بازگشت

جواب عن اعتراض


وقد يعترض معترض جاهل بآثار الحکمة، غافل عن مستقيم التدبير لاهل الملة بأن يقول: ما بال الغيبة وقعت بصاحب زمانکم هذا دون من تقدم من آبائه الائمة بزعمکم وقد نجد شيعة آل محمد عليهم السلام في زماننا هذا أحسن حالا وأرغد عيشا منهم في زمن بني امية إذ کانوا في ذلک الزمان مطالبين بالبراءة من أمير المؤمنين عليه السلام إلي غير ذلک من أحوال القتل والتشريد. وهم في هذا الحال وادعون سالمون، قد کثرت شيعتهم وتوافرت أنصارهم وظهرت کلمتهم بموالاة کبراء أهل الدولة لهم وذوي السلطان و النجدة منهم.

فأقول ـ وبالله التوفيق ـ: إن الجهل غير معدوم من ذوي الغفلة وأهل التکذيب والحيرة وقد تقدم من قولنا أن ظهور حجج الله عليهم السلام واستتارهم جري في وزن



[ صفحه 46]



الحکمة [1] حسب الامکان والتدبير لاهل الايمان، وإذا کان ذلک کذلک فليقل ذو والنظر والتمييز: إن الامر الان ـ وإن کان الحال کما وصفت ـ أصعب والمحنة أشد مما تقدم من أزمنة الائمة السالفة عليهم السلام وذلک أن الائمة الماضية أسروا في جميع مقاماتهم إلي شيعتهم والقائلين بولايتهم والمائلين من الناس إليهم حتي تظاهر ذلک بين أعدائهم أن صاحب السيف هو الثاني عشر من الائمة عليهم السلام وأنه عليه السلام لا يقوم حتي تجيئ صيحة من السماء باسمه واسم أبيه والانفس منيتة [2] علي نشر ما سمعت وإذاعة ما أحست فکان ذلک منتشرا بين شيعة آل محمد صلي الله عليه وآله وعند مخالفيهم من الطواغيت وغيرهم وعرفوا منزلة أئمتهم من الصدق ومحلهم من العلم والفضل، وکانوا يتوقفون عن التسرع إلي إتلافهم ويتحامون القصد لانزال المکروه بهم مع ما يلزم من حال التدبير في إيجاب ظهورهم کذلک ليصل کل امرء منهم إلي ما يستحقه من هداية أو ضلالة کما قال الله تعالي: «من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا» [3] وقال الله عزوجل: «وليزيدن کثيرا منهم ما انزل إليک من ربک طغيانا وکفرا فلا تأس علي القوم الکافرين» [4] وهذا الزمان قد استوفي أهله کل إشارة من نص وآثار فتناهت بهم الاخبار واتصلت بهم الاثار إلي أن صاحب هذا الزمان عليه السلام هو صاحب السيف والانفس منيتة [5]

فقال الشامي لهشام: من هذا الذي تشير إليه وتصفه بهذه الصفات؟ قال هشام: هو هذا وأشار بيده إلي الصادق عليه السلام فکان يکون ذلک منتشرا في مجالسهم کانتشاره بينهم مع إشارتهم إليه بوجود شخصه ونسبه ومکانه، ثم لم يکونوا حينئذ يمهلون ولا ينظرون کفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل للذي قد کان ذاع منهم وانتشر بينهم من کون موسي عليه السلام بينهم وهلاک فرعون ومملکته علي يديه، وکذلک کان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيته وأهل مملکته في طلب إبراهيم عليه السلام زمان انتشار الخبر بوقت ولادته وکون هلاک نمرود وأهل مملکته ودينه علي يديه کذلک طاغية زمان وفاة الحسن بن ـ علي عليهما السلام والد صاحب الزمان عليه السلام وطلب ولده والتوکيل بداره وحبس جواريه وانتظاره بهن وضع الحمل الذي کان بهن، [6] فلو لا أن إرادتهم کانت ما ذکر نا من حال إبراهيم وموسي عليهما السلام لما کان ذلک منهم، وقد خلف عليه السلام أهله وولده وقد علموا من مذهبه ودينه أن لا يرث مع الولد والابوين أحد إلا زوج أو زوجة، کلاما يتوهم غير هذا عاقل ولافهم غير هذا مع ما وجب من التدبير والحکمة المستقيمة ببلوغ غاية المدة في الظهور والاستتار فإذا کان ذلک کذلک وقعت الغيبة فاستتر عنهم شخصه وضلوا عن معرفة مکانه، ثم نشر ناشر من شيعته شيئا من أمره بما وصفناه وصاحبکم في حال الاستتار فوردت عادية من طاغوت الزمان أو صاحب فتنة من العوام تفحص عما ورد من الاستتار وذکر من الاخبار فلم يجد حقيقة يشار إليها ولا شبهة يتعلق بها انکسرت العادية و سکنت الفتنة وتراجعت الحمية، فلا يکون حينئذ علي شيعته ولا علي شيء من أشيائهم [7] لمخالفيهم متسلق ولا إلي اصطلامهم سبيل متعلق [8] وعند ذلک تخمد النائرة وترتدع العادية، فتظاهر أحوالهم عند الناظر في شأنهم، ويتضح للمتأمل أمرهم، و يتحقق المؤمن المفکر في مذهبهم، فيلحق بأولياء الحجة من کان في حيرة الجهل و



[ صفحه 48]



ينکشف عنهم ران الظلمة [9] عند مهلة التأمل [10] بيناته وشواهد علاماته کحال اتضاحه وانکشافه عند من يتأمل کتابنا هذا مريدا للنجاة، هاربا من سبل الضلالة، ملتحقا بمن سبقت لهم من الله الحسني، فآثر علي الضلالة الهدي.


پاورقي

[1] کذا، يعني في ميزان الحکمة.

[2] في بعض النسخ «مبنية» والمنيتة أي المائلة کما في بعض اللغات. وفي بعض النسخ «منبعثة».

[3] الکهف: 17.

[4] المائدة: 68.

[5] علي (ما وصفنا من) نشر ما سمعت وذکر ما رأت وشاهدت، فلو کان صاحب هذا الزمان عليه السلام ظاهرا موجودا لنشر شيعته ذلک ولتعداهم إلي مخالفيهم بحسن ظن بعضهم بمن يدخل فيهم ويظهر الميل إليهم وفي أوقات الجدال بالدلالة علي شخصه والاشارة إلي مکانه کفعل هشام بن الحکم مع الشامي وقد ناظره بحضرة الصادق عليه السلام

**صفحه=47

[6] في بعض النسخ «وضع حمل ان کان بهن».

[7] في بعض النسخ «من اسبابهم».

[8] تسلق الجدار: تسوره وصعد عليه، والمتسلق: آلة التسلق. والاصطلام: الاستيصال.

[9] أي تغطية الظلمة. وفي بعض النسخ «درن الظلمة» والدرن: الوسخ.

[10] في بعض النسخ «المتأمل للحق».