بازگشت

مناظرة المؤلف مع ملحد عند رکن الدولة


ولقد کلمني بعض الملحدين في مجلس الامير السعيد رکن الدولة ـ رضي الله عنه ـ فقال لي: وجب علي إمامکم أن يخرج فقد کاد أهل الروم يغلبون علي المسلمين. فقلت له: إن أهل الکفر کانوا في أيام نبينا صلي الله عليه وآله أکثر عددا منهم اليوم وقد أسر عليه السلام أمره وکتمه أربعين سنة بأمر الله جل ذکره وبعد ذلک أظهره لمن وثق به وکتمه ثلاث سنين عمن لم يثق به، ثم آل الامر إلي أن تعاقدوا علي هجرانه وهجران جميع بني هاشم والمحامين عليه لاجله، فخرجوا إلي الشعب وبقوا فيه ثلاث سنين فلو أن قائلا قال في تلک السنين: لم لا يخرج محمد صلي الله عليه وآله فانه واجب عليه الخروج لغلبة المشرکين علي المسلمين، ما کان يکون جوابنا له إلا أنه عليه السلام بأمر الله تعالي ذکره خرج إلي الشعب حين خرج وباذنه غاب [1] ومتي أمره بالظهور والخروج خرج وظهر، لان النبي صلي الله عليه وآله بقي في الشعب هذه المدة حتي أوحي الله عزوجل إليه أنه قد بعث أرضة علي الصحيفة المکتوبة بين قريش في هجران النبي صلي الله عليه وآله وجميع بني هاشم، المختومة بأربعين خاتما، المعدلة [2] عند زمعة بن الاسود فأکلت ما کان فيها من قطيعة رحم وترکت ما کان فيها من اسم الله عزوجل، فقام أبو طالب فدخل مکة، فلما رأته قريش قدروا أنه قد جاء ليسلم إليهم النبي صلي الله عليه وآله حتي يقتلوه أو يرجعوه عن نبوته، فاستقبلوه وعظموه فلما جلس قال لهم: يا معشر قريش إن ابن أخي محمد لم أجرب عليه کذبا قط وإنه قد أخبرني أن ربه أوحي إليه أنه قد بعث علي الصحيفة المکتوبة بينکم الارضة فأکلت ما کان فيها من قطيعة رحم وترکت ما کان فيها من أسماء الله عزوجل. فأخرجوا الصحيفة وفکوها فوجدوها کما قال، فآمن بعض وبقي بعض علي کفره، ورجع النبي عليه السلام وبنو هاشم إلي مکة. هکذا الامام عليه السلام إذا أذن الله له في الخروج خرج.

وشيء آخر وهو أن الله تعالي ذکره أقدر علي أعدائه الکفار من الامام فلو أن قائلا قال: لم يمهل الله أعداءه ولا يبيدهم وهم يکفرون به ويشرکون؟ لکان جوابنا له



[ صفحه 88]



أن الله تعالي ذکره لا يخاف الفوت فيعاجلهم بالعقوبة، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ولا يقال له: لم ولا کيف، وهکذا إظهار الامام إلي الله الذي غيبه فمتي أراده أذن فيه فظهر.

فقال الملحد: لست اومن بامام لا أراه ولا تلزمني حجته ما لم أره، فقلت له: يجب أن تقول: إنه لا تلزمک حجة الله تعالي ذکره لانک لا تراه ولا تلزمک حجة الرسول عليه السلام لانک لم تره.

فقال للامير السعيد رکن الدولة ـ رضي الله عنه ـ: أيها الامير راع ما يقول هذا الشيخ فانه يقول: إن الامام إنما غاب ولا يري لان الله عزوجل لا يري، فقال له الامير ـ رحمه الله ـ: لقد وضعت کلامه غير موضعه وتقولت عليه وهذا انقطاع منک وإقرار بالعجز.

وهذا سبيل جميع المجادلين لنا في أمر صاحب زماننا عليه السلام ما يلفظون في دفع ذلک وجحوده إلا بالهذيان والوساوس والخرافات المموهة.

وذکر أبو سهل اسماعيل بن علي النوبختي [3] في آخر کتاب التنبيه: وکثيرا ما يقول خصومنا: لو کان ما تدعون من النص حقا لادعاه علي عليه السلام بعد مضي النبي صلي الله عليه وآله.

فيقال لهم: کيف يدعيه فيقيم نفسه مقام مدع يحتاج إلي شهود علي صحة دعواه وهم لم يقبلوا قول النبي عليه السلام فکيف يقبلون دعواه لنفسه، وتخلفه عن بيعة



[ صفحه 89]



أبي بکر ودفنه فاطمة عليهما السلام من غير أن يعرفهم جمعيا خبرها حتي دفنها سرا أدل دليل علي أنه لم يرض بما فعلوه.

فان قالوا: فلم قبلها بعد عثمان؟ قيل لهم: اعطوه بعض ما وجب له فقبله، وکان في ذلک مثل النبي صلي الله عليه وآله حين قبل المنافقين والمؤلفة قلوبهم.

وربما قال خصومنا ـ إذا عضهم الحجاج [4] ولزمتهم الحجة في أنه لا بد من إمام منصوص عليه، عالم بالکتاب والسنة، مأمون عليهما، لا ينساهما ولا يغلط فيها، ولا تجوز مخالفته، واجب الطاعة بنص الاول عليه ـ فمن هو هذا الامام سموه لنا ودلونا عليه؟.

فيقال لهم: هذا کلام في الاخبار وهو انتقال من الموضع الذي تکلمنا فيه لانا إنما تکلمنا فيما توجبه العقول إذا مضي النبي عليه السلام وهل يجوز أن لا يستخلف وينص علي إمام بالصفة التي ذکرناها؟ فإذا ثبت ذلک بالادلة فعلينا وعليهم التفتيش عن عين الامام في کل عصر من قبل الاخبار ونقل الشيع النص علي علي عليه السلام وهم الان من الکثرة واختلاف الاوطان والهمم علي ما هم عليه يوجب العلم والعمل لاسيما وليس بازائهم فرقة تدعي النص لرجل عبد النبي صلي الله عليه واله غير علي عليه السلام، فان عارضونا بما يدعيه أصحاب زرادشت [5] وغيرهم من المبطلين، قيل لهم: هذه المعارضة تلزمکم في آيات النبي صلي الله عليه وآله فإذا انفصلتم بشيء فهو فصلنا لان صورة الشيع في هذا الوقت کصورة المسلمين في الکثرة فانهم لا يتعارفون وإن أسلافهم يجب أن يکونوا کذلک [6] بل أخبار الشيع أوکد لانه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولا رغبة وإنما تنقل الاخبار الکاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدول، وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلک وإذا صح بنقل الشيعة النص من النبي صلي الله عليه وآله علي علي عليه السلام صح بمثل ذلک نقلها النص من علي علي الحسن ومن الحسن علي الحسين ثم علي إمام إمام إلي الحسن بن علي، ثم



[ صفحه 90]



علي الغائب الامام بعده عليهم السلام لان رجال أبيه الحسن عليه السلام الثقات کلهم قد شهدوا له بالامامة، وغاب عليه السلام لان السلطان طلبه طلبا ظاهرا، ووکل بمنازله وحرمه سنتين.

فلو قلت: إن غيبة الامام عليه السلام في هذا العصر من أدل الادلة علي صحة الامامة قلت: صدقا لصدق الاخبار المتقدمة في ذلک وشهرتها.

وقد ذکر بعض الشيعة ممن کان في خدمة الحسن بن علي عليهما السلام وأحد ثقاته أن السبب بينه وبين ابن الحسن بن علي عليهما السلام متصل وکان يخرج من کتبه وأمره ونهيه علي يده إلي شيعته إلي أن توفي وأوصي إلي رجل من الشيعة مستور فقام مقامه في هذا الامر.

وقد سألونا في هذه الغيبة [7] وقالوا: إذا جاز أن يغيب الامام ثلاثين سنة وما أشبهها فما تنکرون من رفع عينه عن العالم؟ فيقال لهم: في ارتفاع عينه ارتفاع الحجة من الارض وسقوط الشرائع إذا لم يکن لها من يحفظها. وأما إذا استتر الامام للخوف علي نفسه بأمر الله عزوجل وکان له سبب معروف متصل به وکانت الحجة قائمة إذ کانت عينه موجودة في العالم وبابه وسببه معروفان وإنما عدم إفتائه وأمره ونهيه ظاهرا وليس في ذلک بطلان للحجة، ولذلک نظائر قد أقام النبي صلي الله عليه وآله في الشعب مدة طويلة وکان يدعو الناس في أول أمره سرا إلي أن أمن وصارت له فئة وهو في کل ذلک نبي مبعوث مرسل فلم يبطل توقيه وتستره من بعض الناس بدعوته نبوته ولا أدحض ذلک حجته، ثم دخل عليه السلام الغار فأقام فيه فلا يعرف أحد موضعه ولم يبطل ذلک نبوته ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوته وکذلک الامام يجوز أن يحبسه السلطان المدة الطويلة ويمنع من لقائه حتي لا يفتي ولا يعلم ولا يبين، والحجة قائمة ثابتة واجبة وإن لم يفت ولم يبين لانه موجود العين في العالم، ثابت الذات، ولو أن نبيا أو إماما لم يبين ويعلم ويفت [8] لم تبطل نبوته ولا إمامته ولا حجته، ولو ارتفعت ذاته لبطلت



[ صفحه 91]



الحجة، وکذلک يجوز أن يستتر الامام المدة الطويلة إذا خاف ولا تبطل حجة الله عزوجل.

فان قالوا: فکيف يصنع من احتاج إلي أن يسأل عن مسالة؟ قيل له: کما کان يصنع والنبي صلي الله عليه وآله في الغار من جاء إليه ليسلم وليتعلم منه، فان کان ذلک سائغا في الحکمة کان هذا مثله سائغا.

ومن أوضح الادلة علي الامامة أن الله عزوجل جعل آية النبي صلي الله عليه وآله أنه أتي بقصص الانبياء الماضين عليهم السلام وبکل عليم [من] توراة وإنجيل وزبور من غير أن يکون يعلم الکتابة ظاهرا، أو لقي نصرانيا أو يهوديا فکان ذلک أعظم آياته، وقتل الحسين بن علي عليهما السلام وخلف علي بن الحسين عليهما السلام متقارب السن کانت سنة أقل من عشرين سنة، ثم انقبض عن الناس فلم يلق أحدا ولا کان يلقاه إلا خواص أصحابه و کان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلا يسيرا لصعوبة الزمان وجور بني امية ثم ظهر ابنه محمد بن علي المسمي بالباقر عليه السلام لفتقه العلم [9] فأتي من علوم الدين و الکتاب والسنة والسير والمغازي بأمر عظيم، وأتي جعفر بن محمد عليهما السلام من بعده من ذلک بما کثر وظهر وانتشر، فلم يبق فن في فنون العلم إلا أتي فيه بأشياء کثيرة، وفسر القرآن والسنن، ورويت عنه المغزي وأخبار الانبياء من غير أن يري هو وأبوه محمد بن علي أو علي بن الحسين عليهم السلام عند أحد من رواة العامة أو فقهائهم يتعلمون منهم شيئا، وفي ذلک أدل دليل علي أنهم إنما أخذوا ذلک العلم عن النبي صلي الله عليه وآله، ثم عن علي عليه السلام، ثم عن واحد واحد من الائمة، وکذلک جماعة الائمة عليهم السلام هذه سنتهم في العلم [10] يسألون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متفقة من غير أن يتعلموا ذلک من أحد من الناس، فأي دليل أدل من هذا علي إمامتهم وأن النبي صلي الله عليه وآله نصبهم وعلمهم وأودعهم علمه وعلوم الانبياء عليهم السلام قبله، وهل رأينا في العادات



[ صفحه 92]



من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام من غير أن يتعلموا ذلک من أحد من الناس.

فان قال قائل: لعلهم کانوا يتعلمون ذلک سرا، قيل لهم: قد قال مثل ذلک الدهرية في النبي صلي الله عليه وآله أنه کان يتعلم الکتابة ويقرأ الکتاب سرا. وکيف يجوز أن يظن ذلک بمحمد بن علي وجعفر بن محمد بن علي عليهم السلام وأکثر ما أتوا به لا يعرف إلا منهم، ولا سمع من غيرهم.

وقد سألونا فقالوا: ابن الحسن لم يظهر ظهورا تاما للخاصة والعامة فمن أين علمتم وجوده في العالم؟ وهل رأيتموه أو أخبرتکم جماعة (قد) تواترت أخبارها أنها شاهدته وعاينته؟

فيقال لهم: إن أمر الدين کله بالاستدلال يعلم، فنحن عرفنا الله عزوجل بالادلة ولم نشاهده، ولا أخبرنا عنه من شاهده، وعرفنا النبي صلي الله عليه وآله وکونه في العالم بالاخبار، وعرفنا نبوته وصدقه بالاستدلال، وعرفنا أنه استخلف علي بن ـ أبي طالب عليه السلام بالاستدلال، وعرفنا أن النبي صلي الله عليه وآله وسائر الائمة عليهم السلام بعده عالمون بالکتاب والسنة ولا يجوز عليهم في شيء من ذلک الغلط ولا النسيان ولا تعمد الکذب بالاستدلال، وکذلک عرفنا أن الحسن بن علي عليهما السلام إمام مفترض الطاعة، وعلمنا بالاخبار المتواترة عن الائمة الصادقين عليهم السلام أن الامامة لا تکون بعد کونها في الحسن والحسين عليهما السلام إلا في ولد الامام ولا يکون في أخ ولا قرابة، فوجب من ذلک أن الامام لا يمضي إلا أن يخلف من ولده إماما [11] فلما صحت إمامة الحسن عليه السلام وصحت وفاته ثبت أنه قد خلف من ولده إماما، هذا وجه من الدلالة عليه.

ووجه آخر: وهو أن الحسن عليه السلام خلف جماعة من ثقاته ممن يروي [12] عنه الحلال والحرام ويؤدي کتب شيعته وأموالهم ويخرجون الجوابات وکانوا بموضع من الستر [13] والعدالة بتعديله إياهم في حياته، فلما مضي أجمعوا جميعا علي أنه قد خلف



[ صفحه 93]



ولدا هو الامام وأمروا الناس أن لا يسألوا عن اسمه وأن يستروا ذلک من أعدائه، و طلبه السلطان أشد طلب ووکل بالدور والحبالي من جواري الحسن عليه السلام، ثم کانت کتب ابنه الخلف بعده تخرج إلي الشيعة بالامر والنهي علي أيدي رجال أبيه الثقات أکثر من عشرين سنة، ثم انقطعت المکاتبة ومضي أکثر رجال الحسن عليه السلام الذين کانوا شهدوا بأمر الامام بعده وبقي منهم رجل واحد قد أجمعوا علي عدالته وثقته فأمر الناس بالکتمان وأن لا يذيعوا شيئا من أمر الامام، وانقطعت المکاتبة فصح لنا ثبات عين الامام بما ذکرت من الدليل، وبما وصفت عن أصحاب الحسن عليه السلام ورجاله ونقلهم خبره، وصحة غيبته بالاخبار المشهورة في غيبة الامام عليه السلام وأن له غيبتين احديهما أشد من الاخري.

ومذهبنا في غيبة الامام في هذا الوقت لا يشبه مذهب الممطورة [14] في موسي بن جعفر لان موسي مات ظاهرا ورآه الناس ميتا ودفن دفنا مکشوفا ومضي لموته أکثر من مائة سنة وخمسين سنة لا يدعي أحد أنه يراه ولا يکاتبه ولا يراسله، ودعواهم أنه حي فيه إکذاب الحواس التي شاهدته ميتا وقد قام بعده عدة أئمة فأتوا من العلوم بمثل ما أتي به موسي عليه السلام. وليس في دعوانا هذه ـ غيبة الامام ـ إکذاب للحس ولا محال ولا دعوي تنکرها العقول ولا تخرج من العادات وله إلي هذا الوقت من يدعي من شيعته الثقات المستورين أنه باب إليه وسبب يؤدي عنه إلي شيعته أمره ونهيه ولم تطل



[ صفحه 94]



المدة في الغيبة طولا يخرج من عادات من غاب، فالتصديق بالاخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن عليه السلام علي ما شرحت وأنه قد غاب کما جاءت الاخبار في الغيبة فانها جاءت مشهورة متواترة وکانت الشيعة تتوقعها وتترجاها [15] کما ترجون بعد هذا من قيام القائم عليه السلام بالحق وإظهار العدل. ونسأل الله عزوجل توفيقا وصبرا جميلا برحمته.

وقال أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي في نقض کتاب الاشهاد لابي زيد العلوي، قال صاحب الکتاب بعد أشياء کثيرة ذکرها لا منازعة فيها: وقالت الزيدية والمؤتمة: [16] الحجة من ولد فاطمة بقول الرسول المجمع عليه في حجة الوداع، ويوم خرج إلي الصلاة في مرضه الذي توفي فيه: «أيها الناس قد خلفت فيکم کتاب الله وعترتي ألا إنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، ألا وإنکم لن تضلوا ما استمستکم بهما». ثم أکد صاحب الکتاب هذا الخبر وقال فيه قولا لا مخالفة فيه، ثم قال بعد ذلک: إن المؤتمة خالفت الاجماع وادعت الامامة في بطن من العترة ولم توجبها لسائر العترة، [17] ثم لرجل من ذلک البطن في کل عصر.

فأقول ـ وبالله الثقة: إن في قول النبي صلي الله عليه وآله علي ما يقول الامامية دلالة واضحة وذلک أن النبي صلي الله عليه وآله قال: «إني تارک فيکم ما إن تمسکتم به لن تضلوا کتاب الله وعترتي أهل بيتي» دل علي أن الحجة من بعده ليس من العجم ولا من سائر قبايل العرب بل من عترته أهل بيته، ثم قرن قوله بما دل (به) علي مراده فقال: ألا وإنها لن يفترقا حتي يردا علي الحوض «فأعلمنا أن الحجة من عترته لا تفارق الکتاب، و إنا متي تمسکنا بمن لا يفارق الکتاب لن نضل، ومن لا يفارق الکتاب ممن فرض علي الامة أن يتمسکوا به، ويجب في العقول أن يکون عالما بالکتاب مأمونا عليه يعلم ناسخه من منسوخه، وخاصه من عامه، وحتمه من ندبه، ومحکمه من متشابهه



[ صفحه 95]



ليضع کل شيء من ذلک موضعه الذي وضعه الله عزوجل، لا يقدم مؤخرا، ولا يؤخر مقدما. ويجب أن يکون جامعا لعلم الدين کله ليمکن التمسک به والاخذ بقوله فيما اختلفت فيه الامة وتنازعته من تأويل الکتاب والسنة، ولانه إن بقي منه شئ لا يعلمه لم يمکن التمسک به ثم متي کان بهذا المحل أيضا لم يکن مأمونا علي الکتاب، ولم يؤمن أن يغلط فيضع الناسخ منه مکان المنسوخ، والمحکم مکان المتشابه، والندب مکان الحتم، إلي غير ذلک مما يکثر تعداده، وإذا کان (هذا) هکذا صار الحجة والمحجوج سواء، وإذا فسد هذا القول صح ما قالت الامامية من أن الحجة من العترة لا يکون إلا جامعا لعلم الدين معصوما مؤتمنا علي الکتاب، فان وجدت الزيدية في أئمتها من هذه صفته فنحن أول من ينقاد له، وإن تکن الاخري فالحق أولي ما اتبع.

وقال شيخ من الامامية: إنا لم نقل: إن الحجة من ولد فاطمة عليهما السلام قولا مطلقا وقلناه بتقييد وشرائط، ولم نحتج لذلک بهذا الخبر فقط بل احتججنا به و بغيره، فأول ذلک أنا وجدنا النبي صلي الله عليه وآله قد خص من عترته أهل بيته أمير المؤمنين و الحسن والحسين عليهم السلام بما خص به ودل علي جلالة خطرهم وعظم شأنهم وعلو حالهم عند الله عزوجل بما فعله بهم في الموطن بعد الموطن والموقف بعد الموقف مما شهرته تغني عن ذکره بيننا وبين الزيدية، ودل الله تبارک وتعالي علي ما وصفناه من علو شأنهم بقوله: «إنما يريد الله ليذهب عنک الرجس أهل البيت ويطهرکم تطهيرا» [18] و بسورة هل أتي وما يشاکل ذلک، فلما قدم عليه السلام هذه الامور وقرر عند امته أنه ليس في عترته من يتقدمهم في المنزلة والرفعة ولم يکن عليه السلام ممن ينسب إلي المحاباة ولا ممن يولي ويقدم إلا علي الدين علمنا أنهم عليهم السلام نالوا ذلک منه استحقاقا بما خصهم به، فلما قال بعد ذلک کله: «قد خلفت فيکم کتاب الله وعترتي» علمنا أنه عني هؤلاء دون غيرهم لانه لو کان هناک من عترته من له هذه المنزلة لخصه عليه السلام و



[ صفحه 96]



نبه علي مکانه، ودل علي موضعه لئلا يکون فعله بأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام محاباة، وهذا واضح، والحمد لله، ثم دلنا علي أن الامام بعد أمير المؤمنين الحسن باستخلاف أمير المؤمنين عليه السلام إياه واتباع أخيه له طوعا.

وأما قوله: «إن المؤتمة خالفت الاجماع وادعت الامامة في بطن من العترة» فيقال له: ما هذا الاجماع السابق الذي خالفناه فانا لا نعرفه، اللهم إلا أن تجعل مخالفة الامامية للزيدية خروجا من الاجماع، فان کنت إلي هذا تومي فليس يتعذر علي الامامية أن تنسبک إلي مثل ما نسبتها إليه وتدعي عليک من الاجماع مثل الذي ادعيته عليها، وبعد فأنت تقول: إن الامامة لا تجوز [19] إلا لولد الحسن والحسين عليهما السلام فبين لنا لم خصصت ولدهما دون سائر العترة لنبين لک بأحسن من حجتک ما قلناه، وسيأتي البرهان في موضعه إن شاء الله.

ثم قال صاحب الکتاب: وقالت الزيدية: الامامة جائزة للعترة وفيهم لدلالة رسول الله صلي الله عليه وآله عليهم عاما لم يخصص بها بعضا دون بعض، ولقول الله عزوجل لهم دون غيرهم باجماعهم: «ثم أورثنا الکتاب الذين اصطفينا من عبادنا ـ الاية». [20] .

فأقول ـ وبالله التوفيق ـ: قد غلط صاحب الکتاب فيما حکي لان الزيدية إنما تجيز الامامة لولد الحسن والحسين عليهما السلام [21] خاصة، والعترة في اللغة العم و بنو العم، الاقرب فالاقرب، وما عرف أهل اللغة قط ولا حکي عنهم أحد أنهم قالوا: العترة لا تکون إلا ولد الا بنة من ابن العم، هذا شيء تمنته الزيدية وخدعت به أنفسنا وتفردت بادعائه بلا بيان ولا برهان، لان الذي تدعيه ليس في العقل و لا في الکتاب ولا في الخبر ولا في شئ من اللغات وهذه اللغة وهؤلاء أهلها فاسألوهم



[ صفحه 97]



يبين لکم أن العترة في اللغة الاقرب فالاقرب من العم وبني العم.

فان قال صاحب الکتاب: فلم زعمت أن الامامة لا تکون [22] لفلان وولده، وهم من العترة عندک؟

قلنا له: نحن لم نقل هذا قياسا وإنما قلناه اتباعا لما فعله صلي الله عليه وآله بهؤلاء الثلاثة [23] دون غيرهم من العترة ولو فعل بفلان [24] ما فعله بهم لم يکن عندنا إلا السمع والطاعة. وأما قوله: إن الله تبارک وتعالي قال: «ثم أورثنا الکتاب الذين اصطفينا من عبادنا ـ الاية».

فيقال له: قد خالفک خصومک من المعتزلة وغيرهم في تأويل هذه الاية وخالفتک الامامية وأنت تعلم من السابق بالخيرات عند الامامية، وأقل ما کان يجب عليک ـ وقد ألفت کتابک هذا لتبين الحق وتدعو إليه ـ أن تؤيد الدعوي بحجة، فان لم تکن فاقناع، فان لم يکن فترک الاحتجاج [25] بما لم يمکنک أن تبين أنه حجة لک دون خصومک، فان تلاوة القرآن وادعاء تأويله بلا برهان أمر لا يعجز عنه أحد، وقد ادعي خصومنا وخصومک أن قول الله عزوجل: «کنتم خير أمة أخرجت للناس ـ الاية» [26] هم جميع علماء الامة وأن سبيل علماء العترة وسبيل علماء المرجئة سبيل واحد وأن الاجماع لا يتم والحجة لا تثبت بعلم العترة فهل بينک وبينها فصل؟ وهل تقنع منها بما ادعت أو تسألها البرهان؟ فان قال: بل أسألها البرهان، قيل له: فهات برهانک أولا علي أن المعني بهذه الاية التي تلوتها هم العترة، وأن العترة هم الذرية وأن الذرية هم ولد الحسن والحسين عليهما السلام دون غيرهم من ولد جعفر وغيره ممن



[ صفحه 98]



امهاتهم فاطميات.

ثم قال: ويقال للمؤتمة: ما دليلکم علي إيجاب الامامة لواحد دون الجميع وحظرها علي الجميع، فان اعتلوا بالوراثة والوصية، قيل لهم: هذه المغيرية [27] تدعي الامامة لولد الحسن ثم في بطن من ولد الحسن بن الحسن في کل عصر وزمان بالوراثة والوصية من أبيه وخالفوکم بعد فيما تدعون کما خالفتم غيرکم فيما يدعي.

فأقول ـ وبالله الثقة ـ: الدليل علي أن الامامة لا تکون إلا لواحد أن الامام لا يکون إلا الافضل والافضل يکون علي وجهين: إما أن يکون أفضل من الجميع أو أفضل من کل واحد من الجميع، فکيف کانت القصة فليس يکون الافضل إلا واحدا لانه من المحال أن يکون أفضل من جميع الامة أو من کل واحد من الامة وفي الامة من هو أفضل منه، فلما لم يجز هذا وصح بدليل تعترف الزيدية بصحته أن الامام لا يکون إلا الافضل صح أنها لا تکون إلا لواحد في کل عصر، والفصل فيما بيننا وبين المغيرية سهل واضح قريب والمنة لله، وهو أن النبي صلي الله عليه آله دل علي الحسن والحسين عليهما السلام دلالة بينة وبان بهما من سائر العترة بما خصهما به مما ذکرناه ووصفناه، فلما



[ صفحه 99]



مضي الحسن کان الحسين أحق وأولي بدلالة الحسن لدلالة الرسول صلي الله عليه وآله عليه واختصاصه إياه وإشارته إليه، فلو کان الحسن أوصي بالامامة إلي ابنه لکان مخالفا للرسول صلي الله عليه وآله وحاشا له من ذلک، وبعد فلسنا نشک ولا نرتاب في أن الحسين عليه السلام أفضل من الحسن ابن الحسن بن علي والافضل هو الامام علي الحقيقة عندنا وعند الزيدية، فقد تبين لنا بما وصفنا کذب المغيرية وانتقض الاصل الذي بنوا عليه مقالتهم، ونحن لم نخص علي بن الحسين بن علي عليهم السلام بما خصصناه به محاباة، ولا قلدنا في ذلک أحدا، ولکن الاخبار قرعت سمعنا فيه بما لم تقرع في الحسن بن الحسن. ودلنا علي أنه أعلم منه ما نقل [28] من علم الحلال والحرام عنه، وعن الخلف من بعده، وعن أبي عبد الله عليه السلام، ولم نسمع للحسن بن الحسن بشيء يمکننا أن نقابل بينه وبين من سمعناه من علم علي بن الحسين عليهما السلام، والعالم بالدين أحق بالامامة ممن لا علم له، فان کنتم يا معشر الزيدية عرفتم للحسن بن الحسن علما بالحلال و الحرام فأظهروه وإن لم تعرفوا له ذلک فتفکروا في قول الله عزوجل «أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لکم کيف تحکمون»، [29] فلسنا ندفع الحسن بن الحسن عن فضل وتقدم وطهارة وزکاة وعدالة، والامامة لا يتم أمرها إلا بالعلم بالدين والمعرفة بأحکام رب العالمين وبتأويل کتابه، وما رأينا إلي يومنا هذا ولا سمعنا بأحد قالت الزيدية بامامته إلا وهو يقول في التأويل ـ أعني تأويل القرآن ـ علي الاستخراج وفي الاحکام علي الاجتهاد والقياس، وليس يمکن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط، [30] لان ذلک کان ممکنا لو کان القرآن إنما أنزل بلغة واحدة وکان علماء أهل تلک اللغة يعرفون المراد، فأما القرآن قد نزل بلغات کثيرة، وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلا بتوقيف مثل الصلاة والزکاة والحج [31] وما في هذا الباب منه،



[ صفحه 100]



وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلا بتوقيف مما نعلم وتعلمون أن المراد منه إنما عرف بالتوقيف دون غيره، فليس يجوز حمله علي اللغة لانک تحتاج أولا أن تعلم أن الکلام الذي تريد أن تتأوله ليس فيه توقيف أصلا، لا في جمله ولا في تفصيله.

فان قال منهم قائل: لم ينکر أن يکون ما کان سبيله أن يعرف بالتوقيف فقد وقف الله رسوله صلي الله عليه وآله، وما کان سبيله أن يستخرج فقد وکل إلي العلماء وجعل بعض القرآن دليلا علي بعض فاستغنينا بذلک عما تدعون من التوقيف والموقف.

قيل له: لا يجوز أن يکون ذلک علي ما وصفتم لانا نجد للاية الواحدة تأويلين متضادين کل واحد منهما يجوز في اللغة ويحسن أن يتعبد الله به، وليس يجوز أن يکون للمتکلم الحکيم کلام يحتمل مرادين متضادين.

فان قال: ما ينکر أن يکون في القرآن دلالة علي أحد المرادين وأن يکون العلماء بالقرآن متي تدبروه علموا المراد بعينه دون غيره.

فيقال للمعترض بذلک: أنکرنا هذا الذي وصفته لامر نخبرک به: ليس تخلو تلک الدلالة التي في القرآن علي أحد المرادين من أن تکون محتملة للتأويل أو غير محتملة فان کانت محتملة للتأويل فالقول فيها کالقول في هذه الاية وإن کانت لا تحتمل التأويل فهي إذا توقيف ونص علي المراد بعينه ويجب أن لا يشکل علي أحد علم اللغة معرفة المراد، وهذا ما لا تنکره العقول، وهو من فعل الحکيم جائز حسن، ولکنا إذا تدبرنا آي القرآن لم نجد هکذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائما بين أهل العلم بالدين و اللغة، ولو کان هناک آيات تفسر آيات تفسيرا لا يحتمل التأويل لکان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين، ولامکن کشف أمرهم بأهون السعي، ولکان من تأول الاية خارجا من اللغة ومن لسان أهلها، لان الکلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته علي ما لا يحتمله خرجت عن اللغة التي وقع الخطاب بها، فدلونا يا معشر الزيدية علي آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدل نصا و توقيفا علي تأويلها، وهذا أمر متعذر وفي تعذره دليل علي أنه لا بد للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالي فيخبر به، وهذا عندي واضح.



[ صفحه 101]



ثم قال صاحب الکتاب: وهذه الخطابية يدعي الامامة لجعفر بن محمد من أبيه عليهما السلام بالوراثة والوصية، ويقفون علي رجعته، ويخالفون کل من قال بالامامة و يزعمون أنکم وافقتموهم في إمامة جعفر عليه السلام وخالفوکم فيمن سواه.

فأقول ـ وبالله الثقة ـ: ليس تصح الامامة بموافقة موافق ولا مخالفة مخالف وإنما تصح بأدلة الحق وبراهينه وأحسب أن صاحب الکتاب غلط والخطابية قوم غلاة، وليس بين الغلو والامامة [32] نسبة، فان قال: فاني أردت الفرقة التي وقفت عليه [33] قيل له: فيقال لتلک الفرقة: نعلم أن الامام بعد جعفر موسي بمثل ما علمتم أنتم به أن الامام بعد محمد بن علي جعفر، ونعلم أن جعفرا مات کما نعلم أن أباه مات والفصل بيننا وبينکم هو الفصل بينکم وبين السبائية والواقفة علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فقولوا کيف شئتم. [34] .

ويقال لصاحب الکتاب: وأنت فما الفصل بينک وبين من اختار الامامة لولد العباس وجعفر وعقيل أعني لاهل العلم والفضل منهم واحتج باللغة في أنهم من عترة الرسول، وقال: إن الرسول صلي الله عليه وآله عم جميع العترة ولم يخص إلا ثلاثة [35] هم أمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم عرفناه وبين لنا.

ثم قال صاحب الکتاب: وهذه الشمطية تدعي إمامة عبد الله بن جعفر بن محمد من أبيه [36] بالوراثة والوصية وهذه الفطحية تدعي إمامة إسماعيل بن جعفر [37] عن



[ صفحه 102]



أبيه بالوراثة والوصية، وقبل ذلک (إن‍) ـ ما قالوا بامامة عبد الله بن جعفر ويسمون اليوم إسماعيلية لانه لم يبق للقائلين بامامة عبد الله بن جعفر خلف ولا بقية، وفرقة من الفطحية يقال لهم: القرامطة [38] قالوا بامامه محمد بن إسماعيل بن جعفر بالوراثة والوصية. وهذه الواقفة علي موسي بن جعفر تدعي الامامة لموسي وترتقب لرجعته.

وأقول: الفرق بيننا وبين هؤلاء سهل واضح قريب:

أما الفطحية فالحجة عليها أوضح من أن تخفي لان إسماعيل مات قبل أبي عبد الله عليه السلام، والميت لا يکون خليفة الحي، وإنما يکون الحي خليفة الميت، ولکن القوم عملوا علي تقليد الرؤساء وأعرضوا عن الحجة وما في بابها. وهذا أمر لا يحتاج فيه علي إکثار لانه ظاهر الفساد، بين الانتقاد.

وأما القرامطة فقد نقضت الاسلام حرفا حرفا، لانها أبطلت أعمال الشريعة و جاءت بکل سوفسطائية، وإن الامام إنما يحتاج إليه للدين وإقامة حکم الشريعة فإذا جاءت القرامطة تدعي أن جعفر بن محمد أو وصيه استخلف رجلا دعا إلي نقض الاسلام والشريعة والخروج عما عليه طبايع الامة لم نحتج في معرفة کذبهم إلي أکثر من دعواهم المتناقض الفاسد الرکيک.



[ صفحه 103]



وأما الفصل بيننا وبين سائر الفرق فهو أن لنا نقله أخبار وحملة آثار قد طبقوا البلدان کثرة، ونقلوا عن جعفر بن محمد عليهما السلام من علم الحلال والحرام ما يعلم بالعادة الجارية والتجربة الصحيحة أن ذلک کله لا يجوز أن يکون کذبا مولدا، وحکوا مع نقل ذلک عن أسلافهم أن أبا عبد الله عليه السلام أوصي بالامامة إلي موسي عليه السلام، ثم نقل إلينا من فضل موسي عليه السلام وعلمه ما هو معروف عند نقله الاخبار، ولم نسمع لهؤلاء بأکثر من الدعوي وليس سبيل التواتر وأهله سبيل الشذوذ وأهله، فتأملوا الاخبار الصادقة تعرفوا بها فصل ما بين موسي عليه السلام ومحمد وعبد الله بني جعفر، وتعالوا نمتحن هذا الامر بخمس مسائل من الحلال والحرام مما قد أجاب فيه موسي عليه السلام فان وجدنا لهذين فيه جوابا عند أحد من القائلين بامامتهما فالقول کما يقولون، وقد روت الامامية أن عبد الله بن جعفر سئل کم في مائتي درهم؟ قال: خمسة دراهم، قيل له: وکم في مائة درهم؟ فقال: درهمان ونصف. [39] .

ولو أن معترضا اعترض علي الاسلام وأهله فادعي أن ههنا من قد عارض القرآن [40] وسألنا أن نفصل بين تلک المعارضة والقرآن، لقلنا له: أما القرآن فظاهر، فأظهر تلک المعارضة حتي نفصل بينها وبين القرآن. وهکذا نقول لهذه الفرق، أما أخبارنا فهي مروية محفوظة عند أهل الامصار من علماء الامامية فأظهروا تلک الاخبار التي تدعونها حتي نفصل بينها وبين أخبارنا، فأما أن تدعوا خبرا لم يسمعه سامع ولاعرفه أحد ثم تسألونا الفصل بين (هذا) الخبر فهذا مالا يعجز عن دعوي مثله أحد، ولو أبطل مثل هذه الدعوي أخبار أهل الحق من الامامية لابطل مثل هذه الدعوي من البراهمة أخبار المسلمين، وهذه واضح ولله المنة.

وقد ادعت الثنوية أن ماني أقام المعجزات وأن لهم خبرا يدل علي صدقهم،



[ صفحه 104]



فقال لهم الموحدون: هذه دعوي لا يعجز عنها أحد فأظهروا الخبر لندلکم علي أنه لا يقطع عذرا ولا يوجب حجة، وهذا شبيه بجوابنا لصاحب الکتاب.

ويقال لصاحب الکتاب: قد ادعت البکرية والاباضية [41] أن النبي صلي الله عليه وآله نص علي أبي بکر وأنکرت أنت ذلک کما أنکرنا نحن أن أبا عبد الله عليه السلام أوصي إلي هذين، فبين لنا حجتک ودلنا علي الفصل بينک وبين البکرية والاباضية لندلک بمثله علي الفصل بيننا وبين من سميت.

ويقال لصاحب الکتاب: أنت رجل تدعي أن جعفر بن محمد کان علي مذهب الزيدية وأنه لم يدع الامامة من الجهة التي تذکرها الامامية وقد ادعي القائلون بامامة محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد خلاف ما تدعيه أنت وأصحابک ويذکرون أن أسلافهم رووا ذلک عنه فعرفنا الفصل بينکم وبينهم لنأتيک بأحسن منه، وأنصف من نفسک فإنه أولي بک.

وفرق آخر: وهو أن أصحاب محمد بن جعفر وعبد الله بن جعفر معترفون بأن الحسين نص علي علي وأن عليا نص محمد وأن محمد انص علي جعفر ودليلنا أن جعفرا نص علي موسي عليهم السلام هو بعينه دون غيره دليل هؤلاء علي أن الحسين نص علي علي، وبعد فان الامام إذا کان ظاهرا واختلف إليه [42] شيعته ظهر علمه وتبين معرفته بالدين، ووجدنا رواة الاخبار وحملة الاثار قد نقلوا عن موسي من علم الحلال والحرام ما هو مدون مشهور، وظهر من فضله في نفسه ما هو بين عند الخاصة والعامة وهذه هي أمارات الامامة فلما وجدناها لموسي دون غيره علمنا أنه الامام بعد أبيه دون أخيه.

وشيء آخر: وهو أن عبد الله بن جعفر مات ولم يعقب ذکرا ولا نص علي أحد فرجع القائلون بامامته عنها إلي القول بامامة موسي عليه السلام والفصل بعد ذلک بين أخبارنا وأخبارهم هو أن الاخبار لا توجب العلم حتي يکون في طرقه وواسطته قوم يقطعون



[ صفحه 105]



العذر إذا أخبروا، ولسنا نشاح [43] هؤلاء في أسلافهم بل نقتصر علي أن يوجدونا في دهرنا من حملة الاخبار ورواة الاثار ممن يذهب مذهبهم عددا يتواتر بهم الخبر کما نوجدهم نحن ذلک، فان قدروا علي هذا فليظهروه، وإن عجزوا فقد وضح الفرق بيننا وبينهم في الطرف الذي يلينا ويليهم [44] وما بعد ذلک موهوب لهم وهذا واضح والحمد لله.

وأما الواقفة علي موسي عليه السلام فسبيلهم سبيل الواقفة علي أبي عبد الله عليه السلام، ونحن فلم نشاهد موت أحد من السلف وإنما صح موتهم عندنا بالخبر فان وقف واقف علي بعضهم سألناه الفصل بينه وبين من وقف علي سائرهم وهذا مالا حيلة لهم فيه.

ثم قال صاحب الکتاب: ومنهم فرقة قطعت علي موسي وائتموا بعده بابنه علي ابن موسي عليهما السلام دون سائر ولد موسي عليه السلام وزعموا أنه استحقها بالوراثة والوصية، ثم في ولده حتي انتهوا إلي الحسن بن علي عليهما السلام فادعوا له ولدا وسموه الخلف الصالح فمات قبل أبيه، [45] ثم إنهم رجعوا إلي أخيه الحسن وبطل في محمد ما کانوا توهموا ـ وقالوا: بدا لله من محمد إلي الحسن کما بدا له من إسماعيل بن جعفر إلي موسي و قد مات إسماعيل في حياة جعفر ـ إلي أن مات الحسن بن علي في سنة ثلاث وستين ومأتين فرجع بعض أصحابه إلي إمامة جعفر بن علي، کما رجع أصحاب محمد بن ـ علي بعد وفاة محمد إلي الحسن، وزعم بعضهم أن جعفر بن علي استحق الامامة من أبيه علي بن محمد بالوراثة والوصية دون أخيه الحسن، ثم نقلوها في ولد جعفر بالوراثة والوصية، وکل هذه الفرق يتشاحون علي الامامة ويکفر بعضهم بعضا، ويکذب بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من إمامة بعض، وتدعي کل فرقة الامامة لصاحبها بالوراثة والوصية وأشياء من علوم الغيب، الخرافات أحسن منها ولا دليل لکل فرقة فيما تدعي وتخالف الباقين غير الوراثة والوصية، دليلهم شهادتهم لانفسهم



[ صفحه 106]



دون غيرهم قولا بلا حقيقة ودعوي بلا دليل، فإن کان ههنا دليل فيما يدعي کل طائفة غير الوراثة والوصية وجب إقامته وإن لم يکن غير الدعوي للامامة بالوراثة والوصية فقد بطلت الامامة لکثرة من يدعيها بالوراثة والوصية ولا سبيل إلي قبول دعوي طائفة دون الاخري إن کانت الدعوي واحدة، ولا سيما وهم في إکذاب بعضهم بعضا مجتمعون، وفيما يدعي کل فرقة منهم منفردون.

فأقول ـ والله الموفق للصواب ـ: لو کانت الامامة تبطل لکثرة من يدعيها لکان سبيل النبوة سبيلها، لانا نعلم أن خلقا قد ادعاها، وقد حکي صاحب الکتاب عن الامامية حکايات مضطربة وأوهم أن تلک مقالة الکل وأنه ليس فيهم إلا من يقول بالبداء.

ومن قال: إن الله يبدو له من إحداث رأي وعلم مستفاد فهو کافر بالله. وما کان غير هذا فهو قول المغيرية، ومن ينحل للائمة علم الغيب. فهذا کفر بالله، وخروج عن الاسلام عندنا.

وأقل ما کان يجب عليه أن يذکر مقالة أهل الحق، وأن لا يقتصر علي أن القوم اختلفوا حتي يدل علي أن القول بالامامة فاسد.

وبعد فان الامام عندنا يعرف من وجوه سنذکرها ثم نعتبر ما يقول هؤلاء، فان لم نجد بيننا وبينهم فصلا حکمنا بفساد المذهب، ثم عدنا نسأل صاحب الکتاب عن أن أي قول هو الحق من بين الاقاويل:

أما قوله: «إن منهم فرقة قطعت علي موسي وائتموا بعده بابنه علي بن موسي» فهو قول رجل لا يعرف أخبار الامامية [46] لان کل الامامية ـ إلا شرذمة وقفت وشذوذ قالوا بامامة إسماعيل وعبد الله بن جعفر ـ قالوا بامامة علي بن موسي ورووا فيه ما هو مدون في الکتب، وما يذکر من حملة الاخبار ونقلة الاثار خمسة مالوا إلي هذه المذاهب في أول حدوث الحادث، وإنما کثر من کثر منهم بعد، فکيف استحسن صاحب



[ صفحه 107]



الکتاب أن يقول: «ومنهم فرقة قطعت علي موسي»؟ وأعجب من هذا قوله «حتي انتهوا إلي الحسن فادعوا له ابنا» وقد کانوا في حياة علي بن محمد وسموا للامامة ابنه محمدا إلا طائفة من أصحاب فارس بن حاتم، وليس يحسن بالعاقل أن يشنع علي خصمة بالباطل الذي لا أصل له.

والذي يدل علي فساد قول القائلين بامامة محمد هو بعينه ما وصفناه في باب إسماعيل ابن جعفر لان القصة واحدة وکل واحد منهما مات قبل أبيه، ومن المحال أن يستخلف الحي الميت ويوصي إليه بالامامة، وهذا أبين فسادا من أن يحتاج في کسره إلي کثرة القول.

والفصل بيننا وبين القائلين بامامة جعفر أن حکاية القائلين بامامته عنه اختلفت وتضادت لان منهم ومنا من حکي عنه أنه قال: «إني إمام بعد أخي محمد» ومنهم من حکي عنه أنه قال: «إني إمام بعد أخي الحسن» ومنهم من قال: إنه قال: «إني إمام بعد أبي علي بن محمد».

وهذه أخبار کما تري يکذب بعضها بعضا، وخبرنا في أبي الحسن بن علي خبر متواتر لا يتناقض وهذا فصل بين، ثم ظهر لنا من جعفر ما دلنا علي أنه جاهل، بأحکام الله عزوجل وهو أنه جاء يطالب أم أبي محمد بالميراث وفي حکم آبائه «أن الاخ لا يرث مع الام» فإذا کان جعفر لا يحسن هذا المقدار من الفقه حتي تبين فيه نقصه وجهله، کيف يکون إماما؟ وإنما تعبدنا الله بالظاهر من هذه الامور ولو شئنا أن نقول لقلنا وفيما ذکرناه کفاية ودلالة علي أن جعفرا ليس بامام.

وأما قوله: «إنهم ادعوا للحسن ولدا» فالقوم لم يدعوا ذلک إلا بعد أن نقل إليهم أسلافهم حاله وغيبته وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث، وهذه کتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر.

وأما قوله: «إن کل هذه الفرق يتشاحون [47] ويکفر بعضهم بعضا» فقد صدق



[ صفحه 108]



في حکايته وحال المسلمين في تکفير بعضهم بعضا هذه الحال، فليقل کيف أحب، وليطعن کيف شاء، فان البراهمة تتعلق به فتطعن بمثله في الاسلام من سأل خصمه عن مسألة يريد بها نقض مذهبه إذا ردت عليه کان فيها من نقض مذهبه مثل الذي قدر أن يلزمه خصمه، فإنما هو رجل يسأل نفسه وينقض قوله، وهذه قصة صاحب الکتاب، و النبوة أصل والامامة فرع فإذا أقر صاحب الکتاب بالاصل لم يحسن به أن يطعن في الفرع بما رجع علي الاصل والله المستعان.

ثم قال: ولو جازت الامامة بالوراثة والوصية لمن يدعي له بلا دليل متفق عليه لکانت المغيرية أحق بها للاجماع الکل معها علي إمامة الحسن بن علي الذي هو أصلها المستحق للامامة من أبيه بالوراثة والوصية وامتناعها بعد اجماع الکل معها علي إمامة الحسن من إجازتها لغيره.

هذا مع اختلاف المؤتمة في دينهم، منهم من يقول بالجسم، ومنهم من يقول بالتناسخ. ومنهم من تجرد التوحيد ومنهم من يقول بالعدل ويثبت الوعيد، ومنهم من يقول بالقدر ويبطل الوعيد. ومنهم من يقول بالرؤية، ومنهم من ينفيها مع القول بالبداء، وأشياء يطول الکتاب بشرحها، يکفر بها بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من دين بعض ولکل فرقة من هذه الفرق بزعمها رجال ثقات عند أنفسهم، أدوا إليهم عن أئمتهم ما هم متمسکون به.

ثم قال صاحب الکتاب: وإذا جاز کذا جاز کذا، شيء لا يجوز عندنا ولم نأت بأکثر من الحکاية، فلا معني لتطويل الکتاب بذکر ما ليس فيه حجة ولا فائدة.

فأقول ـ وبالله الثقة لو کان الحق لا يثبت إلا بدليل متفق عليه ما صح حق أبدا ولکان أول مذهب يبطل مذهب الزيدية لان دليلها ليس بمتفق عليه، وأما ما حکاه عن المغيرية فهو شئ أخذته عن اليهود لانها تحتج أبدا باجماعنا وإياهم علي نبوة موسي عليه السلام ومخالفتهم إينا في نبوة محمد صلي الله عليه وآله.

وأما تعييره إيانا بالاختلاف في المذاهب وبأنه کل فرقة منا تروي ما تدين به عن أمامها، فهو مأخوذ من البراهمة لانها تطعن به ـ بعينه دون غيره ـ علي الاسلام



[ صفحه 109]



ولولا الاشفاق من أن يتعلق بعض هؤلاء المجان [48] بما أحکيه عنهم لقلت کما يقولون. والامامة ـ أسعدکم الله ـ إنما تصح عندنا بالنص وظهور الفضل والعلم بالدين مع الاعراض عن القياس والاجتهاد في الفرائض السمعية وفي فروعها ومن هذا الوجه عرفنا إمامة الامام، وسنقول في اختلاف الشيعة قولا مقنعا.

قال صاحب الکتاب: ثم لم يخل اختلافهم من أن يکون مولدا من أنفسهم أو من عند الناقلين إليهم أو من عند أئمتهم، فان کان اختلافهم من قبل أئمتهم فالامام من جمع الکلمة، لا من کان سببا للاختلاف بين الامة لاسيما وهم أولياؤه دون أعدائه، ومن لا تقية بينهم وبينه، وما الفرق بين المؤتمة والامة إذ کانوا [49] مع أئمتهم وحجج الله عليهم في أکثر ما عابوا علي الامة التي لا إمام لها من المخالفة في الدين وإکفار بعضهم بعضا، وإن يکن اختلافهم من قبل الناقلين إليهم دينهم فما يؤمنهم من أن يکون هذا سبيلهم معهم فيما ألقوا إليه من الامامة، لا سيما إذا کان المدعي له الامامة معدوم العين غير مرئي الشخص، وهو حجة عليهم فيما يدعون لامامهم من علم الغيب إذا کان خيرته والتراجمة بينه وبين شيعته کذا بين يکذبون عليه، ولا علم له بهم، وإن يکن اختلاف المؤتمة في دينها من قبل أنفسها دون أئمتها فما حاجة المؤتمة إلي الائمة إذ کانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم ولا ينهاهم وهو التراجمان لهم من الله والحجة عليهم؟ هذا أيضا من أدل الدليل علي عدمه وما يدعي من علم الغيب له، لانه لو کان موجودا لم يسعه ترک البيان لشيعته کما قال الله عزوجل: «وما أنزلنا عليک الکتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ـ الاية» [50] فکما بين الرسول صلي الله عليه وآله لامته وجب علي الامام مثله لشيعته.

فأقول ـ وبالله الثقة ـ: إن اختلاف الامامية إنما هو من قبل کذا بين دلسوا



[ صفحه 110]



أنفسهم فيهم في الوقت بعد الوقت، والزمان بعد الزمان، حتي عظم البلاء، وکان أسلافهم قوم يرجعون إلي ورع واجتهاد وسلامة ناحية، ولم يکونوا أصحاب نظر و تميز فکانوا إذا رأوا رجلا مستورا يروي خبرا أحسنوا به الظن وقبلوه، فلما کثر هذا وظهر شکوا إلي أئمتهم فأمرهم الائمة عليهم السلام بأن يأخذوا بما يجمع عليه فلم يفعلوا وجروا علي عادتهم، فکانت الخيانة من قبلهم لامن قبل أئمتهم، والامام أيضا لم يقف علي کل هذه التخاليط التي رويت لانه لا يعلم الغيب، [51] وإنما هو عبد صالح يعلم الکتاب والسنة، ويعلم من أخبار شيعته ما ينهي إليه.

وأما قوله «فما يؤمنهم أن يکون هذا سبيلهم فيما ألقوا إليهم من أمر الامامة» فإن الفصل بين ذلک أن الامامة تنقل إليهم بالتواتر، والتواتر لا ينکشف عن کذب وهذه الاخبار فکل واحد منها إنما خبر واحد لا يوجب خبره العلم وخبر الواحد قد يصدق ويکذب وليس هذا سبيل التواتر. هذا جوابنا وکل ما أتي به سوي هذا فهو ساقط.

ثم يقال له: أخبرنا عن اختلاف الامة هل تخلوا من الاقسام التي قسمتها؟ فإذا قال: لا، قيل له: أفليس الرسول إنما بعث لجمع الکلمة؟ فلابد من نعم، فيقال له: أو ليس قد قال الله عزوجل: «وما أنزلنا عليک الکتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه»؟ فلابد من نعم، فيقال له: فهل بين؟ فلابد من نعم، فيقال له: فما سبب الاختلاف عرفناه واقنع منا بمثله.

وأما قوله: «فما حاجة المؤتمة إلي الائمة إذ کانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم لا ينهاهم ـ إلي آخر الفصل» فيقال له: أولي الاشياء بأهل الدين الانصاف أي قول قلناه؟ وأومأنا به إلي أنا بأنفسنا مستغنين حتي يقرعنا به صاحب الکتاب ويحتج علينا أو أي حجة توجهت له علينا توجب ما أوجبه؟ ومن لم يبال بأي شيء قابل خصومه کثرت مسائله وجواباته.



[ صفحه 111]



وأما قوله: «وهذا من أدل دليل علي عدمه لانه لو کان موجودا لم يسعه ترک البيان لشيعته کما قال الله عزوجل: «وما أنزلنا عليک الکتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه» فيقال لصاحب الکتاب: أخبرنا عن العترة الهادية يسعهم أن لا يبينوا للامة الحق کله؟ فان قال: نعم حج نفسه وعاد کلامه وبالا عليه لان الامة قد اختلفت وتباينت وکفر بعضها بعضا، فان قال: لا، قيل: هذا من أدل دليل علي عدم العترة وفساد ما تدعيه الزيدية لان العترة لو کانوا کما تصف الزيدية لبينوا للامة ولم يسعهم السکوت والامساک، کما قال الله عزوجل: «وما أنزلنا عليک الکتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه» فان ادعي أن العترة قد بينوا الحق للامة غير أن الامة لم تقبل ومالت إلي الهوي، قيل له: هذا بعينه قول الامامية في الامام و شيعته. ونسأل الله التوفيق.

ثم قال صاحب الکتاب: ويقال لهم (لم) استتر إمامکم عن مستر شده؟ فان قالوا: تقية علي نفسه، قيل لهم: فالمسترشد أيضا يجوز له أن يکون في تقية من طلبه لاسيما إذا کان المسترشد يخاف ويرجو ولا يعلم ما يکون قبل کونه فهو في تقية، وإذا جازت التقية للامام فهي للمأموم أجوز، وما بال الامام في تقية من أرشادهم وليس هو في تقية من تناول أموالهم والله يقول: «اتبعوا من لا يسئلکم أجرا ـ الاية» [52] وقال: إن کثيرا من الاحبار والرهبان ليأکلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله» [53] فهذا مما يدل علي أن أهل الباطل عرض الدنيا يطلبون، والذين يتمسکون بالکتاب لا يسألون الناس أجرا وهم مهتدون. ثم قال: وإن قالوا کذا قيل کذا فشيء لا يقوله إلا جاهل منقوص.

والجواب عما سأل: أن الامام لم يستتر عن مسترشده إنما استتر خوفا علي نفسه من الظالمين. فأما قوله: «فإذا جازت التقية للامام فهي للمأموم أجوز» فيقال له: إن کنت تريد أن المأموم يجوز له أن يتقي من الظالم ويهرب عنه متي خاف علي نفسه



[ صفحه 112]



کما جاز للامام فهذا لعمري جائز، وإن کنت تريد أن المأموم يجوز له أن لا يعتقد إمامة الامام للتقية فذلک لا يجوز إذا قرعت الاخبار سمعه وقطعت عذره، لان الخبر الصحيح يقوم مقام العيان وليس علي القلوب تقية، ولا يعلم ما فيها إلا الله.

وأما قوله: «وما بال الامام في تقية من إرشادهم وليس في تقية من تناول أموالهم والله يقول: «اتبعوا من لا يسئلکم أجرا» فالجواب عن ذلک إلي آخر الفصل يقال له: إن الامام ليس في تقية من إرشاد من يريد الارشاد وکيف يکون في تقية وقد بين لهم الحق وحثهم عليه، ودعاهم إليه، وعلمهم الحلال والحرام حتي شهروا بذلک وعرفوا به، وليس يتناول أموالهم وإنما يسألهم الخمس الذي فرضه الله عز وجل ليضعه حيث أمر أن يضعه، والذي جاء بالخمس هو الرسول وقد نطق القرآن بذلک قال الله عزوجل: «واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ـ الاية» [54] وقال: «خذ من أموالهم صدقة ـ الاية» [55] فان کان في أخذ المال عيب أو طعن فهو علي من ابتدأ به. والله المستعان.

ويقال لصاحب الکتاب: أخبرنا عن الامام منکم إذا خرج وغلب هل يأخذ الخمس وهل يجبي الخراج [56] وهل يأخذ الحق من الفيء والمغنم والمعادن وما أشبه ذلک؟ فان قال: لا فقد خالف حکم الاسلام وإن قال: نعم، قيل له: فان احتج عليه رجل مثلک بقول الله عزوجل: «اتبعوا من لا يسئلکم أجرا» وبقوله: «إن. کثيرا من الاحبار والرهبان ـ الاية» بأي شيء تجيبه حتي تجيبک الامامية بمثله، و هذا وفقکم الله شيء کان الملحدون يطعنون به علي المسلمين وما أدري من دلسه لهؤلاء. واعلم ـ علمک الله الخير وجعلک من أهله ـ إنما يعمل بالکتاب والسنة ولا يخالفهما، فان أمکن خصومنا أن يدلونا علي أنه خالف في أخذ ما أخذ الکتاب والسنة فلعمري أن الحجة واضحة لهم، وإن لم يمکنهم ذلک فليعلموا أنه ليس في العمل



[ صفحه 113]



بما يوافق الکتاب والسنة عيب، وهذا بين.

ثم قال صاحب الکتاب: ويقال لهم: نحن لا نجيز الامامة لمن لا يعرف فهل توجدونا سبيلا إلي معرفة صاحبکم الذي تدعون حتي نجيز له الامامة کما نجوز للموجودين من سائر العترة وإلا فلا سبيل إلي تجويز الامامة للمعدومين، وکل من لم يکن موجودا فهو معدوم، وقد بطل تجويز الامامة لمن تدعون.

فأقول ـ وبالله أستعين ـ: يقال لصاحب الکتاب: هل تشک في وجود علي بن ـ الحسين وولده عليهم السلام الذين نأتم بهم؟ فإذا قال: لا، قيل له: فهل يجوز أن يکونوا أئمة؟ فان قال: نعم، قيل له: فأنت لا تدري لعلنا علي صواب في اعتقاد إمامتهم وأنت علي خطأ وکفي بهذا حجة عليک، وإن قال: لا، قيل له: فما ينفع من إقامة الدليل علي وجود إمامنا؟ وأنت لا تعترف بامامة مثل علي بن الحسين عليهما السلام مع محله من العلم والفضل عند المخالف والموافق، ثم يقال له: إنا إنما علمنا أن في العترة من يعلم التأويل ويعرف الاحکام بخبر النبي صلي الله عليه وآله الذي قدمناه، وبحاجتنا إلي من يعرفنا المراد من القرآن ومن يفصل بين أحکام الله وأحکام الشيطان، ثم علمنا أن الحق في هذه الطائفة من ولد الحسين عليهم السلام لما رأينا کل من خالفهم من العترة يعتمد في الحکم والتأويل علي ما يعتمد عليه علماء العامة من الرأي والاجتهاد والقياس في الفرائض السمعية التي لا علة في التعبد بها إلا المصلحة فعلمنا بذلک أن المخالفين لهم مبطلون. ثم ظهر لنا من علم هذه الطائفة بالحلال والحرام والاحکام ما لم يظهر من غيرهم، ثم ما زالت الاخبار ترد بنص واحد علي آخر حتي بلغ الحسن بن علي عليهما السلام فلما مات ولم يظهر النص والخلف بعده رجعنا إلي الکتب التي کان أسلافنا رووها قبل الغيبة فوجدنا فيها ما يدل علي أمر الخلف من بعد الحسن عليه السلام وأنه يغيب عن الناس ويخفي شخصه، وأن الشيعة تختلف وأن الناس يقعون في حيرة من أمره، فعلمنا أن أسلافنا لم يعلموا الغيب وأن الائمة أعلموهم ذلک بخبر الرسول، فصح عندنا من هذا الوجه بهذه الدلالة کونه ووجوده وغيبته، فان کان ههنا حجة تدفع ما قلناه فلتظهرها الزيدية، فما بيننا وبين الحق معاندة، والشکر لله.



[ صفحه 114]



ثم رجع صاحب الکتاب إلي أن يعارضنا بما تدعيه الواقفة علي موسي بن جعفر ونحن [57] فلم نقف علي أحد ونسأل الفصل بين الواقفين، وقد بينا أنا علمنا أن موسي عليه السلام قد مات بمثل ما علمنا أن جعفرا مات وأن الشک في موت أحدهما يدعو إلي الشک في موت الاخر، وأنه قد وقف علي جعفر عليه السلام قوم أنکرت الواقفة علي موسي عليهم، و کذلک أنکرت قول الواقفة علي [58] أمير المؤمنين عليه السلام.

فقلنا لهم: يا هؤلاء حجتکم علي أولئک هي حجتنا عليکم، فقولوا کيف شئتم تحجوا أنفسکم.

ثم حکي [59] عنا أنا کنا نقول للواقفة: إن الامام لا يکون إلا ظاهرا موجودا. وهذه حکاية من لا يعرف أقاويل خصمه وما زالت الامامية تعتقد أن الامام لا يکون إلا ظاهرا مکشوفا أو باطنا مغمورا، وأخبارهم في ذلک أشهر وأظهر من أن تخفي، ووضع الاصول الفاسدة للخصوم أمر لا يعجز عنه أحد ولکنه قبيح بذي الدين والفضل والعلم، ولو لم يکن في هذا المعني إلا خبر کميل بن زياد [60] لکفي.

ثم قال: فان قالوا کذا، قيل لهم کذا ـ لشيء لا نقوله ـ. وحجتنا ما سمعتم وفيها کفاية والحمد لله.

ثم قال: ليس الامر کما تتوهمون في بني هاشم لان النبي صلي الله عليه وآله دل أمته علي عترته باجماعنا وإجماعکم التي هي خاصته التي لا يقرب أحد منه عليه السلام کقربهم، فهي لهم دون الطلقاء وأبناء الطلقاء ويستحقها واحد منهم في کل زمان إذ کان الامام لا يکون إلا واحدا بلزوم الکتاب والدعاء إلي إقامته بدلالة الرسول صلي الله عليه وآله عليهم «أنهم لا يفارقون الکتاب حتي يردوا علي الحوض» وهذا إجماع والذي اعتللتم به من بني هاشم ليس هم من ذرية الرسول صلي الله عليه وآله وإن کانت لهم ولادة، لان کل بني



[ صفحه 115]



ابنة ينتمون إلي عصبتهم [61] ما خلا ولد فاطمة، فان رسول الله صلي الله عليه وآله عصبتهم وأبوهم، والذرية هم الولد لقول الله عزوجل: «إني أعيذها بک وذريتها من الشيطان الرجيم». [62] .

فأقول ـ وبالله أعتصم ـ: إن هذا الامر لا يصح باجماعنا وإياکم عليه وإنما يصح بالدليل والبرهان فما دليلک علي ما ادعيت، وعلي أن الاجماع بيننا إنما هو في ثلاثة أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ولم يذکر الرسول صلي الله عليه وآله ذريته و إنما ذکر عترته، فملتم أنتم إلي بعض العترة دون بعض بلا حجة وبيان أکثر من الدعوي، واحتججنا نحن بما رواه أسلافنا عن جماعة حتي انتهي خبرهم إلي نص الحسين بن علي عليهما السلام علي علي ابنه ونص علي علي محمد، ونص محمد علي جعفر ثم استدللنا علي صحة إمامة هؤلاء دون غيرهم ممن کان في عصرهم من العترة بما ظهر من علمهم بالدين وفضلهم في أنفسهم، وقد حمل العلم عنهم الاولياء والاعداء، وذلک مبثوث في الامصار، معروف عند نقلة الاخبار، وبالعلم تتبين الحجة من المحجوج، والامام من المأموم، والتابع من المتبوع، وأين دليلکم يا معشر الزيدية علي ما تدعون.

ثم قال صاحب الکتاب: ولو جازت الامامة لسائر بني هاشم مع الحسن والحسين عليهما السلام لجازت لبني عبد مناف مع بني هاشم ولو جازت لبني عبد مناف مع بني هاشم لجازت لسائر ولد قصي، ثم مد في هذا القول.

فيقال له: أيها المحتج عن الزيدية إن هذا لشيء لا يستحق بالقرابة وإنما يستحق بالفضل والعلم، ويصح بالنص والتوقيف، فلو جازت الامامة لاقرب رجل



[ صفحه 116]



من العترة لقرابته لجازت لا بعدهم فافصل بينک وبين من ادعي ذلک وأظهر حجتک وافصل الان بينک وبين من قال: ولو جازت لولد الحسن لجازت لولد جعفر، ولو جازت لهم لجازت لولد العباس، وهذا فصل لا تأتي به الزيدية أبدا إلا أن تفزع إلي فصلنا وحجتنا وهو النص من واحد علي واحد وظهور العلم بالحلال والحرام.

ثم قال صاحب الکتاب: وإن اعتلوا بعلي عليه السلام فقالوا: ما تقولون فيه أهو من العترة أم لا؟ قيل لهم: ليس هو من العترة ولکنه بان من العترة ومن سائر القرابة بالنصوص عليه يوم الغدير باجماع.

فأقول: ـ وبالله أستعين ـ: يقال لصاحب الکتاب: أما النصوص يوم الغدير فصحيح وأما إنکارک أن يکون أمير المؤمنين من العترة فعظيم، فدلنا علي أي شيء تعول فيما تدعي؟ فان أهل اللغة يشهدون أن العم وابن العم من العترة، ثم أقول: إن صاحب الکتاب نقض بکلامه هذا مذهبه لانه معتقد أن أمير المؤمنين ممن خلفه الرسول في أمته ويقول في ذلک إن النبي صلي الله عليه وآله خلف في أمته الکتاب والعترة وإن أمير المؤمنين صلوات عليه ليس من العترة وإذا لم يکن من العترة فليس ممن خلفه الرسول صلي الله عليه وآله، وهذا متناقض کما تري، اللهم إلا أن يقول: إنه صلي الله عليه وآله خلف العترة فينا بعد أن قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فنسأله أن يفصل بينه وبين من قال وخلف الکتاب فينا منذ ذلک الوقت لان الکتاب والعترة خلفا معا، والخبر ناطق بذلک شاهد به، ولله المنة.

ثم أقبل صاحب الکتاب بما هو حجة عليه فقال: ونسأل من ادعي الامامة لبعض دون بعض إقامة الحجة، ونسي نفسه وتفرده بادعائها لولد الحسن والحسين عليهما السلام دون غيرهم، ثم قال: فان أحالوا علي الاباطيل من علم الغيب وأشباه ذلک من الخرافات وما لا دليل لهم عليه دون الدعوي عورضوا بمثل ذلک لبعض، فجاز أن العترة من الظالمين لانفسهم إن کان الدعوي هو الدليل.

فيقال لصاحب الکتاب: قد أکثرت في ذکر علم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، وما ادعاه لبشر إلا مشرک کافر، وقد قلنا لک ولاصحابک: دليلنا علي ما ندعي الفهم



[ صفحه 117]



والعلم فان کان لکم مثله فأظهروه وإن لم يکن إلا التشنيع والتقول وتقريع الجميع بقول قوم غلاة فالامر سهل، وحسبنا الله ونعم الوکيل.

ثم قال صاحب الکتاب: ثم رجعنا إلي إيضاح حجة الزيدية بقول الله تبارک و تعالي: «ثم أورثنا الکتاب الذين اصطفينا من عبادنا ـ الاية».

فيقال له: نحن نسلم لک أن هذه الاية نزلت في العترة، فما برهانک علي أن السابق بالخيرات هم ولد الحسن والحسين دون غيرهم من سائر العترة؟ فانک لست تريد إلا التشنيع علي خصومک وتدعي لنفسک.

ثم قال: قال الله عزوجل وذکر الخاصة والعامة من أمة نبيه: «واعتصموا بحبل الله جميعا ـ الاية» ثم قال: انقضت مخاطبة العامة، ثم استأنف مخاطبة الخاصة فقال: «ولتکن منکم أمة يدعون ألي الخير ـ إلي قوله للخاصة ـ کنتم خير أمة أخرجت للناس» فقال: هم ذرية إبراهيم عليه السلام دون سائر الناس، ثم المسلمون دون من أشرک من ذرية إبراهيم عليه السلام قبل إسلامه وجعلهم شهداء علي الناس فقال: «يا أيها الذين آمنوا ارکعوا واسجدوا واعبدوا ـ إلي قوله ـ وتکونوا شهداء علي الناس» [63] وهذا سبيل الخاصة من ذرية إبراهيم عليه السلام، ثم اعتل بآيات کثيرة تشبه هذه الايات من القرآن.

فيقال له: أيها المحتج أنت تعلم أن المعتزلة وسائر فرق الامة تنازعک في تأويل هذه الايات أشد منازعة، وأنت فليس تأتي بأکثر من الدعوي، ونحن نسلم لک ما ادعيت ونسألک الحجة فيما تفردت به من أن هؤلاء هم ولد الحسن والحسين عليهما السلام دون غيرهم فإلي متي تأتي بالدعوي وتعرض عن الحجة؟ وتهول علينا بقراءة القرآن وتوهم أن لک في قراءته حجة ليست لخصومک؟ والله المستعان.

ثم قال صاحب الکتاب: فليس من دعا إلي الخير من العترة ـ کمن أمر بالمعروف ونهي عن المنکر وجاهد في الله حق جهاده ـ سواء وسائر العترة ممن لم يدع إلي الخير ولم يجاهد في الله حق جهاده، کما لم يجعل الله من هذا سبيله من أهل الکتاب سواء وسائر أهل الکتاب، وإن کان تارک ذلک فاضلا عابدا لان العبادة نافلة و



[ صفحه 118]



الجهاد فريضة لازمة کسائر الفرائض صاحبها يمشي بالسيف إلي السيف، ويؤثر علي الدعة الخوف، ثم قرأ سورة الواقعة وذکر الايات التي ذکر الله عزوجل فيها الجهاد وأتبع الايات بالدعاوي ولم يحتج لشيء من ذلک بحجة فنطالبه بصحتها [أ] ونقابله بما نسأله فيه الفصل.

فأقول ـ وبالله أستعين ـ: إن کان کثرة الجهاد هو الدليل علي الفضل والعلم والامامة فالحسين عليه السلام أحق بالامامة من الحسن عليه السلام لان الحسن وادع معاوية و الحسين عليه السلام جاهد حتي قتل، وکيف يقول صاحب الکتاب؟ وبأي شيء يدفع هذا؟ وبعد فلسنا ننکر فرض الجهاد ولا فضله ولکنا رأينا الرسول صلي الله عليه وآله لم يحارب أحدا حتي وجد أعوانا وأنصارا وإخوانا فحينئذ حارب، ورأينا أمير المؤمنين عليه السلام فعل مثل ذلک بعينه، ورأينا الحسن عليه السلام قد هم بالجهاد فلما خذله أصحابه وادع ولزم منزله، فعلمنا أن الجهاد فرض في حال وجود الاعوان والانصار، والعالم ـ بإجماع العقول ـ أفضل من المجاهد الذي ليس بعالم، وليس کل من دعا إلي الجهاد يعلم کيف حکم الجهاد، ومتي يجب القتال، ومتي تحسن الموادعة، وبماذا يستقبل أمر هذه الرعية، وکيف يصنع في الدماء والاموال والفروج، وبعد فانا نرضي من إخواننا بشيء واحد وهو أن يدلونا علي رجل من العترة ينفي التشبيه والجبر عن الله ولا يستعمل الاجتهاد والقياس في الاحکام السمعية ويکون مستقلا کافيا حتي نخرج معه فان الامر بالمعروف والنهي عن المنکر فريضة علي قدر الطاقة وحسب الامکان، و العقول تشهد أن تکليف ما لا يطاق فاسد والتغرير بالنفس قبيح، ومن التغرير أن تخرج جماعة قليلة لم تشاهد حربا ولا تدربت بدربة أهل [64] إلي قوم متدر بين بالحروب تمکنوا في البلاد وقتلوا العباد وتدربوا بالحروب، ولهم العدد والسلاح والکراع [65] ومن نصرهم من العامة ـ ويعتقدوا أن الخارج عليهم مباح الدم ـ مثل جيشهم أضعافا



[ صفحه 119]



مضاعفة فکيف يسومنا [66] صاحب الکتاب أن نلقي بالاغمار [67] المتدر بين بالحروب. وکم عسي أن يحصل في يد داع إن دعا من هذا العدد؟ [68] هيهات هيهات، هذا أمر لا يزيله إلا نصر الله العزيز العليم الحکيم.

قال صاحب الکتاب بعد آيات من القرآن تلاها ينازع في تأويلها أشد منازعة ولم يؤيد تأويله بحجة عقل ولا سمع: فافهم ـ رحمک الله ـ من أحق أن يکون لله شهيدا من دعا إلي الخير کما امر، ونهي عن المنکر، وأمر بالمعروف، جاهد في الله حق جهاده حتي استشهد؟! أم من لم يروجهه ولا عرف شخصه؟! أم کيف يتخذه الله شهيدا؟ علي من لم يرهم ولا نهاهم ولا أمرهم فإن أطاعوه ادوا ما عليهم وإن قتلوه مضي إلي الله عزوجل شهيدا؟! ولو أن رجلا استشهد قوما علي حق يطالب به لم يروه ولا شهدوه هل کان شهيدا؟ وهل يستحق بهم حقا إلا أن يشهدوا علي ما لم يروه فيکونوا کذا بين وعند الله مبطلين؟! وإذا لم يجز ذلک من العباد فهو غير جائز عند الحکم العدل الذي لا يجور، ولو أنه استشهد قوما قد عاينوا وسمعوا فشهدوا له، والمسألة علي حالها أليس کان يکون محقا وهم صادقون وخصمه مبطل وتمضي الشهادة ويقع الحکم، و کذلک قال الله تعالي: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون « [69] أولا تري أن الشهادة لا تقع بالغيب دون العيان، وکذلک قول عيسي «وکنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ـ الاية». [70] .

فأقول ـ وبالله أعتصم ـ: يقال لصاحب الکتاب: ليس هذا الکلام لک بل هو للمعتزلة وغيرهم علينا وعليک، لانا نقول: إن العترة غير ظاهرة وإن من شاهدنا منها لا يصلح أن يکون إماما، وليس يجوز أن يأمرنا الله عزوجل بالتمسک بمن لا نعرف منهم ولا نشاهده ولا شاهده أسلافنا، وليس في عصرنا ممن شاهدناه منهم ممن



[ صفحه 120]



يصلح أن يکون إماما للمسلمين والذين غابوا لا حجة لهم علينا، وفي هذا أدل دليل علي أن معني قول النبي صلي الله عليه وآله «إني تارک فيکم ما إن تمسکتم به لن تضلوا کتاب الله وعترتي» ليس ما يسبق إلي قلوب الامامية والزيدية. وللنظام [71] وأصحابه أن يقولوا: وجدنا الذي لا يفارق الکتاب هو الخبر القاطع للعذر، فانه ظاهر کظهور الکتاب ينتفع به، ويمکن اتباعه والتمسک به.

فأما العترة فلسنا نشاهد منهم عالما يمکن أن نقتدي به، وإن بلغنا عن واحد منهم مذهب بلغنا عن آخر أنه يخالفه، الاقتداء بالمختلفين فاسد، فکيف يقول صاحب الکتاب؟.

ثم اعلم أن النبي صلي الله عليه وآله لما أمرنا بالتمسک بالعترة کان بالعقل والتعارف و السيرة ما يدل علي أنه أراد علماءهم دون جهالهم، والبررة الاتقياء دون غيرهم، فالذي يجب علينا ويلزمنا أن ننظر إلي من يجتمع له العلم بالدين مع العقل والفضل والحلم والزهد في الدنيا والاستقلال بالامر فنقتدي به ونتمسک بالکتاب وبه.

وإن قال: فان اجتمع ذلک في رجلين وکان أحدهما ممن يذهب إلي مذهب الزيدية والاخر إلي مذهب الامامية بمن يقتدي منهما ولمن يتبع؟ قلنا له: هذا لا يتفق، فان اتفق فرق بينهما دلالة واضحة إما نص من إمام تقدمه وإما شيء يظهر في علمه کما ظهر في أمير المؤمنين يوم النهر حين قال: «والله ما عبروا النهر ولا يعبروا، والله ما يقتل منکم عشرة ولا ينجوا منهم عشرة» وإما أن يظهر من أحدهما مذهب يدل علي أن الاقتداء به لا يجوز کما ظهر من علم الزيدية القول بالاجتهاد والقياس في الفرائض السمعية والاحکام فيعلم بهذا أنهم غير أئمة. ولست اريد بهذا القول زيد ابن علي وأشباهه لان اولئک لم يظهروا ما ينکر ولا ادعوا أنهم أئمة وإنما



[ صفحه 121]



دعوا إلي الکتاب والرضا من آل محمد وهذه دعوة حق.

وأما قوله: «کيف يتخذه الله شهيدا علي من لم يرهم ولا أمرهم ولا نهاهم» فيقال له: ليس معني الشهيد عند خصومک ما تذهب إليه، ولکن إن عبت الامامية بأن من لم يروجهه ولا عرف شخصه لا يکون بالمحل الذي يدعونه له فأخبرنا عنک من الامام الشهيد من العترة في هذا الوقت، فان ذکر أنه لا يعرفه دخل فيما عاب و لزمه ما قدر أنه يلزم خصومه، فان قال: هو فلان، قلنا له: فنحن لم نروجهه ولا عرفنا شخصه فکيف يکون إماما لنا وشهيدا علينا؟! فان قال: إنکم وإن لم تعرفوه فهو موجود الشخص معروف علمه من علمه وجهله من جهله، قلنا: سألناک بالله هل تظن أن المعتزلة والخوارج والمرجئة والامامية تعرف هذا الرجل أو سمعت به أو خطر ذکره ببالها؟ فإن قال: هذا ما لا يضره ولا يضرنا لان السبب في ذلک إنما هو غلبة الظالمين علي الدار وقلة الاعوان والانصار، قلت له: لقد دخلت فيما عبت و حججت نفسک من حيث قدرت أنک تحاج خصومک، وما أقرب هذه الغيبة من غيبة الامامية غير أنکم لا تنصفون.

ثم يقال: قد أکثرت في ذکر الجهاد ووصف الامر بالمعروف والنهي عن المنکر حتي أوهمت أن من لم يخرج فليس بمحق، فما بال أئمتک والعلماء من أهل مذهبک لا يخرجون، وما لهم قد لزموا منازلهم واقتصروا علي اعتقاد المذهب فقط؟ فإن نطق بحرف فتقابله الامامية بمثله. ثم قيل له برفق ولين: هذا الذي عبته علي الامامية وهتفت بهم من أجله وشنعت به علي أئمتهم بسببه وتوصلت بذکره إلي ما ضمنته کتابک، قد دخلت فيه وملت إلي صحته، وعولت عند الاحتجاج عليه، والحمد لله الذي هدانا لدينه.

ثم يقال له: أخبرنا هل في العترة اليوم من يصلح للامامة؟ فلا بد من أن يقول: نعم فيقال له: أفليس إمامته لا تصح إلا بالنص علي ما تقوله الامامية ولا معه دليل معجز يعلم به أنه إمام وليس سبيله عندکم سبيل من يجتمع أهل الحل والعقد من الامة فيتشاورون في أمره ثم يختارونه ويبايعونه؟ فإذا قال: نعم، قيل له: فيکف السبيل إلي معرفته؟



[ صفحه 122]



فإن قالوا: يعرف بإجماع العترة عليه، قلنا لهم: کيف تجتمع عليه فإن کان إماميا لم ترض به الزيدية وإن کان زيديا لم ترض به الامامية، فإن قال: لا يعتبر بالامامية في مثل هذا، قيل له: فالزيدية علي قسمين قسم معتزلة وقسم مثبتة، فان قال: لا يعتبر بالمثبتة في مثل هذا، قيل له: فالمعتزلة قسمان قسم يجتهد في الاحکام بآرائها وقسم يعتقد أن الاجتهاد ضلال، فإن قال: لا يعتبر بمن نفي الاجتهاد، قيل له: فإن بقي ـ ممن يري الاجتهاد ـ منهم أفضلهم، وبقي ـ ممن يبطل الاجتهاد ـ منهم أفضلهم، ويبرأ بعضهم من بعض بمن نتمسک وکيف نعلم المحق منهما، هو من تؤمي أنت وأصحابک إليه دون غيره؟ فإن قال: بالنظر في الاصول، قلنا فإن طال الاختلاف واشتبه الامر کيف نصنع وبما نتفصي من قول النبي صلي الله عليه وآله: «إني تارک فيکم ما إن تمسکتم به لن تضلوا کتاب الله وعترتي: أهل بيتي» والحجة من عترته لا يمکن أحدا [72] أن يعرفه إلا بعد النظر في الاصول والوقوف علي أن مذاهبه کلها صواب، وعلي أن من خالفه فقد أخطأ، وإذا کان هکذا فسبيله وسبيل کل قائل من أهل العلم سبيل واحد فما تلک الخاصة التي هي للعترة دلنا عليها وبين لنا جميعها لنعلم أن بين العالم من العترة وبين العالم من غير العترة فرقا وفصلا.

واخري يقال لهم: أخبرونا عن إمامکم اليوم، أعنده الحلال والحرام؟ فإذا قالوا: نعم، قلنا لهم: وأخبرونا عما عنده مما ليس في الخبر المتواتر هل هو مثل ما عند الشافعي وأبي حنيفة ومن جنسه أو هو خلاف ذلک، فإن قال: بل عنده الذي عندهما ومن جنسه، قيل لهم: وما حاجة الناس إلي علم إمامکم الذي لم يسمع به، وکتب الشافعي وأبي حنفية ظاهرة مبثوثة موجودة، وإن قال: بل عنده خلاف ما عندهما قلنا: فخلال ما عندهما هو النص المستخرج الذي تدعيه جماعة من مشايخ المعتزلة وإن الاشياء کلها علي إطلاق العقول إلا ما کان في الخبر القاطع للعذر علي مذهب النظام وأتباعه، أو مذهب الامامية أن الاحکام منصوصة، واعلموا أنا لا نقول منصوصة علي الوجه الذي يسبق إلي القلوب ولکن المنصوص عليه بالجمل التي من فهمها فهم الاحکام من غير



[ صفحه 123]



قياس ولا اجتهاد، فإن قالوا: عنده ما يخالف هذا کله خرجوا من التعارف، وإن تعلقوا بمذاهب من المذاهب قيل لهم: فأين ذلک العلم؟ هل نقله عن إمامکم أحد يوثق بدينه وأمانته؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: قد عاشرناکم الدهر الاطول فما سمعنا بحرف واحد من هذا العلم، وأنتم قوم لا ترون التقية ولا يراها إمامکم، فأين علمه؟ وکيف لم يظهر ولم ينتشر؟ ولکن أخبرونا ما يؤمنا أن تکذبوا فقد کذبتم علي إمامکم کما تدعون أن الامامية کذبت علي جعفر بن محمد عليهما السلام وهذا ما لا فصل فيه.

مسألة اخري ويقال لهم: أليس جعفر بن محمد عندکم کان لا يذهب إلي ما تدعيه الامامية، وکان علي مذهبکم ودينکم؟ فلا بد من (أن يقولوا): نعم، اللهم إلا أن تبرؤوا منه، فيقال لهم: وقد کذبت الامامية فيما نقلته عنه، وهذه الکتب المؤلفة التي في أيديهم إنما هي من تأليف الکذابين؟ فإذا قالوا: نعم، قيل لهم: فإذا جاز ذلک فلم لا يجوز أن يکون إمامکم يذهب مذهب الامامية ويدين بدينها وإن يکون ما يحکي سلفکم ومشايخکم عنه مولدا موضوعا لا أصل له، فإن قالوا: ليس لنا في هذا الوقت إمام نعرفه بعينه نروي عنه علم الحلال والحرام ولکنا نعلم أن في العترة من هو موضع هذا الامر وأهل، قلنا لهم: دخلتم فيما عبتموه علي الامامية بما معها من الاخبار من أئمتها بالنص علي صاحبهم والاشارة إليه والبشارة به، وبطل جميع ما قصصتم به من ذکر الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنکر فصار إمامکم بحيث لا يري ولا يعرف، فقولوا: کيف شئتم ونعوذ بالله من الخذلان.

ثم قال صاحب الکتاب، وکما أمر الله العترة بالدعاء إلي الخير [73] وصف سبق السابقين منهم، وجعلهم شهداء، وأمرهم بالقسط فقال: «يا أيها الذين آمنوا کونوا قوامين لله شهداء بالقسط». ثم أتبع ذلک بضرب من التأويل وقراءة آيات من القرآن ادعي أنها في العترة، ولم يحتج لشيء منها بحجة أکثر من أن يکون الدعوي، ثم قال: وقد أوجب الله تعالي علي نبيه صلي الله عليه وآله ترک الامر والنهي إلي أن هيأ له أنصارا فقال: «وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ـ إلي قوله ـ لعلهم يتقون: فمن لم يکن من



[ صفحه 124]



السابقين بالخيرات، المجاهدين في الله ولا من المقتصدين الواعظين بالامر والنهي عند إعواز الاعوان [74] فهو من الظالمين لانفسهم، وهذا سبيل من کان قبلنا من ذراري الانبياء عليهم السلام، ثم تلا آيات من القران.

فيقال له: ليس علينا، لمن [75] أراد بهذا الکلام؟ ولکن أخبرنا عن الامام من العترة عندک من أي قسم هو؟ فإن قال: من المجاهدين، قيل له: فمن هو، ومن جاهد ويعلم من خرج؟ وأين خليه ورجله؟ فإن قال: هو ممن يعظ بالامر والنهي عند اعواز الاعوان، قيل له: فمن سمع أمره ونهيه؟ فإن قال: أولياؤه وخاصته، قلنا: فإن اتبع هذا وسقط فرض ما سوي ذلک عنه لا عواز الاعوان وجاز أن لا يسمع أمره ونهيه إلا أولياؤه فأي شئ عبته علي الامامية؟ ولم ألفت کتابک هذا؟ وبمن عرضت؟ وليت شعري وبمن قرعت بآي القرآن وألزمته فرض الجهاد. ثم يقال له وللزيدية جميعا: أخبرونا لو خرج رسول الله صلي الله عليه واله وسلم من الدنيا ولم ينص علي أمير المؤمنين عليه السلام ولا دل عليه ولا أشار إليه أکان يکون ذلک من فعله صوابا وتدبيرا حسنا جائزا؟ فإن قالوا: نعم، فقلنا لهم: ولو لم يدل علي العترة أکان يکون ذلک جائزا فإن قالوا: نعم، قلنا: ولو لم يدل فأي شئ أنکرتم علي المعتزلة والمرجئة والخوارج؟ وقد کان يجوز أن لا يقع النص فيکون الامر شوري بين أهل الحل والعقد، وهذا ما لا حيلة فيه، فإن قالوا: لا ولا بد من النص علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه ومن الادلة علي العترة، قيل لهم لم؟ حتي إذا ذکروا الحجة الصحيحة فننقلها إلي الامام في کل زمان، لان النص إن وجب في زمن وجب في کل زمان، لان العلل الموجبة له موجودة أبدا، ونعوذ بالله من الخذلان.



[ صفحه 125]



مسألة اخري يقال لهم: إذا کان الخبر المتواتر حجة رواه العترة والامة، و کان الخبر الواحد من العترة کخبر الواحد من الامة يجوز علي الواحد منهم من تعمد الباطل ومن السهو والزلل ما يجوز علي الواحد من الامة وما ليس في الخبر المتواتر ولا خبر الواحد فسبيله عندکم الاستخراج، وکان يجوز علي المتأول منکم ما يجوز علي المتأول من الامة فمن أي وجه صارت العترة حجة؟ فإن قال صاحب الکتاب: إذا أجمعوا فإجماعهم حجة، قيل له: فإذا أجمعت الامة فإجماعها حجة، وهذا يوجب أنه لا فرق بين العترة والامة وإن کان هکذا فليس في قوله «خلفت فيکم کتاب الله و عترتي» فائدة إلا أن يکون فيها من هو حجة في الدين، وهذا قول الامامية. واعلموا ـ أسعدکم الله ـ إن صاحب الکتاب أشغل نفسه بعد ذلک بقراءة القرآن وتأويله علي من أحب ولم يقل في شيء من ذلک: «الدليل علي صحة تأويلي کيت کيت» وهذا شيء لا يعجز عنه الصبيان وإنما أراد أن يعيب الامامية بأنها لا تري الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنکر، وقد غلط فإنها تري ذلک علي قدر الطاقة، و لا تري أن تلقي بأيديها إلي التهلکة، ولا أن يخرج مع من لا يعرف الکتاب والسنة ولا يحسن أن يسير في الرعية بسيرة العدل والحق.

وأعجب من هذا أن أصحابنا من الزيدية في منازلهم لا يأمرون بمعروف و لا ينهون عن منکر ولا يجاهدون، وهم يعيبوننا بذلک، وهذا نهاية من نهايات التحامل ودليل من أدلة العصبية، نعوذ بالله من اتباع الهوي، وهو حسبنا ونعم الوکيل.

مسألة اخري ويقال لصاحب الکتاب: هل تعرف في أئمة الحق أفضل من أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ فمن قوله: لا، فيقال له: فهل تعرف من المنکر بعد الشرک والکفر شيئا أقبح وأعظم مما کان من أصحاب السقيفة؟ فمن قوله: لا، فيقال له: فأنت أعلم بالامر بالمعروف والنهي عن المنکر والجهاد أو أمير المومنين عليه السلام؟ فلا بد من أن يقول: أمير المؤمنين، فيقال له: فما باله لم يجاهدا القوم؟ فان اعتذر بشيء قيل له: فاقبل مثل هذا العذر من الامامية، فإن الناس جميعا يعملون أن الباطل اليوم أقوي منه يومئذ وأعوان الشيطان أکثر ولا تهول علينا بالجهاد وذکره، فإن الله تعالي إنما



[ صفحه 126]



فرضه لشرائط لو عرفتها لقل کلامک وقصر کتابک ونسأل الله التوفيق.

مسألة اخري يقال لصاحب الکتاب: أتصوبون الحسن بن علي عليهما السلام في موادعته معاوية أم تخطئونه؟ فإذا قالوا: نصوبه، قيل لهم: أتصوبونه وقد ترک الجهاد وأعرض عن الامر بالمعروف والنهي عن المنکر علي الوجه الذي تؤمون إليه، فإن قالوا: نصوبه لان الناس خذلوه، ولم يأمنهم علي نفسه، ولم يکن معه من أهل البصائر من يمکنه أن يقاوم بهم معاوية وأصحابه فإذا عرفوا صحة ذلک، قيل لهم: فإذا کان الحسن عليه السلام مبسوط العذر ومعه جيش أبيه وقد خطب له الناس علي المنابر وسل سيفه وسار إلي عدو الله وعدوه للجهاد لما وصفتم وذکرتم فلم لا تعذرون جعفر ابن محمد عليهما السلام في ترکه الجهاد وقد کان أعداؤه في عصره أضعاف من کان مع معاوية ولم يکن معه من شيعته (مائة نفر) قد تدربوا بالحروب، وإنما کان قوم من أهل السر لم يشاهدوا حربا ولا عاينوا وقعة، فإن بسطوا عذره فقد أنصفوا، وإن امتنع منهم ممتنع فسئل الفصل، ولا فصل.

وبعد فإن کان قياس الزيدية صحيحا فزيد بن علي لان الحسن وادع وزيد حارب حتي قتل وکفي بمذهب يؤدي إلي تفضيل زيد بن علي علي الحسن بن علي عليهما السلام قبحا. والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوکيل. [76] .

وإنما ذکرنا هذه الفصول في أول کتابنا هذا لانها غاية ما يتعلق بها الزيدية وما رد عليهم وهي أشد الفرق علينا، وقد ذکرنا الانبياء والحجج الذين وقعت بهم الغيبة صلوات الله عليهم وذکرنا في آخر الکتاب المعمرين ليخرج بذلک ما نقوله في الغيبة وطول العمر من حد الاحالة إلي حد الجواز، ثم صححنا النصوص علي القائم الثاني عشر من الائمة عليه وعليهم السلام من الله تعالي ذکره ومن رسوله والائمة الاحد عشر صلوات الله عليهم مع إخبارهم بوقوع الغيبة، ثم ذکرنا مولده عليه السلام، و من شاهده وما صح من دلالاته وأعلامه، وما ورد من توقيعاته لتأکيد الحجة علي المنکرين لولي الله والمغيب في ستر الله، والله الموفق للصواب وهو خير مستعان.



[ صفحه 127]




پاورقي

[1] مثل قوله تعالي: «واهجرهم هجرا جميلا».

[2] کذا، ولعل الصواب «المحفوظة» أو «المودعة».

[3] هو اسماعيل بن علي بن اسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، کان شيخ المتکلمين من أصحابنا الامامية ببغداد ووجههم، متقدم النوبختيين في زمانه، له جلالة في الدين والدنيا، يجري مجري الوزارء، صنف کتبا کثيرة جملة منها في الرد علي أرباب المقالات الفاسدة، وله کتاب الانوار في تواريخ الائمة الاطهار (ع). رأي مولانا الحجة عليه السلام عند وفاة أبيه الحسن بن علي عليهما السلام، وله احتجاج علي الحلاج صار ذلک سببا لفضيحة الحلاج و خذلانه. (الکني والالقاب للمحدث القمي ره).

[4] عض الرجل بصاحبه يعض عضيضا أي لزمه (الصحاح).

[5] کناية عن المخالفين للحق. وزرادشت رئيس مذهب المجوس.

[6] في بعض النسخ «وان اسلامهم يجب أن يکون کذلک».

[7] في بعض النسخ «وقد سألونا في ذلک».

[8] في بعض النسخ «ويقل».

[9] في بعض النسخ لبقره العلم .

[10] في بعض النسخ سبيلهم في العلم.

[11] في بعض النسخ «من بعده اماما».

[12] في بعض النسخ «يؤدي عنه الحلال».

[13] في بعض النسخ «في الستر».

[14] المراد بالممطورة: الواقفية. کما في المجمع قال فيه: والممطر ـ کمنبر ـ ما يلبس في المطر يتوقي به. والممطورة: الکلاب المبتلة بالمطر. وقال أبو محمد الحسن ابن موسي النوبختي في کتابه «فرق الشيعة» وقد لقب الواقفة بعض مخالفيها ممن قال بامامة علي بن موسي «الممطورة» وغلب عليها هذا الاسم وشاع لها. وکان سبب ذلک أن علي ابن اسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعضهم فقال له علي بن اسماعيل ـ وقد اشتد الکلام بينهم ـ: ما أنتم الا کلاب ممطورة. أراد أنکم أنتن من جيف لان الکلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف. فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم، لانه إذا قيل للرجل أنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة علي موسي بن جعفر عليهما السلام خاصة لان کل من مضي منهم فله واقفة قد وقفت عليه وهذا اللقب لاصحاب موسي خاصة. انتهي.

[15] في بعض النسخ «تتوخاها».

[16] يعني الامامية ـ الاثني عشرية ـ.

[17] يريد أن لفظ العترة عام يشملهم جميعا فجميع العترة داخل.

[18] الاحزاب: 33.

[19] في بعض النسخ «لا تکون».

[20] فاطر: 32، وتمام الاية «فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلک هو الفضل الکبير».

[21] في منقوله المترجم في کتاب المسمي بنامه دانشوران ج 4 ص 278 «الزيدية انما تجيز الامامة لولد الحسين عليه السلام».

[22] في بعض النسخ «لا تجوز».

[23] يعني امير المؤمنين والسبطين عليهم السلام.

[24] أي لو فعل رسول الله صلي الله عليه وآله مثلا بعباس وولديه عبد الله والفضل ما فعل بهؤلاء الثلاثة لم يکن ـ الخ.

[25] يعني ان لم تکن حجة فبدليل اقناعي وان لم يکن دليل اقناعي فترک الاحتجاج بما ليس لک حجة بل يمکن أن يکون حجة لخصومک.

[26] آل عمران: 110.

[27] المغيرية هم أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي مولي بجيلة الذي خرج بظاهر الکوفة في امارة خالد بن عبد الله القسري فظفر به وأحرقه وأحرق أصحابه سنة 119 کما في تاريخ الطبري وقد تظافرت الروايات بکونه کذابا وروي الکشي روايات کثيرة في ذمه. وهو وأصحابه أنکروا امامة أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام وقالوا بامامة محمد ابن عبد الله بن الحسن فلما قتل صاروا لا امام لهم ولا وصي ولا يثبتون لاحد امامة بعد وفي بعض النسخ المصححة «المفترية» وفي هامشه «اعلم أن الفرق بين المفترية والزيدية أن المفترية لا يقولون بامامة الحسين بعد أخيه الحسن عليهما السلام بل يقولون: ان الامام بعد الحسن عليه السلام ابنه الحسن المثني والزيدية قائلون بامامة علي بن الحسين من بعد أبيه لکن لم يقولوا بامامة محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام بل قائلون بامامة زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام بعد أبيه وأيضا قائلون بامامة ولد الحسن من کان منهم ادعي الامامة» انتهي. وفي بعض النسخ «المعترية».

[28] في بعض النسخ «ما فضل».

[29] يونس: 35.

[30] في بعض النسخ «بالاستخراج».

[31] يعني لفظ «الصلاة» و «الزکاة» و «الحج».

[32] في بعض النسخ «والامامية».

[33] يعني علي جعفر بن محمد عليهما السلام.

[34] يعني کل ما قلتم في رد السبائية فنحن عارضناکم بمثله.

[35] کذا. وفي هامش بعض النسخ: الظاهر «ولم يخص بالثلاثة». أقول: ويمکن أن يکون «الا» في قوله «الا ثلاثة» زائدا من سهو النساخ.

[36] کذا. وفي فرق الشيعة للنوبختي «السمطية هم الذين جعلوا الامامة في محمد ابن جعفر وولده من بعده وهذه الفرقة تسمي» السمطية «نسبة إلي رئيس لهم يقال له يحيي ابن أبي السميط» انتهي. وفي المحکي عن المقريزي يحيي بن شميط الاحمسي ويذکر انه کان قائدا من قواد مختار بن أبي عبيدة الثقفي «والظاهر التعدد لتقدم المختار عن محمد بتسعين سنة.

[37] کذا. وفي کتاب النوبختي الفطحية فرقة يقولون بامامة عبد الله بن جعفر وسموا بذلک لان عبد الله کان أفطح الرأس، وقال بعضهم: کان أفطح الرجلين، وقال بعض الرواة: نسبوا إلي رئيس لهم من أهل الکوفة يقال له: عبد الله بن فطيح.

[38] هم فرقة من المبارکية وانما سموا بهذا برئيس لهم من أهل السواد من الانباط کان يلقب «قرمطويه» کانوا في الاصل علي مقالة المبارکية ثم خالفوهم فقالوا: لا يکون بعد محمد صلي الله عليه وآله الا سبعة أئمة علي بن ابي طالب إلي جعفر بن محمد ثم محمد بن اسماعيل وهو الامام القائم المهدي وهو رسول. وزعموا أن النبي انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي امر فيه بنصب علي بن أبي طالب عليه السلام للناس في غدير خم، فصارت الرسالة في ذلک اليوم في علي بن أبي طالب، واعتلوا في ذلک بقول رسول الله صلي الله عليه وآله «من کنت مولاه فهذا علي مولاه» وأن هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوة والتسليم منه في ذلک لعلي عليه السلام بامر الله عزو جل وأن النبي صلي الله عليه وآله بعد ذلک کان مأموما لعلي محجوجا به. (قال النوبختي) وفي تلبيس ابليس لابن الجوزي تحقيق لسبب تسمية القرامطة بهذا الاسم.

[39] يعني لم يعلم عبد الله أن نصاب الدرهم في الزکاة مائتان، ولا زکاة فيما دون ذلک فأجاب في المسألة بالقياس وأخطأ.

[40] يعني ادعي أنه جاء رجل وأتي بمثل هذا القرآن.

[41] الاباضية: فرفة من الخوارج أصحاب عبد الله بن اباض التميمي.

[42] يعني بالاختلاف الاياب والذهاب.

[43] أي لا ننازع.

[44] في بعض النسخ «بيننا وبينهم».

[45] في بعض النسخ بعد قوله: «وسموه الخلف الصالح» هکذا «ومنهم فرقة قالت بامامة محمد بن علي فمات قبل أبيه ثم انهم رجعوا إلي أخيه الحسن ـ الخ».

[46] في بعض النسخ «أخبار الناس».

[47] أي يتنازعون. وتشاح القوم أو الخصمان في الجدل: أراد کل أن يکون هو الغالب.

[48] مجن الشيء غلظ وصلب. مزح وقل حياء، کانه صلب وجهه فهو ما جن والجمع مجان، وفيء بعض النسخ «الفجار» وفي بعضها «المخالفين». والاشفاق: الخوف.

[49] في بعض النسخ «بين المؤتمة والائمة إذا کانوا».

[50] النحل: 66.

[51] أي لا يعلمه بذاته ومن عند نفسه بل يعلم الغيب من جانب الله تعالي متي أراد إذا أراد الله أن يعلمه.

[52] يس: 21.

[53] التوبة: 34.

[54] الانفال: 41.

[55] التوبة: 103.

[56] من الجباية وهي أخذ الخراج أو الزکاة وجمعها.

[57] من کلام أبي جعفر ابن قبة في دفع المعارضة.

[58] في هامش بعض النسخ الظاهر أن الصواب «الواقفة علي محمد بن أمير المؤمنين».

[59] يعني أبا زيد العلوي.

[60] سيجيئ الخبر في باب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام من وقوع الغيبة.

[61] أي ينتسبون. وعصبة الرجل ـ محرکة ـ: بنوه وقرابته لابيه وانما سموا عصبة لانهم عصبوا به أي أحاطوا به، فالاب طرف والابن طرف والعم جانب والاخ جانب (الصحاح). والعصبة اسم جنس يطلق علي الواحد والکثير. وقال الفيروز آبادي: العصبة: الذين يرثون الرجل عن کلالة من غير والد ولا ولد، فأما في الفرائض فکل من لم يکن له فريضة مسماة فهو عصبة.

[62] آل عمران: 36.

[63] الحج: 76.

[64] درب به ـ کفرح ـ دربا ودربة ـ بالضم ـ: ضري، کتدرب. والدربة: ـ بالضم ـ عادة وجرأة علي الامر والحرب.

[65] الکراع ـ بالضم ـ: اسم لجمع الخيل.

[66] سامه الامر: کلفه أباه.

[67] الغمر ـ مثلثة الغين ـ: من لم يجرب الامور والجاهل، جمعه أغمار.

[68] يعني ان دعا الامام أو غيره مثلا المتدربين بالحروب کم يجتمع له منهم.

[69] الزخرف: 86.

[70] المائدة: 112.

[71] هو أبو إسحاق ابراهيم بن سيار بن هانيء البصري ابن اخت أبي هذيل العلاف شيخ المعتزلة. وکان النظام صاحب المعرفة بالکلام أحد رؤساء المعتزلة، استاد الجاحظ. ولقب بالنظام ـ کشداد ـ لانه کان ينظم الخرز في سوق البصرة ويبيعها. وقالت المعتزلة: انما سمي ذلک لحسن کلامه نثرا ونظما (الکني والالقاب للمحدث القمي).

[72] أي لاحد.

[73] في قوله عزوجل: «ولتکن منکم امة يدعون إلي الخير».

[74] أعوز اعوزازا الرجل. افتقر وساءت حاله فهو معوز، واعوزه المطلوب: أعجزه وصعب عليه نيله. اعوز في الشيء: احتجت إليه، لم أقدر عليه. وفي بعض النسخ «اعوزاز الاعوان» واعوز اعوزازا احتال. اختلت حاله.

[75] لعل اللام في قوله «لمن» مفتوحة والجملة تتضمن معني الاستفهام، وقوله «ليس علينا» جملة مستقلة، أي ليس ما قلت علينا. وفي بعض النسخ «لمن المراد».

[76] هذا آخر ما نقله عن کتاب ابن قبة.