بازگشت

في خبر بحيري الراهب


وکان بحيري الراهب [1] ممن قد عرف النبي صلي الله عليه وآله بصفته ونعته ونسبه واسمه قبل ظهوره بالنبوة، وکان من المنتظرين لخروجه.

35 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان، وعلي بن أحمد بن محمد، ومحمد بن أحمد الشيباني [2] قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيي بن زکريا القطان قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمکي قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبي، عن الهيثم، [3] عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن ـ عبد المطلب، عن أبي طالب قال: خرجت إلي الشام تاجرا سنة ثمان من مولد النبي صلي الله عليه وآله، وکان في أشد ما يکون من الحر، فلما أجمعت علي السير قال لي رجال من قومي: ما تريد أن تفعل بمحمد وعلي من تخلفه؟ فقلت: لا أريد أن أخلفه علي أحد من الناس أريد أن يکون معي، فقيل: غلام صغير في حر مثل هذا تخرجه معک؟ فقلت: والله لا يفارقني حيثما توجهت أبدا فاني لاوطئ له الرحل، فذهبت فحشوت له حشية (کساء وکتانا [4] وکنا رکبانا کثيرا فکان والله البعير الذي عليه محمد أمامي لا يفارقني



[ صفحه 183]



وکان يسبق الرکب کلهم، فکان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه فتقف علي رأسه لا تفارقه، وکانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواکه وهي تسير معنا وضاق الماء بنا في طريقنا حتي کنا لا نصيب قربة إلا بدينارين، وکنا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض ويکثر الماء وتخضر الارض، فکنا في کل خصب وطيب من الخير، وکان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشي إليها رسول الله صلي الله عليه وآله ومسح يده عليها فسارت، فلما قربنا من بصري الشام [5] إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي کما تمشي الدابة السريعة حتي إذا قربت منا وقفت وإذا فيها راهب وکانت السحابة لا تفارق رسول الله صلي الله عليه وآله ساعة واحدة وکان الراهب لا يکلم الناس ولا يدري ما الرکب ولا ما فيه من التجارة، فلما نظر إلي النبي صلي الله عليه وآله عرفه فسمعته يقول: إن کان أحد فأنت أنت قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الا غصان ليس لها حمل، وکانت الرکبان ننزلون تحتها فلما نزلها رسول الله صلي الله عليه وآله اهتزت الشجرة وألقت أغصانها [6] علي رسول الله صلي الله عليه وآله وحملت من ثلاثة أنواع من الفاکهة فاکهتان للصيف وفاکهة للشتاء، فتعجب جميع من معنا من ذلک، فلما رأي بحيري الراهب ذلک ذهب فاتخذ لرسول الله صلي الله عليه وآله طعاما بقدر ما يکفيه.

ثم جاء وقال: من يتولي أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، فقال: أي شيء تکون منه؟ فقلت: أنا عمه فقال: يا هذا إن له أعمام فأي الاعمام أنت؟ فقلت: أنا أخو أبيه من أم واحدة، فقال: أشهد أنه هو وإلا فلست بحيري، ثم قال لي: يا هذا تأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأکله؟ فقلت له: قربه إليه، ورأيته کارها لذلک، والتفت إلي



[ صفحه 184]



النبي صلي الله عليه وآله فقلت: يا بني رجل أحب أن يکرمک فکل فقال: هو لي دون أصحابي؟ فقال بحيري: نعم هو لک خاصة فقال النبي صلي الله عليه وآله فإني لا آکل دون هؤلاء، فقال بحيري: إنه لم يکن عندي أکثر من هذا؟ فقال: أفتأذن يا بحيري إلي أن يأکلوا معي؟ فقال: بلي، فقال: کلوا بسم الله، فأکل وأکلنا معه فوالله لقد کنا مائة وسبعين رجلا وأکل کل واحد منا حتي شبع وتجشأ، وبحيري قائم علي رأس رسول الله صلي الله عليه وآله يذب عنه ويتعجب من کثرة الرجال وقلة الطعام، وفي کل ساعة يقبل رأسه و يافوخه، ويقول: هو هو ورب المسيح، والناس لا يفقهون فقال له رجل من الرکب: إن لک لشأنا قد کنا نمر بک قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر؟ فقال بحيري: والله إن لي لشأنا وشأنا، وإني لاري ما لا ترون وأعلم ما لا تعلمون وإن تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه علي أعناقکم حتي تردوه إلي وطنه، والله ما أکرمتکم إلا له، ولقد رأيت له ـ وقد أقبل ـ نورا أضاء له ما بين السماء والارض، ولقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبر جدير وحونه، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواکه ثم هذه السحابة لا تفارقه، ثم صومعتي مشت إليه کما تمشي الدابة علي رجلها، ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الاغصان ولقد کثرت أغصانها واهتزت وحملت ثلاثة أنواع من الفواکه، فاکهتان للصيف وفاکهة للشتاء، ثم هذه الحياض التي غارت و ذهبت ماؤها أيام تمرج بني إسرائيل [7] بعد الحواريين حين وردوا عليهم فوجدنا في کتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها، ثم قال: متي ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لاجل نبي يخرج في أرض تهامة مهاجرا إلي المدينة اسمه في قومه الامين وفي السماء أحمد وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه. فوالله إنه لهو.

ثم قال بحيري: يا غلام أسألک عن ثلاث خصال بحق اللات والعزي إلا (ما) أخبرتنيها، فغضب رسول الله صلي الله عليه وآله عند ذکر اللات والعزي وقال: لا تسألني بهما فوالله



[ صفحه 185]



ما أبغضت شيئا کبغضهما، وإنما هما صنمان من حجارة لقومي، فقال بحيري: هذه واحدة، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني، فقال: سل عما بدا لک فإنک قد سألتني بإلهي وإلهک الذي ليس کمثله شيء، فقال: أسألک عن نومک ويقظتک، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه، فوافق ذلک ما عند بحيري من صفته التي عنده، فانکب عليه بحيري، فقبل رجليه وقال: يا بني ما أطيبک وأطيب ريحک، يا أکثر النبيين أتباعا، يا من بهاء نور الدنيا من نوره، يا من بذکره تعمر المساجد، کأني بک قد قدت الاجناد والخيل وقد تبعک العرب والعجم طوعا وکرها وکأني باللات والعزي وقد کسرتهما وقد صار البيت العتيق لا يملکه غيرک تضع مفاتيحه حيث تريد، کم من بطل من قريش والعرب تصرعه، معک مفاتيح الجنان والنيران، معک الذبح الاکبر وهلاک الاصنام، أنت الذي لا تقوم الساعة حتي تدخل الملوک کلها في دينک صاغرة قميئة [8] فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول: لئن أدرکت زمانک لاضربن بين يديک بالسيف ضرب الزند بالزند [9] أنت سيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين و خاتم النبيين، والله لقد ضحکت الارض يوم ولدت فهي ضاحکة إلي يوم القيامة فرحا بک، والله لقد بکت البيع والاصنام والشياطين فهي باکية إلي يوم القيامة، أنت دعوة إبراهيم وبشري عيسي، أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية، ثم التفت إلي أبي طالب وقال: ما يکون هذا الغلام منک؟ فإني أراک لا تفارقه، فقال أبو طالب: هو ابني، فقال: ما هو بابنک وما ينبغي لهذا الغلام أن يکون والده الذي ولده حيا ولا أمه فقال: إنه ابن أخي وقد مات أبوه وأمه حاملة به، وماتت أمه وهو ابن ست سنين، فقال: صدقت هکذا هو، ولکن أري لک أن ترده إلي بلده عن هذا الوجه فإنه ما بقي علي ظهر الارض يهودي ولا نصراني ولا صاحب کتاب إلا وقد علم بولادة هذا الغلام، ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغينه شرا وأکثر ذلک هؤلاء اليهود، فقال



[ صفحه 186]



أبو طالب: ولم ذلک؟ قال: لانه کائن لابن أخيک هذه النبوة والرسالة ويأتيه الناموس الاکبر الذي کان يأتي موسي وعيسي، فقال أبو طالب: کلا إن شاء الله لم يکن الله ليضيعه.

ثم خرجنا به إلي الشام فلما قربنا من الشام رأيت والله قصور الشامات کلها قد اهتزت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس، فلما توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من کثرة ما ازدحموا الناس وينظرون إلي وجه رسول الله صلي الله عليه وآله، وذهب الخبر في جميع الشامات حتي ما بقي فيها حبر ولا راهب إلا اجتمع عليه، فجاء حبر عظيم کان اسمه نسطورا فجلس حذاه ينظر إليه ولا يکلمه بشيء حتي فعل ذلک ثلاثة أيام متوالية فلما کانت الليلة الثالثة لم يصبر حتي قام إليه فدار خلفه کأنه يلتمس منه شيئا فقلت له: يا راهب کأنک تريد منه شيئا؟ فقال: أجل إني أريد منه شيئا ما اسمه؟ قلت: محمد بن عبد الله فتغير والله لونه، ثم قال: فتري أن تأمره أن يکشف لي عن ظهره لانظر إليه، فکشف عن ظهره، فلما رأي الخاتم انکب عليه يقبله ويبکي، ثم قال: يا هذا اسرع برد هذا الغلام إلي موضعه الذي ولد فيه فإنک لو تدري کم عدو له في أرضنا لم تکن بالذي تقدمه معک، فلم يزل يتعاهده في کل يوم ويحمل إليه الطعام، فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده فقال لي: أتري أن يلبس هذا القميص ليذکرني به، فلم يقبله ورأيته کارها لذلک، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم وقلت: أنا البسه وعجلت به حتي رددته إلي مکة، فوالله ما بقي بمکة يومئذ امرأة ولا کهل ولا شاب ولا صغير ولا کبير إلا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبو جهل ـ لعنه الله ـ فإنه کان فاتکا ماجنا [10] قد ثمل من السکر [11] .



[ صفحه 187]



36 ـ وبهذا الاسناد، عن عبد الله بن محمد قال: حدثني أبي. وحدثني عبد الرحمن ابن محمد، عن (محمد بن) [12] عبد الله بن أبي بکر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده أن أبا طالب قال: لما فارقه بحيري بکي بکاء شديدا وأخذ يقول: يا ابن آمنة کأني بک وقد رمتک العرب بوترها، وقد قطعک الاقارب ولو علموا لکنت لهم بمنزلة الاولاد ثم التفت إلي وقال: أما أنت يا عم فارع فيه قرابتک الموصولة واحتفظ فيه وصية أبيک فإن قريشا ستهجرک فيه فلا تبال، وإني أعلم أنک لا تؤمن به ظاهرا ولکن ستؤمن به باطنا، ولکن سيؤمن به ولد تلده وسينصره نصرا عزيزا اسمه في السماوات البطل الهاصر، و (في الارض) الشجاع الانزع [13] منه الفرخان المستشهدان وهو سيد العرب ورئيسها وذو قرنيها وهو في الکتب أعرف من أصحاب عيسي عليه السلام، فقال أبو طالب: والله قد رأيت کل الذي وصفه بحيري وأکثر.

37 ـ حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان يرفعه قال: لما بلغ رسول الله صلي الله عليه وآله أراد أبو طالب أن يخرج إلي الشام في عير قريش، فجاء رسول الله صلي الله عليه وآله وتشبث بالزمام وقال: يا عم علي من تخلفني لا علي ام ولا علي أب، وقد کانت امه توفيت، فرق له أبو طالب ورحمه وأخرجه معه وکانوا إذا ساروا تسير إلي رأس رسول الله صلي الله عليه وآله غمامة تظله من الشمس



[ صفحه 188]



فمروا في طريقهم برجل يقال له: بحيري فلما رأي الغمامة تسير معهم نزل من صومعته واتخذ لقريش طعاما وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه، وقد کانوا نزلوا تحت شجرة فبعث إليهم يدعوهم إلي طعامه فقالوا له: يا بحيري والله ما کنا نعهد هذا منک، قال قد أحببت أن تأتوني، فأتوه وخلفوا رسول الله صلي الله عليه وآله في الرحل، فنظر بحيري إلي الغمامة قائمة، فقال لهم: هل بقي منکم أحد لم يأتني؟ فقالوا: ما بقي منا إلا غلام حدث خلفناه في الرحل، فقال: لا ينبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منکم، فبعثوا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فلما أقبل أقبلت الغمامة، فلما نظر إليه بحيري قال: من هذا الغلام؟ قالوا: ابن هذا وأشاروا إلي أبي طالب، فقال له بحيري: هذا ابنک؟ قال أبو طالب: هذا ابن أخي قال: ما فعل أبوه؟ قال: توفي، وهو حمل، فقال بحيري لابي طالب: رد هذا الغلام إلي بلاده فإنه إن علمت به اليهود ما أعلم منه قتلوه، فإن لهذا شأنا من الشأن، هذا نبي هذه الامة، هذا نبي السيف.


پاورقي

[1] بحيري ـ بفتح الموحدة وکسر الحاء (کذا ضبطه الديار بکري في تاريخ الخميس).

[2] في بعض النسخ «الشامي» ولعله السناني المکتب.

[3] مجهول والظاهر الصواب «هشيم» لما ذکر هو فيمن يروي عن محمد بن السائب الکلبي کما في تهذيب التهذيب لکن تقدمت وتأتي رواية عبد الله بن محمد عن أبيه عن الهيثم بن عمرو. وأما عبد الله بن محمد فيحتمل أن يکون هو ابن محمد بن مروان السدي الاصغر المتهم بالکذب، والعلم عند الله.

[4] في بعض النسخ «ريشا وکنانا» ولعله هو الصوا ب.

[5] بصري ـ بضم الموحدة ـ: مدينة حوران، فتحت صلحا لخمس بقين من ربيع الاول سنة ثلاث عشرة وهي أول مدينة فتحت بالشام. وقد وردها رسول الله صلي الله عليه وآله مرتين کما في المواهب المدينة.

[6] في بعض نسخ الحديث «وتهصرت أغصان الشجرة علي رسول الله صلي الله عليه وآله ـ الخ» وقال الجزري: أصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنيه اليک وتعطفه، ومنه الحديث «انه صلي الله عليه وآله کان مع أبي طالب فنزل تحت شجرة فهصرت أغصان الشجرة» أي تهدلت عليه.

[7] المرج ـ بالتحريک ـ: الفساد والغلق والاضطراب.

[8] أي ذليلة.

[9] الزند: الذي يقدح به النار.

[10] الفاتک: الذي يرتکب ما دعت إليه النفس، والجري الشجاع. والماجن: الذي لا يبالي قولا وفعلا. والثمل: السکر. يقال: ثمل ـ کفرح ـ والمراد هنا شدته، أو السکر ـ بالتحريک ـ وهو الخمر ونبيذ يتخذ من التمر.

[11] اعلم أن هذه القصة مع ضعف سندها وانقطاعها واشتمالها علي الغرائب التي کانت شأن الاساطير نقلها جمع من المؤرخين باختلافات في متنها وألفاظها راجع سيرة ابن هشام ج 1 ص 191، والمواهب اللدنية وشرحه، واعلام الوري، وتاريخ الطبري، وتاريخ الخميس وغيرها.

[12] ما بين القوسين زائد من النساخ ولا يخفي علي من له معرفة بالرجال، والمراد بعبد الرحمن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بکر بن محمد بن عمرو بن حزم. وبعبد الله عبد الله ابن أبي بکر بن محمد بن عمرو بن حزم الانصاري کما يظهر من تهذيب التهذيب ج 6 ص 264 وج 5 ص 164.

[13] البطل: الشجاع. والهاصر: الاسد الشديد الذي يفترس ويکسر، والانزع: الذي ينحسر شعر مقدم رأسه مما فوق الجبين، وفي بعض النسخ «الاقرع» والمراد: الاصلع.