وجوب عصمة الامام
ولقوله عزوجل: «وإذ قال ربک للملئکة إني جاعل في الارض خليفة ـ الاية» معني، وهو أنه عزوجل لا يستخلف إلا من له نقاء السريرة ليبعد عن الخيانة لانه لو اختار من لا نقاء له في السريرة کان قد خان خلقه لانه لو أن دلالا قدم حمالا خائنا إلي تاجر فحمل له حملا فخان فيه کان الدلال خائنا، فکيف تجوز الخيانة علي الله عزوجل وهو يقول ـ وقوله الحق ـ: «إن الله لا يهدي کيد الخائنين» [1] وأدب محمدا صلي الله عليه وآله بقوله عزوجل: «ولا تکن للخائنين خصيما» [2] فکيف وأني يجوز أن يأتي ما ينهي عنه، وقد عير اليهود بسمة النفاق، وقال: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسکم وأنتم تتلون الکتاب أفلا تعقلون». [3] .
[ صفحه 11]
وفي قول الله عزوجل: «وإذ قال ربک للملئکة إني جاعل في الارض خليفة» حجة قوية في غيبة الامام عليه السلام، وذلک أنه عزوجل لما قال: «إني جاعل في الارض خليفة» أوجب بهذا اللفظ معني وهو أن يعتقدوا طاعته فاعتقد عدو الله إبليس بهذه الکلمة نفاقا وأضمره حتي صار به منافقا، وذلک أنه أضمر أنه يخالفه متي استعبد بالطاعة له، فکان نفاقه أنکر النفاق لانه نفاق بظهر الغيب، ولهذا من الشأن صار أخزي المنافقين کلهم، ولما عرف الله عزوجل ملائکته ذلک أضمروا الطاعة له واشتاقوا إليه فأضمروا نقيض ما أضمره الشيطان فصار لهم من الرتبة عشرة أضعاف ما استحق عدو الله من الخزي والخسار، فالطاعة والموالات بظهر الغيب أبلغ في الثواب والمدح لانه أبعد من الشبهة والمغالطة، ولهذا روي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: «من دعا لاخيه بظهر الغيب ناداه ملک من السماء ولک مثلاه». وإن الله تبارک وتعالي أکد دينه بالايمان بالغيب فقال: «هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ـ الاية» [4] فالايمان بالغيب أعظم مثوبة لصاحبه لانه خلو من کل عيب وريب لان بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد يتوهم علي المبايع أنه إنما يطيع رغبة في خير أو مال، أو رهبة من قتل أو غير ذلک مما هو عادات أبناء الدنيا في طاعة ملوکهم وإيمان الغيب مأمون من ذلک کله، ومحروس من معايبه بأصله، يدل علي ذلک قول الله عزوجل: «فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وکفرنا بما کنا به مشرکين، فلم يک ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا» [5] ولما حصل للمتعبد ما حصل من الايمان بالغيب لم يحرم الله عزوجل ذلک ملائکته فقد جاء في الخبر إن الله سبحانه قال هذه المقالة للملائکة قبل خلق آدم بسبعمائة عام. وکان يحصل في هذه المدة الطاعة لملائکة الله علي قدرها. ولو أنکر منکر هذا الخبر والوقت والاعوام لم يجد بدا من القول بالغيبة ولو ساعة واحدة، والساعة الواحدة لاتتعري من حکمة ما، وما حصل من الحکمة في الساعة حصل في الساعتين حکمتان وفي الساعات حکم، وما زاد في الوقت إلا زاد في
[ صفحه 12]
المثوبة وما زاد في المثوبة إلا کشف عن الرحمة، ودل علي الجلالة، فصح الخبر أن فيه تأييد الحکمة وتبليغ الحجة.
وفي قول الله عزوجل: «جاعل في الارض خليفة» حجة في غيبة الامام عليه السلام من أوجه کثيرة:
أحدها أن الغيبة قبل الوجود أبلغ الغيبات کلها وذلک أن الملائکة ما شهدوا [6] قبل ذلک خليفة قط، وأما نحن فقد شاهدنا خلفاء کثيرين غير واحد قد نطق به القرآن وتواترت به الاخبار حتي صارت کالمشاهدة والملائکة لم يشهدوا [7] واحدا منهم، فکانت تلک الغيبة أبلغ. وآخر: أنها کانت غيبة من الله عزوجل، وهذه الغيبة التي للامام عليه السلام هي من قبل أعداء الله تعالي، فإذا کان في الغيبة التي هي من الله عزوجل عبادة لملائکته فما الظن بالغيبة التي هي من أعداء الله. وفي غيبة الامام عليه السلام عبادة مخلصة [8] لم تکن في تلک الغيبة، وذلک أن الامام الغائب عليه السلام مقموع مقهور مزاحم في حقه، قد غلب قهرا، و (جري) علي شيعته (قسرا) من أعداء الله ما جري من سفک الدماء ونهب الاموال وإبطال الاحکام والجور علي الايتام وتبديل الصدقات وغير ذلک مما لاخفاء به، ومن اعتقد موالاته شارکه في أجره وجهاده، وتبرأ من أعدائه، وکان له في براءة مواليه من أعدائه أجر، وفي ولاية أوليائه أجر يربو علي أجر ملائکة الله عزوجل علي الايمان بالامام المغيب في العدم، وإنما قص الله عزوجل نبأه قبل وجوده توقيرا وتعظيما له ليستعبد له الملائکة ويتشمروا لطاعته.
وإنما مثال ذلک تقديم الملک فيما بيننا بکتاب أو رسول إلي أوليائه أنه قادم عليهم حتي يتهيؤوا لاستقباله وارتياد الهدايا له ما يقطع به ومعه عذرهم في تقصير إن قصروا في خدمته کذلک بدأ الله عزوجل بذکر نبائه إبانة عن جلالته ورتبته، وکذلک قضيته في السلف والخلف، فما قبض خليفة إلاعرف خلقه الخليفة الذي يتلوه، وتصديق
[ صفحه 13]
ذلک قوله عزوجل: «أفمن کان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ـ الاية» [9] والذي علي بينة من ربه محمد صلي الله عليه وآله، والشاهد الذي يتلوه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام. دلالته قوله عزوجل: «ومن قبله کتاب موسي إماما ورحمة» والکلمة ـ من کتاب موسي المحاذية لهذا المعني حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة ـ قوله:» وواعدنا موسي ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسي لاخيه هرون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين». [10] .
پاورقي
[1] يوسف: 52.
[2] النساء: 105.
[3] البقرة: 44.
[4] البقرة: 2.
[5] المؤمن: 84.
[6] في بعض النسخ «ما شاهدوا».
[7] في بعض النسخ «لم يعهدوا».
[8] في بعض النسخ «عبادة محصلة».
[9] هود: 17.
[10] الاعراف: 142.