بازگشت

في غيبة ادريس النبي


النسخ مختلفة في عنوان الابواب وهنا في بعضها «الباب الاول» وفي بعضها «الباب الثاني» وفي بعضها «باب» فقط، وفي بعضها «باب» مع الرقم الهندسي.

فأول الغيبات غيبة إدريس النبي عليه السلام المشهورة حتي آل الامر بشيعته إلي أن تعذر عليهم القوت وقتل الجبار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيتهم، ثم ظهر عليه السلام فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده، وهو نوح عليه السلام ثم رفع الله عز و جل إدريس عليه السلام إليه، فلم تزل الشيعة تتوقعون قيام نوح عليه السلام قرنا بعد قرن، و خلفا عن سلف، صابرين من الطواغيت علي العذاب المهين حتي ظهرت نبوة نوح عليه السلام.

1ـ حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، ومحمد بن موسي بن ـ المتوکل ـ رضي الله عنهم ـ قالوا: حدثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري، ومحمد بن يحيي العطار قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي، وإبراهيم ابن هاشم جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال: کان بدء نبوة إدريس عليه السلام أنه کان في زمانه ملک جبار وأنه رکب ذات يوم في بعض نزهه، فمر بأرض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة [1] فأعجبته فسأل وزراءه لمن هذه الارض؟ قالوا: لعبد مؤمن من عبيد الملک فلان الرافضي، فدعا به فقال له: أمتعني بأرضک هذه [2] فقال: عيالي أحوج إليها



[ صفحه 128]



منک، قال: فسمني بها [3] اثمن لک، قال: لا امتعک بها ولا أسومک دع عنک ذکرها، فغضب الملک عند ذلک وأسف وانصرف إلي أهله وهو مغموم متفکر في أمره وکانت له امرأة من الازارقة، [4] وکان بها معجبا يشاورها في الامر إذا نزل به، فلما استقر في مجلسه بعث إليها ليشاورها في أمر صاحب الارض، فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب فقالت: أيها الملک ما الذي دهاک [5] حتي بدا الغضب في وجهک قبل فعلک؟ [6] فأخبرها بخبر الارض وما کان من قوله لصاحبها ومن قول صاحبها له، فقالت: أيها الملک إنما يهتم به [7] من لا يقدر علي التغيير والانتقام، فإن کنت تکره أن تقتله بغير حجة فأنا أکفيک أمره واصير أرضه بيديک بحجة لک فيها العذر عند أهل مملکتک، قال: وما هي؟ قالت: أبعث إليه أقواما من أصحابي الازارقة حتي يأتوک به فيشهدوا عليه عندک أنه قد برئ من دينک فيجوز لک قتله وأخذ أرضه، قال: فافعلي ذلک، قال: وکان لها أصحاب من الازارقة علي دينها يرون قتل الروافض من المؤمنين، فبعثت إلي قوم من الازارقة [8] فأتوها فأمرتهم أن يشهدوا علي فلان الرافضي عند الملک أنه قد برئ من دين الملک فشهدوا عليه أنه قد برئ من دين الملک فقتله واستخلص أرضه، فغضب الله تعالي للمؤمن عند ذلک فأوحي الله إلي إدريس أن ائت عبدي هذا الجبار فقل له: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتي استخلصت أرضه خالصة لک، فأحوجت عياله من بعده وأجعتهم، أما وعترتي لانتقمن له منک في الاجل ولاسلبنک ملکک في العاجل، ولاخربن مدينتک ولاذلن عزک ولاطعمن الکلاب



[ صفحه 129]



لحم امرأتک، فقد غرک يا مبتلي حلمي عنک.

فأتاه إدريس عليه السلام برسالة ربه وهو في مجلسه وحوله أصحابه، فقال: أيها الجبار إني رسول الله إليک وهو يقول لک: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتي استخلصت أرضه خالصة لک، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم، أما وعزتي لانتقمن له منک في الاجل، ولاسلبنک ملکک في العاجل، ولاخربن مدينتک، ولاذلن عزک، ولاطعمن الکلاب لحم امرأتک، فقال الجبار: اخرج عني يا إدريس فلن تسبقني بنفسک. [9] .

ثم أرسل إلي امرأته فأخبرها بما جاء به إدريس، فقال: لا تهولنک رسالة إله إدريس أنا أکفيک أمر إدريس، ارسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه وکلما جاءک به، قال: فافعلي، وکان لادريس أصحاب من الرافضة مؤمنون يجتمعون إليه في مجلس له فيأنسون به ويأنس بهم، فأخبرهم إدريس بما کان من وحي الله عزوجل إليه ورسالته إلي الجبار، وما کان من تبليغه رسالة الله عزوجل إلي الجبار، فأشفقوا علي إدريس وأصحابه، وخافوا عليه القتل.

وبعثت امرأة الجبار إلي إدريس أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوه فأتوه في مجلسه الذي کان يجتمع إليه فيه أصحابه، فلم يجدوه، فانصرفوا وقد رآهم أصحاب إدريس فحسبوا أنهم أتوا إدريس ليقتلوه فتفرقوا في طلبه، فلقوه، فقالوا له: خذ حذرک يا إدريس فان الجبار قاتلک قد بعث اليوم أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوک فاخرج من هذه القرية، فتنحي إدريس، عن القرية من يومه ذلک، ومعه نفر من أصحابه، فلما کان في السحر ناجي إدريس ربه فقال: يا رب بعثتني إلي جبار فبلغت رسالتک، وقد توعدني هذا الجبار بالقتل، بل هو قاتلي إن ظفر بي، فأوحي الله عزوجل: أن تنح عنه واخرج من قريته، وخلني وإياه فوعزتي لانفذن فيه أمري، ولاصدقن قولک فيه وما أرسلتک به إليه، فقال إدريس: يا رب إن لي حاجة، قال الله عزوجل: سل



[ صفحه 130]



تعطها، قال: أسألک أن لا تمطر السماء علي أهل هذه القرية وما حولها وما حوت عليه حتي أسألک ذلک، قال الله عزوجل: يا إدريس إذا تخرب القرية ويشتد جهد أهلها ويجوعون، قال إدريس: وإن خربت وجهدوا وجاعوا، قال الله عزوجل: فإني قد أعطيتک ما سألت ولن امطر السماء عليهم حتي تسألني ذلک، وأنا أحق من وفي بوعده.

فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عنهم، وبما أوحي الله إليه ووعده أن لا يمطر السماء عليهم حتي يسأله ذلک. فاخرجوا أيها المؤمنون من هذه القرية إلي غيرها من القري، فخرجوا منها، وعدتهم يومئذ عشرون رجلا، فتفرقوا في القري، وشاع خبر إدريس في القري بما سأل ربه تعالي، وتنحي إدريس إلي کهف في جبل شاهق، فلجأ إليه ووکل الله عزوجل به ملکا يأتيه بطعامه عند کل مساء، وکان يصوم النهار فيأتيه الملک بطعامه عند کل مساء، وسلب الله عزوجل عند ذلک ملک الجبار وقتله وأخرب مدينته وأطعم الکلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن فظهر في المدينة جبار آخر عاص، فمکثوا بذلک بعد خروج إدريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة من مائها عليهم، فجهد القوم اشتدت حالهم وصاروا يمتارون الاطعمة [10] من القري من بعد، فلما جهدوا مشي بعضهم إلي بعض فقالوا: إن الذي نزل بنا مما ترون بسؤال إدريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتي يسأله هو، وقد خفي إدريس عنا ولا علم لنا بموضعة، والله أرحم بنا منه فأجمع أمرهم علي أن يتوبوا إلي الله ويدعوه و يفزعوا إليه ويسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلي ما حوت قريتهم، فقاموا علي الرماد ولبسوا المسوح وحثوا علي رؤوسهم التراب، وعجوا [11] إلي الله تعالي بالتوبة والاستغفار والبکاء والتضرع إليه، فأوحي الله عزوجل إلي إدريس يا إدريس إن أهل قريتک قد عجوا إلي بالتوبة والاستغفار والبکاء والتضرع، وأنا الله الرحمن الرحيم أقبل التوبة أعفو



[ صفحه 131]



عن السيئة، وقد رحمتهم ولم يمنعني إجابتهم إلي ما سألوني من المطر إلا مناظرتک فيما سألتني أن لا امطر السماء عليهم حتي تسألني، فسلني يا إدريس حتي اغيثهم وامطر السماء عليهم؟ قال إدريس: اللهم إني لا أسألک ذلک [12] قال الله عزوجل: ألم تسألني يا إدريس فأجبتک إلي ما سألت وأنا أسألک أن تسألني فلم لا تجب مسألتي؟ قال: إدريس اللهم لا أسألک، فأوحي الله عزوجل إلي الملک ـ الذي أمره أن يأتي إدريس بطعامه کل مساء ـ أن احبس عن إدريس طعامه ولا تأته به، فلما أمسي إدريس في ليلة ذلک اليوم فلم يؤت بطعامه حزن وجاع فصبر، فلما کان في (ليلة) اليوم الثاني فلم يؤت بطعامه اشتد حزنه وجوعه، فلما کانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه وقل صبره فنادي ربه يا رب حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحي، فأوحي الله عزوجل إليه يا إدريس جزعت أن حبست عنک طعامک ثلاثة إيام ولياليها ولم تجزع ولم تذکر [13] جوع أهل قريتک وجهدهم منذ عشرين سنة، ثم سألتک عن جهدهم ورحمتي إياهم أن تسألني أن امطر السماء عليهم فلم تسألني وبخلت عليهم بمسألتک إياي فأدبتک بالجوع، [14] فقل عند ذلک صبرک وظهر جزعک، فاهبط من موضعک فاطلب المعاش لنفسک فقد وکلتک في طلبه إلي حيلتک.

فهبط إدريس عليه السلام من موضعه إلي قرية يطلب اکلة من جوع فلما دخل القرية نظر إلي دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه فهجم علي عجوز کبيرة وهي ترقق قرصتين لها علي مقلاة، فقال لها: أيتها المرأة أطعميني فاني مجهود من الجوع فقالت له: يا عبد الله ما ترکت لنا دعوة إدريس فضلا نطعمه أحدا ـ وحلفت أنها ما تملک غيره شيئا ـ فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، فقال لها: أطعميني ما امسک به روحي وتحملني به رجلي إلي أن أطلب، قالت: إنما هما قرصتان واحدة لي والاخري لابني فان أطعمتک قوتي مت، وإن أطعمتک قوت ابني مات، وما ههنا فضل اطعمکه، فقال لها: إن



[ صفحه 132]



ابنک صغير يجزيهه نصف قرصة فيحيي به ويجزيني النصف الاخر فاحيي به وفي ذلک بلغة لي وله، فأکلت المرأة قرصتها وکسرت الاخري بين إدريس وبين ابنها، فلما رأي ابنها إدريس يأکل من قرصته اضطراب حتي مات، قالت امه: يا عبد الله قتلت علي ابني جزعا علي قوته، قال (لها) إدريس: فأنا احييه بإذن الله تعالي فلا تجزعي، ثم أخذ إدريس بعضدي الصبي، ثم قال: أيتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام بأمر الله ارجعي إلي بدنه بإذن الله، وأنا إدريس النبي. فرجعت روح الغلام إليه باذن الله، فلما سمعت المرأة کلام إدريس وقوله: «أنا إدريس» ونظرت علي ابنها قد عاش بعد الموت قالت: أشهد أنک إدريس النبي وخرجت تنادي بأعلي صوتها في القرية أبشروا بالفرج فقد دخل إدريس قريتکم، ومضي إدريس حتي جلس علي موضع مدينة الجبار الاول فوجدها وهي تل، فاجتمع إليه اناس من أهل قريته فقالوا له: يا إدريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التي جهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فيها، فادع الله لنا أن يمطر السماء علينا قال: لا حتي يأتيني جبارکم هذا وجميع أهل قريتکم مشاة حفاة فيسألوني ذلک، فبلغ الجبار قوله فبعث إليه أربعين رجلا يأتوه بإدريس فأتوه فقالوا له: إن الجبار بعثنا إليک لنذهب بک إليه، فدعا عليهم فماتوا، فبلغ الجبار ذلک، فبعث إليه خمسمائة رجل ليأتوه به فأتوه فقالوا له: يا إدريس إن الجبار بعثنا إليک لنذهب بک إليه، فقال لهم إدريس: انظروا إلي مصارع أصحابکم فقالوا له: يا إدريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو علينا بالموت أما لک رحمة؟ فقال: ما أنا بذاهب إليه وما أنا بسائل الله أن يمطر السماء عليکم حتي يأتيني جبارکم ماشيا حافيا وأهل قريتکم، فانطلقوا إلي الجبار فأخبروه بقول إدريس وسألوه أن يمضي معهم وجميع أهل قريتهم إلي إدريس مشاة حفاة، فأتوه حتي وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه أن يسأل الله عز وجل لهم أن يمطر السماء عليهم، فقال لهم إدريس: أما الان فنعم فسأل الله عز وجل إدريس عند ذلک أن يمطر السماء عليهم وعلي قريتهم ونواحيها، فأظلتم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم [15] من



[ صفحه 133]



ساعتهم حتي ظنوا أنه الغرق، فما رجعوا إلي منازلهم حتي أهمتهم أنفسهم من الماء.


پاورقي

[1] الرافضة هم الدين ترکوا مذهب سلطانهم. والرفض في اللغة: الترک، والروافض جنود ترکوا قائدهم وانصرفوا وذهبوا عنه. أو المراد الذين رفضوا الشرک والمعاصي أو مذهب الملک أو الدنيا ونعيمها، وفي اثبات الوصية «فقيل انها لرجل من الرافضة کان لا يتبعه علي کفره ويرفضه يسمي رافضيا فدعي به الخ».

[2] أي اجعلها لي انتفع بها وألتذ بها.

[3] السوم طلب الشراء أي بعني. و «أثمن لک» أي أعطيک الثمن.

[4] المراد بهم أهل الروم أو الديلم لان زرقة العيون غالبة فيهم. والازارقة أيضا هم الذين يبيحون مال من علي غير عقيدتهم ويستحلون دمه نظير عقيدة الخوارج في الاسلام، والمراد هنا المعني الثاني.

[5] دهي فلانا أي أصابه بداهية.

[6] أي قبل اتيانک بما غضبت له.

[7] في بعض النسخ «يغتم ويأسف».

[8] في بعض النسخ «إلي قوم منهم».

[9] أي لا يمکنک الفرار بنفسک والتقدم بحيث لا يمکنني اللحوق بک لاهلاکها أو لا تغلبني في أمر نفسک بان تتخلصها مني.

[10] أي يجمعون الاطعمة من أطراف القري.

[11] المسح ـ بالکسر ـ: البلاس معرب پلاس. والحث: الصب. والعج: رفع الصوت. وفي نسخة «ورجعوا».

[12] أمره تعالي اياه بالدعاء علي سبيل الندب أو التخيير، وعرض ادريس عليه السلام عن التأخير زجرهم عن الفساد وتنبيههم لئلا يخالفوا ربهم بعد دخوله فيهم.

[13] في بعض النسخ «ولم تنکر».

[14] في البحار «مأذقتک الجوع».

[15] هطلت السماء: نزلت عليهم متتابعا، وهطل المطر إذا تتابع.