في غيبة ابراهيم
وأما غيبة إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه فانها تشبه غيبة قائمنا صلوات الله عليه بل هي أعجب منها لان الله عزوجل غيب أثر إبراهيم عليه السلام وهو في بطن أمه حتي حوله عزوجل بقدرته من بطنها إلي ظهرها، ثم أخفي أمر ولادته إلي وقت بلوغ الکتاب أجله.
[ صفحه 138]
7ـ حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن ـ رضي الله عنهما ـ قالا: حدثنا سعد بن ـ عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، [1] عن أبي ـ بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: کان أبو إبراهيم عليه السلام منجما لنمرود بن کنعان، و کان نمرود لا يصدر إلا عن رأيه، فنظر في النجوم ليلة من الليالي فأصبح فقال: لقد رأيت في ليلتي هذه عجبا فقال له نمرود: وما هو؟ فقال: رأيت مولودا يولد في أرضنا هذه فيکون هلاکنا علي يديه، ولا يلبث إلا قليلا حتي يحمل به، فعجب من ذلک نمرود وقال له: هل حملت به النساء؟ فقال: لا، وکان فيما أوتي به من العلم أنه سيحرق بالنار ولم يکن أوتي أن الله تعالي سينجيه، قال: فحجب النساء عن الرجال، فلم يترک امرأة إلا جعلت بالمدينة حتي لا يخلص إليهن الرجال [2] قال: ووقع [3] أبو إبراهيم علي امرأته فحملت به وظن أنه صاحبه، فأرسل إلي نساء من القوابل لا يکون في البطن شيء إلا علمن به، فنظرن إلي أم إبراهيم، فألزم الله تعالي ذکره ما في الرحم الظهر، فقلن: ما نري شيئا في بطنها، فلما وضعت أم إبراهيم (به) أراد أبوه أن يذهب به إلي نمرود، فقالت له امرأته: لا تذهب بابنک إلي نمرود فيقتله، دعني أذهب به إلي بعض الغيران [4] أجعله فيه حتي يأتي عليه أجله ولا يکون أنت تقتل ابنک، فقال لها: فاذهبي به، فذهبت به إلي غار، ثم أرضعته، ثم جعلت علي باب الغار صخرة، ثم انصرفت عنه، فجعل الله عزوجل رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشرب لبنا [5] وجعل يشب في اليوم کما يشب غيره في الجمعة ويشب في الجمعة کما يشب غيره في الشهر ويشب في الشهر کما يشب غيره في السنة، فمکث ما شاء الله أن يمکث،
[ صفحه 139]
ثم إن أمه قالت لابيه: لو أذنت لي حتي أذهب إلي ذلک الصبي فأراه فعلت، قال: فافعلي، فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم عليه السلام وإذا عيناه تزهران کأنهما سراجان، فأخذته وضمته إلي صدرها وأرضعته ثم انصرفت عنه، فسألها أبوه عن الصبي، فقالت له: قد واريته في التراب، فمکثت تعتل وتخرج في الحاجة وتذهب إلي إبراهيم عليه السلام فتضمه إليها وترضعه ثم تنصرف، فلما تحرک أتته أمه کما کانت تأتيه وصنعت کما کانت تصنع، فلما أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له: مالک؟ فقال لها: اذهبي بي معک، فقالت له: حتي أستأمر أباک. [6] .
فلم [7] يزل إبراهيم عليه السلام في الغيبة مخفيا لشخصه، کاتما لامره، حتي ظهر فصدع بأمر الله تعالي ذکره وأظهر الله قدرته فيه. ثم غاب عليه السلام الغيبة الثانية، وذلک حين نفاه الطاغوت عن مصر فقال: «وأعتزلکم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسي ألا أکون بدعاء ربي شقيا» قال الله عزوجل: «فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وکلا جعلنا نبيا، ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا» [8] يعني به علي بن أبي طالب عليه السلام لان إبراهيم قد کان دعا الله عزوجل أن يجعل له لسان صدق في الاخرين فجعل الله تبارک وتعالي له ولاسحاق ويعقوب لسان صدق عليا فأخبر علي عليه السلام بأن القائم هو الحادي عشر [9] من ولده وأنه المهدي الذي يملا الارض قسطا وعدلا کما مئلت جورا وظلما، وأنه تکون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، وأن هذا کائن کما أنه مخلوق. وأخبر عليه السلام في حديث کميل ابن زياد النخعي «أن الارض لا تخلو ا من قائم بحجة إما ظاهر مشهور أو خاف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته» وقد أخرجت هذين الخبرين في هذا الکتاب بإسنادهما في باب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام من وقوع الغيبة وکررت ذکرهما للاحتياج إليه علي أثر ما ذکرت من قصة إبراهيم عليه السلام.
ولا براهيم عليه السلام غيبة اخري سار فيها في البلاد وحده للاعتبار.
[ صفحه 140]
8 ـ حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن ـ رضي الله عنهما ـ قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسن ابن محبوب، عن مالک بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج إبراهيم عليه السلام ذات يوم يسير في البلاد ليعتبر، فمر بفلاة من الارض فإذا هو برجل قائم يصلي قد قطع إلي السماء صوته [10] ولباسه شعر، فوقف عليه إبراهيم عليه السلام فعجب منه وجلس ينتظر فراغه فلما طال ذلک عليه حرکه بيده وقال له: إن لي حاجة فخفف قال: فخفف الرجل وجلس إبراهيم، فقال له إبراهيم عليه السلام لمن تصلي؟ فقال: لاله إبراهيم فقال: من إله إبراهيم؟ قال: الذي خلقک وخلقني، فقال له إبراهيم: لقد أعجبني نحوک [11] وأنا احب أن أو أخيک في الله عزوجل، فأين منزلک إذا أردت زيارتک ولقاءک؟ فقال له الرجل: منزلي خلف هذه النطقة [12] ـ وأشار بيده إلي البحر ـ وأما مصلاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء الله، ثم قال الرجل لابراهيم: لک حاجة؟ فقال إبراهيم: نعم، فقال الرجل: وماهي؟ قال له: تدعو الله وأؤمن أنا علي دعاءک أو أدعو أنا وتؤمن أنت علي دعائي؟ فقال له الرجل: وفيم ندعوالله؟ فقال له إبراهيم: للمذنبين المؤمنين، فقال الرجل: لا، فقال إبراهيم: ولم؟ فقال: لاني دعوت الله منذ ثلاث سنين بدعوة لم أر إجابتها إلي الساعة وأنا أستحيي من الله عزوجل أن أدعوه بدعوة حتي أعلم أنه قد أجابني، فقال إبراهيم: وفيما دعوته؟ فقال له الرجل: إني لفي مصلاي هذا ذات يوم إذ مربي غلام أروع [13] النور يطلع من جبهته، له ذؤابة من خلفه، ومعه بقر يسوقها کأنما دهنت دهنا، وغنم يسوقها کأنما دخست دخسا [14] قال: فأعجبني ما رأيت منه فقلت: يا غلام لمن هذه البقر، والغنم؟ فقال: لي [15] فقلت:
[ صفحه 141]
ومن أنت! فقال: أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عزوجل، فدعوت الله عزوجل عند ذلک وسألته أن يريني خليله، فقال له إبراهيم عليه السلام: فأنا إبراهيم خليل الرحمن وذلک الغلام ابني، فقال له الرجل عند ذلک: الحمدالله رب العالمين الذي أجاب دعوتي قال: ثم قبل الرجل صفحتي وجه إبراهيم وعانقة، ثم قال: الان فنعم وداع [16] حتي اؤمن علي دعائک، فدعا إبراهيم عليه السلام للمؤمنين والمؤمنات المذنبين من يومه ذلک إلي يوم القيامة بالمغفرة والرضا عنهم، قال: وأمن الرجل علي دعائه، (قال) فقال أبو جعفر عليه السلام: فدعوة إبراهيم بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلي يوم القيامة.
پاورقي
[1] کأن فيه سقطا لما رواه الکليني في روضة الکافي باسناده عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي أيوب الخزاز عن أبي بصير.
[2] أي لا يصل اليهن، وفي الصحاح: خلص إليه الشيء: وصل.
[3] في بعض النسخ «وباشر» بدون «علي».
[4] جمع الغار وهو الکهف في الجبل.
[5] في روضة الکافي «فيشخب لبنها».
[6] تتمة الحديث في الکافي ج 8 تحت رقم 558 فليراجع.
[7] من هنا کلام المؤلف لابقية الحديث.
[8] مريم: 49 ـ 51.
[9] کذا ولعله وهم من الراوي والصوبا العاشر.
[10] کذا وفي الکافي «طوله». والقطع کما في الوافي: العمود، ولعله تصحيف «رفع».
[11] أي طريقتک في العبادة، والنحو: الطريق.
[12] النطفة: الماء الصافي قل أو کثر.
[13] الاروع ـ کجعفر ـ من الرجال: الذي يعجبک حسنه.
[14] الدخس ـ بالمعجمعة بين المهملتين ـ: الورم والسمن.
[15] في الکافي ج 8 ص 392 تحت رقم 591 «فقال لابراهيم».
[16] في الکافي «فقم وادع».