بازگشت

اثبات الغيبة والحکمة فيها


فأقول ـ وبالله التوفيق ـ: إن الغيبة التي وقعت لصاحب زماننا عليه السلام قد لزمت حکمتها وبان حقها وفلجت حجتها للذي شاهدناه وعرفناه من آثار حکمة الله عزوجل واستقامة تدبيره في حججه المتقدمة في الاعصار السالفة مع أئمة الضلال وتظاهر الطواغيت واستعلاء الفراعنة في الحقب الخالية وما نحن بسبيله في زماننا هذا من تظاهر أئمة الکفر بمعونة أهل الافک والعدوان والبهتان.

وذلک أن خصومنا طالبونا بوجود صاحب زماننا عليه السلام کوجود من تقدمه من الائمة عليهم السلام فقالوا: إنه قد مضي علي قولکم من عصر وفاة نبينا عليه السلام أحد عشر إماما کل منهم کان موجودا معروفا باسمه وشخصه بين الخاص والعام، فان لم يوجد کذلک فقد فسد عليکم أمر من تقدم من أئمتکم کفساد أمر صاحب زمانکم هذا في عدمه وتعذر وجوده.

فأقول ـ وبالله التوفيق ـ: إن خصومنا قد جهلوا آثار حکمة الله تعالي وأغفلوا مواقع الحق ومناهج السبيل في مقامات حجج الله تعالي مع أئمة الضلال في دول الباطل في کل عصر وزمان إذ قد ثبت أن ظهور حجج الله تعالي في مقاماتهم في دول الباطل علي سبيل الامکان والتدبير لاهل الزمان، فان کانت الحال ممکنة في استقامة تدبير الاولياء لوجود الحجة بين الخاص والعام کان ظهور الحجة کذلک وإن کانت الحال غير ممکنة من استقامة تدبير الاولياء لوجود الحجة بين الخاص والعام وکان استتاره مما توجبه الحکمة ويقتضيه التدبير حجبه الله وستره إلي وقت بلوغ الکتاب أجله،



[ صفحه 21]



کما قد وجدنا من ذلک في حجج الله المتقدمة من عصر وفاة آدم عليه السلام إلي حين زماننا هذا منهم المستخفون ومنهم المستعلنون، بذلک جاءت الاثار ونطق الکتاب.

فمن ذلک ما:

حدثنا به أبي ـ رحمه الله ـ قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن ـ محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن جرير، عن عبد الحميد ابن أبي الديلم قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: يا عبد الحميد إن لله رسلا مستعلنين ورسلا مستخفين فإذا سألته بحق المستعلنين فسله بحق المستخفين.

وتصديق ذلک من الکتاب قوله تعالي: «ورسلا قد قصصناهم عليک من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليک وکلم الله موسي تکليما» [1] فکانت حجج الله تعالي کذلک من وقت وفاة آدم عليه السلام إلي وقت ظهور إبراهيم عليه السلام أوصياء مستعلنين ومستخفين، فلما کان وقت کون إبراهيم عليه السلام ستر الله شخصه وأخفي ولادته، لان الامکان في ظهور الحجة کان متعذرا في زمانه، وکان إبراهيم عليه السلام في سلطان نمرود مستترا لامره و کان غير مظهر نفسه، ونمرود يقتل أولاد رعيته وأهل مملکته في طلبه إلي أن دلهم إبراهيم عليه السلام علي نفسه، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجته وإکمال دينه، فلما کان وقت وفاة إبراهيم عليه السلام کان له أوصياء حججا لله عزوجل في أرضه يتوارثون الوصية کذلک مستعلنين ومستخفين إلي وقت کون موسي عليه السلام فکان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلب موسي عليه السلام الذي قد شاع من ذکره وخبر کونه، فستر الله ولادته، ثم قذفت به أمه في اليم کما أخبر الله عزوجل في کتابه «فالتقطه آل فرعون» [2] وکان موسي عليه السلام في حجر فرعون يربيه وهو لا يعرفه، وفرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه، ثم کان من أمره بعد أن أظهر دعوته ودلهم علي نفسه ما قد قصه الله عزوجل في کتابه، فلما کان وقت



[ صفحه 22]



وفاة موسي عليه السلام کان له أوصياء حججا لله کذلک مستعلنين ومستخفين إلي وقت ظهور عيسي عليه السلام.

فظهر عيسي عليه السلام في ولادته، معلنا لدلائله، مظهرا لشخصه، شاهرا لبراهينه، غير مخف لنفسه لان زمانه کان زمان إمکان ظهور الحجة کذلک.

ثم کان له من بعده أوصياء حججا لله عز وجل کذلک مستعلنين ومستخفين إلي وقت ظهور نبينا صلي الله عليه وآله فقال الله عزوجل له في الکتاب: «ما يقال لک إلا ما قد قيل للرسل من قبلک» [3] ثم قال عزوجل: «سنة من قد أرسلنا قبلک من رسلنا» [4] فکان مما قيل له ولزم من سنته علي إيجاب سنن من تقدمه من الرسل إقامة الاوصياء له کاقامة من تقدمه لاوصيائهم، فأقام رسول الله صلي الله عليه وآله أوصياء کذلک وأخبر بکون المهدي خاتم الائمة عليهم السلام، وأنه يملا الارض قسطا وعدلا کما ملئت جورا وظلما، نقلت الامة ذلک بأجمعها عنه، وأن عيسي عليه السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلي خلفه، فحفظت ولادات الاوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام إلي وقت ولادة صاحب زماننا عليه السلام المنتظر للقسط والعدل، کما أوجبت الحکمة باستقامة التدبير غيبة من ذکرنا من الحجج المتقدمة بالوجود.

وذلک أن المعروف المتسالم بين الخاص والعام من أهل هذه الملة أن الحسن ابن علي والد صاحب زماننا عليهما السلام قد کان وکل به طاغية زمانه إلي وقت وفاته، فلما توفي عليه السلام وکل بحاشيته وأهله وحبست جواريه وطلب مولوده هذا أشد الطلب و کان أحد المتوليين عليه عمه جعفر أخو [5] الحسن بن علي بما ادعاده لنفسه من الامامة ورجا أن يتم له ذلک بوجود ابن أخيه صاحب الزمان عليه السلام فجرت السنة في غيبته بما جري من سنن غيبة من ذکرنا من الحجج المتقدمة، ولزم من حکمة غيبة عليه السلام ما لزم من حکمة غيبتهم.



[ صفحه 23]



رد اشکال

وکان من معارضة خصومنا أن قالوا: ولم أوجبتم في الائمة ما کان واجبا في الانبياء، فما أنکرتم أن ذلک کان جائزا في الانبياء وغير جائز في الائمة فإن الائمة ليسوا کالانبياء فغير جائز أن يشبه حال الائمة بحال الانبياء فأوجدونا دليلا مقنعا علي أنه جائز في الائمة ما کان جائزا في الانبياء والرسل فيما شبهتم من حال الائمة الذين ليسوا بأشباه الانبياء والرسل، وإنما يقاس الشکل بالشکل والمثل بالمثل، فلن تثبت دعواکم في ذلک، ولن يستقيم لکم قياسکم في تشبيهکم حال الائمة بحال الانبياء عليهم السلام إلا بدليل مقنع.

فأقول ـ وبالله أهتدي ـ: إن خصومنا قد جهلوا فيما عارضونا به من ذلک ولو أنهم کانوا من أهل التمييز والنظر والتفکر والتدبر باطراح العناد وإزالة العصبية لرؤسائهم ومن تقدم من إسلافهم لعلموا أن کل ما کان جائزا في الانبياء فهو واجب لازم في الائمة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وذلک أن الانبياء هم أصول الائمة ومغيضهم [6] والائمة هم خلفاء الانبياء وأوصياؤهم والقائمون بحجة الله تعالي علي من يکون بعدهم کيلا تبطل حجج الله وحدود (ه و) شرايعه مادام التکليف علي العباد قائما والامر لهم لازما، ولو وجبت المعارضة لجاز لقائل أن يقول: إن الانبياء هم حجج الله فغير جائز أن يکون الائمة حجج الله إذ ليسوا بالانبياء ولا کالانبياء، وله أن يقول أيضا: فغير جائز أن يسموا أئمة لان الانبياء کانوا أئمة وهؤلاء ليسوا بأنبياء فيکونوا أئمة کالانبياء، وغير جائز أيضا أن يقوموا بما کان يقوم به الرسل من الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنکر إلي غير ذلک من أبواب الشريعة إذ ليسوا کالرسول ولا هم برسل. ثم يأتي بمثل هذا من المحال مما يکثر تعداده ويطول الکتاب بذکره، فلما فسد هذا کله کانت هذه المعارضة من خصومنا فاسدة کفساده.



[ صفحه 24]



ثم نحن نبين الان ونوضح بعد هذا کله أن التشاکل بين الانبياء والائمة بين واضح فيلزمهم أنهم حجج الله علي الخلق کما کانت الانبياء حججه علي العباد، وفرض طاعتهم لازم کلزوم فرض طاعة الانبياء، وذلک قول الله عزوجل: «أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الامر منکم» [7] وقوله تعالي: «ولو ردوه إلي الرسول و إلي أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم» [8] فولاة الامرهم الاوصياء والائمة بعد الرسول صلي الله عليه وآله وقد قرن الله طاعتهم بطاعة الرسول وأوجب علي العباد من فرضهم ما أوجبه من فرض الرسول کما أوجب علي العباد من طاعة الرسول ما أوجبه عليهم من طاعته عزوجل في قوله: «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول» ثم قال: «من يطع الرسول فقد أطاع الله» [9] وإذا کانت الائمة عليهم السلام حجج الله علي من لم يلحق بالرسول ولم يشاهده وعلي من خلفه من بعده کما کان الرسول حجة علي من لم يشاهده في عصره لزم من طاعة الائمة ما لزم من طاعة الرسول محمد صلي الله عليه وآله فقد تشاکلوا واستقام القياس فيهم وإن کان الرسول أفضل من الائمة فقد تشاکلوا في الحجة والاسم والفعل [10] والفرض، إذ کان الله جل ثناؤه قد سمي الرسل أئمة بقوله لابراهيم: «إني جاعلک للناس إماما» [11] وقد أخبرنا الله تبارک وتعالي أنه قد فضل الانبياء والرسل بعضهم علي بعض فقال تبارک وتعالي: «تلک الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من کلم الله ـ الاية» [12] وقال: «ولقد فضلنا بعض النبيين علي بعض ـ الاية» [13] فتشاکل الانبياء في النبوة وإن کان بعضهم أفضل من بعض، وکذلک تشاکل الانبياء والاوصياء، فمن قاس حال الائمة بحال الانبياء واستشهد بفعل الانبياء علي فعل الائمة فقد أصاب في قياسه واستقام له استشهاده بالذي وصفناه من تشاکل الانبياء والاوصياء عليهم السلام.



[ صفحه 25]




پاورقي

[1] النساء: 164.

[2] القصص: 7.

[3] فصلت: 43.

[4] الاسراء: 77.

[5] کذا.

[6] المغيض: مجتمع الماء ومدخله في الارض والمراد بالفارسية (انبياء نسخه أصل وسر چشمهء امامانند). وفي بعض النسخ «ومفيضهم» من الافاضة.

[7] النساء: 59.

[8] النساء: 83.

[9] النساء: 80.

[10] في بعض النسخ «والعقل».

[11] البقرة: 119.

[12] البقره: 254.

[13] الاسراء: 56.