بازگشت

اعتراضات لابن بشار


وقد تکلم علينا أبو الحسن علي بن أحمد بن بشار في الغيبة وأجابه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي [1] وکان من کلام علي بن أحمد بن بشار علينا في ذلک أن قال في کتابه أقول: إن کل المبطلين أغنياء عن تثبيت إنية من يدعون له، وبه يتمسکون، وعليه يعکفون، ويعطفون لوجود أعيانهم وثبات إنياتهم وهؤلاء



[ صفحه 52]



(يعني أصحابنا) فقراء إلي ما قد غني عنه کل مبطل سلف من تثبيت إنية من يدعون له وجوب الطاعة، فقد افتقروا إلي ما قد غني عنه سائر المبطلين واختلفوا بخاصة ازدادوا بها بطلانا وانحطوا بها عن سائر المبطلين، لان الزيادة من الباطل تحط والزيادة من الخير تعلو، والحمد لله رب العالمين.

ثم قال: وأقول قولا تعلم فيه الزيادة علي الانصاف منا وإن کان ذلک غير واجب علينا. أقول: إنه معلوم أنه ليس کل مدع ومدعي له بمحق، وإن کل سائل لمدع تصحيح دعواه بمنصف [2] وهؤلاء القوم ادعوا أن لهم من قد صح عندهم أمره ووجب له علي الناس الانقياد والتسليم وقد قدمنا أنه ليس کل مدع ومدعي له بواجب له التسليم، ونحن نسلم لهؤلاء القوم الدعوي ونقر علي أنفسنا بالابطال ـ وإن کان ذلک في غاية المحال ـ بعد أن يوجدونا إنية المدعي له ولا نسألهم تثبيت الدعوي، فان کان معلوما أن في هذا أکثر من الانصاف فقد وفينا بما قلنا، فان قدروا عليه فقد أبطلوا، و إن عجزوا عنه فقد وضح ما قلناه من زيادة عجزهم عن تثبيت ما يدعون علي عجز کل مبطل عن تثبيت دعواه. وأنهم مختصون من کل نوع من الباطل بخاصة يزدادون بها انحطاطا عن المبطلين أجمعين لقدرة کل مبطل سلف علي تثبيت دعواه إنية من يدعون له وعجز هؤلاء عما قدر عليه کل مبطل إلا ما يرجعون إليه من قولهم «إنه لابد ممن تجب به حجة الله عزوجل» وأجل لابد من وجوده فضلا عن کونه، فأوجدونا الانية من دون إيجاد الدعوي.

ولقد خبرت عن أبي جعفر بن أبي غانم [3] أنه قال لبعض من سأله فقال: بم تحاج الذين [4] کنت تقول ويقولون: إنه لابد من شخص قائم من أهل هذا البيت؟ قال



[ صفحه 53]



له: [5] أقول لهم: هذا جعفر.

فيا عجبا أيخصم الناس بمن ليس هو بمخصوم [6] وقد کان شيخ في هذه الناحية ـ رحمه الله ـ يقول: قد وسمت هؤلاء باللابدية أي أنه لا مرجع لهم ولا معتمد إلا إلي أنه لابد من أن يکون هذا الذي (ليس) في الکاينات، فوسمهم من أجل ذلک، و نحن نسميهم بها أي أنهم دون کل من له بد يعکف عليه إذ کان أهل الاصنام التي أحدها البد قد عکفوا علي موجود وإن کان باطلا، وهم قد تعلقوا بعدم ليس وباطل محض وهم اللابدية حقا، أي لابد لهم يعکفون عليه [7] إذ کان کل مطاع معبود، وقد وضح ما قلنا من اختصاصهم من کل نوع الباطل بخاصة يزدادون بها انحطاطا والحمد لله.

ثم قال: نختم الان هذا الکتاب بأن نقول: إنما نناظر ونخاطب من قد سبق منه الاجماع علي أنه لابد من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجة الله ويسد به فقر الخلق وفاقتهم ومن لم يجتمع معنا علي ذلک فقد خرج من النظر في کتابنا فضلا عن مطالبتنا به ونقول لکل من اجتمع معنا علي هذا الاصل من الذي قدمنا في هذا الموضع: کنا وإياکم قد أجمعنا علي أنه لا يخلو أحد من بيوت هذه الدار من سراج زاهر، فدخلنا الدار فلم نجد فيها إلا بيتا واحدا فقد وجب وصح أن في ذلک البيت سراجا. والحمد لله رب العالمين.

فأجابه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي بأن قال: إنا نقول: ـ وبالله التوفيق: ـ ليس الاسراف في الادعاء والتقول علي الخصوم مما يثبت بهما حجة، ولو کان ذلک کذلک لارتفع الحجاج بين المختلفين واعتمد کل واحد علي إضافة ما يخطر بباله من سوء القول إلي مخالفه وعلي ضد هذا بني الحجاج ووضع



[ صفحه 54]



النظر والانصاف أولي ما يعامل به أهل الدين وليس قول أبي الحسن ليس لنا ملجأ نرجع إليه ولا قيما نعطف عليه ولا سندا نتمسک بقوله حجة لان دعواه هذا مجرد من البرهان، والدعوي إذا انفردت عن البرهان کانت غير مقبول عند ذوي العقول والالباب ولسنا نعجز عن أن نقول: بلي لنا ـ والحمد لله ـ من نرجع إليه ونقف عند أمره ومن کان ثبتت حجته وظهرت أدلته، فان قلت: فأين ذلک؟ دلونا عليه قلنا: کيف تحبون أن ندلکم عليه أتسألوننا أن نأمره أن يرکب ويصير إليکم ويعرض نفسه عليکم أو تسألونا أن نبني له دارا ونحوله إليها ونعلم بذلک أهل الشرق والغرب فان رمتم ذلک فلسنا نقدر عليه ولا ذلک بواجب عليه، فان قلتم: من أي وجه تلزمنا حجته وتجب علينا طاعته؟ قلنا: إنا نقر أنه لا بد من رجل من ولد أبي الحسن علي بن محمد العسکري عليهما السلام تجب به حجة الله دللناکم علي ذلک حتي نضطرکم إليه إن أنصفتم من أنفسکم، وأول ما يجب علينا وعليکم أن لا نتجاوز ما قد رضي به أهل النظر واستعملوه ورأوا أن من حاد عن ذلک فقد ترک سبيل العلماء، وهو أنا لا نتکلم في فرع لم يثبت أصله وهذا الرجل الذي تجحدون وجوده فانما يثبت له الحق بعد أبيه وأنتم قوم لا تخالفونا في وجود أبيه فلا معني لترک النظر في حق أبيه والاشتغال [8] بالنظر معکم في وجوده فانه إذا ثبت الحق لابيه، فهذا ثابت ضرورة عند ذلک باقرارکم، وإن بطل أن يکون الحق لابيه فقد آل الامر إلي ما تقولون وقد أبطلنا، وهيهات لن يزداد الحق إلا قوة ولا الباطل إلا وهنا، وإن زخرفه المبطلون، والدليل علي صحة أمر أبيه أنا وإياکم مجمعون علي أنه لا بد من رجل من ولد أبي الحسن تثبت به حجة الله وينقطع به عذر الخلق وإن ذلک الرجل تلزم حجته من نأي عنه من أهل الاسلام کما تلزم من شاهده وعاينه ونحن وأکثر الخلق ممن قد لزمتنا الحجة من غير مشاهدة فننظر في الوجه الذي لزمتنا منه الحجة ما هي، ثم ننظر من أولي من الرجلين اللذين لا عقب لابي - الحسن غيرهما فأيهما کان أولي فهو الحجة والامام ولا حاجة بنا إلي التطويل، ثم



[ صفحه 55]



نظرنا من أي وجه تلزم الحجة من نأي عن الرسل والائمة عليهم السلام فإذا ذلک بالاخبار التي توجب الحجة وتزول عن ناقليها تهمة التواطؤ عليها والاجماع علي تخرصها ووضعها ثم فحصنا عن الحال فوجدنا فريقين ناقلين يزعم أحدهما أن الماضي نص علي الحسن عليه السلام وأشار إليه ويروون مع الوصية وما له من خاصة الکبر أدلة يذکرونها وعلما يثبتونه، ووجدنا الفريق الاخر يروون مثل ذلک لجعفر لا يقول غير هذا فانه أولي بنا نظرنا فإذا الناقل لاخبار جعفر جماعة يسيرة والجماعة اليسيرة يجوز عليها التواطؤ والتلاقي والتراسل فوقع نقلهم موقع شبهة لا موقع حجة وحجج الله لا تثبت بالشبهات ونظرنا في نقل الفريق الاخر فوجدناهم جماعات متباعدي الديار والاقطار، مختلفي الهمم والاراء متغايرين، فالکذب لا يجوز عليهم لنأي بعضهم عن بعض ولا التواطؤ ولا التراسل والاجتماع علي تخرص خبر ووضعه، فعلمنا أن النقل الصحيح هو نقلهم وأن المحق هؤلاء، ولانه إن بطل ما قد نقله هؤلاء علي ما وصفنا من شأنهم لم يصح خبر في الارض وبطلت الاخبار کلها فتأمل ـ وفقک الله ـ في الفريقين فانک تجدهم کما وصفت، وفي بطلان الاخبار هدم الاسلام وفي تصحيحها تصحيح خبرنا، وفي ذلک دليل علي صحة أمرنا، والحمد لله رب العالمين.

ثم رأيت الجعفرية [9] تختلف في إمامة جعفر من أي وجه تجب؟ فقال قوم: بعد أخيه محمد، وقال قوم: بعد أخيه الحسن، وقال قوم: بعد أبيه. ورأيناهم لا يتجاوزون ذلک ورأينا أسلافهم وأسلافنا قد رووا قبل الحادث ما يدل علي إمامة الحسن وهو ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا توالت ثلاثة أسماء: محمد وعلي والحسن فالرابع القائم» وغير ذلک من الروايات وهذه وحدها توجب الامامة للحسن، وليس إلا الحسن وجعفر. فإذا لم تثبت لجعفر حجة علي من شاهده في أيام الحسن والامام ثابت الحجة علي من رآه ومن لم يره فهو الحسن اضطرارا، وإذا ثبت الحسن عليه السلام وجعفر عندکم مبرء تبرأ منه والامام لا يتبرأ من الامام والحسن قد مضي ولا بد عندنا وعندکم من



[ صفحه 56]



رجل من ولد الحسن عليه السلام تثبت به حجة الله، فقد وجب بالاضطرار للحسن ولد قائم عليه السلام.

وقل يا أبا جعفر ـ أسعدک الله ـ لابي الحسن أعزه الله: [10] يقول محمد بن عبد الرحمن قد أوجدناک إنية المدعي له فأين المهرب؟ هل تقر علي نفسک بالابطال کما ضمنت أو يمنعک الهوي من ذلک فتکون کما قال الله تعالي: «وإن کثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم». [11] .

فأما ما وسم به أهل الحق من اللابدية لقولهم: «لا بد ممن تجب به حجة الله» فيا عجبا فلا يقول أبو الحسن لا بد ممن تجب به حجة الله؟ وکيف لا يقول وقد قال عند حکايته عنا وتعييره إيانا: «أجل لا بد من وجوده فضلا عن کونه» فان کان يقول ذلک فهو وأصحابه من اللابدية وإنما وسم نفسه وعاب إخوانه، وإن کان لا يقول ذلک فقد کفينا مؤونة تنظيره ومثله بالبيت والسراج، وکذا يکون حال من عاند أولياء الله يعيب نفسه من حيث يري أنه يعيب خصمه، والحمد لله المؤيد للحق بأدلته. ونحن نسمي هؤلاء بالبدية إذ کانوا عبدة البد قد عکفوا علي ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا. وهکذا هؤلاء، ونقول: يا أبا الحسن ـ هداک الله ـ هذا حجة الله علي الجن والانس ومن لا تثبت حجته علي الخلق إلا بعد الدعاء والبيان محمد صلي الله عليه وآله قد أخفي شخصه في الغار حتي لم يعلم بمکانه ممن احتج الله عليهم به إلا خمسة نفر. [12] .



[ صفحه 57]



فان قلت: إن تلک غيبة بعد ظهوره وبعد أن قام علي فراشه من يقوم مقامه، قلت لک: لسنا نحتج عليک في حال ظهوره ولا استخلافه لمن يقوم مقامه من هذا في قبيل ولا دبير [13] وإنما نقول لک: أليس تثبت حجته في نفسه في حال غيبته علي من لم يعلم بمکانه لعلة من العلل فلا بد من أن تقول: نعم، قلنا: ونثبت حجة الامام وإن کان غائبا لعلة اخري وإلا فما الفرق؟ ثم نقول: وهذا أيضا لم يغب حتي ملا آباؤه عليهم السلام آذان شيعتم بأن غيبته تکون وعرفوهم کيف يعملون عند غيبته.

فان قلت في ولادته، فهذا موسي عليه السلام مع شدة طلب فرعون إياه وما فعل بالنساء والاولاد لمکانه حتي أذن الله في ظهوره، وقد قال الرضا عليه السلام في وصفه: «بأبي وامي شبيهي وسمي جدي وشبيه موسي بن عمران.

وحجة اخري نقول لک: يا أبا الحسن أتقر أن الشيعة قد روت في الغيبة أخبارا؟ فان قال: لا، أوجدناه الاخبار، وإن قال: نعم، قلنا له: فکيف تکون حالة الناس إذا غاب إمامهم فکيف تلزمهم الحجة في وقت غيبته، فان قال: يقيم من يقوم مقامه، فليس يقوم عندنا وعندکم مقام الامام إلا الامام، وإذا کان إماما قائما [14] .



[ صفحه 58]



فلاغيبة وإن احتج بشيء آخر في تلک الغيبة فهو بعينه حجتنا في وقتنا لا فرق فيه ولافصل.

ومن الدليل علي فساد أمر جعفر موالاته وتزکيته فارس بن حاتم ـ لعنه الله - [15] وقد برئ منه أبوه، وشاع ذلک في الامصار حتي وقف عليه الاعداء فضلا عن الاولياء.

ومن الدليل علي فساد أمره استعانته بمن استعان في طلب الميراث من أم الحسن عليه السلام وقد أجمعت الشيعة أن آباءه عليهم السلام أجمعوا أن الاخ لا يرث مع الام.

ومن الدليل علي فساد أمره قوله: إني إمام بعد أخي محمد، فليت شعري متي تثبت إمامة أخيه وقد مات قبل أبيه حتي تثبت إمامة خليفته، ويا عجبا إذا کان محمد يستخلف ويقيم إماما بعده وأبوه حي قائم وهو الحجة والامام فما يصنع أبوه، و متي جرت هذه السنة في الائمة وأولادهم حتي نقبلها منکم، فدلونا علي ما يوجب إمامة محمد حتي إذا ثبتت قبلنا إمامة خليفته. والحمد لله الذي جعل الحق مؤيدا والباطل مهتوکا ضعيفا زاهقا.

فأما ما حکي عن ابن أبي غانم ـ رحمه الله ـ فلم يرد الرجل بقوله عندنا يثبت إمامة جعفر، وإنما أراد أن يعلم السائل أن أهل هذه البيت لم يفنوا حتي لا يوجد منهم أحدا.

وأما قوله: «وکل مطاع معبود» فهو خطأ عظيم لانا لا نعرف معبودا إلا الله ونحن نطيع رسول الله صلي الله عليه وآله ولا نعبده.

وأما قوله: نختم الان هذا الکتاب بأن نقول: إنما نناظر ونخاطب من قد سبق منه الاجماع بأنه لا بد من إمام قائم من أهل هذه البيت تجب به حجة الله ـ إلي قوله ـ وصح أن في ذلک البيت سراجا، ولا حاجة بنا إلي دخوله فنحن ـ وفقک الله ـ لا نخالفه وأنه لا بد من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجة الله وإنما



[ صفحه 59]



نخالفه في کيفية قيامه وظهوره وغيبته.

وأما ما مثل به من البيت والسراج فهو مني، وقد قيل: إن المني رأس أموال المفاليس، ولکنا نضرب مثلا علي الحقيقة لا نميل فيه علي حضم ولا نحيف فيه علي ضد، بل نقصد فيه الصواب فنقول: کنا ومن خالفنا قد أجمعنا علي أن فلانا مضي وله ولدان وله دار وأن الدار يستحقها منهما من قدر علي أن يحمل باحدي يديه ألف رطل وأن الدار لا تزال في يدي عقب الحامل [16] إلي يوم القيامة، ونعلم أن أحدهما يحمل والاخر يعجز، ثم احتجنا أن نعلم من الحامل منهما فقصدنا مکانهما لمعرفة ذلک فعاق عنهما عائق منع عن مشاهدتهما غير أنا رأينا جماعات کثيرة في بلدان نائية متباعدة بعضها عن بعض يشهدون أنهم رأوا أن الاکبر منهما قد حمل ذلک، ووجدنا جماعة يسيرة في موضع واحد يشهدون أن الاصغر منهما فعل ذلک، ولم نجد لهذه الجماعة خاصة يأتوا بها، فلم يجز في حکم النظر وحفيظة الانصاف وما جرت به العادة وصحت به التجربة رد شهادة تلک الجماعات وقبول شهادة هذه الجماعة والتهمة تلحق هؤلاء وتبعد عن أولئک.

فان قال خصومنا: فما تقولون في شهادة سلمان وأبي ذر وعمار والمقداد لامير المؤمنين عليه السلام، وشهادة تلک الجماعات وأولئک الخلق لغيره أيهما کان أصوب؟

قلنا لهم: لامير المؤمنين عليه السلام وأصحابه امور خص بها وخصوا بها دون من بازائهم، فان أوجدتمونا مثل ذلک أو ما يقاربه لکم فأنتم المحقون: أو لها أن أعداءه کانوا يقرون بفضله وطهارته وعلمه، وقد روينا ورووا له معنا أنه صلي الله عليه وآله خبر «أن الله يوالي من يواليه ويعادي من يعاديه» فوجب لهذا أن يتبع دون غيره، والثاني أن أعداءه لم يقولوا له: نحن نشهد أن النبي صلي الله عليه وآله أشار إلي فلان بالامامة ونصبه حجة للخلق وإنما نصبوه لهم علي جهة الاختيار کما قد بلغک، والثالث أن أعداءه کانوا يشهدون علي أحد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا يکذب لقوله صلي الله عليه وآله: «ما



[ صفحه 60]



أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر» فکانت شهادته وحده أفضل من شهادتهم، والرابع أن أعداءه قد نقلوا ما نقله أولياؤه مما تجب به الحجة وذهبوا عنه بفساد التأويل، والخامس أن أعداءه رووا في الحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة، ورووا أيضا أنه صلي الله عليه وآله قال: «من کذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» فلما شهدا لابيهما بذلک وصح أنهما من أهل الجنة بشهادة الرسول وجب تصديقهما لانهما لو کذبا في هذا لم يکونا من أهل الجنة وکانا من أهل النار وحاشا لهما الزکيين الطيبين الصادقين، فليوجدنا أصحاب جعفر خاصة هي لهم دون خصومهم حتي يقبل ذلک، وإلا فلا معني لترک خبر متواتر لا تهمة في نقله ولا علي ناقليه وقبول خبر لا يؤمن علي ناقليه تهمة التواطؤ عليه، ولا خاصة معهم يثبتون بها ولن يفعل ذلک إلا تائه حيران. فتأمل ـ أسعدک الله ـ في النظر فيما کتبت به إليک مما ينظر به الناظر لدينه، المفکر في معاده المتأمل بعين الخيفة والحذار إلي عواقب الکفر والجحود موفقا إن شاء الله تعالي أطال الله بقاءک وأعزک وأيدک وثبتک وجعلک من أهل الحق وهداک له وأعاذک من أن تکون من الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ومن الذين يستزلهم الشيطان بخدعه وغروره وإملائه وتسويله وأجري لک أجمل ما عودک.

وکتب بعض الامامية إلي أبي جعفر بن قبة کتابا يسأله فيه عن مسائل، فورد في جوابها أما قولک ـ أيدک الله ـ حاکيا عن المعتزلة أنها زعمت أن الامامية تزعم أن النص علي الامام واجب في العقل فهذا يحتمل أمرين إن کانوا يريدون أنه واجب في العقل قبل مجيء الرسل عليهم السلام وشرع الشرايع فهذا خطأ وإن أرادوا أن العقول دلت علي أنه لابد من إمام بعد الانبياء عليهم السلام، فقد علموا ذلک بالادلة القطعية وعلموه أيضا بالخبر الذي ينقلونه عمن يقولون بامامته. وأما قول المعتزلة: إنا قد علمنا يقينا أن الحسن بن علي عليهما السلام مضي ولم ينص فقد ادعوا دعوي يخالفون فيها وهم محتاجون إلي أن يدلوا علي صحتها وبأي شيء ينفصلون ممن زعم من مخالفيهم أنهم قد علموا من ذلک ضد ما ادعوا أنهم علموه.



[ صفحه 61]



ومن الدليل علي أن الحسن بن علي عليهما السلام قد نص ثبات إمامته، وصحة النص من النبي صلي الله عليه وآله، وفساد الاختيار، ونقل الشيع عمن قد أوجبوا بالادلة تصديقه أن الامام لا يمضي أو ينص علي إمام کما فعل رسول الله صلي الله عليه وآله إذ کان الناس محتاجين في کل عصر إلي من يکون خبره لا يختلف ولا يتکاذب کما اختلفت أخبار الامة عند مخالفينا هؤلاء وتکاذبت وأن يکون إذا أمر ائتمر بطاعته ولا يد فوق يده ولا يسهو ولا يغلط وأن يکون عالما ليعلم الناس ما جهلوا، وعادلا ليحکم بالحق، ومن هذا حکمه فلا بد من أن ينص عليه علام الغيوب علي لسان من يؤدي ذلک عنه إذ کان ليس في ظاهر خلقته ما يدل علي عصمته.

فإن قالت المعتزلة: هذه دعاوي تحتاجون إلي أن تدلوا علي صحتها، قلنا: أجل لابد من الدلائل علي صحة ما ادعيناه من ذلک وأنتم، فإنما سألتم عن فرع والفرع لا يدل عليه دون أن يدل علي صحة أصله، ودلائلنا في کتبنا موجودة علي صحة هذه الاصول ونظير ذلک أن سائلا لو سألنا الدليل علي صحة الشرايع لاحتجنا أن ندل علي صحة الخبر وعلي صحة نبؤة النبي صلي الله عليه وآله وعلي أنه أمر بها، وقبل ذلک أن الله عزوجل واحد حکيم، وذلک بعد فراغنا من الدليل علي أن العالم محدث، و هذا نظير ما سألونا عنه، وقد تأملت في هذه المسألة فوجدت غرضها رکيکا وهو أنهم قالوا: لو کان الحسن بن علي عليهما السلام قد نص علي من تدعون إمامته لسقطت الغيبة.

والجواب في ذلک أن الغيبة ليست هي العدم فقد يغيب الانسان إلي بلد يکون معروفا فيه ومشاهدا لاهله، ويکون غائبا عن بلد آخر، وکذلک قد يکون الانسان غائبا عن قوم دون قوم، وعن أعدائه لا عن أوليائه فيقال: إنه غائب وإنه مستتر، وإنما قيل غائب لغيبته عن أعدائه وعمن لا يوثق بکتمانه من أوليائه وأنه ليس مثل آبائه عليهم السلام ظاهرا للخاصة والعامة وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه وهم عندنا ممن تجب بنقلهم الحجة إذا کانوا يقطعون العذر لکثرتهم واختلافهم في هممهم ووقوع الاضطرار مع خبرهم، ونقلوا ذلک کما نقلوا إمامة آبائه عليهم السلام وإن خالفهم مخالفوهم فيها وکما تجب بنقل المسلمين صحة آيات النبي صلي الله عليه وآله سوي القرآن وإن خالفهم



[ صفحه 62]



أعداؤهم من أهل الکتاب والمجوس والزنادقة والدهرية في کونها. ولبست هذه مسألة تشتبه علي مثلک مع ما أعرفه من حسن تأملک.

وأما قولهم [17] إذا ظهر فکيف يعلم أنه محمد بن الحسن بن علي عليهم السلام؟.

فالجواب في ذلک أنه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجة من أوليائه کما صحت إمامته عندنا بنقلهم.

وجواب آخر وهو أنه قد يجوز أن يظهر معجزا يدل علي ذلک. وهذا الجواب الثاني هو الذي نعتمد عليه ونجيب الخصوم به وإن کان الاول صحيحا.

وأما قول المعتزلة: فکيف لم يحتج عليهم علي بن أبي طالب بإقامة المعجز يوم الشوري؟ فإنا نقول: إن الانبياء والحجج عليهم السلام إنما يظهرون من الدلالات والبراهين حسب ما يأمرهم الله عزوجل به مما يعلم الله أنه صالح للخلق فإذا ثبتت الحجة عليهم بقول النبي صلي الله عليه وآله فيه ونصه عليه فقد استغني بذلک عن إقامة المعجزات اللهم إلا أن يقول قائل: إن إقامة المعجزات کانت أصلح في ذلک الوقت، فنقول له: وما الدليل علي صحة ذلک؟ وما ينکر الخصم من أن تکون إقامته لها ليس بأصلح وأن يکون الله عزوجل لو أظهر معجزا علي يديه في ذلک الوقت لکفروا أکثر من کفرهم ذلک الوقت ولادعوا عليه السحر والمخرقة وإذا کان هذا جائزا لم يعلم أن إقامة المعجز کانت أصلح.

فإن قالت المعتزلة: فبأي شيء تعلمون أن إقامة [18] من تدعون إمامته المعجز علي أنه ابن الحسن بن علي عليهما السلام إصلح؟ قلنا لهم: لسنا نعلم أنه لا بد من إقامة المعجز في تلک الحال وإنما نجوز ذلک، اللهم إلا أن يکون لا دلالة غير المعجز فيکون لا بد منه لاثبات الحجة وإذا کان لا بد منه کان واجبا وما کان واجبا کان صلاحا لا فسادا، وقد علمنا أن الانبياء عليهم السلام قد أقاموا المعجزات في وقت دون وقت ولم يقيموها في کل يوم ووقت ولحظة وطرفة وعند کل محتج عليهم ممن أراد الاسلام، بل في



[ صفحه 63]



وقت دون وقت علي حسب ما يعلم الله عزوجل من الصلاح. وقد حکي الله عزوجل عن المشرکين أنهم سألوا نبيه صلي الله عليه وآله أن يرقي في السماء وأن يسقط السماء عليهم کسفا أو ينزل عليهم کتابا يقرؤونه وغير ذلک مما في الاية، فما فعل ذلک بهم، وسألوه أن يحيي لهم قصي بن کلاب وأن ينقل عنهم جبال تهامة فما أجابهم إليه وإن کان عليه السلام قد أقام لهم غير ذلک من المعجزات، وکذا حکم ما سألت المعتزلة عنه، ويقال لهم کما قالوا لنا لم نترک أوضح الحجج وأبين الادلة من تکرر المعجزات والاستظهار بکثرة الدلالات.

وأما قول المعتزلة: إنه احتج بما يحتمل التأويل، فيقال: فما احتج عندنا علي أهل الشوري إلا بما عرفوا من نص النبي صلي الله عليه وآله لان أولئک الروساء لم يکونوا جهالا بالامر وليس حکمهم حکم غيرهم من الاتباع، ونقلب هذا الکلام علي المعتزلة فيقال لهم لم لم يبعث الله عزوجل بأضعاف من بعث من الانبياء؟ ولم لم يبعث في کل قرية نبيا وفي کل عصر ودهر نبيا أو أنبياء إلي أن تقوم الساعة؟ ولم لم يبين معاني القرآن حتي لا يشک فيه شاک ولم ترکه محتملا للتأويل؟ وهذه المسائل تضطرهم إلي جوابنا. إلي ههنا کلام أبي جعفر بن قبة ـ رحمه الله ـ.


پاورقي

[1] محمد بن عبد الرحمن بن قبة ـ بالقاف المکسورة وفتح الباء الموحدة الرازي أبو جعفر متکلم عظيم القدر حسن العقيدة کان قديما من المعتزلة وتبصر وانتقل، وکان شيخ الامامية في زمانه کما في (جش وصه).

[2] في بعض النسخ «ليس کل مدع ومدعي له فمحق وان کان (کل - خ ل) سائل للمدعي تصحيح دعواه فمنصف».

[3] هو غير علي بن أبي غانم الذي عنونه منتجب الدين بل هو رجل آخر لم أعثر علي عنوانه في کتب الرجال.

[4] في بعض النسخ «الذي».

[5] يعني أبو جعفر قال للمعترض.

[6] لما کان جواب أبي جعفر ابن أبي غانم للمعترض: «أقول انه جعفر». تعجب منه ابن بشار لان جعفر ليس بقابل أن يخاصم فيه أولم يکن موردا لها.

[7] کذا.

[8] في بعض النسخ «والانتقال».

[9] يعني القائلين بامامة جعفر الکذاب.

[10] يعني بأبي جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة، وبابي الحسن علي بن أحمد ابن بشار.

[11] الانعام: 119.

[12] المراد بالخمسة: علي بن أبي طالب، وأبو بکر، وعبد الله بن اريقط الليثي، واسماء بنت أبي بکر، وعامر بن فهيرة. والقصة کما في اعلام الوري هکذا: بقي رسول صلي الله عليه وآله في الغار ثلاثة أيام، ثم اذن الله له في الهجرة وقال: يا محمد اخرج عن مکة فليس لک بها ناصر بعد أبي طالب. فخرج رسول الله صلي الله عليه وآله وأقبل راع لبعض قريش يقال له ابن اريقط فدعاه رسول الله صلي الله عليه وآله وقال: يا ابن اريقط أئتمنک علي دمي؟ قال إذا احرسک وأحفظک ولا أدل عليک فأين تريد يا محمد؟ قال: يثرب، قال: والله لاسلکن بک مسلکا لا يهتدي إليه أحد، قال له رسول الله صلي الله عليه وآله: ائت عليا وبشره بان الله قد أذن لي في الهجرة فيهيئ لي زاداً وراحلة. وقال أبو بکر: ائت اسماء بنتي وقل لها: تهيأ لي زادا وراحلتين، وأعلم عامر بن فهيرة أمرنا ـ وکان من موالي أبي بکر وقد کان أسلم ـ قل له: ائتنا بالزاد والراحلتين، فجاء ابن اريقط إلي علي وأخبره بذلک فبعث علي بن أبي طالب عليه السلام إلي رسول الله صلي الله عليه وآله بزاد و راحلة، وبعث ابن فهيرة بزاد وراحلتين. وخرج رسول الله صلي الله عليه وآله من الغار وأخذ به ابن اريقط علي طريق نخلة بين الجبال فلم يرجعوا إلي الطريق الا بقديد.

[13] القبيل ما اقبلت به إلي صدرک. والدبير ما أدبرت به عن صدرک، ويقال: فلان ما يعرف قبيلا ولا دبيرا. والمراد ما أقبلت به المرأة من غزلها وما أدبرت. وهذا الکلام تعريض لابن بشار يعني أنه لا يدري ما يقول ولسنا نحتج عليه في هذا الامر.

[14] يعني إذا کان من يقوم اماما قائما.

[15] هو فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني نزيل العسکر من اصحاب الرضا عليه السلام غال ملعون أهدر أبو الحسن العسکري عليه السلام دمه وضمن لمن يقتله الجنة فقتله جنيد. راجع منهج المقال ص 257.

[16] يعني اولاده وأحفاده.

[17] أي قول المعتزلة.

[18] في بعض النسخ «ان أقام».