الجواب
يقال لمن خطب بهذه الخطبة: إنکم نسيتم کتاب الله عزوجل: ولولا ذلک لم ترموا الامامية بأنهم لا يحفظون کتاب الله وقد نسيتم قصة عيسي عليه السلام وهو في المهد حين يقول: «إني عبد الله آتاني الکتاب وجعلني نبيا وجعلني مبارکا أينما کنت - الاية [1] أخبرونا لو آمن به بنو إسرائيل ثم حزبهم أمر من العدو [2] کيف کان يفعل المسيح عليه السلام وکذلک القول في يحيي عليه السلام، وقد أعطاه الله الحکم صبيا فان جحدوا ذلک فقد جحدوا کتاب الله، ومن لم يقدر علي دفع خصمه إلا بعد أن يجحد کتاب الله فقد وضح بطلان قوله.
ونقول في جواب هذا الفصل: إن الامر لو أفضي بأهل هذا العصر إلي ما وصفوا لنقض الله العادة فيه، وجعله رجلا بالغا کاملا فارسا شجاعا بطلا قادرا علي مبارزة الاعداء والحفظ لبيضة الاسلام والدفع عن حوزتهم. وهذا جواب لبعض الامامية علي أبي القاسم البلخي.
تراض آخر:
قالت الزيدية: قد شک الناس في صحة نسب هذا المولود إذ أکثر الناس يدفعون أن يکون للحسن بن علي عليهما السلام ولد.
فيقال لهم: قد شک بنو إسرائيل في المسيح ورموا مريم بما قالوا «لقد جئت شيئا فريا» [3] فتکلم المسيح ببراءة أمه عليه السلام فقال: «إني عبد الله آتاني الکتاب
[ صفحه 80]
وجعلني نبيا» فعلم أهل العقول أن الله عزوجل لا يختار لاداء الرسالة مغمور النسب ولا غير کريم المنصب، کذلک الامام عليه السلام إذا ظهر کان معه من الايات الباهرات و الدلائل الظاهرات ما يعلم به أنه بعينه دون الناس هو خلف الحسن بن علي عليهما السلام.
قال بعضهم: ما الدليل علي أن الحسن بن علي عليه السلام توفي؟
قيل له: الاخبار التي وردت في موته هي أوضح وأشهر وأکثر من الاخبار التي وردت في موت أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام لان أبا الحسن عليهما السلام مات في يد الاعداء ومات أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام في داره علي فراشه، وجري في أمره ما قد أوردت الخبربه مسندا في هذا الکتاب.
فقال قائل منهم: فهلا دلکم تنازع أم الحسن وجعفر في ميراثه أنه لم يکن له ولد؟ لانا بمثل هذا نعرف من يموت ولا عقب له ان لا يظهر ولده ويقسم ميراثه بين ورثته؟
فقيل له: هذه العادة مستفيضة وذلک أن تدبير الله في أنبيائه ورسله وخلفائه ربما جري علي المعهود المعتاد وربما جري بخلاف ذلک، فلا يحمل أمرهم في کل الاحوال علي العادات کما لا يحمل أمر المسيح عليه السلام علي العادات.
قال: فان جاز له أن يشک [4] في هذا لم لا يجوز أن نشک في کل من يموت ولا عقب له ظاهر.
قيل له: لا نشک في أن الحسن عليه السلام کان له خلف من عقبه بشهادة من أثبت له ولدا من فضلاء ولد الحسن والحسين عليهما السلام والشيعة الاخبار لان الشهادة التي يجب قبولها هي شهادة المثبت لا شهادة النافي وإن کان عدد النافين أکثر من عدد المثبتين، ووجدنا لهذا الباب فيما مضي مثالا وهو قصة موسي عليه السلام لان الله سبحانه لما أراد أن ينجي بني إسرائيل من العبودية ويصير دينه علي يديه غضا طريا أوحي إلي أمه «فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليک وجاعلوه من المرسلين» [5] فلو أن أباه عمران مات في ذلک الوقت لما کان الحکم في ميراثه إلا کالحکم في ميراث
[ صفحه 81]
الحسن عليه السلام، ولم يکن في ذلک دلالة علي نفي الولد.
وخفي علي مخالفينا فقالوا: إن موسي في ذلک الوقت لم يکن بحجة والامام عندکم حجة، ونحن إنما شبهنا الولادة والغيبة بالولادة والغيبة، وغيبة يوسف عليه السلام أعجب من کل عجب لم يقف علي خبره أبوه وکان بينهما من المسافة ما يجب أن لا ينقطع لولا تدبير الله عزوجل في خلقه أن ينقطع خبره عن أبيه وهؤلاء إخوته دخلوا عليه فعرفهم وهم له منکرون.
وشبهنا أمر حياته بقصة أصحاب الکهف فانهم لبثوا في کهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، وهم أحياء.
فان قال قائل: إن هذه أمور قد کانت ولا دليل معنا علي صحة ما تقولون.
قيل له: أخرجنا بهذه الامثلة أقوالنا من حد الاحالة إلي حد الجواز، وأقمنا الادلة علي صحة قولنا بأن الکتاب لا يزال معه من عترة الرسول صلي الله عليه وآله من يعرف حلاله وحرامه ومحکمه ومتشابهه، وبما أسندناه في هذا الکتاب من الاخبار عن النبي والائمة صلوات الله عليهم.
فان قال: فکيف التمسک به؟ ولا نهتدي إلي مکانه ولا يقدر أحد علي إتيانه؟ قيل له: نتمسک بالاقرار بکونه وبامامته وبالنجباء الاخيار والفضلاء الابرار القائلين بامامته، المثبتين لولادته وولايته، المصدقين للنبي والائمة عليهم السلام في النص عليه باسمه ونسبه من أبرار شيعته، العالمين بالکتاب والسنة، العارفين بوحدانية الله تعالي ذکره النافين عنه شبه المحدثين المحرمين للقياس، المسلمين لما يصح وروده عن النبي والائمة عليهم السلام.
فان قال قائل: فان جاز أن يکون نتمسک بهؤلاء الذين وصفتهم ويکون تمسکنا بهم تمسکا بالامام الغائب فلم لا يجوز أن يموت رسول الله صلي الله عليه وآله ولا يخلف أحدا فيقتصر أمته علي حجج العقول والکتاب والسنة؟ قيل له: ليس الاقتراح علي الله عز وجل علينا وإنما علينا فعل ما نؤمر به وقد دلت الدلائل علي فرض طاعة هؤلاء الائمة الاحد عشر عليهم السلام الذين مضوا ووجب القعود معهم إذا قعدوا والنهوض معهم إذا نهضوا، و
[ صفحه 82]
الاسماع منهم إذا نطقوا. فعلينا أن نفعل في کل وقت ما دلت الدلائل علي أن علينا أن نفعله.
پاورقي
[1] مريم: 32.
[2] حزبه أمر أي أصابه.
[3] مريم: 28. وقوله «فريا» أي عظيما بديعا أو قبيحا منکرا، من الافتراء وهو الکذب.
[4] في بعض النسخ «فان جاز لنا أن نشک».
[5] القصص: 7.