بازگشت

في غيبة يوسف


و أما غيبة يوسف عليه السلام فإنها کانت عشرين سنة لم يدهن فيها ولم يکتحل ولم يتطيب لم يمس النساء حتي جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته، کان منها ثلاثة أيام في الجب، وفي السجن بضع سنين، وفي الملک باقي سنية. وکان هو بمصر ويعقوب بفلسطين، وکان بينهما مسيرة تسعة أيام فاختلفت عليه الاحوال في غيبته من إجماع إخوته علي قتله ثم إلقائهم إياه في غيابت الجب، ثم بيعهم إياه بثمن بخس دراهم معدودة، ثم بلواه بفتنة امرأة العزيز، ثم بالسجن بضع سنين، ثم صار إليه بعد ذلک ملک مصر، [1] وجمع الله ـ تعالي ذکره ـ شمله وأراده تأويل رؤياه.

9ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ـ رضي الله عنه ـ قال: حدثنا محمد بن يحيي العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن الحسن الواسطي، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قدم أعرابي علي يوسف ليشتري منه طعاما فباعه، فلما فرغ قال له يوسف: أين منزلک؟



[ صفحه 142]



قال له: بموضع کذا وکذا: فقال له: فإذا مررت بوادي کذا وکذا فقف فناد: يا يعقوب! يا يعقوب! فإنه سيخرج إليک رجل عظيم جميل جسيم وسيم، فقل له: لقيت رجلا بمصر وهو يقرئک السلام ويقول لک: إن وديعتک عند الله عزوجل لن تضيع، قال: فمضي الاعرابي حتي انتهي إلي الموضع فقال لغمانة: احفظوا علي الابل ثم نادي: يا يعقوب! يا يعقوب! فخرج إليه رجل أعمي طويل جسيم جميل يتقي الحائط بيده حتي أقبل فقال له لارجل: أنت يعقوب؟ قال: نعم فأبلغه ما قال له يوسف قال: فسقط مغشيا عليه، ثم أفاق فقال: يا أعرابي ألک حاجة إلي الله عزوجل؟ فقال له: نعم إني رجل کثير المال ولي ابنة عم ليس يولد لي منها واحب أن تدعو الله أن ير زقني ولدا، قال: فتوضأ يعقوب وصلي رکعتين ثم دعا الله عزوجل، فرزق أربعة أبطن أوقال ستة أبطن في کل بطن اثنان.

فکان يعقوب عليه السلام يعلم أن يوسف عليه السلام حي لم يمت وأن الله ـ تعالي ذکره ـ سيظهره له بعد غيبته وکان يقول لبنيه: «إني أعلم من الله ما لا تعلمون» [2] وکان أهله وأقرباؤه يفندونه علي ذکره ليوسف حتي أنه لما وجد ريح يوسف قال: «إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون، قالوا تالله إنک لفي ضلالک القديم، فلما أن جاء البشير (وهو يهودا ابنه وألقي قميص يوسف) علي وجهه فارتد بصيرا، قال ألم أقل لکم إني أعلم من الله مالا تعلمون». [3] .

10 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ـ رضي الله عنه ـ قال: حدثنا محمد بن ـ يحيي العطار قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السراج، عن بشر بن جعفر، عن المفضل ـ الجعفي أظنه ـ [4] عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: أرتدي ماکان قميص يوسف عليه السلام؟ قلت: لاقال: إن إبراهيم عليه السلام لما اوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة وألبسه إياه فلم يضره معه حر ولابرد، فلما حضر إبراهيم



[ صفحه 143]



الموت جعله في تميمة [5] وعلقه إسحاق، وعلقه إسحاق علي يعقوب، فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه، وکان في عضده حتي کان من أمره ماکان، فلما أخرج يوسف القميص من التميمة، وجد يعقوب ريحه، وهو قوله: إني لاجد ريح يوسف لولا أن تنفدون» [6] فهو ذلک القميص الذي انزل من الجنة، قال: قلت: جعلت فداک فإلي من صار ذلک القميص؟ قال: إلي أهله ثم قال: کل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهي إلي (آل) محمد صلي الله عليه وآله.

فروي «أن القائم عليه السلام إذا خرج يکون عليه قميص يوسف، ومعه عصا موسي، وخاتم سليمان عليهم السلام».

والدليل علي أن يعقوب عليه السلام علم بحياة يوسف عليه السلام وأنه إنما غيب عنه لبلوي واختبار: أنه لما رجع إليه بنوه يبکون قال لهم: يا بني لم تبکون وتدعون بالويل؟ ومالي ما أري فيکم حبيبي يوسف؟ «قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وترکنا يوسف عند متاعنا فأکله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو کنا صادقين» [7] هذا قميصه قد أتيناک به، قال: ألقوه إلي، فألقوه إليه وألقاه علي وجهه فخر مغشيا عليه، فما أفاق قال لهم: يا بني ألستم تزعمون أن الذئب قد أکل حبيبي يوسف؟ قالوا: نعم، قال: مالي لا أشم ريح لحمه؟! ومالي أري قميصه صحيحا؟ هبوا أن القميص [8] انکشف من أسفله أرأيتم ماکان في منکبيه وعنقه کيف خلص إليه الذئب من غير أن يخرقه، إن هذا الذئب لمکذوب عليه، وإن ابني لمظلوم «بل سولت لکم أنفسکم أمرا فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون» وتولي عنهم ليلتهم تلک لا يکلمهم وأقبل يرثي يوسف ويقول: حبيبي يوسف الذي اوثره جميع أولادي فاختلس مني حبيبي يوسف



[ صفحه 144]



الذي کنت أرجوه من بين أولادي فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي اوسده يميني وادثره بشمالي فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي کنت أونس به وحدتي فاختلس مني، حبيبي يوسف ليت شعري في أي الجبال طرحوک، أم في أي البحار غرقوک، حبيبي يوسف ليتني کنت معک فيصيبني الذي أصابک.

ومن الدليل علي أن يعقوب عليه السلام علم بحياة يوسف عليه السلام وأنه في الغيبة قوله: «عسي الله أن يأتيني بهم جمعيا» [9] وقوله لبنيه «يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الکافرون». [10] .

وقال الصادق عليه السلام: إن يعقوب عليه السلام قال لملک الموت: أخبرني عن الارواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة؟ قال: بل متفرقة قال: فهل قبضت روح يوسف في جملة ما قبضت من الارواح؟ قال: لا، فعند ذلک قال لبنيه: «يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه» فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائب عليه السلام حال يعقوب عليه السلام في معرفته بيوسف وغيبته وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال أهله وأقربائه [11] الذين بلغ من جهلهم بأمر يوسف وغيبته حتي قالوا لابيهم يعقوب: «تالله إنک لفي ضلالک القديم». وقول يعقوب ـ لما ألقي البشير قميص يوسف علي وجهه فارتد بصيرا ـ: «ألم أقل لکم إني أعلم من الله مالا تعلمون» دليل علي أنه قد کان علم أن يوسف حي وأنه إنما غيب عنه للبلوي والامتحان.

11 ـ حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن ـ رضي الله عنهما ـ قالا: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن هلال، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن فضالة بن أيوب، عن سدير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن في القائم سنة من يوسف، قلت کأنک تذکر خبره أو غيبته؟ فقال لي: وما تنکر هذه الامة أشباه الخنازير أن إخوة يوسف کانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم إخوته وهو أخو هم فلم يعرفوه حتي قال لهم: «أنا يوسف وهذا أخي» فما تنکر هذه الامة أن يکون الله عزوجل في وقت



[ صفحه 145]



من الاوقات يريد أن يستر حجته عنهم لقد کان يوسف يوما ملک مصر وکان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما [12] فلو أراد الله تبارک وتعالي أن يعرفه مکانه لقدر علي ذلک والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة في تسعة إيام إلي مصر، فما تنکر هذه الامة أن يکون الله عزوجل يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يکون يسير فيما بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتي يأذن الله عزوجل له أن يعرفهم نفسه کما أذن ليوسف عليه السلام حين قال لهم: «هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون، قالوا إنک لانت يوسف، قال أنا يوسف وهذا أخي». [13] .


پاورقي

[1] الذي يظهر من القرآن وبعض الاخبار أنه صار عزيز مصر لا ملکه، والعزيز رئيس الدولة، والملک هو فرعون مصر.

[2] يوسف: 98.

[3] يوسف: 95 ـ 98.

[4] في الکافي ج 1 ص 232 «عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام».

[5] التميمة: الخرزة التي تعلق علي الانسان وغيره من الحيوانات، ويقال لکل عوذة تعلق عليه.

[6] يوسف: 95 والتفنيد: النسبة إلي الفند وهو نقصان عقل يحدث من الهرم.

[7] يوسف: 18.

[8] أي احسبوا. تتقول: هب زيدا منطلقا بمعني احسب، يتعدي إلي مفعولين ولا يستعمل منه ماض ولا مستقبل في هذا المعني (الصحاح).

[9] يوسف: 84.

[10] يوسف: 88.

[11] في بعض النسخ «حال اخوة يوسف».

[12] قد مر ويأتي أنه مسيرة تسعة أيام ولعله مبني علي سرعة السير عند البشارة.

[13] يوسف: 90.