ذکر مضي موسي و وقوع الغيبة بالاوصياء والحجج من بعده إلي أيام
17ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي السکري قال: حدثنا محمد بن زکريا البصري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه قال: قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: أخبرني بوفاة موسي بن عمران عليه السلام، فقال: إنه لما أتاه أجله واستوفي مدته وانقطع اکله أتاه ملک الموت عليه السلام فقال له: السلام عليک يا کليم الله، فقال موسي: وعليک السلام من أنت؟ فقال: أنا ملک الموت، قال: ما الذي جاء بک؟ قال: جئت لاقبض روحک، فقال له موسي عليه السلام: من أين تقبض روحي؟ قال: من فمک، قال موسي عليه السلام: کيف وقد کلمت به ربي جل جلاله، قال: فمن يديک، قال: کيف وقد حملت بهما التوراة، قال: فمن رجليک، قال: کيف وقد وطأت بهما طور سيناء، قال: فمن عينک، قال: کيف ولم تزال إلي ربي بالرجاء ممدودة قال: فمن اذنيک، قال: يکف وقد سمعت بهما کلام ربي عزوجل، قال: فأوحي الله تبارک وتعالي إلي ملک الموت: لا تقبض روحه حتي يکون هو الذي يريد ذلک، وخرج ملک الموت، فمکث موسي عليه السلام ما شاء الله أن يمکث بعد ذلک، ودعا يوشع بن نون فأوصي إليه وأمره بکتمان أمره وبأن يوصي بعده إلي من يقوم بالامر، وغاب موسي عليه السلام عن قومه فمر في غيبته برجل وهو يحفر قبرا فقال له: إلا اعينک علي حفر هذا القبر؟ فقال له الرجل: بلي، فأعانه حتي حفر القبر وسوي اللحد، ثم اضطجع فيه موسي عليه السلام لينظر کيف هو فکشف الله له الغطاء فرأي مکانه في الجنة، فقال: يا رب اقبضني إليک، فقبض ملک الموت روحه مکانه ودفنه في القبر وسوي عليه التراب، وکان
[ صفحه 154]
الذي يحفر القبر ملک الموت [1] في صورة آدمي، وکان ذلک في التيه، فصاح صائح من السماء: مات موسي کليم الله، وأي نفس لا تموت، فحدثني أبي عن جدي عن أبيه عليهم السلام أن رسول الله صلي الله عليه وآله سئل عن قبر موسي أين هو؟ فقال: هو عند الطريق الاعظم عند الکثيب الاحمر.
ثم إن يوشع بن نون عليه السلام قام بالامر بعد موسي عليه السلام صابرا من الطواغيت علي اللاواء [2] والضراء والجهد البلاء حتي مضي منهم ثلاث طواغيت، فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسي عليه السلام بصفراء بنت شعيب امرأة موسي عليه السلام في مائة ألف رجل. فقاتلوا يوشع بن نون عليه السلام فقتلهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالي ذکره، وأسر صفراء بنت شعيب، وقال لها: قد عفوت عنک في الدنيا إلي أن ألقي نبي الله موسي عليه السلام فأشکو إليه ما لقيت منک ومن قومک.
فقالت صفراء: واويلاه، والله لو ابيحت لي الجنة لا ستحييت أن أري فيها رسول الله وقد هتکت حجابه، وخرجت علي وصيه بعده، فاستتر الائمة بعد يوشع بن نون إلي زمان داود عليه السلام أربعمائة سنة وکانوا أحد عشر وکان قوم کل واحد منهم يختلفون إليه في وقته ويأخذون عنه معالم دينهم حتي انتهي الامر إلي آخرهم، فغاب عنهم ثم ظهر (لهم) فبشرهم بداود عليه السلام وأخبرهم أن داود عليه السلام هو الذي يطهر الارض من جالوت وجنوده، ويکون فرجهم في ظهوره فکانوا ينتطرونه، فلما کان زمان داود عليه السلام کان له أربعة إخوة ولهم أب شيخ کبير، وکان داود عليه السلام من بينهم حامل الذکر وکان أصغر أخوته لا يعلمون أنه داود النبي المنتظر الذي يطهر الارض من جالوت وجنوده، وکانت الشيعة يعلمون أنه قد ولد وبلغ اشده وکانوا يرونه و يشاهدونه ولا يعلمون أنه هو.
فخرج داود عليه السلام وإخوته وأبوهم لما فصل طالوت بالجنود و تخلف عنهم داود، وقال: مايصنع بي في هذا الوجه، فاستهان به إخوته وأبوه وأقام في
[ صفحه 155]
غنم أبيه يرعاها فاشتد الحرب وأصاب الناس جهد، فرجع أبوه وقال لداود: احمل إلي إخوتک طعاما يتقوون به علي العدو، وکان عليه السلام رجلا قصيرا قليل الشعر طاهر القلب، أخلاقه نقية، فخرج والقوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع کل واحد منهم إلي مرکزه، فمر داود عليه السلام علي حجر فقال الحجر له بنداء رفيع: يا داود خذني فاقتل بي جالوت فإني إنما خلقت لقتله. فأخذه ووضعه في مخلاته التي کانت تکون فيها حجارته التي کان يرمي بها غنمه، فلما دخل العسکر سمعهم يعظموم أمر جالوت، فقال لهم: ما تعظمون من أمره فو الله لئن عاينته لاقتلنه، فتحدثوا بخبره حتي أدخل علي طالوت فقال له: يا فتي ما عندک من القوة وما جربت من نفسک؟ قال: قد کان الاسد يعدوا علي الشاة من غنمي فادرکه فآخذ برأسه وأفک لحييه عنها فاخذها من فيه، وکان الله تبارک وتعالي أوحي الله إلي طالوت أنه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعک فملاها، فدعا بدرعه فلبسها داود عليه السلام فاستوت عليه فراع [3] ذلک طالوت ومن حضره من بني إسرائيل فقال: عسي الله أن يقتل به جالوت، فلما أصبحوا والتقي الناس قال داود عليه السلام: أروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فرماه به فصک به بين عينيه فدمغه [4] وتنکس عن دابته فقال الناس: قتل داود جالوت، وملکه الناس [5] حتي لم يکن يسمع لطالوت ذکر، واجتمعت عليه بنو إسرائيل وأنزل الله تبارک وتعالي عليه الزبور وعلمه صنعة الحديد فلينه له [6] وأمر الجبال والطير أن تسبح معه، وأعطاه صوتا لم يسمع بمثله حسنا، وأعطاه قوه في العبادة. وأقام في بني إسرائيل نبيا.
وهکذا [7] يکون سبيل القائم عليه السلام له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلک العلم من نفسه، وأنطقه الله عزوجل فناداه اخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله، وله سيف
[ صفحه 156]
مغمد إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلک السيف من غمده [8] وأنطقه الله عزوجل فناداه السيف اخرج يا ولي الله فلا يحل لک أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج عليه السلام ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم [9] ويقيم حدود الله ويحکم بحکم الله عزوجل.
حدثني بذلک أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليني بمدينة السلام، عن محمد بن الفضل النحوي، عن محمد بن علي بن عبد الصمد الکوفي، عن علي بن عاصم، عن محمد بن علي ابن موسي، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي عليهم السلام، عن رسول الله صلي الله عليه وآله في آخر حديث طويل ـ قد أخرجته في هذا الکتاب في باب ما روي عن النبي صلي الله عليه وآله من النص علي القائم عليه السلام وأنه الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ـ.
ثم [10] إن داود عليه السلام أراد أن يستخلف سليمان عليه السلام لان الله عزوجل أوحي إليه يأمره بذلک، فلما أخبر بني إسرائيل ضجوا من ذلک وقالوا: يستخلف علينا حدثا وفينا من هو أکبر منه، فدعا أسباط بني إسرائيل فقال لهم: قد بلغني مقالتکم فأروني عصيکم فأي عصا أثمرت فصاحبها ولي الامر من بعدي، فقالوا: رضينا، فقال: ليکتب کل واحد منکم اسمه علي عصاه، فکتبوه ثم جاء سليمان عليه السلام بعصاه فکتب عليها اسمه، ثم أدخلت بيتا وأغلق الباب وحرسته رؤوس أسباط بني إسرائيل، فلما أصبح صلي بهم الغداة، ثم أقبل ففتح الباب فأخرج عصيهم وقد أورقت وعصا سليمان قد أثمرت، فسلموا ذلک لداود عليه السلام، فاختبره بحضرة بني إسرائيل فقال له: يا بني أي شيء أبرد؟ قال: عفو الله عن الناس وعفوا الناس بعضهم عن بعض، قال: يا بني فأي شئ أحلي؟ قال: المحبة وهو روح الله في عباده. فافتر داود ضاحکا [11] فسار به في بني إسرائيل، فقال: هذا خليفتي فيکم من بعدي، ثم أخفي سليمان بعد ذلک أمره وتزوج بامرأة واستتر من شيعته ما شاء الله أن يستتر، ثم إن
[ صفحه 157]
امرأته قالت له ذات يوم: بأبي أنت وأمي ما أکمل خصالک وأطيب ريحک ولا أعلم لک خصلة أکرهها إلا أنک في مؤونة أبي فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت أن لا يخيبک، فقال لها سليمان عليه السلام: إني والله ما عملت عملا قط ولا أحسنه، فدخل السوق فجال يومه ذلک ثم رجع فلم يصب شيئا، فقال لها: ما أصبت شيئا، قالت: لا عليک إن لم يکن اليوم کان غدا، فلما کان من الغد خرج إلي السوق فجال يومه فلم يقدر علي شئ، ورجع فأخبرها فقالت له: يکون غدا إن شاء الله، فلما کان من اليوم الثالث مضي حتي انتهي إلي ساحل البحر فإذا هو بصياد، فقال له: هل لک أن أعينک وتعطينا شيئا قال: نعم، فأعانه فلما فرغ أعطاه الصياد سمکتين فأخذهما وحمد الله عزوجل، ثم إنه شق بطن إحديهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه فصره في ثوبه [12] فحمد الله و أصلح السمکتين وجاء بهما إلي منزله ففرحت امرأته بذلک، وقالت له: إني أريد أن تدعو أبوي حتي يعلما أنک قد کسبت، فدعاهما فأکلا معه، فلما فرغوا قال لهم: هل تعرفوني؟ قالوا: لا والله إلا أنا لم نر إلا خيرا منک، قال: فأخرج خاتمه فلبسه فحن عليه الطير والريح وغشيه الملک، وحمل الجارية وأبويها إلي بلاد اصطخر، واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به ففرج الله عنهم مما کانوا فيه من حيرة غيبته، فلما حضرته الوفاة أوصي إلي آصف بن برخيا بأمر الله تعالي ذکره، فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم، ثم غيب الله تبارک وتعالي آصف غيبة طال أمدها، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثم إنه ودعهم فقالوا له: أين الملتقي؟ قال: علي الصراط، وغاب عنهم ما شاء الله فاشتدت البلوي علي بني إسرائيل بغيبته وتسلط عليهم بختنصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ويطلب من يهرب ويسبي ذراريهم، فاصطفي من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال واصطفي من ولد هارون عزيرا وهم يومئذ صبية صغار فمکثوا في يده وبنو إسرائيل في العذاب المهين، والحجة دانيال عليه السلام أسير في يد بختنصر تسعين سنة، فلما عرف فضله وسمع أن بني إسرائيل ينتظرون خروجه
[ صفحه 158]
ويرجون الفرج في ظهوره وعلي يده أمر أن يجعل في جب عظيم واسع ويجعل معه الاسد ليأکله، فلم يقربه، وأمر أن لا يطعم فکان الله تبارک وتعالي يأتيه بطعامه وشرابه علي يد نبي من أنبيائه فکان دانيال يصوم النهار ويفطر بالليل علي ما يدلي إليه من الطعام فاشتدت البلوي علي شيعته وقومه والمنتظرين له ولظهوره وشک أکثرهم في الدين لطول الامد.
فلما تناهي البلاء بدانيال عليه السلام وبقومه رأي بختنصر في المنام کان ملائکة من السماء قد هبطت إلي الارض أفواجا إلي الجب الذي فيه دانيال مسلمين عليه يبشرونه بالفرج، فلما أصبح ندم علي ما أتي إلي دانيال فأمر بأن تخرج من الجب فلما اخرج اعتذر إليه مما ارتکب منه من التعذيب، ثم فوض إليه النظر في أمور ممالکه والقضاء بين الناس، فظهر من کان مستترا من بني إسرائيل ورفعوا رؤوسهم واجتمعوا إلي دانيال عليه السلام موقنين بالفرج فلم يلبث إلا القليل علي تلک الحال حتي مات وأفضي الامر بعده إلي عزير عليه السلام فکانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم، فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه وغابت الحجج بعده واشتدت البلوي علي بني إسرائيل حتي ولد يحيي بن زکريا عليهما السلام وترعرع فظهر وله سبع سنين فقام في الناس خطيبا، فحمد الله وأثني عليه وذکرهم بأيام الله، وأخبرهم أن محن الصالحين إنما کانت لذنوب بني إسرائيل وأن العاقبة للمتقين ووعدهم الفرج بقيام المسيح عليه السلام بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول، فلما ولد المسيح عليه السلام أخفي الله عزو جل ولادته وغيب شخصه، لان مريم عليها السلام لما حملته انبتذت به مکانا قصيا، ثم إن زکريا وخالتها أقبلا يقصان أثرها حتي هجما عليها وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول: «يا ليتني مت قبل هذا وکنت نسيا منسيا» فأطلق الله تعالي ذکره لسانه بعذرها وإظهار حجتها، فلما ظهرت اشتدت البلوي والطلب علي بني إسرائيل وأکب الجبابرة و الطواغيت عليهم حتي کان من أمر المسيح ما قد أخبر الله عزوجل به واستتر شمعون بن حمون والشيعة حتي أفضي بهم الاستتار إلي جزيرة من جزائر البحر فأقاموا بها ففجر الله لهم العيون العذبة وأخرج لهم من کل الثمرات، وجعل لهم فيها الماشية
[ صفحه 159]
وبعث إليهم سمکة تدعي القمد لا لحم لها ولا عظم وإنما هي جلد ودم فخرجت من البحر فأوحي الله عزوجل إلي النحل أن ترکبها، فرکبتها فأتت النحل إلي تلک الجزيرة ونهض النحل وتعلق بالشجر فعرش وبني وکثر العسل ولم يکونوا يفقدون شيئا من أخبار المسيح عليه السلام.
پاورقي
[1] لفظة «الموت» ليست في الامالي ولا في بعض النسخ الکتاب.
[2] اللاواء: الشدة.
[3] أي أعجب من راعه يروعه أي أفزعه وأعجبه.
[4] دمغه أي شجه حتي بلغت الشجة الدماغ.
[5] أي عدوه ملکا لهم، وفي بعض النسخ «وملکه الله عزوجل الناس».
[6] قالوا انما کشف ذوب الحديد قبل ميلاد المسيح بالف سنة وهو زمان داود عليه السلام. ويسمونه عصر الحديد وفي التنزيل: «وألنا له الحديد».
[7] کلام المؤلف.
[8] الغمد بکسر المعجمة: غلاف السيف.
[9] أي حيث وجدهم وصادفهم.
[10] تتمة الخبر.
[11] افتر أي ضحک ضحکا حسنا.
[12] أي ربطه في ثوبه.