في خبر عبدالمطلب وأبي طالب
وکان عبد المطلب وأبو طالب من أعرف العلماء وأعلمهم بشأن النبي صلي الله عليه وآله وکانا يکتمان ذلک عن الجهال وأهل الکفر والضلال.
28ـ حدثنا علي بن أحمد بن موسي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن يحيي ابن زکريا القطان قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبي قال: حدثني الهيثم بن عمرو المزني، عن إبراهيم بن عقيل الهذلي، عن عکرمة، عن ابن عباس قال: کان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الکعبة لا يجلس عليه أحد إلا هو إجلالا له وکان بنوه يجلسون حوله حتي يخرج عبد المطلب، فکان رسول الله صلي الله عليه وآله يخرج وهو غلام فيمشي حتي يجلس علي الفراش فيعظم ذلک علي أعمامه [1] ويأخذونه ليؤخروه فيقول لهم عبد المطلب إذا رأي ذلک منهم: دعوا ابني فو الله إن له لشأنا عظيما إني أري أنه سيأتي عليکم يوم وهو سيدکم، إني أري غرته غرة تسود الناس ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله ويقول: ما رأيت قبلة أطيب منه ولا أطهر قط، ولا جسدا ألين منه ولا أطيب منه، ثم يلتفت إلي أبي طالب وذلک أن عبد الله وأبا طالب لام واحد،
[ صفحه 172]
فيقول: يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشأنا عظيما فاحفظه واستمسک به فإنه فرد وحيد وکن له کالام، لا يصل إليه بشئ يکرهه، ثم يحمله علي عنقه فيطوف به اسبوعا، فکان عبد المطلب قد علم أنه يکره اللات والعزي فلا يدخله عليهما، فلما تمت له ست سنين ماتت امه آمنة بالابواء بين مکة والمدينة وکانت قدمت به علي أخواله من بني عدي فبقي رسول الله صلي الله عليه وآله يتيما لا أب له ولا ام فأزداد عبد المطلب له رقة وحفظا، وکانت هذه حاله حتي أدرکت عبد المطلب الوفاة فبعث إلي أبي طالب ومحمد علي صدره وهو في غمرات الموت وهو يبکي ويلتفت إلي أبي طالب ويقول: يا أبا طالب انظر أن تکون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة امه، انظر يا أبا طالب أن يکون من جسدک بمنزلة کبدک فإني قد ترکت بني کلهم واوصيتک به لانک من ام أبيه، يا أبا طالب إن أدرکت أيامه فاعلم أني کنت من أبصر الناس و أعلم الناس به، فإن استطعت أن تتبعه فافعل وانصره بلسانک ويدک ومالک فإنه و الله سيسودکم ويملک ما لم يملک أحد من بني آبائي، يا أبا طالب ما أعلم أحدا من ابائک مات عنه أبوه علي حال أبيه ولا امه علي حال امه فاحفظه لوحدته، هل قبلت وصيتي فيه؟ فقال: نعم قد قبلت، والله علي بذلک شهيد، فقال عبد المطلب: فمد يدک إلي، فمد يده إليه، فضرب يده علي يده ثم قال عبد المطلب: الان خفف علي الموت، ثم لم يزل يقبله، ويقول: أشهد أني لم أقبل أحدا من ولدي أطيب ريحا منک ولا أحس وجها منک، ويتمني أن يکون قد بقي حتي يدرک زمانه، فمات عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين، فضمه أبو طالب إلي نفسه لا يفارقه ساعة من ليل ولا نهار وکان ينام معه حتي لا يأتمن عليه أحدا.
29 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البزاز قال: حدثنا محمد بن يعقوب الاصم قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: حدثنا يونس بن بکير، عن محمد ابن إسحاق بن يسار المدني [2] قال: حدثنا العباس بن عبد الله بن سعيد، عن بعض
[ صفحه 173]
أهله قال: کان يوضع لعبد المطلب جد رسول الله صلي الله عليه وآله فراش في ظل الکعبة فکان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، وکان رسول الله صلي الله عليه وآله يأتي حتي يجلس عليه فيذهب أعمامه ليؤخروه، فيقول جده عبد المطلب: دعوا ابني، فيمسح علي ظهره ويقول: إن لابني هذا لشأنا.
فتوفي عبد المطلب والنبي صلي الله عليه واله ابن ثمان سنين بعد عام الفيل بثمان سنين.
30 ـ حدثنا علي بن أحمد رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن يحيي قال: حدثنا محمد ابن إسماعيل قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبي، عن خالد بن الياس، عن أبي بکر ابن عبد الله بن أبي جهم قال: حدثني أبي، عن جدي قال: سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال: بينا أنا نائم في الحجر [3] إذ رأيت رؤيا هالتني فأتيت کاهنة قريش وعلي مطرف خز، وجمتي [4] تضرب منکبي فلما نظرت إلي عرفت في وجهي التغير فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي، فقالت: ما شأن سيد العرب متغير اللون هل رابه من حدثان الدهر ريب [5] فقلت لها: بلي إني رأيت الليلة وأنا قائم في الحجر کأن شجرة قد نبتت علي ظهري قد نال رأسها السماء وضربت أغصانها الشرق والغرب ورأيت نورا يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ورأيت العرب والعجم ساجدة لها وهي کل يوم تزداد عظما ونورا، ورأيت رهطا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثيابا فيأخذهم ويکسر ظهورهم، ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لا تناول غصنا من أغصانها، فصاح بي الشاب وقال: مهلا ليس لک منها نصيب، فقلت: لمن النصيب والشجرة مني؟ فقال النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها وستعود [6] .
[ صفحه 174]
إليها فانتبهت مذعورا فزعا متغير اللون فرأيت لون الکاهنة قد تغير، ثم قالت: لئن صدقت رؤياک ليخرجن من صلبک ولد يملک الشرق والغرب، ينبأ في الناس، فسري عني غمي [7] فانظر يا أبا طالب لعلک تکون أنت، فکان أبو طالب يحدث الناس بهذا الحديث والنبي صلي الله عليه وآله قد خرج ويقول: کانت الشجرة والله أبا القاسم الامين، فقيل له: فلم لم تؤمن به؟ فقال: للسبة والعار. [8] .
قال أبو جعفر محمد بن علي مصنف هذا الکتاب ـ رضي الله عنه ـ: إن أبا طالب کان مؤمنا ولکنه يظهر الشرک ويستتر الايمان ليکون أشد تمکنا من نصرة رسول الله صلي الله عليه وآله.
31 ـ حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن العباس بن عامر، عن علي بن أبي سارة، عن محمد ابن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أبا طالب أظهر الکفر وأسر الايمان فلما حضرته الوفاة أوحي الله عزوجل إلي رسول الله صلي الله عليه وآله أخرج منها فليس لک بها ناصر. فهاجر إلي المدينة.
32 ـ حدثنا أحمد بن محمد الصائغ قال: حدثنا محمد بن أيوب، عن صالح بن أسباط عن إسماعيل بن محمد، وعلي بن عبد الله، عن الربيع بن محمد المسلي، عن سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: والله ما عبد أبي
[ صفحه 175]
ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط، قيل له: فما کانوا يعبدون؟ قال: کانوا يصلون إلي البيت علي دين إبراهيم عليه السلام متمسکين به.
33 ـ حدثنا علي بن أحمد رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن يحيي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبي، عن سعيد بن مسلم، عن قمار مولي لبني مخزوم، عن سعيد بن أبي صالح، عن أبيه، [9] عن ابن عباس قال: سمعت أبي العباس يحدث قال: ولد لابي عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نورا يزهر کنور الشمس، فقال أبي: إن لهذا الغلام شأنا عظيما، قال: فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب ثم رجع راجعا حتي سقط علي بيت الکعبة، فسجدت له قريش کلها، فبينما الناس يتأملونه إذا صار نورا بين السماء والارض وامتد حتي بلغ المشرق والمغرب، فلما انتبهت سألت کاهنة بني مخزوم فقالت لي: يا عباس لئن صدقت رؤياک ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له، قال أبي: فهمني أمر عبد الله إلي أن تزوج بآمنة وکانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقا فلما مات عبد الله ولدت آمنة رسول الله صلي الله عليه وآله أتيت فرأيت النور بين عينيه يزهر فحملته وتفرست في وجهه فوجدت منه ريح المسک، وصرت کأني قطعة مسک من شدة ريحي، فحدثتني آمنة وقالت لي: إنه لما أخذتي الطلق واشتد بي الامر سمعت جلبة [10] وکلاما لا يشبه کلام الادميين، فرأيت علما من سندس علي قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والارض، ورأيت نورا يسطع من رأسه حتي بلغ السماء، ورأيت قصور الشامات کلها شعلة نور، [11] ورأيت حولي من القطاة أمرا عظيما قد نشرت من أجنحتها حولي ورأيت تابع شعيرة الاسدية قد مرت وهي تقول: آمنة ما لقيت الکهان والاصنام من ولدک، ورأيت رجلا شابا من أتم الناس طولا وأشدهم بياضا
[ صفحه 176]
وأحسنهم ثيابا ما ظننته إلا عبد المطلب قد دنامني فأخذ المولود فتفل في فيه ومعه طست من ذهب مضروب بالزمرد ومشط من ذهب فشق بطنه شقا ثم أخرج قلبه فشقه فأخرج منه نکتة سوداء فرمي به ثم أخرج صرة من حريرة خضراء ففتحها فإذا فيها کالذريرة البيضاء فحشاه، ثم رده إلي ما کان، ومسح علي بطنه واستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال إلا أنه قال: في أمان الله وحفظه وکلاءته، وقد حشوت قلبک إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلا وحکما فأنت خير البشر، طوبي لمن اتبعک وويل لمن تخلف عنک، ثم أخرج صرة اخري من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب به علي کتفيه، ثم قال: أمرني ربي أن أنفخ فيک من روح القدس، فنفخ فيه، وألبسه قميصا وقال: هذا أمانک من آفات الدنيا، فهذا ما رأيت يا عباس بعيني، فقال العباس: وأنا يومئذ أقرء فکشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوة بين کتفيه، فلم أزل أکتم شأنه ونسيت الحديث فلم أذکره إلي يوم إسلامي حتي ذکرني رسول الله صلي الله عليه وآله. [12] .
پاورقي
[1] في بعض النسخ «فيعظمان ذلک أعمامه».
[2] هو محمد بن اسحاق بن يسار أبو بکر المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق، امام المغازي (التقريب).
[3] يعني حجر اسماعيل عليه السلام.
[4] المطرف ـ بضم الميم وکسرها وفتحها الثوب الذي في طرفيه علمان. والجمة ـ بالضم والشد ـ: مجتمع شعر الرأس وما سقط علي المنکبين منها وهي أکثر من الوفرة، ويقال للرجل الطويل الجمة: الجماني بالنون علي غير قياس (الصحاح).
[5] رابه أمر يريبه: رأي منه ما يکرهه ويزعجه، والريب نازلة الدهر.
[6] في بعض النسخ «سيعود».
[7] سري الغم: ذهب وزال.
[8] السبة: العار، وقال العلامة المجلسي (ره): يحتمل أن يکون المراد بالذين تعلقوا بها الذين يريدون قلعها، ويکون قوله: «وستعود» بالتاء أي ستعود تلک الجماعة بعد منازعتهم ومحاربتهم إلي هذه الشجرة ويؤمنون بها فيکون لهم النصيب منها، أو بالياء فيکون المستتر راجعا إلي الرسول صلي الله عليه وآله والبارز في «منها» إلي الجماعة أي سيعود النبي إليهم بعد اخراجهم له إلي الشجرة أي سيرجع هذا الشاب إلي الشجرة في اليقظة کما تعلق بها في النوم، و احتمل احتمالين آخرين راجع البحار باب تاريخ ولادته صلي الله عليه وآله وما يتعلق بها.
[9] أبو صالح الذي يروي عن ابن عباس اسمه ميزان بصري وثقه ابن معين لکن لم أظفر علي سعيد في کتب الرجال وکذا راويه قمار أو قصارو السند کما تري عامي مجهول مقطوع.
[10] الجلبة: اختلاط الاصوات.
[11] في بعض النسخ «شعلة نار».
[12] في بعض النسخ هنا حديث کعب الاخبار وهو موجود في الامالي ولا حاجة إلي ذکره بعد ما لم يکن في أکثر النسخ.