بازگشت

وجوب طاعة الخليفة


ولما استخلف الله عزوجل آدم في الارض أوجب علي أهل السماوات الطاعة له فکيف الظن بأهل الارض، ولما أوجب الله عزوجل علي الخلق الايمان بملائکة الله وأوجب علي الملائکة السجود لخليفة الله، ثم لما امتنع ممتنع من الجن عن السجود له أحل به الذل والصغار والدمار، وأخزاه ولعنه إلي يوم القيامة، علمنا بذلک رتبة الامام وفضله، وان الله تبارک وتعالي لما أعلم الملائکة أنه جاعل في الارض خليفة أشهدهم علي ذلک لان العلم شهادة فلزم من ادعي أن الخلق يختار الخليفة أن تشهد ملائکة الله کلهم عن آخرهم عليه، والشهادة العظيمة تدل علي الخطب العظيم کما جرت به العادة في الشاهد فکيف وأني ينجو صاحب الاختيار من عذاب الله وقد شهدت عليه ملائکة الله أولهم وآخرهم، وکيف وأني يعذب صاحب النص وقد شهدت له ملائکة الله کلهم.

وله وجه آخر وهو أن القضية في الخليفة باقية إلي يوم القيامة، ومن زعم أن الخليفة أراد به النبوة فقد أخطأ من وجه، وذلک أن الله عزوجل وعد آن يستخلف من هذه الامة (الفاضلة) خلفاء راشدين کما قال جل وتقدس: «وعد الله الذين آمنوا منکم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض کما استخلف الذين من قبلهم وليمکنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشرکون بي شيئا» [1] ولو کانت قضية الخلافة قضية النبوة أوجب حکم الاية أن يبعث الله عزوجل نبيا بعد محمد صلي الله عليه وآله وما صح قوله: «وخاتم النبيين» [2] فثبت



[ صفحه 6]



أن الوعد من الله عزوجل ثابت من غير النبوة وثبت أن الخلافة تخالف النبوة بوجه وقد يکون الخليفة غير نبي ولا يکون النبي إلا خليفة.

وآخر: هو أنه عزوجل أراد أن يظهر باستعباده الخلق بالسجود لادم عليه السلام نفاق المنافق وإخلاص المخلص کما کشفت الايام والخبر عن قناعيهما أعني ملائکة الله والشيطان، ولو وکل ذلک المعني ـ من اختيار الامام ـ إلي من أضمر سوءا لما کشفت الايام عنه بالتعرض، وذلک أنه يختار المنافق من سمحت نفسه بطاعته والسجود له، فکيف وأني يوصل إلي ما في الضمائر من النفاق والاخلاص والحسد والداء ـ الدفين.

ووجه آخر: وهو أن الکلمة تتفاضل علي أقدار المخاطب والمخاطب، فخطاب الرجل عبده يخالف خطاب سيده، والمخاطب کان الله عزوجل، والمخاطبون ملائکة الله أولهم وآخرهم، والکلمة العموم لها مصلحة عموم کما أن الکلمة الخصوص لها مصلحة خصوص، والمثوبة في العموم أجل من المثوبة في الخصوص کالتوحيد الذي هو عموم علي عامة خلق الله يخالف الحج والزکاة وسائر أبواب الشرع الذي هو خصوص فقوله عزوجل: «وإذ قال ربک للملئکة إني جاعل في الارض خليفة» دل علي أن فيه معني من معاني التوحيد لما أخرجه مخرج العموم، والکلمة إذا جاورت الکلمة في معني لزمها ما لزم أختها إذا جمعهما معني واحد، ووجه ذلک أن الله سبحانه علم أن من خلقه من يوحده ويأتمر لامره، وأن لهم أعداء يعيبونهم ويستبيحوا حريمهم، ولو أنه عزوجل قصر الايدي عنهم جبرا وقهرا لبطلت الحکمة وثبت الاجبار رأسا، [3] وبطل الثواب والعقاب والعبادات، ولما استحال ذلک وجب أن يدفع عن أوليائه بضرب من الضروب لا تبطل به ومعه العبادات والمثوبات فکان الوجه في ذلک إقامة الحدود کالقطع والصلب والقتل والحبس وتحصيل الحقوق کما قيل: «ما يزع السلطان أکثر



[ صفحه 7]



مما يزع القرآن» [4] وقد نطق بمثله قوله عزوجل: «لانتم أشد رهبة في صدورهم من الله» [5] فوجب أن ينصب عزوجل خليفة يقصر من أيدي أعدائه عن أوليائه ما تصح به ومعه الولاية لانه لاولاية مع من أغفل الحقوق وضيع الواجبات ووجب خلعه في العقول. جل الله تعالي عن ذلک، والخليفة اسم مشترک لانه لو أن رجلا بني مسجدا ولم يؤذن فيه ونصب فيه مؤذنا کان مؤذنه، فأما إذا أذن فيه أياما ثم نصب فيه مؤذنا کان خليفته، وکذلک الصورة في العقول والمعارف متي قال البندار: [6] هذا خليفتي کان خليفته علي البندرة لا علي البريد والمظالم، فکذلک القول في صاحبي البريد والمظالم، فثبت أن الخليفة من الاسماء المشترکة، فکان من صفة الله تعالي ذکره الانتصاف لاوليائه من أعدائه، فوکل من ذلک معني إلي خليفته فلهذا الشأن استحق معني الخليفة دون معني أن يتخذ شريکا معبودا مع الله سبحانه، ولهذا من الشأن قال الله تبارک وتعالي لابليس: «يا إبليس ما منعک أن تسجد لما خلقت» ثم قال: عزوجل «بيدي أستکبرت» [7] وذلک أنه يقطع العذر ولا يوهم أنه خليفة شارک الله في وحدته، فقال: بعد ما عرفت أنه خلق الله ما منعک أن تسجد، ثم قال: «بيدي أستکبرت» [8] واليد في اللغة قد تکون بمعني النعمة وقد کان الله عزوجل عليه نعمتان حوتا نعما [9] کقوله عزوجل «وأسبغ عليکم نعمه ظاهرة وباطنة» [10] وهما نعمتان حوتا



[ صفحه 8]



نعما لا تحصي، ثم غلظ عليه القول بقوله عزوجل: «بيدي استکبرت» کقول القائل بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني، وهذا أبلغ في القبح وأشنع، فقوله عزوجل: «وإذ قال ربک للملئکة إني جاعل في الارض خليفة» کانت کلمة متشابهة أحد وجوهها أنه يتصور عند الجاهل أن الله عزوجل يستشير خلقه في معني التبس عليه ويتصور عند المستدل إذا استدل علي الله عزوجل بأفعاله المحکمة وجلالته الجليلة أنه جل عن أن يلتبس عليه معني أو يستعجم عليه حال فانه لا يعجزه شيء في السماوات والارض والسبيل في هذه الاية المتشابهة کالسبيل في أخواتها من الايات المتشابهات أنها ترد إلي المحکمات مما يقطع به ومعه العذر للمتطرق إلي السفه والالحاد.

فقوله: «وإذ قال ربک للملئکة إني جاعل في الارض خليفة» يدل علي معني هدايتهم لطاعة جليلة مقترنة بالتوحيد، نافية عن الله عزوجل الخلع والظلم وتضييع الحقوق وما تصح به ومعه الولاية، فتکمل معه الحجة، ولا يبقي لاحد عذر في إغفال حق.

واخري أنه عز وجل إذا علم استقلال أحد من عباده لمعني من معاني الطاعات ندبه له حتي تحصل له به عبادة ويستحق معها مثوبة علي قدرها ما لو أغفل ذلک جاز أن يغفل جميع معاني حقوق خلقه أولهم وآخرهم، جل الله عن ذلک. فللقو ام بحقوق الله وحقوق خلقه مثوبة جليلة متي فکر فيها مفکر عرف أجزاءها إذ لا وصول إلي کلها لجلالتها وعظم قدرها، وأحد معانيها وهو جزء من أجزائها أنه يسعد بالامام العادل النملة والبعوضة والحيوان أولهم وآخرهم بدلالة قوله تعالي: «وما أرسلناک إلا رحمة للعالمين». [11] ويدل علي صحة ذلک قوله عزوجل في قصة نوح عليه السلام: «فقلت استغفروا ربکم إنه کان غفارا، يرسل السماء عليکم مدرارا ـ الاية». [12] ثم من المدرار ما ينتفع به الانسان وسائر الحيوان، وسبب ذلک الدعاة إلي دين الله والهداة إلي حق الله، فمثوبته علي أقداره، وعقوبته علي من عانده بحسابه. ولهذا نقول: إن



[ صفحه 9]



الامام يحتاج إليه لبقاء العالم علي صلاحه.

وقد أخرجت الاخبار التي رويتها في هذا المعني في هذا الکتاب في باب العلة يحتاج من أجلها إلي الامام.


پاورقي

[1] النور: 55.

[2] الاحزاب: 40.

[3] في بعض النسخ «لبطلت الحکمة وتنيه الاختيار». وفي بعضها «وفائدة الاختيار» وفي بعضها «وتب الاختيار».

[4] أي ما يمنع الحاکم أکثر مما يمنع القرآن.

[5] الحشر: 13.

[6] البندار - بضم الميم -: من بيده ديوان الخراج، ويقال لمحمد بن بشار البصري: «بندار» لانه جمع حديث أهل بلده.

[7] سورة ص: 75 وتمامها «أم کنت من العالين».

[8] يعني الباء في قوله «بيدي» ليست متعلقة بخلقت حتي تکون اليد بمعني القدرة، بل متعلقة بفعل متأخر هو قوله «استکبرت». أقول: وفيه مالا يخفي لان الهمزة للاستفهام بقرينة «أم» وشأنها الصدر وعليه فلا يصح أن يکون ما قبلها معمولا لما بعدها کما حقق في محله، وفي حديث عن الرضا عليه السلام قال: يعني بقدرتي وقوتي.

[9] في بعض النسخ «جرتا نعما» وکذا ما يأتي.

[10] لقمان: 20.

[11] الانبياء: 107.

[12] نوح: 10 ـ 12.