بازگشت

السر في امره تعالي الملائکة بالسجود لادم


واستعبد الله عزوجل الملائکة بالسجود لادم تعظيما له لما غيبه عن أبصارهم وذلک أنه عزوجل إنما أمرهم بالسجود لآدم لما أودع صلبه من أرواح حجج الله تعالي ذکره فکان ذلک السجود لله عزوجل عبودية ولادم طاعة، ولما في صلبه تعظيما، فأبي إبليس أن يسجد لادم حسدا له إذ جعل صلبه مستودع أرواح حجج الله دون صلبه فکفر بحسده وتأبيه، وفسق عن أمر ربه، وطرد عن جواره، ولعن وسمي رجيما لاجل إنکاره للغيبة لانه احتج في امتناعه من السجود لادم بأن قال: «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين» [1] فجحد ما غيب عن بصره ولم يوقع التصديق به، واحتج بالظاهر الذي شاهده وهو جسد آدم عليه السلام، وأنکر أن يکون يعلم لما في صلبه وجودا، ولم يؤمن بأن آدم إنما جعل قبلة للملائکة وأمروا بالسجود له لتعظيم ما في صلبه، فمثل من آمن بالقائم عليه السلام في غيبته مثل الملائکة الذين أطاعوا الله عزوجل في السجود لادم، ومثل من أنکر القائم عليه السلام في غيبته مثل إبليس في امتناعه من السجود لادم، کذلک روي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام.

حدثنا بذلک محمد بن موسي بن المتوکل ـ رضي الله عنه ـ قال: حدثنا محمد بن ـ أبي عبد الله الکوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمکي، عن جعفر بن عبد الله الکوفي، عن



[ صفحه 14]



الحسن بن سعيد، عن محمد بن زياد، عن أيمن بن محرز، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أن الله تبارک وتعالي علم آدم عليه السلام أسماء حجج الله کلها ثم عرضهم ـ وهم أرواح ـ علي الملائکة فقال: أنبئوني بأسماء هولاء إن کنتم صادقين بأنکم أحق بالخلافة في الارض لتسبيحکم وتقديسکم من آدم عليه السلام «قالوا سبحانک لا علم لنا إلا ما علمتنا إنک أنت العليم الحکيم» قال الله تبارک وتعالي: «يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنباءهم بأسمائهم» وقفوا علي عظيم منزلتهم عند الله تعالي ذکره فعلموا أنهم أحق بأن يکونوا خلفاء الله في أرضه وحججه علي بريته، ثم غيبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم وقال لهم: «ألم أقل لکم إني أعلم غيب السموات والارض وأعلم ما تبدون وما کنتم تکتمون».

حدثنا بذلک أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسين بن علي السکري قال: حدثنا محمد بن زکريا الجوهري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام.

وهذا استعباد الله عزوجل للملائکة بالغيبة والاية أولها في قصة الخليفة وإذا کان آخرها مثلها کان للکلام نظم وفي النظم حجة، ومنه يؤخذ وجه الاجماع لامة محمد صلي الله عليه وآله أولهم وأخرهم، وذلک أنه سبحانه وتعالي إذا علم آدم الاسماء کلها علي ما قاله المخالفون فلا محالة أن أسماء الائمة عليهم السلام داخلة في تلک الجملة، فصار ما قلناه في ذلک باجماع الامة، ومن أصح الدليل عليه أنه لا محالة لما دل الملائکة علي السجود لادم فانه حصل لهم عبادة فلما حصل لهم عبادة أوجب باب الحکمة أن يحصل لهم ما هو في حيزه سواء کان في وقت أو في غير وقت فان الاوقات ما تغير الحکمة ولا تبدل الحجة، أولها کآخرها وآخرها کأولها، لا يجوز في حکمة الله أن يحرمهم معني من معاني المثوبة ولا أن يبخل بفضل من فضائل الائمة لانهم کلهم شرع واحد، دليل ذلک أن الرسل متي آمن مؤمن بواحد منهم، أو بجماعة وأنکرو احدا منهم، لم يقبل منه إيمانه، کذلک القضية في الائمة عليهم السلام أولهم وآخرهم واحد، وقد قال الصادق عليه السلام: «المنکر لاخرنا کالمنکر لاولنا» وقال عليه السلام: «من أنکر واحدا من



[ صفحه 15]



الاحياء فقد أنکر الاموات».

وسأخرج ذلک في هذا الکتاب مسندا في موضعه إن شاء الله، فصح أن قوله عز وجل: «وعلم آدم الاسماء کلها» أراد به أسماء الائمة عليهم السلام، وللاسماء معان کثيرة وليس أحد معانيها بأولي من الاخر، وللاسماء أوصاف وليس أحد الاوصاف بأولي من الاخر، فمعني الاسماء أنه سبحانه علم آدم عليه السلام أوصاف الائمة کلها أولها وآخرها، ومن أوصافهم العلم والحلم والتقوي والشجاعة والعصمة والسخاء والوفاء، وقد نطق بمثله کتاب الله عزوجل في أسماء الانبياء عليهم السلام کقوله عزوجل: «واذکر في الکتاب إبراهيم إنه کان صديقا نبيا» [2] «واذکر في الکتاب إسمعيل إنه کان صادق الوعد وکان رسولا نبيا وکان يأمر أهله بالصلوة والزکوة وکان عند ربه مرضيا، واذکر في الکتاب إدريس إنه کان صديقا نبيا ورفعناه مکانا عليا» [3] و کقوله عزوجل: «واذکر في الکتاب موسي إنه کان مخلصا وکان رسولا نبيا، وناديناه من جانب الطور الايمن وقر بناه نجيا، ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبيا» [4] فوصف الرسل عليهم السلام وحمدهم بما کان فيهم من الشيم المرضية والاخلاق الزکية، وکان ذلک أوصافهم وأسماءهم کذلک علم الله عزوجل آدم الاسماء کلها.

والحکمة في ذلک أيضا أنه لا وصول إلي الاسماء ووجوه الاستعبادات إلا من طريق السماع، والعقل غير متوجه إلي ذلک، لانه لو أبصر عاقل شخصا من بعيد أو قريب لما توصل إلي استخراج اسمه ولا سبيل إليه إلا من طريق السماع فجعل الله عز وجل العمدة في باب الخليفة السماع، ولما کان کذلک أبطل به باب الاختيار إذ الاختيار من طريق الاراء، وقضية الخليفة موضوعة علي الاسماء والاسماء موضوعة علي السماع، فصح به ومعه مذهبنا في الامام أنه يصح بالنص والاشارة، فأما باب الاشارة فمضمر في قوله عزوجل: «ثم عرضهم علي الملئکة» فباب العرض مبني علي الشخص والاشارة، وباب الاسم مبني علي السمع، فصح معني الاشارة والنص جميعا.



[ صفحه 16]



وللعرض الذي قال الله عزوجل: «ثم عرضهم علي الملئکة» معنيان أحدهما عرض أشخاصهم وهيئاتهم کما رويناه في باب أخبار أخذ الميثاق والذر، والوجه الاخر أن يکون عزوجل عرضهم علي الملائکة من طريق الصفة والنسبة کما يقوله قوم من مخالفينا، فمن کلا المعنيين يحصل استعباد الله عزوجل الملائکة بالايمان بالغيبة.

وفي قوله عز وجل: «أنبئوني بأسماء هؤلاء إن کنتم صادقين» حکم کثيرة: أحدها أن الله عز وجل أهل آدم عليه السلام لتعليم الملائکة أسماء الائمة عن الله تعالي ذکره، وأهل الملائکة لتعلم أسمائهم عن آدم عليه السلام، فالله عزوجل علم آدم وآدم علم الملائکة، فکان آدم في حيز المعلم وکانوا في حيز المتعلمين، هذا ما نص عليه القرآن.

وقول الملائکة: «سبحانک لا علم لنا إلا ما علمتنا إنک أنت العليم الحکيم» فيه أصح دليل وأبين حجة لنا أنه لا يجوز لاحد أن يقول في أسماء الائمة وأوصافهم عليهم السلام إلا عن تعليم الله جل جلاله، ولو جاز لاحد ذلک کان للملائکة أجوز، ولما سبحوا الله دل تسبيحهم علي أن الشرع فيه مما ينافي التوحيد، وذلک أن التسبيح تنزيه الله عزوجل وباب التنزيه لا يوجد في القرآن إلا عند قول جاحد أو ملحد أو متعرض لابطال التوحيد والقدح فيه، فلم يستنکفوا إذ لم يعلموا أن يقولوا: «لا علم لنا» فمن تکلف علم مالا يعلم احتج الله عليه بملائکته، وکانوا شهداء الله عليه في الدنيا والاخرة، وإنما أهل الله الملائکة لاعلامهم علي لسان آدم عند اعترافهم بالعجز و أنهم لا يعلمون فقال عزوجل: «يا آدم أنبئهم بأسمائهم».

ولقد کلمني رجل بمدينة السلام [5] فقال لي: أن الغيبة قد طالت والحيرة قد اشتدت وقد رجع کثير عن القول بالامامة لطول الامد، فکيف هذا؟. فقلت له: إن سنة الاولين في هذه الامة جارية حذو النعل بالنعل کما روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله في غير خبر، وأن موسي عليه السلام ذهب إلي ميقات ربه علي أن يرجع إلي قومه بعد ثلاثين ليلة فأتمها الله عزوجل بعشرة فتم ميقات ربه أربعين ليلة، و



[ صفحه 17]



لتأخره عنهم فضل عشرة أيام علي ما واعدهم استطالوا المدة القصيرة وقست قلوبهم وفسقوا عن أمر ربهم عزوجل وعن أمر موسي عليه السلام وعصوا خليفته هارون واستضعفوه وکادوا يقتلونه، وعبدوا عجلا جسدا له خوار من دون الله عزوجل، وقال السامري لهم: «هذا إلهکم وإله موسي» وهارون يعظهم وينهاهم عن عبادة العجل ويقول: «يا قوم إنما فتنتم به وإن ربکم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري، قالوا لن نبرح عليه عاکفين حتي يرجع إلينا موسي» [6] ولما رجع موسي إلي قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربکم وألقي الالواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه» [7] والقصة في ذلک مشهورة فليس بعجيب أن يستطيل الجهال من هذه الامة مدة غيبة صاحب زماننا عليه السلام ويرجع کثير منهم عما کانوا دخلوا فيه بغير أصل وبصيرة، ثم لا يعتبرون بقول الله تعالي ذکره حيث يقول: «ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذکر الله وما نزل من الحق ولا يکونوا کالذين أوتوا الکتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وکثير منهم فاسقون». [8] .

فقال: [9] وما أنزل الله عزوجل في کتابه في هذا المعني؟ قلت: قوله عزوجل «الم ذلک الکتاب لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب» يعني بالقائم عليه السلام وغيبته.

حدثنا محمد بن موسي بن المتوکل ـ رحمه الله ـ قال: حدثنا محمد بن يحيي العطار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي، عن عمر بن عبد العزيز، عن غير واحد، عن داود ابن کثير الرقي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل «هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب» قال: من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق.

حدثنا علي بن أحمد بن موسي رحمه الله ـ قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الکوفي قال: حدثنا موسي بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن أبي حمزة



[ صفحه 18]



عن يحيي بن أبي القاسم قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول الله عزو جل «الم ذلک الکتاب لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب» فقال: المتقون شيعة علي عليه السلام والغيب فهو الحجة الغائب. وشاهد ذلک قول الله عزو جل: «ويقولون لولا انزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معکم من المنتظرين» [10] فأخبر عزو جل أن الاية هي الغيب، والغيب هو الحجة، وتصديق ذلک قول الله عزو جل: «وجعلنا ابن مريم وأمه آية» [11] يعني حجة.

حدثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: في قول الله عزو جل: «يو م يأتي بعض آيات ربک لا ينفع نفسا إيمانها لم تکن آمنت من قبل» [12] فقال: الايات هم الائمة، والاية المنتظرة هو القائم عليه السلام، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تکن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه عليهم السلام.

وقد سمي الله عزو جل يوسف عليه السلام غيبا حين قص قصته علي نبيه محمد صلي الله عليه وآله فقال عزو جل: «ذلک من أنباء الغيب نوحيه إليک وما کنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمکرون» [13] فمسي يوسف عليه السلام غيبا لان الانباء التي قصها کانت أنباء يوسف فيما أخبر به من قصته وحاله وما آلت إليه أموره.

ولقد کلمني بعض المخالفين في هذه الاية فقال: معني قوله عزو جل: «الذين يؤمنون بالغيب» أي بالبعث والنشور وأحوال القيامة، فقلت له: لقد جهلت في تأويلک وضللت في قولک فإن اليهود والنصاري وکثيرا من فرق المشرکين والمخالفين لدين الاسلام يؤمنون بالبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب فلم يکن الله تبارک وتعالي ليمدح المؤمنين بمدحة قد شرکهم فيها فرق الکفر والجحود بل وصفهم الله



[ صفحه 19]



عزو جل ومدحهم بما هو لهم خاصة، لم يشرکهم فيه أحد غيرهم. [14] .


پاورقي

[1] الاعراف: 12.

[2] مريم: 41.

[3] مريم: 55 - 58.

[4] مريم: 50 - 52.

[5] يعني بغداد.

[6] طه: 93 و 94.

[7] الاعراف: 149.

[8] الحديد: 15.

[9] يعني الرجل الذي کلمه بمدينة السلام.

[10] يونس: 20.

[11] المؤمنون: 50.

[12] الانعام: 158.

[13] يوسف: 103.

[14] هذا النکير من المؤلف ـ رحمه الله ـ في غير مورده ومخالف لما روي من طريق جابر عن الباقر عليه السلام في معني الغيب في الاية «أنه البعث والنشور وقيام القائم والرجعة» وما روي عن الصادق عليه السلام أن المراد بالغيب هنا ثلاثة أشياء «قيام القائم والکرة ويوم القيامة».