طاهر الخادم (ذبحه) علي فراشه و هو سکران و من ذلک الوقت عرف خبر الهرمين و من بناهما فهذا أصح ما يقال في خبر النيل و الهرمين.

و عاش صبيرة بن سعد بن سهم القرشي مائة و ثمانين سنة و أدرک الاسلام فهلک فجاءة بلا سبب.

و عاش لبيد بن ربيعة الجعفري مائة و أربعين سنة و أدرک الاسلام فأسلم فلما بلغ سبعين من عمره أنشأ يقول:



کاني و قد جاوزت سبعين حجة

خلعت بها عن منکبي ردائيا



فلما بلغ سبعا و سبعين سنة أنشأ يقول:



باتت تشکي إلي النفش مجهشة

و قد حملتک سبعا بعد سبعين



فان تزادي ثلاثا تبلغي أملا

و في الثلاث وفاء للثمانين



فلما بلغ تسعين سنة أنشأ يقول:



کاني و قد جاوزت تسعين حجة

خلعت بها عني عذار لثامي



رمتني بنات الدهر من حيث لا أري

فکيف بمن يرمي و ليس برام



فلو أنني ارمي بنبل رأيتها

ولکنني ارمي بغير سهام



فلما بلغ مائة و عشر سنين أنشأ يقول:



و ليس في مائة قد عاشها رجل

و في تکامل عشر بعدها عمر



فلما بلغ مائة و عشرين سنة أنشأ يقول:



قد عشت دهرا قبل مجري داحس

لو کان في النفس اللجوج خلود



فلما بلغ مائة و أربعين سنة أنشأ يقول:



و لقد سئمت من الحياة و طولها

و سؤال هذا الناس کيف لبيد





[ صفحه 246]





غلب الرجال فکان مغلب

دهر طويل دائم ممدود



يوم إذا يأتي علي و ليلة

و کلاهما بعد المضي يعود



فلما حضرته الوفاة قال لابنه: يا بني إن أباک لم يمت و لکنه فني فإذا قبض أبوک فأغمضه و أقبل به إلي القبلة و سجه بثوبه، و لا أعلمن ما صرخت عليه صارخة أو بکت عليه باکية، و انظر جفنتي التي کنت اضيف بها فأجد صنعتها ثم احملها إلي مسجدک و من کان يغشاني عليها فإذا قال الامام: سلام عليکم فقدمها إليهم يأکلون منها فإذا فرغوا فقل: أحضروا جنازة أخيکم لبيد بن ربيعة فقد قبضه الله عز و جل ثم أنشأ يقول:



و إذا دفنت أباک فاجعل فوقه خشبا وطينا

و صفائحا صما رواسيها تشدد و الغصونا



ليقين حر الوجه سفساف التراب و لن يقينا



و قد روي في حديث لبيد بن ربيعة في أمر الجفنة هذا: ذکروا أن لبيد ابن ربيعة جعل علي نفسه أن کلما هبت الشمال أن ينحر جزورا فيملا الجفنة التي حکوا عنها في أول حديثه فلما ولي الوليد بن عقبة بن أبي معيط الکوفة خطب الناس فحمد الله و أثني عليه وصلي علي النبي صلي الله عليه و آله ثم قال: أيها الناس قد علمتم حال لبيد بن ربيعة الجعفري و شرفه و مروءته و ما جعل علي نفسه کلما هبت الشمال أن ينحر جزورا فأعينوا أبا عقيل علي مروءته ثم نزل و بعث إليه بخمسة من الجزر و أبيات شعر يقول فيها:



أري الجزار يشحذ شفرتيه

إذا هبت رياح أبي عقيل



طويل الباع أبلج جعفري

کريم الجد کالسيف الصقيل



و في ابن الجعفي بما لديه

علي العلات و المال القليل



و قد ذکر أن الجزر کانت عشرين فلما أتته قال: جزي الله الامير خيرا قد عرفت الامير أني لا أقول الشعر و لکن اخرجي يا بنية فخرجت إليه بنية له خماسية فقال لها: أجيبي الامير فأقبلت و أدبرت ثم قالت: نعم، فأنشأت تقول:



إذا هبت رياح أبي عقيل

دعونا عند هبتها الوليدا





[ صفحه 247]





طويل الباع أبلج عبشميا

أعان علي مروءته لبيدا



بأمثال الهضاب کأن رکبا

عليها من بني حام قعودا



أبا وهب جزاک الله خيرا

نحرناها و أطعمنا التريدا



فعد إن الکريم له معاد

و عهدي بإبن أروي أن يعود ا



فقال لبيد: أحسن يا بنية لو لا أنک سألت.

قالت: إن الملوک لا يستحيي من مسئلتهم قال: و أنت في هذا يا بنية أشعر.

و عاش ذو الاصبع العدواني و اسمه حرثان بن الحارث بن محرث بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عثمان بن عباد ثلاثمائة سنة.

و عاش جعفر بن قبط ثلاث مائة سنة و أدرک الاسلام.

و عاش عامر بن ظرب العدواني ثلاث مائة سنة.

و عاش محصن بن غسان بن ظالم بن عمرو بن قطيعة بن الحارث بن سلمة بن مازن الزبيدي مأتي و خمسين سنة فقال في ذلک:



ألا يا سلم إني لست منکم

و لکني إمرء قوتي سغوب



دعاني الداعيان فقلت هيا

فقالا کل من يدعي يجيب



ألا يا سلم أعياني قيامي

و أعيتني المکاسب و الرکوب



و صرت رديئة في البيت کلا

تأذي بي الا باعد و القريب



کذاک الدهر و الايام خون

لها في کل سائمة نصيب



و عاش صيفي بن رباح أبو أکثم أحد بني أسد بن عمرو بن تميم مأتي سنة و سبعين سنة و کان يقول: لک علي أخيک سلطان في کل حال إلا في القتال فإذا أخذ الرجال السلاح فلا سلطان عليه، کفي بالمشرفية واعظا، و ترک الفخر أبقي لک، و أسرع الحزم عقوبة البغي، و شر النصرة التعدي، و ألام الاخلاق أضيقها و من الاذي کثرة العتاب، و أقرع الارض بالعصا فذهبت مثلا:



لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا

و ما علم الانسان إلا ليعلم





[ صفحه 248]



و عاش عاد بن شداد اليربوعي مائة و خمسين سنة.

و عاش أکثم بن صيفي أحد بني أسد بن عمرو بن تميم ثلاث مائة سنة و قال بعضهم: مائة و تسعين سنة و أدرک الاسلام و اختلف في إسلامه إلا أن أکثرهم لا يشک في أنه لم يسلم فقال في ذلک:



و إن امرءا قد عاش تسعين حجة

إلي مائة لم يسأم العيش جاهل



خلت مائتان ست و أربع

و ذلک من عد الليالي قلائل



و قال محمد بن سلمة: أقبل أکثم يريد الاسلام فقتله ابنه عطشا فسمعت أن هذه الآية نزلت فيه و من يخرج من بيته مهاجرا إلي الله و رسوله ثم يدرکه الموت فقد وقع أجره علي الله [8] و لم تکن العرب تقدم عليه أحدا في الحکمة و أنه لما سمع برسول الله صلي الله عليه و آله بعث إليه ابنه حبيشا فقال: يا بني إني أعظک بکلمات فخذهن من حين تخرج من عندي إلي أن ترجع إلي، إئت نصيبک في شهر رجب فلا تستحله فيستحل منک فان الحرام ليس يحرم نفسه و إنما يحرمه أهله و لا تمرن بقوم إلا تنزل عند أعزهم و أحدث عقدا مع شريفهم و إياک و الذليل فانه هو أذل نفسه و لو أعزها لاعزه قومه.

فإذا قدمت علي هذا الرجل فاني قد عرفته و عرفت نسبه و في في بيت قريش و هي (أعز) العرب و هو أحد رجلين إما ذو نفس أراد ملکا فخرج للملک بعزه فوقره و شرفه وقم بين يديه و لا تجلس إلا بإذنه حيث يأمرک و يشير إليک فانه إن کان ذلک کان أدفع لشره عنک، و أقرب لخيره منک، و إن کان نبيا فان الله لا يحب من يسوؤهم، و لا يبطر فيحتشم، و إنما يأخذ الخيرة حيث يعلم لا يخطي فيستعتب إنما أمره علي ما تحب و إن کان فستجد أمره کله صالحا، و خبره کله صادقا، و ستجده متواضعا في نفسه متذللا لربه، فذل له و لا تحدثن أمرا دوني فان الرسول إذا أحدث الامر من عنده خرج من يدي الذي أرسله، و احفظ ما يقول لک إذا ردک إلي فانک و لو توهمت أو نسيت حتمتني رسولا غيرک.



[ صفحه 249]



و کتب معه: باسمک أللهم من العبد إلي العبد أما بعد فانا بلغنا ما بلغک فقد أتانا عنک خبر لا ندري ما أصله، فان کنت اريت فأرنا، و إن کنت علمت فعلمنا و أشرکنا في کنزک و السلام.

فکتب إليه رسول الله فيما ذکروا: من محمد رسول الله إلي أکثم بن صيفي احمد الله إليک إن الله أمرني أن أقول لا إله إلا الله أقولها و آمر الناس بها و الخلق خلق الله و الامر کله لله، خلقهم و أماتهم، و هو ينشرهم و إليه المصير، أدبتکم بآداب المرسلين و لتسئلن عن النبأ العظيم، و لتعلمن نبأه بعد حين.

فلما جاء کتاب رسول الله صلي الله عليه و آله قال لابنه: يا بني ماذا رأيت؟ قال: رأيته يأمر بمکارم الاخلاق و ينهي عن ملائمها، فجمع أکثم بن صيفي إليه بني تميم ثم قال: يا بني تميم لا تحضروني سفيها فان من يسمع يخل و لکل إنسان رأي في نفسه، و إن السفيه واهن الرأي، و إن کان قوي البدن، و لا خير فيمن لا عقل له، يا بني تميم کبرت سني و دخلتني ذلة الکبر، فإذا رأيتم مني حسنا فائتوه و إذا أنکرتم شيئا فقولوا لي الحق [9] أستقم إن ابني قد جاءني و قد شافه هذا الرجل فرآه يأمر بمکارم الاخلاق و ينهي عن ملائمها، و يدعو إلي أن يعبد الله وحده و تخلع الاوثان، و يترک الحلف بالنيران، و يذکر أنه رسول الله صلي الله عليه و آله و أن قبله رسلا لهم کتب، و قد علمت رسولا قبله کان يأمر بعبادة الله وحده، و إن أحق الناس بمعاونة محمد صلي الله عليه و آله و مساعدته علي أمره أنتم، فان يکن الذي يدعو إليه حقا فهو لکم، و إن يکن باطلا کنتم أحق من کف عنه و ستر عليه.

و قد کان أسقف نجران يحدث بصفته و لقد کان سفيان بن مجاشع قبله يحدث به و سمي ابنه محمدا، و قد علم ذوو الرأي منکم أن الفضل فيما يدعو إليه و يأمر به فکونوا في أمره أولا و لا تکونوا أخيرا، اتبعوه تشرفوا، و تکونوا سنام العرب و ائتوه طائعين قبل أن تأتوه کارهين، فاني أري أمرا ما هو بالهوينا لا يترک مصعدا إلا صعده، و لا منصوبا إلا بلغه.



[ صفحه 250]



إن هذا الذي يدعول إليه لو لم يکن دينا لکان في الاخلاق حسنا أطيعوني و أتبعوا أمري أسأل لکم ما لا ينزع منکم أبدا، إنکم أصبحتم أکثر العرب عددا و أوسعهم بلدا و إني أري أمرا لا يتبعه ذليل إلا عز و لا يترکه عزيز إلا ذل اتبعوه مع عزکم تزدادوا عزا، و لا يکن أحد مثلکم.

إن الاول لم يدع للاخير شيئا و إن هذا أمر هو لما بعده، من سبق إليه فهو الباقي، و من اقتدي به الثاني، فاصرموا أمرکم، فان الصريمة قوة و الاحتياط عجز.

فقال مالک بن نويرة: خرف شيخکم فقال أکثم: ويل للشجي من الخلي أراکم سکوتا و آفة الموعطة الاعراض عنها، ويلک يا مالک إنک هالک، إن؟ إذا قام رفع القائم معه، و جعل الصرعي قياما، فاياک أن تکون منهم، أما إذ سبقتموني بأمرکم فقربوا بعيري أرکبه.

فدعا براحلته فرکبها فتبعه بنوه و بنو أخيه فقال: لهفي علي أمر إن أدرکه و لم يسبقني و کتبت طيئ إلي أکثم و کانوا أخواله، و قال آخرون کتبت بنو مرة و کانوا أخواله أن أحدث إلينا ما نعيش به.

فکتب أما بعد فاني موصيکم بتقوي الله، وصلة الرحم، فانها ثبت أصلها و نبت فرعها، و أنهاکم عن معصية الله و قطيعة الرحم فانها لا يثبت لها أصل و لا ينبت لها فرع و إياکم و نکاح الحمقاء فان مباضعتها قذر، و ولدها ضياع.

و عليکم بالابل فأکرموها، فانها حصون العرب، و لا تضعوا رقابها إلا في حقها فان فيها مهر الکريمة و رقوء الدم، و بألبانها يتحف الکبير و يغذي الصغير و لو کلفت الابل الطحن لطحنت، و لن يهلک إمرء عرف قدره، و العدم عدم العقل و المرء الصالح لا يعدم المال، و رب رجل خير من مائة و رب فئة أحب إلي من فئتين، و من عتب علي الزمان طالت معتبته، و من رضي بالقسم طابت معيشته، آفة الرأي الهوي، و العادة أملک بالادب، و الحاجة مع المحبة خير من الغني مع البغضة و الدنيا دول فما کان منها لک أتاک علي ضعفک، و إن قصرت في طلبه، و ما کان منها



[ صفحه 251]



عليک لم تدفعه بقوتک، و سوء حمل الريبة تضع الشرف، و الحسد داء ليس له دواء، و الشماتة تعقب و من بر قوما بر به و الندامة [10] مع السفاهة، و دعامة العقل الحلم، و جماع الامر الصبر، و خير الامور مغبة العفو، و أبقي المودة حسن التعاهد و من يز رغبا يزدد حبا.

وصية أکثم بن صيفي عند موته: جمع أکثم بنية عند موته فقال: يا بني! إنه قد أتي علي دهر طويل و أنا مزودکم من نفسي قبل الممات، أوصيکم (الله) بتقوي الله، وصلة الرحم و عليکم بالبر فانه ينمي عليه العدد، و لا يبيد عليه أصل و لا فرع و أنهاکم عن معصية الله، و قطيعة الرحم، فانه لا يثبت عليها أصل و لا ينبت عليها فرع کفوا ألسنتکم فان مقتل الرجل بين فکيه، إن قول الحق لم يدع لي صديقا.

أنظروا أعناق الابل فلا تضعوها إلا في حقها فان فيها مهر الکريمة، و رقوء الدم، و إياکم و نکاح الحمقاء، فان نکاحها قذر، و ولد ضياع، الاقتصاد في السفر أبقي للجمام، من لم يأس علي ما فاته أودع بدنه، من قنع بما هو فيه قرت عينه، التقدم قبل الندم، أصبح عند رأس الامر أحب إلي من أن أصبح عند ذنبه [11] لم يهلک من عرف قدره، العجز عند البلاء آفة المتحمل، لن يهلک من مالک ما وعظک، ويل لعالم أمن من جاهل، الوحشة ذهاب الاعلام، يتشابه الامر إذا أقبل فإذا أدبر عرفه الکيس و الاحمق، و البطر عند الرخاء حمق، و في طلب المعالي يکون القرب، لا تغضبوا من اليسير فانه يجتني الکثير، لا تجيبوا عما لا تسألوه و لا تضحکوا مما لا يضحک منه.

تباروا في الدنيا و لا تباغضوا، الحسد في القرب فانه من يجتمع يتقعقع عمده لينفرد بعضهم من بعض في المودة، لا تتکلموا علي القرابة فتقاطعوا، فان القريب



[ صفحه 252]



من قرب نفسه، و عليکم بالمال فأصلحوه فانه لا يصلح الاموال إلا باصلاحکم و لا يتکلن أحدکم علي مال أخيه يري فيه قضأ حاجته، فانه من فعل ذلک کان کالقابض علي الماء، و من استغني کرم علي أهله، و أکرموا الخيل، نعم لهو الحرة المغزل، و حيلة من لا حيلة له، الصبر.

و عاش فروة بن ثعلبة بن نفاية السلولي مائة و ثلاثين سنة في الجاهلية ثم أدرک الاسلم فأسلم.

و عاش مضاد بن حبابة بن مرارة من بني عمرو بن يربوع بن حنظلة بن زيد مناة أربعين و مائة سنة.

و عاش قس بن ساعدة ستمأة سنة و هو الذي يقول:



هل الغيث يعطي الامر عند نزوله

بحال مسيئ في الامور و محسن



و من قد تولي و هو قد فات ذاهب

فهل ينفعني ليتني و لو أنني



و کذلک يقول لبيد:



و أخلف قسا ليتني و لو أنني

واعيا علي لقمان حکم التدبر



و عاش الحارث بن کعب المذحجي ستين و مائة سنة.

قال الصدوق رحمه الله: هذه الاخبار التي ذکرتها في المعمرين قد رواها مخالفونا أيضا من طريق محمد بن السائب الکلبي، و محمد بن إسحاق بن يسار، وعوانة ابن الحکم، و عيسي بن يزيد بن رئاب و الهيثم بن عدي الطائي، و قد روي عن النبي صلي الله عليه و آله أنه قال: کلما کان في الامم السالفة فيکون في هذه الامة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة و قد صح هذا التعمير فيمن تقدم و صحت الغيبات الواقعة بحجج الله عليهم السلام فيما مضي من القرون، فکيف السبيل إلي إنکار القائم عليه السلام لغيبته و طول عمره، مع الاخبار الواردة فيه عن النبي صلي الله عليه و آله و عن الائمة عليهم السلام و هي التي قد ذکرناها في هذا الکتاب بأسانيدها.

حدثنا علي بن أحمد الدقاق قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الکوفي، عن



[ صفحه 253]



موسي بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن غياث بن إبراهيم عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: کل ما کان في الامم السالفة فانه يکون في هذه الامة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة.

ل: علي بن عبد الله الاسواري، عن مکي بن أحمد قال: سمعت إسحاق ابن إبراهيم الطوسي يقول: و کان قد أتي عليه سبعة و تسعون سنة علي باب يحيي بن منصور قال: رأيت سر بايک ملک الهند في بلد تسمي صوح فسألناه کم أتي عليک من السنين قال: تسعمائة سنة و خمس و عشرون سنة و هو مسلم فزعم أن النبي صلي الله عليه و آله أنفذ إليه عشرة من أصحابه منهم حذيفة بن يمان و عمرو بن العاص و أسامة بن زيد و أبو موسي الاشعري و صهيب الرومي و سفينة و غيرهم يدعونه إلي الاسلام فأجاب و أسلم و قبل کتاب النبي صلي الله عليه و آله، فقلت له: کيف تصلي مع هذا الضعف؟ فقال لي: قال الله عز و جل: و الذين يذکرون الله قياما و قعودا و علي جنوبهم [12] الآية فقلت له: ما طعامک؟ فقال لي: آکل ماء اللحم و الکراث و سألت هل يخرج منک شيء؟ فقال: في کل أسبوع مرة شيء يسير و سألته عن أسنانه فقال: أبدلتها عشرين مرة.

و رأيت له في اسطبله شيئا من الدواب أکبر من الفيل يقال له: زند فيل فقلت له: ما تصنع بهذا؟ قال: يحمل ثياب الخدم إلي القصار، و مملکته مسيرة أربع سنين في مثلها، و مدينته طولها خمسون فرسخا في مثلها، و علي کل باب منها عسکر مائة ألف و عشرين ألفا إذا وقع في أحد الابواب حدث، خرجت تلک الفرقة إلي الحرب لا تستعين بغيرها، و هو في وسط المدينة و سمعته تقول: دخلت المغرب فبلغت إلي الرمل: رمل عالج، و صرت إلي قوم موسي عليه السلام فرأيت سطوح بيوتهم مستوية، و بيدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت و الباقي يترکونه هناک و قبورهم في دورهم، و بساتينهم من المدينة علي فرسخين، ليس فيهم شيخ و لا شيخة



[ صفحه 254]



و لم أر فيهم علة و لا يعتلون إلي أن يموتوا، و لهم أسواق إذا أراد الانسان منهم شراء شيء صار إلي السوق فوزن لنفسه و أخذ ما يصيبه و صاحبه حاضر و إذا أرادوا الصلاة حضروا فصلوا و انصرفوا لا يکون بينهم خصومة و لا کلام يکره إلا ذکر الله عز و جل، و الصلاة و ذکر الموت.

قال الصدوق رحمه الله: إذا کان عند مخالفينا مثل هذه الحال لسربايک ملک الهند فينبغي أن لا يحيلوا مثل ذلک في حجة الله من التعمير و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

بيان: [13] و صبح ليل عطف علي الثواء قوله: يغاديه أي يأتيه غدوة قوله: و ليل بعد يسري أي بعد ذلک الصبح يسير ليلا و الشلو بالکسر العضو و السلو الصبر و قال الجوهري: الهنيدة المائة من الابل و غيرها و قال أبو عبيدة: هي اسم لکل مائة و أنشد:



و نصر بن دهمان الهنيدة عاشها

و تسعين عاما ثم قوم فانصاتا



و قال في الصاد و التاء: و قد إنصات الرجل إذا استوت قامته بعد الانحناء ثم ذکر هذا البيت و الذي بعده و قال: شرخ الشباب أوله.

قوله: رهين شيء أي کل شيء احتاج إليه و في بعض النسخ بالسين المهملة و هو اللبن يکون في أطراف الاخلاف قبل نزول الدرة.

و لدة الرجل تربه و الجمع لدات و السبات بالضم النوم و الراحة قوله: حتي تخط له قبرا لعله إشارة إلي إدراک ما قبل الجاهلية و الکهب الجاموس المسن و الکهبة بالضم بياض علته کدورة أو الدهمة أو غبرة مشربة سوادا.

وثاب الرجل يثوب ثوبا رجع بعد ذهابه أي نفعت مولي حتي يعود إلي نفعه و جزاؤه و البث الحزن و الکبر کعنب الشيخوخة أو هو کصرد جمع الکبري أي المصائب الکبر و يوم مهران و يوم تستر إشارتان إلي غزوتان مشهورتان في الاسلام کانتا في زمن عمر و قدني أي حسبي أن أبيد أي أهلک و في بعض النسخ



[ صفحه 255]



و قد لي أي و قد حان لي. [14] .

و قال الجوهري: و لبد آخر نسور لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلي الحرم يستسقي لها فلما أهلکوا خير لقمان بين بقاء سبع بقرات [15] سمر من أظب عفر، في جبل وعر، لا يمسها القطر، و بين بقاء سبعة أنسر کلما هلک نسر خلف بعده نسر، فاختار النسور فکان آخر نسوره يسمي لبدا.

و قال: مزيقياء لقب عمرو بن عامر ملک من ملوک اليمن زعموا أنه کان يلبس کل يوم حلتين فيمزقهما بالعشي و يکره أن يعود فيهما و يأنف أن يلبسهما أحد غيره.

و قال: جاء فلان يهادي بين اثنين إذا کان يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه و تمايله.

و إخماد النار کناية عن خمول الذکر أو ذهاب البرکة قوله: فانکم لا تلاموا الحاصل أنکم إن بذلتم علي قدر وسعکم فسيعذرکم الناس و لا يلومونکم و يبقي لکم قوة علي البذل بعد ذلک، و ذلک خير من أن تسرفوا و تبذلوا جميع ما في أيديکم و تحتاجوا إليه و يعانوکم بالمعذرة أي بقليل يعتذرون إليکم في ذلک، أو مع کونکم معذورين في السوأل لاضطرارکم، و في بعض النسخ من أن تضاموا أي من أن يظلموکم بأن يعتذروا إليکم مع قدرتهم علي البذل و علي التقادير الاظهر فانکم إن تلاموا.

و لا تجشموا أي لا تکلفوا أهل الدناءة أي البخلاء و الذين لم ينشأوا في الخير فتقصروا بها أي تجعلوهم مقصرين عاجزين عما طلبتم منهم و الضمير راجع إلي أهل الدناءة بتأويل الجماعة قوله: فتبوروا أي فتهلکوا و الازدراء التحقير و قوله: ذکاء قلبه تفسير للاصغرين والتبسل إظهار البسالة و هي الشجاعة و في بعض النسخ و تبتلوا و التبتل الانقطاع عن الدنيا إلي الله و قوله: تسم إليکم



[ صفحه 256]



الابصار من قولهم سما بصره أي علا و القارب السفينة الصغيرة و الشاهور لعله لغة في الشهر و العرمرم الجيش الکثير.

قوله: و للدهر أمر مرة أي قد يجعل الرجل أميرا و قد يجعله متهجما عليه أو للدهر امور غريبة و تهجمات و الاظهر أنه بالکسر بمعني الشدة و الامر العجيب قوله: ينجم بضم الجيم أي يطلع و يظهر قوله و يسمو به السم السم بالضم و الکسر الاسم أي يعلو به اسم الله و کلمة التوحيد.

و قوله: ثمان إلي آخر البيت لعله إشارة إلي الطوائف التي يقتلهم القائم عليه السلام أو يطيعونه و قوله: و من بعد هذا کر تسعون إشارة إلي من يعود في الرجعة قوله: أن يفرقها الدم لعل المعني أن کلها يصرف في الجهاد أو أن دم القتلي حولها يهدمها إما حقيقة أو مجازا.

و قال الجوهري: الداحس اسم فرس مشهور لقيس بن زهير بن جذيمة العبسي و منه حرب داحس، و ذلک أن قيسا و حذيفة بن بدر تراهنا علي خطر عشرين بعيرا و جعلا الغاية مائة غلوة و المضمار أربعين ليلة و المجري من ذات الآ صاد فأجري قيس داحسا و الغبراء، و أجري حذيفة الخطار و الحنفاء، فوضعت بنو فزارة رهط حذيفة کمينا علي الطريق فردوا الغبراء و لطموها، و کانت سابقة، فهاجت الحرب بين عبس و ذبيان أربعين سنة.

قوله: علي العلات أي علي کل حال و الردء الفاسد و بنو حام: السودان شبهت الجزر في عظمها و عظم سنامها بجبال صغار عليها بنو حام قعودا، و أروي ام عثمان و کان الوليد أخاه لامه.

قوله: و أقرع الارض بالعصا أي نبه الغافل بأدني تنبيه ليعقل، و لا تؤذه و لا تفضحه، قال الجوهري قال الشاعر:



و زعمت أنا لا حلوم لنا

إن العصا قرعت لذي الحلم



أي إن الحليم إذا نبه انتبه و أصله أن حکما من حکام العرب، عاش حتي اهتر فقال لابنته: إذا أنکرت شيئا من فهمي عند الحکم فاقرعي لي المجن بالعصا



[ صفحه 257]



لارتد ع قال المتلمس: لذي الحلم البيت انتهي و علي ما ذکره يحتمل المراد تنبيهه عند الغفلة.

قوله: فان من يسمع يخل هو من الخيال أي إذا أحضرتم سفيها فهو يتکلم علي سفاهته، و کل من يسمع منه، يقع في خياله شيء و يؤثر فيه.

و قال الزمخشري في مستقصي الامثال: من يسمع يخل أي يظن و يتهم بقوله إذا بلغ شيئا عن رجل فاتهمه و قيل: إن من يسمع أخبار الناس و معايبهم يقع في نفسه المکروه عليهم أي إن المجانبة للناس أسلم و مفعولا يخل محذوفان انتهي.

و الصريمة العزيمة في الشيء و الصرم القطع و الخلي الخالي من الهم و الحزن خلاف الشجي و المثل معروف و المعني أني في هم عظيم لهذا الامر الذي أدعوکم إليه و أنتم فارغون غافلون فويل لي منکم.

قوله: وقع القائم معه [16] أي يصير العزيز بعد ظهور الحق ذليلا و الذليل عزيزا لان الحق يظهر عند غلبة الباطل و أهله قوله: أن أدرکه بالفتح أي أن أتلهف علي إدراک هذا الامر فاني آئس منه أو بالکسر فيکون الجزاء محذوفا أي علي أمر إن أدرکته فزت أو لهفي عليکم إن أدرکته وفات عنکم.

قوله: و العادة أملک بالادب أي الآداب الحسنة إنما تملک باعتيادها لتصير ملکة، أو متابعة عادات القوم و ما هو معروف بينهم أملک بالآداب و الاول أظهر.

قوله: و رقوء الدم قال الجزري: فيه لا تسبوا الابل فان فيها رقوء الدم يقال: رقا الدمع و الدم و العرق يرقأ رقوءا بالضم إذا سکن و انقطع، و الاسم الرفوء بالفتح أي إنها تعطي في الديات بدلا من القود و يسکن بها الدم.



[ صفحه 258]



قوله: التقدم قبل الندم أي ينبغي أن يتقدم في الامور قبل أن يفوت و لا يبقي إلا الندم، قوله: الوحشة ذهاب الاعلام أي إنما يکون الوحشة في الطرق عند ذهاب الاعلام المنصوبة فيها، فکذا الوحشة بين الناس إنما يکون بذهاب العلماء و الهداة الذين هم إعلام طرق الحق.

قوله: يکون القرب أي من الناس أو من الله و قال الجوهري: تقعقعت عمدهم أي ارتحلوا و في المثل من يجتمع يتقعقع عمده کما يقال: إذا تم أمر دنا نقصه.

غو: بالاسناد إلي أحمد بن فهد عن بهاء الدين علي بن عبد الحميد، عن يحيي ابن النجل الکوفي، عن صالح بن عبد الله اليمني کان قدم الکوفة، قال يحيي: و رأيته بها سنة أربع و ثلاثين و سبعمأة، عن أبيه عبد الله اليمني و أنه کان من المعمرين و أدرک سلمان الفارسي و أنه روي عن النبي صلي الله عليه و آله أنه قال: حب الدنيا رأس کل خطيئة و رأس العبادة حسن الظن بالله.

غو: حدثني المولي العالم الواعظ عبد الله بن فتح الله بن عبد الملک، عن تاج الدين حسن السرايشنوي، عن الشيخ جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهر قال: رويت عن مولانا شرف الدين إسحاق بن محمود اليماني القاضي بقم، عن خاله مولانا عماد الدين محمد بن محمد بن فتحان القمي، عن الشيخ صدر الدين الساوي قال: دخلت علي الشيخ بابارتن و قد سقط حاجباه علي عينيه من الکبر، فرفعهما عن عينيه، فنظر إلي و قال: تري عيني هاتين طالما نظرتا إلي وجه رسول الله صلي الله عليه و آله و قد رأيته يوم حفر الخندق، و کان يحمل علي ظهره التراب مع الناس، و سمعته صلي الله عليه و آله يقول في ذلک اليوم: أللهم إني أسألک عيشة هنيئة، و ميتة سوية، و مردا مخز و لا فاضح.

أقول: و روي السيد علي بن عبد الحميد في کتاب الانوار المطيئة قال: روي الجد السعيد عبد الحميد يرفعه إلي الرئيس أبي الحسن الکاتب البصري و کان من الادباء قال: في سنة اثنين و تسعين و ثلاثمأة أسنت البر سنين عدة و بعثت السماء درها في أکناف البصرة، فتسامع العرب بذلک فوردوها من الاقطار البعيدة علي



[ صفحه 259]



اختلاف لغاتهم، فخرجت مع جماعة نتصفح أحوالهم و نلتمسن فائدة ربما وجدناها عند أحدهم، فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في کسره شيخا جالسا قد سقط حاجباه علي عينيه کبرا و حوله جماعة من عبيده و أصحابه فسلمنا عليه فرد التحية و أحسن التلقية، فقال له رجل منا: هذا السيد و أشار إلي هو الناظر في معاملة الدرب و هو من الفصحاء و أولاد العرب و کذلک الجماعة ما منهم إلا من ينسب إلي قبيلة و يختص بسداد و فصاحة، و قد خرج و خرجنا معه حين وردتم نلتمس الفائدة المستطرفة من أحدکم و حين شاهدناک رجونا مانبغيه عندک لعلو سنک.

فقال الشيخ: و الله يا بني أخي حياکم الله إن الدنيا شغلتنا عما تبغونه مني، فان أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي، و ها بيته، و أشار إلي خباء کبير بإزائه فقصدنا البيت فوجدنا فيه شيخا متضجعا و حوله من الخدم و الامر أو في مما شاهدناه أولا فسلمنا عليه و أخبرناه بخبر ابنه فقال: يا بني أخي حياکم الله إن الذي شغل ابني عما التمستموه منه هو الذي شغلني عما هذه سبيله و لکن الفائدة تجدونها عند والدي و ها هو بيته، و أشار إلي بيت منيف، فقلنا فيما بيننا حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني فان کانت منه فائدة فهي ربح لم نحتسب.

فقصدنا ذلک الخباء فوجدنا حوله عددا کثيرا من الاماء و العبيد فحين رأونا تسرعوا إلينا و بدؤا بالسلام علينا و قالوا: ما تبغون حياکم الله؟ فقلنا نبغي السلام علي سيدکم و طلب الفائدة من عنده، فقالوا: الفوائد کلها عند سيدنا و دخل منهم من يستأذن ثم خرج بالاذن لنا، فدخلنا فإذا سرير في صدر البيت و عليه مخاد من جانبيه، و وسادة في أوله، و علي الوسادة رأس شيخ قد بلي و طار شعره، فجهرنا بالسلام فأحسن الرد و قال قائلنا مثل ما قال لولده، و أعلمناه أنه أرشدنا إليک و بشرنا بالفائدة منک.

ففتح الشيخ عينين قد غارتا في ام رأسه و قال للخدم: أجلسوني ثم قال لنا: يا بني أخي لاحدثنکم بخبر تحفظونه عني کان والدي لا يعيش له ولد و يحب أن تکون له عاقبة، فولدت له علي کبر، ففرح بي و ابتهج بموردي ثم قضي ولي



[ صفحه 260]



سبع سنين فکفلني عمي بعده و کان مثله في الحذر علي فدخل بي يوما علي رسول الله صلي الله عليه و آله فقال له: يا رسول الله صلي الله عليه و آله إن هذا ابن أخي و قد مضي أبوه لسبيله و أنا کفيل بتربيته و إنني أنفس به علي الموت، فعلمني عوذة أعوذه بها ليسلم ببرکتها.

فقال صلي الله عليه و آله: أين أنت عن ذات القلاقل؟ فقال: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و ما ذات القلاقل قال: أن تعوذه فتقرأ عليه سورة الجحد، و سورة الاخلاص، و سورة الفلق و سورة الناس، و أنا إلي اليوم أتعوذ بها کل غداة فما اصبت، و لا اصيب لي مال و لا مرضت، و لا افتقرت، و قد انتهي بي السن إلي ما ترون، فحافظوا عليها و استکثروا من التعوذ بها ثم انصرفنا من عنده انتهي.

مجالس الشيخ: عن المفيد، عن إبراهيم بن الحسن بن جمهور قال: حدثني أبو بکر المفيد الجرجرائي في شهر رمضان سنة ست و سبعين و ثلاثمأة قال: اجتمعت مع أبي عمرو عثمان بن الخطاب بن عبد الله بن العوام بمصر في سنة ست عشر و ثلاث مائة و قد ازدحم الناس عليه حتي رقي به إلي سطح دار کبيرة کان فيها و مضيت إلي مکة و لم أزل أتبعه إلي مکة إلي أن کتبت عنه خمسة عشر حديثا و ذکر أنه ولد في خلافة أبي بکر عتيق بن أبي قحافة و أنه لما کان في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خرجت و والدي معي أريد لقاءه فلما صرنا قريبا من الکوفة أو الارض التي کان بها عطشنا عطشا شديدا في طريقنا و أشرفنا علي التلف و کان والدي شيخا کبيرا فقلت له: اجلس حتي أدور الصحراء أو البرية فلعلي أقدر علي ماء أو من يدلني عليه أو ماء مطر.

فقصدت أطلب ذلک فلم ألبث عنه بعيد إذ لاح لي ماء فصرت إليه فإذا أنا ببئر شبه الرکية أو الوادي فنزعت ثيباي و اغتسلت من ذلک الماء و شربت حتي رويت و قلت: أمضي و أجئ بأبي فانه قريب مني فجئت إليه فقلت: قم فقد فرج الله عز و جل عنا و هذه عين ماء قريب منا فقام فلم نر شيئا و لم نقف علي الماء و جلس و جلست معه و لم يضطرب إلي أن مات واجتهدت إلي أن و أريته وجئت إلي مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه و لقيته و هو خارج إلي صفين و قد أخرجت له



[ صفحه 261]



البغلة فجئت و أمسکت له الرکاب فالتفت إلي فانکببت اقبل الرکاب فشجني في وجهي شجة.

قال أبو بکر المفيد: و رأيت الشجة في وجهه واضحة.

ثم سألني عن خبري فأخبرته بقصتي و قصة والدي و قصة العين فقال: عين لم يشرب منها أحد إلا و عمر عمرا طويلا فابشر فانک تعمر و ما کنت لتجدها بعد شربک منها و سماني بالمعتمر.

قال أبو بکر المفيد: فحدثنا عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالاحاديث و جمعتها و لم تجتمع لغيري منه و کان معه جماعة مشايخ من بلده و هي طنجة.

فسألتهم عنه فذکروا أنهم من بلده و أنهم يعرفونه بطول العمر و آباؤهم و أجدادهم بمثل ذلک و اجتماعه مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و أنه توفي في سنة سبع عشر و ثلاث مائة.

أقول: روي الکراجکي ره في کنز الفوائد هذا الخبر بطوله مع الاخبار التي رواها أبو الدنيا عن الشريف طاهر بن موسي الحسيني، عن ميمون بن حمزة الحسيني، عن المعمر المغربي، و عن أسد بن إبراهيم السلمي و الحسين بن محمد الصيرفي البغدادي معا عن أبي بکر محمد بن محمد المعروف بالمفيد الجرجرائي، عن علي بن عثمان بن الخطاب بن عبد الله بن عوام البلوي من مدينة بالمغرب يقال لها: مزيده.

يعرف بأبي الدنيا الاشج المعتمر إلي آخر ما مر من قصصه و ما أوردناه من رواياته في کتاب الفتن و غيره.

ثم ذکر رحمه الله قصة رجل آخر يعرف بالمعمر المشرقي و قال: هو رجل مقيم ببلاد العجم من أرض الجبل يذکر أنه رأي أمير المؤمنين عليه السلام و يعرفه الناس بذلک علي مر السنين و الاعوام و يقول: إنه لحقه مثل ما لحق المغربي من الشجة في وجهه و أنه صحب أمير المؤمنين عليه السلام و خدمه.

و حدثني جماعة مختلفو المذاهب بحديثه و أنهم رأوه و سمعوا کلامه منهم أبو العباس أحمد بن نوح بن محمد الحنبلي الشافعي حدثني بمدينه الرملة في سنة إحدي عشرة و أربعمأة قال: کنت متوجها إلي العراق للتفقه فعبرت بمدينه يقال



[ صفحه 262]



لها سهرورد من أعمال الجبل قريبة من زنجان و ذلک في سنة خمسين و أربعمأة فقيل لي إن هنا شيخا يزعم أنه لقي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فلو صرت إليه لکان ذلک فائدة عظيمة قال: فدخلنا عليه فإذا هو في بيته لعمل النوار و إذا هو شيخ نحيف الجسم مدور اللحية کبيرها و له ولد صغير ولد له منذ سنة.

فقيل له: إن هؤلاء قوم من أهل العلم متوجهون إلي العراق يحبون أن يسمعوا من الشيخ ما قد لقي من أمير المؤمنين عليه السلام فقال: نعم، کان السبب في لقائي له أني کنت قائما في موضع من المواضع فإذا بفارس مجتاز فرفعت رأسي فجعل الفارس يمر يده علي رأسي و يدعو لي فلما أن عبر أخبرت بأنه علي بن أبي طالب عليه السلام فهرولت حتي لحقته و صاحبته.

و ذکر أنه کان معه في تکريت و موضع من العراق يقال له تل فلان بعد ذلک و کان بين يديه يخدمه إلي أن قبض عليه السلام فخدم أولاده.

قال لي أحمد بن نوح: رأيت جماعة من أهل البلد ذکروا ذلک عنه و قالوا: إنا سمعنا آباءنا يخبرون عن أجدادنا بحال هذا الرجل و أنه علي هذه الصفة و کان قد مضي فأقام بالاهواز ثم انتقل عنها لاذية الديلم له و هو مقيم بسهرورد.

و حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن القمي رحمه الله أن جماعة کانوا حدثوه بأنهم رأوا هذا المعمر و شاهدوه و سمعوا ذلک عنه و حدثني بحديثه أيضا قوم من أهل سهرورد و وصفوا لي صفته و قالوا هو يعمل الزنانير.

قال السيد المرتضي قدس الله روحه في کتاب الغرر و الدرر: أحد المعمرين الحارث بن کعب بن عمرو بن و علة بن خالد بن مالک بن أدد المذحجي و مذحج هي ام مالک بن أدر نسب ولده مالک إليها و إنما سميت مذحج لانها ولدت علي أکمة تسمي مذحجا و هي مدلة بنت ذي مهجشان قال أبو حاتم السجستاني: جمع الحارث ابن کعب بنية لما حضرته الوفاة، فقال: يا بني قد أتت علي ستون و مائة سنة ما صافحت يميني يمين غادر، و لا قنعت نفسي بخلة فاجر، و لا صبوت بابنة عم و لا کنة، و لا طرحت عندي مومسة قناعها، و لا بحت لصديق بسر، و إني لعلي دين شعيب



[ صفحه 263]



النبي عليه السلام و ما عليه أحد من العرب غيري و غير أسد بن خزيمة و تميم بن مر فاحفظوا وصيتي و موتوا علي شريعتي إلهکم فاتقوه يکفکم المهم من أمورکم و يصلح لکم أعمالکم و إياکم و معصيته لا يحل بکم الدمار و بوحش منکم الديار.

يا بني کونوا جميعا و لا تتفرقوا فتکونوا شيعا، و إن موتا في عز خير من حياة في ذل و عجز، و کل ما هو کائن کائن و کل جميع إلي تباين، الدهر ضربان فضرب رخاء و ضرب بلاء، و اليوم يومان فيوم حبرة، و يوم عبرة، و الناس رجلان فرجل لک و رجل عليک.

تزوجوا الاکفاء و ليستعملن في طيبهن الماء و تجنبوا الحمقاء فان ولدها إلي أفن ما يکون ألا إنه لا راحة لقاطع القرابة و إذا اختلف القوم أمکنوا عدوهم منهم، و آفة العدد اختلاف الکلمة، و التفضل بالحسنة يقي السيئة، والمکافا بالسيئة الدخول فيها و العمل السوء يزيلل النعماء، و قطيعة الرحم تورث الهم و انتهاک الحرمة يزيل النعمة، و عقوق الوالدين يعقب النکد، و يمحق العدد، و يخرب البلد، و النصيحة تجر الفضيحة، و الحقد يمنع الوفد، و لزوم الخطيئة يعقب البلية، و سوء الرعة يقطع أسباب المنفعة و الضغائن تدعو إلي التباين.

ثم أنشأ يقول:



أکلت شبابي فأفنيته

و أنضيت بعد دهور دهورا



ثلاثة أهلين صاحبتهم

فبادوا و أصبحت شيخا کبيرا



قليل الطعام عسير القيام

قد ترک الدهر خطوي قصيرا



أبيت اراعي نجوم السماء

أقلب أمري بطونا ظهورا



قوله: و لا صبوت بابنة عم و لا کنة الصبوة رقة الحب و الکنة إمرأة ابن الرجل و إمرأة أخيه فأما المومسة فهي الفاجرة البغي أراد بقوله: إنها لم تطرح عنده قناعها أي لم تبتذل عندي و تنبسط، کما تفعل مع من يريد الفجور بها و قوله: فيوم حبرة و يوم عبرة فالحبرة الفرح و السرور و العبرة تکون من ضد ذلک لان العبرة لا تکون إلا من أمر محزن مولم فأما الافن فهو الحمق يقال: رجل أفين إذا کان أحمق، و من أمثالهم وجدان الرقين يغطي علي أفن الافين أي وجدان الماء يغطي



[ صفحه 264]



علي حمق الاحمق و واحد الرقين رقة و هي الفضة.

فأما قوله: النصيحة تجر الفضيحة، فيشبه أن يکون معناه أن النصيح إذا نصح من لا يقبل النصيحة، و لا يصغي إلي موعظته فقد افتضح عنده لانه أفضي إليه بسره، و باح بمکنون صدره.

فأما سوء الرعة فانه يقال: فلان حسن الرعة و التورع أي حسن الطريقة.

و من المعمرين المستوغر و هو عمرو بن ربيعة بن کعب بن سعد بن زيد مناة ابن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر و إنما سمي المستوغر لبيت قاله و هو:



ينش الماء في الربلات منها

نشيش الرضف في اللبن الوغير



الربلات واحدتها ربلة، و ربلة بفتح الباء و إسکانها هي (کل) لحمة غليظة، هکذا ذکر ابن دريد و الرضف الحجارة المحماة و في الحديث کأنه علي الرضف و اللبن لبن تلقي فيه حجارة محماة ثم يشرب اخذ من وغرة الظهيرة و هي أشد ما يکون من الحر و منه وغر صدر فلان يوغر و غرا إذا التهب من غضب أو حقد.

و قال أصحاب الانساب: عاش المستوغر ثلاث مائة سنة و عشرين سنة و أدرک الاسلام أو کاد يدرک أوله و قال ابن سلام: کان المستوغر قديما و بقي بقاء طويلا حتي قال:



و لقد سئمت من الحياة و طولها

و عمرت من عدد السنين مئينا



مائة أتت من بعدها مائتان لي

و ازددت من عدد الشهور سنينا



هل ما بقي إلا کما قد فاتنا

يوم يکر و ليلة تحدونا



و هو القائل:



إذا ما المرء صم فلم يکلم

و أودي سمعه إلا ندايا



و لاعب بالعشي بني بنية

کفعل الهر يحترش العظايا



يلاعبهم و ودوا لو سقوه

من الذيفان مترعة ملا يا





[ صفحه 265]





فلا ذاق النعيم و لا شرابا

و لا يشفي من المرض الشفايا



أراد بقوله صم فلم يکلم أي لم يسمع ما يکلم به، فاحتصر و يجوز أن يريد أنه لم يکلم لليأس من استماعه فاعرض عن خطابه لذلک، و قوله و أودي سمعه إلا ندايا إنما أراد أن سمعه هلک إلا أنه يسمع الصوت العالي الذي ينادي به و قوله: و لاعب بالعشي بني بنية فانه مبالغة في وصفه بالهرم و الخرف، و أنه قد انتهي إلي ملاعبة الصبيان و انسهم به و يشبه أن يکون خص العشي بذلک لانه وقت رواح الصبيان إلي بيوتهم و استقرارهم فيها.

و قوله: يحترش العظايا أي يصيدها و الاحتراض أن يقصد الرجل إلي جحر الضب فيضربه بکفه ليحسبه الضب أفعي فيخرج إليه فيأخذه يقال: حرشت الضب و احترشته و من أمثالهم هذا أجل من الحرش يضرب هذا لامر يستعظم و يتکلم بذلک علي لسان الضب.

قال ابن دريد: قال الضب لابنه: اتق الحرش قال: و ما الحرض؟ قال: إذا سمعت حرکة بباب الجحر فلا تخرج فسمع يوما وقع المحفار فقال: يا أبة أ هذا الحرش؟ فقال هذا أجل من الحرش فجعل مثلا للرجل إذا سمع الشيء الذي هو أشد مما کان يتوقعه.

و الذيفان السم و العظايا جمع عظاية و هي دويبة معروفة. [17] .

واحد المعمرين دويد بن زيد بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام بن ألحاق بن قضاعة بن مالک بن مرة بن مالک بن حمير.

قال أبو حاتم: عاش دويد بن زيد أربعمائة سنة و ستا و خمسين سنة، و قال ابن دريد: لما حضرت دويد بن زيد الوفاة و کان من المعمرين قال: و لا تعد العرب معمرا إلا من عاش مائة و عشرين سنة فصاعدا قال لبنيه: أوصيکم بالناس شرا، لا ترحموا لهم عبرة، و لا تقبلوا لهم عثرة، قصروا الاعنة، و طولوا الاسنة و اطعنوا شزرا



[ صفحه 266]



و اضربوا هبرا، و إذا أردتم المحاجزة فقبل المناجزة، و المرء يعجز لا المحالة، بالجد لا بالکد، التجلد و لا التبلد، المنية و لا الدنية، و لا تأسوا علي فائت و إن عز فقده و لا تحنوا إلي ظاعن و إن ألف قربه و لا تطعموا فتطبعوا و لا تهنوا فتخرعوا و لا يکن لکم المثل السوء إن الموصين بنو سهوات إذا مت فارحبوا خط مضجعز و لا تضنوا علي برحب الارض و ما ذاک بمؤد إلي روحا و لکن راحة نفس خامرها الاشفاق ثم مات.

قال أبو بکر بن دريد: و من حديث آخر أنه قال:



اليوم يدني لدويد بيته

يا رب نهب صالح حويته



و رب قرن بطل أرديته

و رب غيل حسن لويته



و معصم مخضب ثنيته

لو کان للدهر بلي أبليته



أو کان قرني واحدا کفيته

و من قوله أيضا:



ألقي علي الدهر رجلا و يدا

و الدهر ما أصلح يوما أفسدا



يفسد ما أصلحه اليوم غدا



قوله: اطعنوا شزرا و اضربوا هبرا معني الشزر أن يطعنه في إحدي ناحيتيه يقال قتل الحبل شزرا إذا قتله علي الشمال، و النظر الشزر نظر بمؤخر محجر العين و قال الاصمعي نظر إلي شزرا إذا نظر إليه من عن يمينه و شماله، و طعنه طعنا شزرا کذلک و قوله: هبرا قال ابن دريد يقال هبرت اللحم أهبره هبرا إذا قطعته قطعا (کبارا) و الاسم الهبرة و الهبرة وسيف هبار و هابر و اللحم هبير و مهبور و المحالة الحيلة و قوله بالجد لا بالکد أي يدرک الرجل حاجته و طلبته بالجد و هو الحظ و البخت، و منه رجل مجدود فإذا کسرت الجيم فهو الانکماش في الامر و المبالغة فيه و قوله: التجلد و لا التبلد أي تجلدوا و لاتتبلدوا و قوله: فتطيعوا أي تدنسوا و الطبع الدنس، يقال: طبع السيف يطبع طبعا إذا رکبه الصداء قال ثابث قطنة العتکي:



[ صفحه 267]



لا خير في طمع يدني إلي طبع

و غفة من قوام العيش تکفيني



قوله: و لا تهنوا فتخرعوا فالوهن الضعف و الخرع والخراعة اللين، و منه سميت الشجرة الخروع للينها و قوله: إن الموصين بنو سهوان فالموصين جمع موسي و بنو سهوان ضربه مثلا أي لا تکونوا ممن تقدم إليهم فسهوا و أعرضوا عن الوصية قال: إنه يضرب هذا المثل للرجل الموثوق به و معناه إن الذين يحتاجون أن يوصفوا بحوائج إخوانهم هم الذين يسهون عنها لقلة عنايتهم، و أنت غافل و لا ساه عن حاجتي.

و قوله: فارحبوا أي وسعوا و الرحب السعة و الروح الراحة و قوله في الشعر و رب غيل فالغيل الساعد الممتلئ و المعصم موضع السوار من اليد.

و من المعمرين زهير بن جناب بن عبد الله بن کنانة بن بکر بن عوف بن عذرة ابن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن کلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن (عمران ابن) ألحاف بن قضاعة بن ملک بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالک بن حمير.

قال أبو حاتم: عاش زهير بن جناب مائتي سنة و عشرين سنة و واقع مائتي وقعة و کان سيدا مطاعا شريفا في قومه و يقال: کانت فيه عشر خصال لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه کان سيد قومه، و شريفهم، و خطيبهم، و شاعرهم، و وافدهم إلي الملوک و طبيبهم و الطب في ذلک الزمان شرف و حازي قومه و الحزاة الکهان و کان فارس قومه، و له البيت فيهم و العدد منهم فأوصي بنية فقال: يا بني إني قد کبرت سني و بلغت حرسا من دهري فأحکمتني التجارب و الامور تجربة و اختبار، فاحفظوا عني ما أقول وعوا إياکم و الخور عند المصائب و التواکل عند النوائب، فان ذلک داعية للغم و شماتة للعدو و سوء ظن بالرب و إياکم أن تکونوا بالاحداث مغترين و لها آمنين و منها ساخرين فانه ما سخر قوم قط إلا ابتلوا، و لکن توقعواها فانما الانسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة فمقصر دونه، و مجاوز موضعه، و واقع عن يمينه و شماله و لا بد أنه يصيبه.



[ صفحه 268]



قوله: حرسا من دهري، يريد دهرا و الحرس الدهر [18] قال الراجز: في سنة عشنا بذاک حرسا فالسنبة المدة من الدهر.

و التواکل أن يکل القوم أمرهم إلي غيرهم من قولهم رجل و کل إذا کان لا يکفي نفسه و يکل أمره إلي غيره و يقال: رجل وکله تکله و الغرض: کلما نصبته للرمي.

و تعاوره أي تداوله.

قال المرتضي ره و قد أتي لا بن الرومي معني قول زهير بن جناب: الانسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة، فمقصر دونه، و مجاوز له، و واقع عن يمينه و شماله ثم لابد أن يصيبه.

في أبيات له فأحسن فيها کل الاحسان و الابيات لا بن الرومي:



کفي بسراج الشيب في الرأس هاديا

لمن قد أضلته المنايا لياليا



أمن بعد إبداء المشيب مقاتلي

لرامي المنايا تحسبيني راجيا



غدا الدهر يرميني فتدنو سهامه

لشخصي أخلق أن يصبن سواديا



و کان کرامي الليل يرمي و لا يري

فلما أضاء الشيب شخصي رمانيا



أما البيت الاخير فانه أبدع فيه و غرب، و ما علمت أنه سبق إلي معناه لانه جعل الشباب کالليل الساتر علي الانسان الحاجز بينه و بين من أراد رميه لظلمته، و الشيب مبديا لمقاتله هاديا إلي إصابته لضوئه و بياضه، و هذا في نهاية حسن المعني و أراد بقوله رماني أصابني و مثله قول الشاعر:



فلما رمي شخصي رميت سواده

و لا بد أن يرمي سوادا الذي يرمي



و کان زهير بن جناب علي عهد کليب وائل و لم يک في العرب أنطق من زهير و لا أوجه عند الملوک، و کان لسداد رأيه يسمي کاهنا و لم تجتمع قضاعة إلا عليه و علي رزاح بن ربيعة و سمع زهير بعض نسائه تتکلم بما لا ينبغي لامرأة أن تتکلم به عند زوجها فنهاها فقالت له: أسکت عني و إلا ضربتک بهذا العمود فو الله ما کنت أراک تسمع شيئا و لا تعقله فقال عند ذلک:



ألا يا لقوم لا أري النجم طالعا

و لا الشمس إلا حاجبي بيميني



معزبتي عند القفا بعمودها

يکون نکيري أن أقول ذريني





[ صفحه 269]





أمينا علي سر النساء و ربما

أکون علي الاسرار أمين



فللموت خير من حداج موطأ

مع الظعن لا يأتي المحل لحيني



و هو القائل:



أبني إن أهلک فقد أورثتکم مجدا بنية

و ترکتکم أبناء سادات زنادکم و ريه



من کل ما نال الفتي قد نلته إلا التحيه

و لقد رحلت البازل الکوماء ليس لها وليه



و خطبت خطبة حازم الضعيف و لا العييه

و الموت خير للفتي فليهلکن و به بقية



من أن يري الشيخ البجال و قد يهادي بالعشيه



و هو القائل:



ليت شعري و الدهر ذو حدثان

أي حين منيتي تلقاني



أسبات علي الفراش خفات

أم يکفي مفجع حران



و قال حين مضت له مائتا سنة من عمره.



لقد عمرت حتي ما أبالي

أحتفي في صباحي أو مسائي



و حق لمن أتت مأتان عاما

عليه أن يمل من الثواء



قوله: معزبتي (يعني إمرأته) يقال: معزبة الرجل و طلته و حنته کل ذلک إمرأته و قوله: أمينا علي سر النساء فالسر خلاف العلانية و السر أيضا النکاح قال الحطيئة:



و يحرم سر جارهم عليهم

و يأخذ [19] جارهم أنف القصاع



و قال امرؤ القيس:



ألا زعمت بسباسة اليوم أنني

کبرت و أن لا يحسن السر أمثالي



و کلام زهير يحتمل الوجهين جميعا لانه إذا کبر و هرم لم تتهيبه النساء أن يتحدثن بحضرته بأسرارهن تهاونا و تعويلا علي ثقل سمعه، و کذلک هرمه و کبره يوجبان کونه أمينا علي نکاح النساء لعجزه عنه و قوله: حداج موطأ الحداج مرکب من مراکب النساء و الجمع أحداج و حدوج و الظعن و الاظعان



[ صفحه 270]



الهوادج و الظعينة المرأة في الهودج و لا تسمي ظعينة حتي تکون في هودج و الجمع ظعائن و إنما أخبر عن هرمه و أن موته خير من کونه مع الظعن في جملة النساء و قوله: زنادکم و ريه الزناد جمع زند و زندة و هما عودان يتقدح بهما النار و في أحدهما فروض و هي ثقب فالتي فيها الفروض هي الانثي و الذي يقدح بطرفه هو الذکر، و يسمي الزند الاب و الزندة الام و کني بزنادکم و رية عن بلوغهم مآربهم تقول العرب وريت بک زنادي أي نلت بک ما احب من النجح و النجاة و يقال للرجل الکريم: واري الزناد.

فأما التحية فهي الملک فکأنه قال: من کل ما نال الفتي قد نلته إلا الملک و قيل التحية ههنا الخلود و البقاء، و البازل الناقة التي قد بلغت تسع سنين و هي أشد ما تکون و لفظ البازل في الناقة و الجمل سواء و الکوماء العظيمة السنام و الولية برذعة تطرح علي ظهر البعير تلي جلده و البجال الذي يبجله قومه و يعظمونه و معني يهادي بالعشيه أي تماشيه الرجال فيسندونه لضعفه و التهادي المشي الضعيف و قوله: أسبات فالسبات سکون الحرکة و رجل مسبوت و الخفات الضعف يقال: خفت الرجل إذا أصابه ضعف من مرض أو جوع و المفجع الذي قد فجع بولد له أو قرابة و الحر ان العطشان الملتهب و هو ههنا المحترق علي قتلاه.

و مما يروي لزهير بن جناب:



إذا ما شئت أن تسلي خليلا

فأکثر دونه عدد الليالي



فما سلي حبيبک مثل نأي

و لا بلي جديدک کابتذال



و من المعمرين ذو الاصبع العدواني و اسمه حرثان بن محرث بن الحارث ابن ربيعة بن وهب بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عتاب بن يشکر بن عدوان و هو الحارث بن عمير بن قيس بن عيلان بن مضر و إنما سمي الحارث عدوان لانه عدا علي أخيه فهم فقتله [20] و قيل بل فقأ عينيه و قيل إن اسم ذي الاصبع محرث بن حرثان و قيل: حرثان بن حويرث و قيل: حرثان بن حارثة و يکني أبا عدوان



[ صفحه 271]



و سبب لقبه بذي الاصبع أن حية نهشته علي أصبعه فشلت فسمي بذلک و يقال إنه عاش مائة و سبعين سنة و قال أبو حاتم: عاش ثلاثمائة سنة و هو أحد حکام العرب في الجاهلية و ذکر الجاحظ أنه کان أثرم و روي عنه:



لا يبعدن عهد الشباب و لا

لذاته و نباته النضر



لو لا أولئک ماحفلت متي

عوليت في حرجي إلي قبري



هزئت اثيلة إن رأت هرمي

و أن انحني لتقادم ظهري



و کان لذي الاصبع بنات أربع فعرض عليهن التزويج فأبين و قلن خدمتک و قربک أحب إلينا فأشرف عليهن يوما من حيث لا يرينه فقلن: لتقل کل واحدة منا ما في نفسها فقالت الکبري:



ألا هل أراها ليلة و ضجيعها

أشم کنصل السيف مهند



عليم بأدوات النساء و أصله

إذا ما انتمي من سر أهلي و محتدي



و يروي عين مهند و يروي من سر أصلي و محتدي فقلن لها: أنت تريدين ذا قرابة قد عرفته و قالت الثانية:



ألا ليت زوجي من أناس أولي عدي

حديث الشباب طيب الثوب و العطر



لصوق بأکباد النساء کأنه

خليفة جان لا ينام علي وتر



و يروي اولي غني و يروي لا ينام علي هجري فقلن لها: أنت تريدين فتي ليس من أهلک ثم قالت الثالثة:



ألا ليته يکسي الجمال نديه

له جفنة تشقي بها المعز و الجزر



له حکمات الدهر من کبرة

تشين فلا فان و لا ضرع غمر



فقلن لها: أنت تريدين سيدا شريفا و قلن للرابعة قولي فقالت: لا أقول شيئا فقلن (لها): يا عدوة الله علمت ما في أنفسنا و لا تعلميننا ما في نفسک؟ فقالت: زوج من عود خير من قعود فمضت مثلا فزوجهن أربعهن و ترکهن حولا.

ثم أتي الکبري فقال: يا بنية کيف ترين زوجک؟ فقالت: خير زوج يکرم الحليلة و يعطي الوسيلة، قال: فما مالکم؟ قالت: خير مال، الابل، نشرب ألبانها



[ صفحه 272]



جرعا و يروي جزعا بالزاي معجمة و نأکل لحمانها مزعا و تحملنا و ضعفتنا معا فقال: يا بنية زوج کريم و مال عميم.

ثم أتي الثانية فقال: يا بنية کيف زوجک؟ فقالت: خير زوج، يکرم أهله و ينسي فضله، قال: و ما مالکم قالت: البقر تألف الفناء و تملا الانآء و تودک السقاء، و نساء مع النساء فقال لها: خظيت و بظيت.

ثم أتي الثالثة فقال: يا بنية کيف زوجک؟ فقالت: لا سمح بذر و لا بخيل حکر، قال: فما مالکم قالت: المعزي قال: و ما هي قالت: لو کنا نولدها فطما و نسلخها ادما و يروي أدما بالفتح لم نبغ بها نعما، فقال لها: حذوة مغنية.

و يروي حذوي مغنية.

ثم أتي الصغري فقال: يا بنية کيف زوجک؟ قالت: شر زوج يکرم نفسه و يهين عرسه قال: فما مالکم؟ قالت: شر مال قال: و ما هو؟ قالت: الضأن جوف لا يشبعن، و هيم لا ينقعن، و صم لا يسمعن، و أمر مغويتهن يتبعن فقال أبوها: أشبه إمرء بعض بزه فمضت مثلا.

أما قول إحدي بناته في الشعر أشم فالشمم هو ارتفاع أرنبة الانف و ورودها يقال: رجل أشم و إمرأة شماء و قوم شم قال حسان:



بيض الوجوه کريمة أنسابهم

شم الانوف من الطراز الاول



فالشمم الارتفاع في کل شيء فيحتمل أن يکون أراد حسان بشم الانوف ما ذکرناه من ورود الارنبة لان ذلک عندهم دليل العتق و النجابة و يجوز أن يکون أراد بذلک الکناية عن نزاهتهم و تباعدهم عن دنا يا الامور و رذائلها و خص الانوف بذلک لان الحمية و الغضب و الانفة فيها و لم يرد طول أنفهم، و هذا أشبه أن يکون مراده لانه قال في أول البيت: بيض الوجوه و لم يرد (بياض) اللون في الحقيقة و إنما کني بذلک عن نقاء أعراضهم، و جميل أخلاقهم و أفعالهم کما يقال جاءني فلان بوجه أبيض و قد بيض فلان وجهه بکذا و کذا و إنما يعني ما ذکرناه.



[ صفحه 273]



و قول المرأة: أشم کنصل السيف يحتمل الوجهين أيضا، و معني قول حسان من الطراز الاول أي أن أفعالهم أفعال آبائهم و سلفهم فانهم لم يحدثوا أخلاقا مذمومة لا تشبه نجارهم و أصولهم.

و قولها: عين مهند أي هو المهند بعينه کما يقال: هو هذا بعينه، و عين الشيء نفسه و علي الرواية الاخري مهند أي ليس هو السيف المنسوب إلي الهند في الحقيقة و إنما هو مشبه به في مضائه.

و قولها: من سر أهلي أي من أکرمهم و أخلصهم يقال: فلان في سر قومه أي في صميمهم و شرفهم، و سر الوادي أطيبه ترابا و المحتد الاصل.

و قول الثانية اولي عدي فانما معناه أن يکون لهم أعداء لان من لا عدو له هو الفسل الرذل الذي لا خير عنده و الکريم الفاضل من الناس هو المحسد المعادي.

و قولها: لصوق بأکباد النساء تعني في المضاجعة و يحتمل أن تکون أرادت في المحبة و المودة و کنت بذلک عن شدة محبتهن له و ميلهن إليه و هو أشبه.

و قولها: کأنه خليفة جان أي کأنه حية للصوقه و الجان جنس من الحيات فخففت لضرورة الشعر.

و قول الثالثة: يکسي الجمال نديه فالندي هو المجلس.

و قولها: له حکمات الدهر تقول قد أحکمته التجارب و جعلته حکيما فأما الضرع فهو الضعيف و الغمر الذي لم يجرب الامور.

و قول الکبري: يکرم الحليلة و يعطي الوسيلة، فالحليلة هي إمرأة الرجل و الوسيلة الحاجة.

و قولها: نشرب ألبانها جزعا فالجزع جمع جزعة و هي القليل من الماء يبقي في الانآء.

و قوله: مزعا فالمزعة البقية من دسم و يقال: ماله جزعة و لا مزعة کذا ذکر ابن دريد بالضم في جزعة و وجدت غيره يکسرها و يقول: جزعة، و إذا کسرت فينبغي أن يکون نشرب ألبانها جزعا و تکسر المزعة أيضا ليزدوج الکلام فيقول:



[ صفحه 274]



و نأکل لحمانها مزعا فان المزعة بالکسر هي القطعة من الشحم و المزعة بالکسر أيضا من الريش و القطن و غير ذلک کالمزقة من الخرق.

و التمزيع التقطيع و التشقيق يقال: إنه يکاد يتمزع من الغيظ، و مزع الظبي في عدوه يمزع مزعا إذا أسرع و قوله: مال عميم أي کثير.

و قول الثانية: تودک السقاء من الودک الذي هو الدسم.

و قول الثالثة: نولدها فطما فالفطم جمع فطيم و هو المفطوم من الرضاع.

و قولها: نسلخها ادما فالادم جمع إدام و هو الذي يوکل، تقول: لو أنا فطمناها عند الولادة و سلخناها للادم من الحاجة لم نبغ بها نعما و علي الرواية الاخري أدما من الاديم و قوله: حذوة مغنية فالحذوة القطعة.

و قول الصغري: جوف لا يشبعن فالجوف جمع جوفاء و هي العظيمة الجوف و الهيم العطاش و لا ينقعن أي لا يروين و معني قولها و أمر مغويتهن يتبعن أي القطيع من الضأن يمر علي قنطرة فتزل واحدة فتقع في الماء فيقعن کلهن اتباعا لها و الضأن يوصف بالبلادة.

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الکاتب قال: حدثنا ابن دريد قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس، قال ابن دريد: و أخبرنا به العکلي، عن ابن أبي خالد، عن الهيثم بن عدي، عن مسعر بن کدام قال: حدثنا سعيد بن خالد الجدلي قال: لما قدم عبد لملک بن مروان الکوفة بعد قتل مصعب دعا الناس علي فرائضهم فأتيناه فقال: من القوم؟ قلنا جديلة، قال: جديلة عدوان؟ قلنا: نعم فتمثل عبد الملک:



عذير الحي من عدوان کانوا حية الارض

بغي بعضهم بعضا فلم يرعوا علي بعض



و منهم کانت السادات و الموفون بالفرض

و منهم حکم يقضي فلا ينقض ما يقضي





[ صفحه 275]



و منهم من يحيل الناس بالسنة و الفرض [21] .



ثم أقبل علي رجل کنا قدمناه أمامنا، جسيم وسيم، فقال: أيکم يقول هذا الشعر؟ فقال: لا أدري فقلت (أنا) من خلفه: يقول ذو الاصبع فترکني و أقبل علي ذلک الجسيم و قال: ما کان اسم ذي الاصبع؟ فقال: لا أدري فقلت: أنا من خلفه: حرثان، فأقبل عليه و ترکني فقال: لم سمي ذا الاصبع؟ فقال: لا أدري فقلت أنا من خلفه: نهشته حية علي أصبعه، فأقبل عليه و ترکني فقال: من أيکم کان؟ قال: لا أدري فقلت أنا من خلفه: من بني ناج، فأقبل علي الجسيم فقال: کم عطاؤک قال: سبعمأة درهم ثم أقبل علي فقال: کم عطاؤک فقلت: أربعمائة فقال: يا ابن الزعيزعة حط من عطاء هذا ثلاث مائة و زدها في عطاء هذا فرحت و عطائي سبعمأة و عطاؤه أربعمائة.

و في رواية اخري أنه: لما قال له: من أيکم کان؟ قال: لا أدري فقلت أنا من خلفه: من بني ناج الذين يقول: فيهم الشاعر:



و أما بنو ناج فلا تذکرنهم

و لا تتبعن عينيک من کان هالکا



إذا قلت معروفا لتصلح بينهم

يقول وهيب لا اسالم ذلکا



و يروي: لا أحاول (ذلکا):



فأضحي کظهر العود جب سنامه

يدب إلي الاعداء أحدب بارکا



و يروي:



فأضحي کظهر العود جب سنامه

تحوم عليه الطير أحدب بارکا



و قد رويت هذه الابيات لذي الاصبع أيضا و من أبيات ذي الاصبع السائرة قوله:



اکاشر ذا الضغن المبين عنهم

و أضحک حتي يبدو الناب أجمع





[ صفحه 276]





و أهدنه بالقول هدنا و لو يري

سريرة ما اخفي لبات يفزع



و معني أهدنه اسکنه و من قوله أيضا:



إذا ما الدهر جر علي أناس

شراشره أناخ بآخرينا



فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقي الشامتون کما لقينا



و معني الشراشر ههنا الثقل يقال: ألقي علي شراشره و جراميزه أي ثقله و من قوله أيضا:



ذهب الذين إذا رأوني مقبلا

هشوا إلي و رحبوا بالمقبل



و هم الذين إذا حملت حمالة

و لقيتهم فکأنني لم أحمل



و من قوله و هي مشهورة:



لي ابن عم علي ما کان من خلق

مختلفان فأقليه و يقليني



أزري بنا أننا شالت نعامتنا

فخالني دونه و خلته دوني



لاه ابن عمک لا أفضلت في نسب

عني و لا أنت دياني فتخزوني



أني لعمرک ما بأبي بذي غلق

عن الصديق و لا خيري بممنون



و لا لساني علي الادني بمنطلق

بالفاحشات و لا اغضي علي الهون



ماذا علي و إن کنتم ذوي رحمي

ألا احبکم إن لم تحبوني



يا عمرو! إلا تدع شتمي و منقصتي

أضربک حيث تقول الهامة اسقوني



و أنتم معشر زيد علي مائة

فأجمعوا أمرکم طرا فکيدوني



لا يخرج القسر مني مأبية

و لا ألين لمن لا يبتغي ليني



قوله: شالت نعامتنا معناه تنافرنا، فضرب النعام مثلا أي لا أطمئن إليه و لا يطمئن إلي يقال: شالت نعامة القوم إذا أجلوا عن الموضع و قوله: لاه ابن عمک قال قوم: أراد: لله ابن عمک، و قال ابن دريد: أقسم و أراد: الله ابن عمک و قوله: عني أي علي و الديان الذي يلي أمره و معني فتخزوني أي تسوسني و الهون الهوان.

و قوله: أضربک حيث تقول الهامة: اسقوني قال الاصمعي العطش في الهامة فأراد أضربک في ذلک الموضع أي علي الهامة بحيث تعطش و قال آخرون: العرب



[ صفحه 277]



تقول: إن الرجل إذا قتل خرجت من رأسه هامة تدور حول قبره و تقول: اسقوني اسقوني فلا تزال کذلک حتي يؤخذ بثأره و هذا باطل، و يجوز أن يعنيه ذو الاصبع علي مذاهب العرب.

و قوله: لا يخرج القسر مني مأبية فالقسر القهر أي إن أخذت قسرا لم أزدد إلا إباء.

و من المعمرين معدي کرب الحميري من آل ذي رعين قال ابن سلام: و قال معدي کرب الحميري و قد طال عمره:



أراني کلما أفنيت يوما

أتاني بعده يوم جديد



يعود ضياؤه في کل فجر

و يأبي لي شبابي لا يعود



و من المعمرين الربيع بن ضبع الفزاري يقال: أنه بقي إلي أيام بني أمية و يروي أنه دخل علي عبد الملک بن مروان فقال له: يا ربيع أخبرني عما أدرکت من العمر و المدي، و رأيت من الخطوب الماضية، و ساق الحديث إلي آخر ما مر في رواية الصدوق رحمه الله و فيه لقد طار بک [22] جد عاثر و عطاء جذم و مقري ضخم ثم قال رضي الله عنه إن کان هذا الخبر صحيحا فيشبه أن يکون سؤال عبد الملک له إنما کان في أيام معاوية لا في ولايته لان الربع يقول في الخبر: عشت (في الاسلام) ستين سنة و عبد الملک ولي في سنة خمس و ستين من الهجرة فان کان صحيحا فلا بد مما ذکرناه.

و قد روي أن الربيع أدرک أيام معاوية و يقال: إن الربيع لما بلغ مأتي سنة قال:



ألا بلغ بني بني ربيع

فأشرار البنين لکم فداء



بأني قد کبرت ودق عظمي

فلا تشغلکم عني النساء



و إن کنائني لنساء صدق

و ما آلي بني و لا أساؤا



إذا کان الشتاء فأدفئوني

فان الشيخ يهدمه الشتاء





[ صفحه 278]





و أما حين يذهب کل قر

فسربال خفيف أو رداء



إذا عاش الفتي مأتين عاما

فقد ذهب اللذاذة و الفتاء



و قال حين بلغ مأتين و أربعين سنة:



أصبع عني الشباب قد حسرا

إن بان عني فقد ثوي عصرا



ودعنا قبل أن نودعه

لما قضي من جماعنا وطرأ



ها أنا ذا آمل الخلود و قد

أدرک سني و مولدي حجرا



أنا امرئ القيس هل سمعت به

هيهات هيهات طال ذا عمرا



أصبحت لا أحمل السلاح و لا

أملک رأس البعير إن نفرا



و الذئب أخشاه إن مررت به

وحدي و أخشي الرياح و المطرا



من بعد ما قوة أنوء بها

أصبحت شيخا أعالج الکبرا



قوله: عطاء جذم أي سريع و کل شيء أسرعت فيه فقد جذمته و في الحديث: إذا أذنت فرتل و إذا أقمت فاجذم أي أسرع و المقري الانآء الذي يقري فيه و قوله: ما آلي بني و لا أساؤا أي لم يقصروا و الآ لي المقصر.

و من المعمرين أبو الطمحان القيني و اسمه حنظلة بن الشرقي من بني کنانة بن القين قال أبو حاتم: عاش أبو الطمحان القيني مائتي سنة و قال في ذلک:



حنتني حانيات الدهر حتي

کاني خاتل يدنو لصيد



قصير الخطب يحسب من رآني

و لست مقيدا أني بقيد



و يروي قريب الخطو، قال أبو حاتم السجستاني: حدثني عدة من أصحابنا أنهم سمعوا يونس بن حبيب ينشد هذين البيتين و ينشد أيضا:



تقارب خطو رجلک يا دويد

و قيدک الزمان بشر قيد



و هو القائل:



و إني من القوم الذين هم هم

إذا مات منهم سيد قام صاحبه



نجوم سماء کلما غاب کوکب

بدا کوکب تأوي إليه کواکبه



أضاءت لهم أحسابهم و وجوههم

دجي الليل حتي نظم الجزع ثاقبه





[ صفحه 279]





و ما زال منهم حيث کان مسود

تسير المنايا حيث سارت کتائبه



و معني البيتين الاولين يشبه قول أوس بن حجر:



إذا مقرم منا ذا حدنابه

تخمط فينا ناب آخر مقرم



و لطفيل الغنوي مثل هذا المعني و هو قوله:



کواکب دجن کلما أنقض کوکب

بدا و انجلت عنه الدجنة کوکب



و قد أخذ الخزيمي هذا المعني فقال:



إذا قمر منا تغور أو خبا

بدا قمر في جانب الانفق يلمع



و مثل ذلک:



خلافة أهل الارض فينا وراثة

إذا مات منا سيد قام صاحبه



و مثله:



إذا سيد منا مضي لسبيله

أقام عمود الملک آخر سيد



وکأن مزاحما العقيلي نظر إلي قول أبي الطمحان أضاءت لهم أحسابهم و وجوههم في قوله و قد أحسن:



وجوه لو أن المدلجين اعتشوا بها

صدعن الدجي حتي تري الليل ينجلي



و يقارب ذلک قول حجية بن المضرب السعيدي: [23] .



أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت

لنورهم الشمس المضيئة و البدر



و أنشد محمد بن يحيي الصولي في معني بيت (ي) أبي الطمحان:



من البيض الوجوه بني سنان

لو أنک تستضيئ بهم أضاؤا



هم حلوا من الشرف المعلي

و من کرم العشيرة حيث شاؤوا



فلو أن السماء دنت لمجد

و مکرمة دنت لهم السماء



وأبوالطمحان القائل: [24] .



[ صفحه 280]





إذا کان في صدرا بن عمک إحنة

فلا تستثرها سوف يبدو دفينها



و هو القائل:



إذا شاء ماعيها استقي من وقيعة

کعين العذاب صفوها لم يکدر [25] .



و الوقيعة المستنقع في الصخرة للماء و يقال: للماء إذا أزل عن صخرة فوقع في بطن اخري فهو ماء الوقائع و أنشد (وا) لذي الرمة:



و نلنا سقاطا من حديث کأنه

جني النحل ممزوجا بماء الوقائع



و يقال للماء الذي يجري علي الصخرة ماء الحشرج و للماء الذي يجري بين الحصا و الرمل ماء المفاصل و أنشدوا لابي ذؤيب:



مطافيل أبکار حديث نتاجها

تشاب بماء مثل ماء المفاصل



و أنشد أبو محلم السعدي لابي الطمحان:



بني إذا ما سامک الذل قاهر

عزيز فبعض الذل أتقي و أحرز



و لا تحرمن بعض الامور تعززا

فقد يورث الذل الطويل التعزز [26] .



و هذان البيتان يرويان لعبد الله بن معوية الجعفري و روي لابي الطمحان أيضا في هذا المعني:



يا رب مظلمة يوما لطئت لها

تمضي علي إذا ما غاب أنصاري



حتي إذا ما انجلت عني غيايتها

و ثبت فيها وثوب المخدر الضاري



و من المعمرين عبد المسيح بن بقيلة الغساني و هو عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة، و بقيلة اسمه ثعلبة و قيل الحارث و إنما سمي بقيلة لانه خرج علي قومه في بردين أخضرين فقالوا له: ما أنت إلا بقيلة فسمي بذلک.

و ذکر الکلبي و أبومخنف و غيرهما أنه عاش ثلاث مائة و خمسين سنة و أدرک الاسلام فلم يسلم و کان نصرانيا.



[ صفحه 281]



و روي أن خالد بن الوليد لما نزل علي الحيرة و تحصن منه أهلها أرسل إليهم: ابعثوا إلي رجلا من عقلائکم و ذوي أنسابکم، فبعثوا إليه عبد المسيح بن بقيلة فأقبل يمشي حتي دنا من خالد فقال (له): أنعم صباحا أيها الملک قال: قد أغنانا الله عن تحيتک هذه فمن أين أقصي أثرک أيها الشيخ؟ قال: من ظهر أبي قال: فمن أين خرجت؟ قال: من بطن أمي قال: فعلي م أنت؟ قال: علي الارض قال: ففيم أنت قال: في ثيابي، قال: أ تعقل لا عقلت، قال إي و الله و اقيد، قال: ابن کم أنت؟ قال ابن رجل واحد.

قال خالد: ما رأيت کاليوم قط إني أسأله عن الشيء و ينحو في غيره قال: ما أجبتک إلا عما سألت فسل عما بدا لک قال: أعرب أنتم أم نبيط؟ قال: عرب استنبطنا و نبيط استعربنا قال: (أ) فحرب أنتم أم سلم قال: بل سلم قال: فما هذه الحصون قال: بنيناها لسفيه نحذر منه حتي يجئ الحليم ينهاه، قال: کم أتي لک؟ قال: خمسون و ثلاث مائة سنة قال: فما أدرکت؟ قال: أدرکت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا الجرف، و رأيت المرأة من أهل الحيرة تخرج و تضع مکتلها علي رأسها لاتزود إلا رغيفا واحدا حتي تأتي الشام ثم قد أصبحت اليوم خرابا يبابا و ذلک دأب الله في العباد و البلاد.

قال: و معه سم ساعة يقلبه في کفه فقال له خالد: ما هذا في کفک؟ قال: هذا السم قال: و ما تصنع به؟ قال: إن کان عندک ما يوافق قومي و أهل بلدي حمدت الله تعالي و قبلته، و إن کانت الاخري لم أکن أول من ساق إليهم ذلا و بلاء أشربه و أستريح من الحياة فانما بقي من عمري اليسير قال خالد: هاته فأخذه (ثم) قال: بسم الله و بالله رب الارض و السماء الذي لا يضر مع اسمه شيء ثم أکله فتجللته غشية ثم ضرب بذقنه في صدره طويلا ثم عرف و أفاق کأنما نشط من عقال.

فرجع ابن بقيلة إلي قومه فقال: قد جئتکم من عند شيطان أکل سم ساعة فلم يضره، صانعوا القوم و أخرجوهم عنکم فان هذا أمر مصنوع لهم، فصالحوهم علي مائة ألف درهم، و أنشا ابن بقيلة يقول:



[ صفحه 282]





أبعد المنذرين أري سواما

تروح بالخورنق و السدير



تحاماه فوارس کل قوم

مخافة ضيغم عالي الزئير



و صرنا بعد هلک أبي قبيس

کمثل الشاء في اليوم المطير



يريد: أبا قابوس، فصغره و يروي کمثل المعز:



تقسمنا القبائل من معد

علانية کأيسار الجزور



نؤدي الخرج بعد خراج کسري

و خرج من قريظة و النضير



کذاک الدهر دولته سجال

فيوم من ساة أو سرور



و يقال: إن عبد المسيح لما بني بالحيرة قصره المعروف بقصر بني بقيلة قال:



لقد بنيت للحدثان حصنا

لو أن المرء تنفعه الحصون



طويل الرأس أقعس مشمخرا

لانواع الرياح به حنين



و مما يروي لعبد المسيح بن بقيلة:



و الناس أبناء علات فمن علموا

أن قد أقبل فمجفو و محقور



و هم بنون لام إن رأوا نشبا

فذاک بالغيب محفوظ و مخفور



و هذا يشبه قول أوس بن حجر:



بني ام ذي المال الکثير يرونه

و إن کان عبدا سيد الامر جحفلا



و هم لقليل المال أولاد علة

و إن کان محضا في العمومة مخولا



و ذکر أن بعض مشايخ أهل الحيرة خرج إلي ظهرها يختط ديرا فلما حفر موضع الاساس و أمعن في الاحتفار أصاب کهيئة البيت فدخله، فإذا رجل علي سرير من زجاج و عند رأسه کتابة: أنا عبد المسيح بن بقيلة.



حلبت الدهر أشطره حياتي

و نلت من المني بلغ المزيد



و کافحت الامور و کافحتني

و لم أحفل بمعضلة کؤود



وکدت أنال في الشرف الثريا

و لکن لا سبيل إلي الخلود



و من المعمرين النابغة الجعدي و اسمه قيس بن کعب بن عبد الله بن عامر [27] .



[ صفحه 283]



ابن ربيعة بن جعدة بن کعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة و يکني أبا ليلي.

و روي أبو حاتم السجستاني قال: کان النابغة الجعدي أسن من النابغة الذيباني و الدليل علي ذلک قوله:



تذکرت و الذکري تهيج علي الهوي

و من حاجة المحزون أن يتذکرا



نداماي عند المنذر بن محرق

أري اليوم منهم ظاهر الارض مقفرا



کهول و شبان کأن وجوههم

دنانير مما شيف في أرض قيصرا



فهذا يدل علي أنه کان مع المنذر بن محرق و النابغة الذيباني کان مع النعمان بن المنذر بن محرق.

و قوله: شيف يعني جلي و المشوف المجلو و يقال: إن النابغة ثلاثين سنة لا يتکلم ثم تکلم بالشعر و مات و هو ابن عشرين و مائة سنة بإصبهان و کان ديوانه بها و هو الذي يقول:



من يک سائلا عني فاني

من الفتيان أيام الخنان



و أيام الخنان أيام کانت للعرب قديمة هاج بها فيهم مرض في أنوفهم و حلوقهم



مضت مائة لعام ولدت فيه

و عشر بعد ذاک و حجتان



فأبقي الدهر و الايام مني

کما أبقي من السيف اليماني



تفلل و هو مأثور جراز

إذا جمعت بقائمة اليدان



و قال أيضا في طول عمره:



لبست أناسا فأفنيتهم

و أفنيت بعد أناس أناسا



ثلاثة أهلين أفنيتهم

و کان الاله هو المستآسا



معني المستآس المستعارض و روي عن هشام بن محمد الکلبي أنه عاش مائة و ثمانين سنة.

و روي ابن دريد عن أبي حاتم في موضع آخر أن النابغة الجعدي عاش مائتي سنة و أدرک الاسلام و روي له:



قالت امامة کم عمرت زمانة

و ذبحت من عتر علي الاوثان



العتيرة شاة تذبح لاصنامهم في رجب في الجاهلية:



[ صفحه 284]





و لقد شهدت عکاظ قبل محلها

فيها و کنت أعد مل فتيان



و المنذر بن محرف في ملکه

و شهدت يوم هجائن النعمان



و عمرت حتي جاء أحمد بالهدي

و قوارع تتلي من القرآن



و لبست مل اسلام ثوبا واسعا

من سيب لا حرم و لا منان



و له أيضا في طول عمره:



المرء يهوي أن يعيش و طول عيش ما يضره

تفني بشاشته و يبقي بعد حلو العيش مره



و تتابع الايام حتي لا يري شيئا يسره

کم شامت بي إن هلکت و قائل لله دره



و روي أن النابغة الجعدي کان يفتخر و يقول: أتيت النبي صلي الله عليه و آله و أنشدته



بلغنا السماء مجدنا و جدودنا

و إنا لنرجو فوق ذلک مظهرا



فقال صلي الله عليه و آله: أين المظهر يا أبا ليلي؟ فقلت: الجنة يا رسول الله قال صلي الله عليه و آله: أجل إنشاء الله و أنشدته:



فلا خير في حلم إذا لم تکن له

بوادر تحمي صفوه أن يکدرا



و لا خير في جهل إذا لم يکن له

حليم إذا ما أورد الامر أصدرا



فقال صلي الله عليه و آله: لا يفضض الله فاک.

و في رواية اخري لا يفضض فوک، فيقال: إن النابغة عاش عشرين و مائة سنة لم تسقط له سن و لا ضرس و في رواية اخري عن بعضهم قال: رأيته و قد بلغ الثمانين ترف غروبه و کانت کلما سقطت له ثنية نبتت له اخري مکانها، و هو من أحسن الناس ثغرا.

معني ترف أي تبرق وکأن الماء يقطر منها.

قال المرتضي رحمه الله و مما يشاکل قوله إلي الجنة في جواب قول النبي صلي الله عليه و آله أين المظهر يا أبا ليلي و إن کان يتضمن العکس من معناه ما روي من دخول الاخطل علي عبد الملک مستغيثا من فعل الجحاف السلمي و أنه أنشده:



لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة

إلي الله منها المشتکي و المعول





[ صفحه 285]





فان لم تغيرها قريش بحلمها

يکن من قريش مستماز و مزحل



فقال عبد الملک (له): إلي أين يا ابن اللخناء قال: إلي النار.

قال: لو قلت غيرها قطعت لسانک.

فقوله: إلي النار تخلص مليح علي البديهة کما تخلص الجعدي بقوله إلي الجنة و أول قصيدة الجعدي التي ذکرنا منها الابيات:



خليلي غضا ساعة و تهجر ا

و لو ما علي ما أحدث الدهر أو ذرا



و لاتسألا إن الحياة قصيرة

فطيرا لروعات الحوادث أو قرا



و إن کان أمر لا تطيقان دفعه

فلا تجزعا مما قضي الله وا صبرا



ألم تعلما أن العلامة نفعها

قليل إذا ما الشيء ولي فأدبرا



يهيج اللحاء في الملامة ثم ما

يقرب منا ما کان قدرا



و فيها يقول:



لوي الله علم الغيب عمن سواءه

و يعلم منه ما مضي و تأخرا



و جاهدت حتي ما أحس و من معي

سهيلا إذا ما لاح ثم تغورا



يريد أني کنت بالشام و سهيل لا يکاد يري هناک و هذا بيت معني و فيها يقول:



و نحن أناس لا نعود خيلنا

إذا ما التقينا أن تحيد و تنفر ا



و ننکر يوم الروع ألوان خيلنا

من الطعن حتي تحسب الجون أشقرا



و ليس بمعروف لنا أن نردها

صحاحا و لا مستنکرا أن تعقرا



و أخبرنا المرزباني قال: أنشدنا علي بن سليمان الاخفش قال: أنشدنا أحمد بن يحيي قال: أنشدني محمد بن سلام و غيره للنابغة الجعدي.



تلوم علي هلک البعير ظعينتي

و کنت علي لوم العواذل زاريا



ألم تعلمي أني رزئت محاربا

فمالک منه اليوم شيئا و لا ليا



و من قبله ما قد رزئت بوحوح

و کان ابن أمي و الخليل المصافيا



فتي کملت خيراته أنه

جواد فما يبقي من المال باقيا



فتي تم فيه ما يسر صديقه

علي أن فيه ما يسوء الا عاديا





[ صفحه 286]





أشم طويل الساعدين سميدع

إذا لم يرح للمجد أصبح غاديا



السميدع السيد و مما يروي للنابغة الجعدي:



عقيلية أو من هلال ابن عامر

بذي الرمث من وادي المنار خيامها



إذا ابتسمت في البيت و الليل دونها

أضاء دجي الليل البهيم ابتسامها



و ذکر الاصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: سئل الفرزدق بن غالب عن النابغة الجعدي فقال: صاحب خلقان: يکون عنده مطرف بألف (دينار) و خمار بواف قال الاصمعي: و صدق الفرزدق بينا النابغة في کلام أسهل من الزلال و أشد من الصخر إذ لان و ذهب ثم أنشد له:



سما لک هم و لم تطرب

و بت ببث و لم تنصب



و قالت سليمي أري رأسه

کناصية الفرس الاشهب



و ذلک من وقعات المنون

ففيئي إليک و لا تعجبي



قال ثم يقول بعدها:



أتين علي إخوة سبعة

وعدن علي ربعي الاقرب



(ثم يقول بعدها):



فأدخلک الله برد الجنان

جذلان في مدخل طيب



فألان کلامه حتي لو أن أبا الشمقمق قال هذا البيت کان رديئا ضعيفا.

قال الاصمعي: و طريق الشعر إذا أدخلته في باب الخير لان ألا تري أن حسان بن ثابت کان علا في الجاهلية و الاسلام فلما أدخل شعره في باب الخير من مراثي النبي صلي الله عليه و آله و حمزة و جعفر و غيرهما لان شعره.

ثم قال رضي الله عنه: إن سأل سائل فقال: کيف يصح ما أوردتموه من تطاول الاعمار و امتدادها، و قد علمتم أن کثيرا من الناس، ينکر ذلک و يحيله و يقول إنه لا قدرة عليه و لا سبيل إليه، و منهم من ينزل في إنکاره درجة فيقول إنه و إن کان جائزا من طريق القدرة و الامکان، فانه مما يقطع علي انتفائه، لکونه خارقا للعادات، فان العادات إذا وثق الدليل بأنها لا تنخرق إلا علي سبيل الابانة و الدلالة علي صدق نبي من الانبياء عليهم السلام علم أن جميع ما روي من زيادة الاعمار



[ صفحه 287]



علي العادة باطل مصنوع لا يلتفت إلي مثله.

الجواب قيل له: أما من أبطل تطاول الاعمار من حيث الاحالة، و أخرجه عن باب الامکان، فقوله ظاهر الفساد لانه لو علم ما العمر في الحقيقة و ما المقتضي لدوامه إذا دام، و انقطاعه متي انقطع، لعلم من جواز امتداده ما علمناه، و العمر هو استمرار کون من يجوز أن يکون حيا و غير حي حيا و إن شئت أن تقول: هو استمرار کون الحي الذي لکونه علي هذه الصفة ابتداء حيا.

و إنما شرطنا الاستمرار لانه يبعد أن يوصف من کان في حالة واحدة حيا بأن له عمرا، بل لابد من أن يراعوا في ذلک ضربا من الامتداد و الاستمرار، و إن قل.

و شرطنا أن يکون ممن يجوز أن يکون حي أو يکون لکونه حيا ابتداء، احترازا من أن يلزم القديم تعالي جلت عظمته ممن لا يوصف بالعمر، و إن استمر کونه حيا.

فقد علمنا أن المختص بفعل الحياة هو القديم تعالي و فيما تحتاج إليه الحياة من البنية و من المعاني ما يختص به جل وعز، و لا يدخل إلا تحت مقدوره تعالي، کالرطوبة و ما جري مجراها، فمتي فعل القديم تعالي الحياة و ما تحتاج إليه من البنية، و هي مما يجوز عليه البقاء و کذلک ما تحتاج إليه فليس ينتفي إلا بضد يطرأ عليها أو بضد ينفي ما تحتاج إليه و الاقوي أنه لا بضد لها في الحقيقة و ربما ادعي قوم أنه ما تحتاج إليه، و لو کان للحياة ضد علي الحقيقة لم يخل بما نقصده في هذا الباب.

فمهما لم يفعل القديم تعالي ضدها أو ضد ما تحتاج إليه، و لا نقض ناقض بنية الحي استمر کون الحي حيا، و لو کانت الحياة أيضا لا تبقي علي مذهب من رأي ذلک، لکان ما قصدناه صحيحا لانه تعالي قادر علي أن يفعلها حالا فحالا و يوالي بين فعلها و بين فعل ما تحتاج إليه فيستمر کون الحي حيا.

فأما ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان و علو السن و تناقص بنية الانسان



[ صفحه 288]



فليس مما لابد منه، و إنما أجري الله تعالي العادة بأن يفعل ذلک عند تطاول الزمان، و لا إيجاب هناک، و لا تأثير للزمان علي وجه من الوجوه، و هو تعالي قادر علي أن لا يفعل ما أجري العادة بفعله.

و إذا ثبتت هذه الجملة ثبت أن تطاول العمر ممکن مستحيل و إنما أبي [28] من أحال ذلک من حيث اعتقد أن استمرار کون الحي حيا وجب عن طبيعة و قوة لهما مبلغ من المادة متي انتهتا إليه انقطعتا، و استحال أن تدوما، فلو أضافوا ذلک إلي فاعل مختار متصرف لخرج عندهم من باب الاستحالة.

فأما الکلام في دخول ذلک في العادة أو خروجه عنها فلا شک في أن العادة قد جرت في الاعمار بأقدار متقاربة يعد الزائد عليها خارقا للعادة إلا أنه قد ثبت أن العادات قد تختلف في الاوقات و في الاماکن أيضا، و يجب أن يراعي في العادات إضافتها إلي من هي عادة له في المکان و الوقت.

و ليس بممتنع أن يقل ما کانت العادة جارية به علي تدريج حتي يصير حدوثه خارقا للعادة بغير خلاف و لا أن يکثر الخارق للعادة حتي يصير حدوثه خارق لها علي خلاف فيه، و إذا صح ذلک لم يمتنع أن يکون العادات في الزمان الغابر کانت جارية بتطاول الاعمار و امتدادها ثم تناقص ذلک علي تدريج حتي صارت عادتنا الآن جارية بخلافه، و صار ما بلغ مبلغ تلک الاعمار خارقا للعادة، و هذا جملة فيما أوردناه کافية.

أقول: و ذکر الشيخ رحمه الله من المعمرين لقمان بن عاد و أنه عاش ثلاثة آلاف سنة و خمس مائة سنة و قال: و فيه يقول الاعشي:



لنفسک إذ تختار سبعة أنسر

إذا ما مضي نسر خلدت إلي نسر



فعمر حتي خال أن نسوره

خلود و هل تبقي النفوس علي الدهر



و قال لادناهن إذ حل ريشه

هلکت و أهلکت ابن عاد و ما تدري





[ صفحه 289]



قال: و منهم ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض بن مالک بن سعد بن عبس بن فزارة، عاش ثلاث مائة سنة و أربعين سنة ثم ذکر ما مر من قصصه و أشعاره.

ثم ذکر أکثم بن صيفي و أنه عاش ثلاث مائة سنة و ثلاثين سنة و ذکر والده صيفي بن رباح أبا أکثم و أنه عاش مائتين و سبعين سنة لا ينکر من عقله شيء و هو المعروف بذي الحلم الذي قال: فيه المتلمس اليشکري.



لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا

و ما علم الانسان إلا ليعلما



و منهم ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو عاش مائي سنة و عشرين سنة و لم يشب قط و أدرک الاسلام و لم يسلم و روي أبو حاتم و الرياشي عن العتبي عن أبيه قال: مات ضبيرة السهمي و له مائتنا سنة و عشرون سنة و کان أسود الشعر صحيح الاسنان ورثاه ابن عمه قيس بن عدي فقال:



من يأمن الحدثان بعد

ضبيرة السهمي مأتا



سبقت منيته المشيب

و کان منيته افتلاتا



فتزودوا لا تهلکوا

من دون أهلکم خفاتا



و منهم دريد بن الصمة الجشمي عاش مائتي سنة و أدرک الاسلام و لم يسلم و کان أحد قواد المشرکين يوم حنين و مقدمهم حضر حرب النبي صلي الله عليه و آله فقتل يومئذ.

و منهم محصن بن غسان بن ظالم الزبيدي عاش مائتي سنة و ستا و خمسين سنة.

و منهم عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة و هو الذي يقول:



کبرت و طال العمر حتي کأنني

سليم أفاع ليلة مودع



فما الموت أفناني و لکن تتابعت

علي سنون من مصيف و مربع



ثلاث مآت قد مررن کواملا

و ها أنا ذا (قد) أرتجي منه أربع



و منهم الحارث بن مضاض الجرهمي عاش أربعمائة سنة و هو القائل: [29] .



کأن لم يکن بين الحجون إلي الصفا

أنيس و لم يسمر بمکة سامر



بلي نحن کنا أهلها فأبادنا

صروف الليالي و الجدود العواثر



و منهم عبد المسيح بن بقيلة الغساني ذکر الکلبي و أبو عبيدة و غيرهما أنه عاش



[ صفحه 290]



ثلاث مائة سنة و خمسين سنة و ذکر من أحواله و أشعاره نحوا مما مر.

ثم ذکر النابغة الجعدي و أبا الطمحان القيني و ذا الاصبع العدواني و زهير ابن جنب و دويد بن نهد و الحارث بن کعب و أحوالهم و أقوالهم نحوا مما مر في کلام السيد رضي الله عنهما.

ثم قال: فهذا طرف من أخبار المعمرين من العرب و استيفاؤه في الکتب المصنفة في هذا المعني موجود.

و أما الفرس فانها تزعم أن فيما تقدم من ملوکها جماعة طالت أعمارهم فيروون أن الضحاک صاحب الحيتين عاش ألف سنة و مائتي سنة و إفريدون العادل عاش فوق الالف سنة و يقولون: إن الملک الذي أحدث المهرجان [30] عاش ألف سنة و خمسمأة استتر منها عن قومه ستمأة سنة و غير ذلک مما هو موجود في تواريخهم و کتبهم لا نطول بذکرها فکيف يقال: إن ما ذکرناه في صاحب الزمان خارج عن العادات.

و من المعمرين من العرب يعرب بن قطحان و اسمه ربيعة أول من تکلم بالعربية ملک مائتي سنة علي ما ذکره أبو الحسن النسابة الاصفهاني في کتاب الفرع و الشجر و هو أبو اليمن کلها و هو منها کعدنان إلا شاذا نادرا.

و منهم عمرو بن عامر مزيقيا روي الاصفهاني عن عبد المجيد بن أبي عبس الانصاري و الشرقي بن قطامي أنه عاش ثمانمائة سنة ثم ذکر نحوا مما مر في کلام الصدوق رحمه الله.

ثم قال: و قيل [31] إنما سمي مزيقيا لان علي عهده تمزقت الازد فصاروا إلي أقطار الارض و کان ملک أرض سبأ فحدثته الکهان أن الله يهلکها بالسيل العرم فاحتال حتي باع ضياعه و خرج فيمن أطاعه من أولاده قبل السيرم العرم



[ صفحه 291]



و منه انتشرت الازد کلها و الانصار من ولده.

و منهم جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن کهلان بن يعرب و يقال لجلهمة طيئ و إليه ينسب طيئ کلها و له خبر يطول شرحه و کان له ابن أخ يقال له: يحابر بن مالک بن أدد کان قد أتي علي کل واحد منهما خمسمأة سنة و وقع بينهما ملاحاة بسبب المرعي فاف جلهمة هلاک عشيرته فرحل عنه و طوي المنازل فسمي طيئا و هو صاحب أجأ و سلمي جبلين لطيئ و لذلک خبر يطول معروف.

و منهم عمرو بن لحي [32] و هو ربيعة ربن حارثة بن عمر و مزيقيا في قول علماء خزاعة کان رئيس خزاعة في حرب خزاعة و جرهم و هو الذي سن السائبة و الوصيلة و الحام، و نقل صنمين و هما هبل و مناة من الشام إلي مکة فوضعهما للعبادة فسلم هبل إلي خزيمة بن مدرکة فقيل هبل خزيمة، و صعد علي أبي قبيس و وضع مناة بالمشلل، و قدم بالنرد و هو أول من أدخلها مکة فکانوا يلعبون بها في الکعبة غدوة و عشية.

فروي عن النبي صلي الله عليه و آله أنه قال: رفعت إلي النار فرأيت عمرو بن لحي رجلا قصيرا أحمر أزرق يجر قصبه [33] في النار، فقلت: من هذا قيل عمرو بن لحي.

و کان يلي من أمر الکعبة ما کان يليه جرهم قبله حتي هلک.

و وجدت بخط الشريف الاجل الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي رضي الله عنه تعليقا في تقاويم جمعها مؤرخا بيوم الاحد الخامس عشر من المحرم سنة إحدي و ثماني و ثلاثمأة أنه ذکر له حال شيخ بالشام قد جاوز المائة و أربعين سنة فرکبت إليه حتي تأملته و حملته إلي القرب من داري بالکرخ و کان اعجوبة شاهد الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام و وصف صفته إلي ذلک من العجائب التي شاهدها.

و قال الکراجکي رحمه الله في کنز الفوائد: إن أهل الملل کلها متفقون علي جواز امتداد الاعمار و طولها و قد تضمنت التوراة من الاخبار بذلک



[ صفحه 292]



ما ليس بينهم فيه تنازع و فيها أن آدم عليه السلام عاش تسعمائة و ثلاثن سنة و عاش شيث تسعمائة و اثنتي عشرة سنة و عاش انوش تسعمائة و خمسا و ستين سنة و عاش فتيان تسعمائة سنة و عشر سنين و عاش مهلائيل ثمانمائة و خمسا و تسعين سنة و عاش برد تسعمائة و اثنتين و ستين سنة و عاش أخنوخ و هو إدريس عليه السلام تسعمائة و خمسا و ستين سنة و عاش متوشلح تسعمائة و تسعا و ستين سنة و عاش لمک سبع مائة و سبعا و ستين سنة و عاش نوح تسعمائة و خمسين و عاش سام ستمأة و تسعين سنة و عاش عابر ثمانمائة و سبعين سنة و عاش فالغ مائتين و تسعا و تسعين سنة و عاش ارغو مائتين و ستين سنة و عاش باحور مائة و ستا و أربعين سنة و عاش تارخ مائتين و ثمانين سنة و عاش إبراهيم عليه السلام مائة و خمسا و سبعين سنة و عاش إسماعيل عليه السلام مائة و سبعا و ثلاثين سنة و عاش إسحاق عليه السلام مائة و ثمانين سنة.

فهذا ما تضمنته التوراة مما ليس بين اليهود و النصاري اختلاف و قد تضمنت نظيره شريعة الاسلام و لم نجد أحدا من علماء المسلمين يخالفه أو يعتقد فيه البطلان بل قد أجمعوا من جواز طول الاعمار علي ما ذکرناه.

ثم قال: و من المعمرين عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة قال أبو أرقم: حدثنا الرياشي، عن عمرو بن بکير، عن الهيثم بن عدي، عن مجالد، عن الشعبي قال: کنا عند ابن عباس في قبة زمزم و هو يفتي الناس فقام إليه رجل فقال له: لقد أفتيت أهل الفتوي فأفت أهل الشعر؟ قال: قل: قال: ما معني قول الشاعر:



لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا

و ما علم الانسان إلا ليعلما



فقال: ذاک عمرو بن حممة الدوسي قضي علي العرب ثلاث مائة سنة فلما (کبر) ألزموه و قد رأي السادس أو السابع من ولد ولده فقال: إن فؤادي بضعة مني فربما تغير علي اليوم و الليلة مرارا و أمثل ما أکون فهما في صدر النهار، فإذا رأيتني قد تغيرت فأقرع العصا فکان إذا رأي منه تغيرا قرع العصا فيراجعه فهمه فقال المتلمس هذا البيت).



[ صفحه 293]



أقول: إلي هنا انتهي ماأدرت إيراده من أخبار المعمرين و إنما أطالت في ذلک مع قلة الجدوي تبعا للاصحاب و لئلا يقال: هذا الکتاب عار عن فوائدهم التي أوردوها في هذا الباب.


پاورقي

[1] في نسخة کمال الدين المطبوعة ج 2 ص 220: مرة بن يزيد و هکذا فيما يأتي.

[2] العنفقة شعيرات بين الشفة السفلي و الذقن، قيل لها ذلک لخفتها و قلتها و ربما أطلقت العنفقة علي موضع تلک الشعيرات.

[3] أي قاما و ذهبا.

و في نسخة کمال الدين المطبوعة مرا.

راجع ج 2 ص 229.

[4] في المصدر المطبوع هناک تقديم و تأخير راجع ج 2 ص 255.

[5] في المصدر المطبوع: أبا الجيش حمارويه راجع ج 2 ص 247 و هکذا في سائر المواضع.

[6] لست خ ل.

[7] في المصدر المطبوع: زبرت مقالي راجع ج 2 ص 250.

[8] النساء: 99.

[9] في المصدر المطبوع ج 2 ص 259: فقوموني للحق.

[10] في المصدر ج 2 ص 262 و اللؤمة.

[11] في المصدر ج 2 ص 262: من أصبح عند رأس الامر، أحب إلي ممن أصبح عند ذنبه.

[12] آل عمران: 191.

[13] ابتدأ رحمه الله بشرح الاشعار مما يتعلق بالصفحة 237.

[14] لکن علي هذه النسخة لا يستقيم وزن الشعر و قد أضفنا اليه ما کان يحتمل نقصانه راجع ص 239.

[15] في القاموس: بعرات قيل و هو الصحيح.

[16] هذا علي نسخة المصنف رحمه الله، و لا يخفي عدم المناسبة بين اللفط و المعني و الصحيح ما أثبتناه (ص 250) طبقا للمصدر المطبوع و المعني أن الحق إذا قام رفع من قام معه و أعلاه و استنهض الصرعي حتي يجعلهم قياما و المحصل أنه إذا قام الحق صير القاعد قائما و القائم مترفعا.

[17] دويبة ملسلاء تعدو و تردد کثيرا تشبه سام أبرص و تسمي شحمة الارض و شحمة الرمل، و هي أنواع کثيرة وکلها منقطة بالسواد و من طبعها أنها تمشي مشيا سريعا ثم تقف.

[18] في المصدر المطبوع: يريد طويلا منه و الحرس من الدهر: الطويل.

راجع ج 1 ص 239.

[19] في المصدر: و يأکل.

[20] في المصدر المطبوع بمصر فهم بقتله و هو تصحيف غريب راجع القاموس.

[21] في المصدر المطبوع ج 1 ص 250 و منهم من يجيز و نقل في الهامش عن أبي الفرج قال: قوله و منهم من يجيز الناس فان اجازة الحج کانت لخزاعة فأخذتها منهم عدوان.

[22] في المصدر المطبوع بمصر ج 1 ص 254: لقد طالبک.

[23] في المصدر المطبوع بمصر: الکندي.

[24] في النسخة المطبوعة من البحار هناک تقديم و تأخير و هو سهو. و الصحيح ما أثبتناه عرضا علي المصدر.

[25] في المصدر: إذا شاء راعيها استقي من وقيعة کعين الغراب صفوها لم يکدر و عين الغراب: يضرب بها المثل في الصفاء.

[26] في المصدر: لا تحم.

[27] في المصدر المطبوع بمصر: قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة.

[28] في المصدر المطبوع: ج 1 ص 271: أتي.

[29] في سيرة ابن هشام ج 1 ص 114: أن قائلها عمرو بن الحارث بن مضاض.

[30] المهرجان معرب مهرکان من أعياد الفرس القديمة ستة أيام من برج الميزان من اليوم السادس عشر إلي الحادي و العشرين.

[31] نقله ابن إسحاق في السيرة عن أبي زيد الانصاري راجع سيرة ابن هشام ج 1 ص 12.

[32] و في السيرة: عمرو بن لحي بن قمعة بن خندق.

[33] القصب: الامعاء.