فيما جاء في تفسير قوله تعالي: واعتصموا بحبل الله جميعا و لا
1 - حدثنا محمد بن عبدالله بن المعمر الطبراني بطبرية سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة - وکان هذا الرجل من موالي يزيد بن معاوية ومن النصاب [1] - قال: حدثني أبي، قال: حدثني علي بن هاشم والحسين بن السکن معا [2] قالا: حدثنا عبد - الرزاق بن همام [3] قال: أخبرني أبي، عن مينا مولي عبدالرحمن بن عوف، عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: وفد علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أهل اليمن فقال النبي (صلي الله عليه وآله): جاءکم أهل اليمن يبسون بسيسا [4] فلما دخلوا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: قوم رقيقة قلوبهم راسخ إيمانهم، ومنهم المنصور، يخرج في سبعين ألفا ينصر
[ صفحه 40]
خلفي وخلف وصيي، حمائل سيوفهم المسک [5] فقالوا: يا رسول الله ومن وصيک؟ فقال: هوالذي أمرکم الله بالاعتصام به فقال عزوجل: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [6] فقالوا: يا رسول الله بين لنا ما هذا الحبل، فقال: هو قول - الله، إلا بحبل من الله وحبل من الناس [7] فالحبل من الله کتابه، والحبل من الناس وصيي: فقالوا: يا رسول الله من وصيک؟ فقال: هو الذي أنزل الله فيه أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله [8] فقالوا: يا رسول الله وما جنب الله هذا؟ فقال: هو الذي يقول الله فيه: ويوم يعض الظالم علي يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا [9] هو وصيي، والسبيل إلي من بعدي، فقالوا: يا رسول الله بالذي بعثک بالحق نبيا أرناه فقد اشتقنا إليه، فقال: هو الذي جعله الله آية للمؤمنين المتوسمين، فإن نظرتم إليه نظر من کان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد عرفتم أنه وصيي کما عرفتم أني نبيکم، فتخللوا الصفوف وتصفحوا الوجوه فمن أهوت إليه قلوبکم فإنه هو، لان الله عزوجل يقول في کتابه: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم [10] [أي] إليه وإلي ذريته (عليهم السلام).
ثم قال: فقام أبوعامر الاشعري في الاشعريين، وأبوغرة الخولاني في الخولانيين، وظبيان، وعثمان بن قيس في بني قيس، وعرنة الدوسي [11] في الدوسيين، ولا حق بن علاقة چ، فتخللوا الصفوف وتصفحوا الوجوه وأخذوا بيد الانزع الاصلع
[ صفحه 41]
البطين وقالوا: إلي هذا أهوت أفئدتنا يا رسول الله، فقال النبي (صلي الله عليه وآله): أنتم نجبة الله حين عرفتم [12] وصي رسول الله قبل أن تعرفوه، فبم عرفتم أنه هو؟ فرفعوا أصواتهم يبکون ويقولون: يا رسول الله نظرنا إلي القوم فلم تحن لهم قلوبنا ولما رأيناه رجفت قلوبنا [13] ثم اطمأنت نفوسنا، وانجاشت أکبادنا، وهملت أعيننا، وانثلجت صدورنا [14] حتي کأنه لنا أب ونحن له بنون.
فقال النبي (صلي الله عليه وآله): وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم أنتم منهم [15] بالمنزلة التي سبقت لکم بها الحسني، وأنتم عن النار مبعدون.
قال: فبقي هؤلاء القوم المسمون حتي شهدوا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) الجمل وصفين فقتلوا بصفين رحمهم الله، وکان النبي (صلي الله عليه وآله) بشرهم بالجنة وأخبرهم أنهم يستشهدون مع علي بن أبي طالب (عليه السلام).
2 - أخبرنا محمد بن همام بن سهيل قال: حدثنا أبوعبدالله جفعر بن محمد الحسني [16] قال: حدثنا أبوإسحاق إبراهيم بن إسحاق الحميري [17] ، قال:
[ صفحه 42]
حدثنا محمد بن [ي] زيد بن عبدالرحمن التيمي، عن الحسن بن الحسين الانصاري، عن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن جده قال: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): کان رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذات يوم جالسا ومعه أصحابه في المسجد فقال: يطلع عليکم من هذا الباب رجل من أهل الجنة يسأل عما يعنيه، فطلع رجل طوال يشبه بر جال مضر، فتقدم فسلم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وجلس، فقال: يا رسول الله إني سمعت الله عزوجل يقول فيما أنزل: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فما هذا الحبل الذي أمرنا الله بالاعتصام به وألا نتفرق عنه، فأطرق رسول الله (صلي الله عليه وآله) مليا، ثم رفع رأسه وأشار بيده إلي علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: هذا حبل الله الذي من تمسک به عصم به في دنياه ولم يضل به في آخرته، فوثب الرجل إلي علي (عليه السلام) فاحتضنه من وراء ظهره وهو يقول: اعتصمت بحبل الله وحبل رسوله، ثم قام فولي وخرج، فقام رجل من الناس فقال: يا رسول الله ألحقه فأسأله أن يستغفر لي؟ فقال رسول الله: إذا تجده موفقا [18] ، فقال: فلحقه الرجل فسأله أن يستغفر الله له، فقال له: أفهمت ما قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وما قلت له؟ قال: نعم، قال: فإن کنت متمسکا بذلک الحبل يغفر الله لک وإلا فلا يغفر الله لک [19] .
ولو لم يدلنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي حبل الله الذي أمرنا الله عزوجل في کتابه بالاعتصام به وألا نتفرق عنه لاتسع للاعداء المعاندين التأول فيه والعدول بتأويله وصرفه إلي غير من عني الله به ودل عليه رسوله (عليه السلام) عنادا وحسدا، لکنه قال (صلي الله عليه وآله) في خطبته المشهورة التي خطبها في مسجد الخيف في حجة الوداع: إني فرطکم [20] وإنکم واردون علي الحوض، حوضا عرضه مابين بصري إلي
[ صفحه 43]
صنعاء، فيه قدحان عدد نجوم السماء، ألا وإني مخلف فيکم الثقلين، الثقل الاکبر القرآن، والثقل الاصغر عترتي أهل بيتي، هما حبل الله ممدود بينکم وبين الله عزوجل، ما إن تمسکتم به لن تضلوا، سبب منه بيدالله، وسبب بأيديکم [21] إن اللطيف الخبير قد نبأني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض کاصبعي هاتين - وجمع بين سبابتيه - ولا أقول کهاتين - وجمع بين سبابته والوسطي - فتفضل هذه علي هذه.
أخبرنا بذلک عبدالواحد بن عبدالله بن يونس الموصلي قال: أخبرنا محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عيسي، عن حريز، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: خطب رسول الله (صلي الله عليه وآله) - وذکر الخطبة بطولها، وفيها هذا الکلام.
وأخبرنا عبدالواحد بن عبدالله، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن الحسن ابن محبوب والحسن بن علي بن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) بمثله.
وأخبرنا عبدالواحد، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن الحسن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي - الباقر (عليهما السلام) بمثله.
فإن القرآن مع العترة والعترة مع القرآن وهما حبل الله المتين لا يفترقان کما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وفي ذلک دليل لمن فتح الله مسامع قلبه ومنحه حسن البصيرة في دينه علي أن من التمس علم القرآن والتأويل والتنزيل والمحکم والمتشابه والحلال والحرام والخاص والعام من عند غير من فرض الله طاعتهم وجعلهم ولاة - الامر من بعد نبيه وقرنهم الرسول (عليه السلام) بأمر الله بالقرآن وقرن القرآن بهم
[ صفحه 44]
دون غيرهم، واستودعهم الله علمه وشرايعه وفرائضه وسننه فقدتاه وضل و هلک وأهلک.
والعترة (عليهم السلام) هم الذين ضرب بهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) مثلا لامته، فقال عليه السلام: مثل أهل بيتي فيکم کمثل سفينة نوح من رکبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.
وقال: مثل أهل بيتي فيکم کمثل باب حطة في بني إسرائيل الذي من دخله غفرت ذنوبه واستحق الرحمة والزيادة من خالقه کما قال الله عزوجل: أدخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لکم خطاياکم وسنزيد المحسنين. [22] وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصدق الصادقين في خطبته المشهورة التي رواها الموافق والمخالف: ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلي الارض وجميع مافضلت به النبيون إلي خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين، فأين يتاه بکم، بل أين تذهبون يامن نسخ من أصلاب أصحاب السفينة هذا مثلها فيکم، فکما نجا في هاتيک من نجا فکذلک ينجو من هذه من ينجو، ويل لمن تخلف عنهم - يعني عن الائمة (عليهم السلام) -.
وقال: إن مثلنا فيکم کمثل الکهف لاصحاب الکهف، وکباب حطة وهو باب السلم، فادخلوا في السلم کافة.
وقال (عليه السلام) في خطبته هذه: ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد أنه قال: إني وأهل بيتي مطهرون فلا تسبقوهم فتضلوا، ولا تخلفوا عنهم فتزلوا [23] ، ولا تخالفوهم فتجهلوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم، هم أعلم الناس صغارا، وأعلم الناس کبارا، فاتبعوا الحق وأهله حيثما کان، وزايلوا الباطل وأهله حيثما کان.
فترک الناس من هذه صفتهم، وهذا المدح فيهم، وهذا الندب إليهم وضربوا عنهم صفحا [24] وطووا دونهم کشحا، واتخذوا أمر الرسول (صلي الله عليه وآله) هزوا، وجعلوا
[ صفحه 45]
کلامه لغوا، فرفضو فرض الله تعالي علي لسان نبيه (صلي الله عليه واله وسلم) طاعته ومسألته والاقتباس منه بقوله: فاسئلوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون [25] .
وقوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منکم [26] ، ودل رسول الله (صلي الله عليه واله وسلم) علي النجاة في التمسک به والعمل بقوله والتسليم لامره والتعليم منه والاستضاءة بنوره، فادعوا [27] ذلک لسواهم، وعدلوا عنهم إلي غيرهم، ورضوا به بدلا منهم، وقد أبعدهم الله عن العلم، وتأول کل لنفسه هواه، وزعموا أنهم استغنوا بعقولهم وقياساتهم وآرائهم عن الائمة (عليهم السلام) الذين نصبهم الله لخلقه هداة، فو کلهم الله عزوجل بمخالفتهم أمره، وعدولهم عن اختياره وطاعته وطاعة من اختاره لنفسه فولاهم إلي اختيارهم وآرائهم وعقولهم، فتاهوا وضلوا ضلالا بعيدا، وهلکوا وأهلکوا، وهم عند أنفسهم کما قال الله عزوجل: قل هل ننبئکم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [28] حتي کأن الناس ما سمعوا قول الله عزوجل في کتابه حکاية لقول الظالمين من هذه الامة في يوم القيامة عند ندمهم علي فعلهم بعترة نبيهم وکتاب ربهم حيث يقول: ويوم يعض الظالم علي يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا.
فمن الرسول إلا محمد (صلي الله عليه واله وسلم)؟ ومن فلان هذا المکني عن اسمه المذمومة [29] وخلته ومصاحبته ومرافقته في الاجتماع معه علي الظلم؟ ثم قال: لقد أضلني عن الذکر بعد إذ جاءني [30] أي بعد الدخول في الاسلام والاقرار به، فما هذا الذکر الذي أضله خليله عنه بعد إذ جاءه؟ أليس هو القرآن والعترة اللذين وقع التوازر
[ صفحه 46]
والتظافر علي الظلم بهم والنبذ لهما، فقد سمي الله تعالي رسوله ذکرا فقال: قد أنزل الله إليکم ذکرا رسولا [31] وقال: فاسئلوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون [32] فمن الذکر ههنا إلا الرسول؟ ومن أهل الذکر إلا أهل بيته الذين هم محل العلم، ثم قال عزوجل وکان الشيطان للانسان خذولا فجعل مصاحبة خليله - الذي أضله عن الذکر في دارالدنيا وخذله في الآخرة ولم تنفعه خلته ومصاحبته إياه حين تبرأ کل واحد من صاحبه - مصاحبة الشيطان.
ثم قال عزوجل من قائل حکاية لما يقوله النبي (صلي الله عليه وآله) يوم القيامة عند ذلک: وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا أي اتخذوا هذا القرآن الذي أمرتهم بالتمسک به وبأهل بيتي وألا يتفرقوا عنهما مهجورا.
أليس هذا الخطاب کله والذم بأسره للقوم الذين نزل القرآن علي لسان الرسول إليهم وإلي الخلق ممن سواهم وهم الظالمون من هذه الامة لعترة نبيهم محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) النابذون لکتاب الله، الذين يشهد عليهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة بأنهم نبذوا قوله في التمسک بالقرآن والعترة وهجرو هما واتبعوا أهواء هم وآثروا عاجل الامر والنهي وزهرة الحياة الدنيا علي دينهم شکا في محمد (صلي الله عليه وآله) وما جاء به، وحسدا لاهل بيت نبيه (عليهما السلام) لما فضلهم الله به، أو ليس قد روي عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مالا ينکره أصحاب الحديث مما هو موافق لما أنزله الله تعالي من هذه الآيات قوله: إن قوما من أصحابي يختلجون [33] دوني يوم القيامة من ذات اليمين إلي ذات الشمال فأقول: يا رب اصيحابي اصيحابي - وفي بعض الحديث أصحابي أصحابي
[ صفحه 47]
فيقال: يا محمد إنک لا تدري ما أحدثوا بعدک، فأقول: بعدا بعدا، سحقا سحقا [34] .
ويصدق ذلک ويشهد به قول الله عزوجل: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابکم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا [وسيجزي الله الشاکرين] [35] وفي هذا القول من الله تبارک اسمه أدل دليل علي أن قوما ينقلبون بعد مضي النبي (صلي الله عليه وآله) علي أعقابهم، وهم المخالفون أمر الله تعالي وأمر رسوله عليه وآله السلام، المفتونون الذي قال فيهم فليحذر الذي يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [36] يضاعف الله العذاب والخزي لهم وأبعد وأسحق من ظلم آل محمد (عليهم السلام) وقطع ما أمر الله به أن يوصل فيهم ويدان به من مودتهم، والاقتداء بهم دون غيرهم حيث يقول: قل لا أسئلکم عليه أجرا إلا المودة في القربي [37] ويقول: أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لکم کيف تحکمون [38] .
وليس بين الامة التي تستحي ولا تباهت، وتزيغ عن الکذب [39] ولا تعاند، خلاف في أن وصي رسول الله أميرالمؤمنين (عليه السلام) کان يرشد الصحابة في کل معضل ومشکل ولا يرشدونه إلي الحق، ويهديهم ولا يهدي سواه، ويفتقر إليه، ويستغني هو عن کافتهم، ويعلم العلم کله، ولا يعلمونه.
وقد فعل بفاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وعليها ما دعاها إلي الوصية
[ صفحه 48]
بأن تدفن ليلا ولايصلي عليهاأحد من أمة أبيها إلا من سمته.
فلو لم يکن في الاسلام مصيبة ولا علي أهله عار ولا شنار [40] ولا حجة فيه لمخالف لدين الاسلام إلا مالحق فاطمة (عليها السلام) حتي مضت [41] غضبي علي امة أبيها، ودعاها ما فعل بها إلي الوصية بأن لا يصلي عليها أحد منهم فضلا عما سوي ذلک لکان عظيما فظيعا منبها لاهل الغفلة، إلا من قد طبع الله علي قلبه وأعماه لا ينکر ذلک ولا يستعظمه ولا يراه شيئا، بل يزکي المضطهد لها [42] إلي هذه الحالة، ويفضله عليها وعلي بعلها وولدها، ويعظم شأنه عليهم، ويري أن الذي فعل بها هو الحق ويعده من محاسنه، وأن الفاعل له بفعله إياه من أفضل الامة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وقد قال الله عزوجل: فإنها لا تعمي الابصار ولکن تعمي القلوب التي في الصدور [43] .
فالعمي يستمر علي أعداء آل محمد (صلي الله عليه وآله) وظالميهم والموالين لهم إلي يوم - الکشف الذي قال الله عزوجل: لقد کنت في غفلة من هذا فکشفنا عنک غطاءک فبصرک اليوم حديد [44] و يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء - الدار [45] .
ثم أعجب من هذا ادعاء هؤلاء الصم العمي أنه ليس في القرآن علم کل شئ من صغير الفرائض وکبيرها، ودقيق الاحکام والسنن وجليلها، وإنهم لمالم
[ صفحه 49]
يجدوه فيه احتاجو إلي القياس والاجتهاد في الرأي والعمل في الحکومة بهما، وافتروا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الکذب والزور بأنه أباحهم الاجتهاد، وأطلق لهم ما ادعوه عليه لقوله لمعاذ بن جبل [46] .
والله يقول: ونزلنا عليک الکتاب تبيانا لکل شئ [47] .
ويقول: ما فرطنا في الکتاب من شئ [48] ويقول: وکل شئ أحصيناه في إمام مبين [49] ، ويقول: وکل شئ أحصيناه کتابا [50] ، ويقول: قل: إن اتبع إلا ما يوحي إلي [51] ، ويقول: وأن احکم بينهم بما أنزل الله [52] فمن أنکر أن شيئا من امور الدنيا والآخرة وأحکام الدين وفرائضه وسننه وجميع ما يحتاج إليه أهل الشريعة ليس موجودا في القرآن الذي قال الله تعالي فيه: تبيانا لکل شئ فهو راد علي الله قوله، ومفتر علي الله الکذب، وغير مصدق بکتابه.
ولعمري لقد صدقوا عن أنفسهم وأئمتهم الذي يقتدون بهم [53] في أنهم لا
[ صفحه 50]
يجدون ذلک في القرآن، لانهم ليسوا من أهله ولا ممن أوتي علمه، ولا جعل الله ولا رسوله لهم فيه نصيبا، بل خص بالعلم کله أهل بيت الرسول (صلي الله عليه وآله) الذي آتاهم العلم، ودل عليهم، الذين أمر بمسألتهم ليدلوا علي موضعه من الکتاب الذي هم خزنته [54] وورثته وتراجمته.
ولو امتثلوا أمر الله عزوجل في قوله ولو ردوه إلي الرسول وإلي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم [55] وفي قوله: فاسئلوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون لاوصلهم الله إلي نور الهدي، وعلمهم ما لم يکونوا يعلمون، وأغناهم عن القياس والاجتهاد بالرأي، وسقط الاختلاف الواقع في أحکام الدين الذي يدين به العباد، ويجيزونه بينهم، ويدعون علي النبي (صلي الله عليه وآله) الکذب أنه أطلقه وأجازه، والقرآن يحظره وينهي عنه حيث يقول عزوجل: ولو کان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا کثيرا [56] : ويقول: ولا تکونوا کالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات [57] : ويقول واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وآيات الله في ذم الاختلاف والفرقة أکثر من أن تحصي، والاختلاف والفرقة في الدين هو الضلال، ويجيزونه ويدعون علي رسول الله (صلي الله عليه واله وسلم) أنه أطلقه وأجازه افتراء عليه، وکتاب الله عزوجل يحظره وينهي عنه بقوله: ولا تکونوا کالذين تفرقوا واختلفوا.
فأي بيان أو ضح من هذا البيان؟ وأي حجة للخلق علي الله بعد هذا الايضاح والارشاد؟ نعوذ بالله من الخذلان، ومن أن يکلنا إلي نفوسنا وعقولنا واجتهادنا وآرائنا في ديننا، ونسأله أن يثبتنا علي ما هدانا له [58] ودلنا عليه
[ صفحه 51]
وأرشدنا إليه من دينه، والموالاة لاوليائه، والتمسک بهم، والاخذ عنهم، والعمل بما أمروا به، والانتهاء عما نهوا عنه حتي نلقاه عزوجل علي ذلک، غير مبدلين ولا شاکين، ولا متقدمين لهم ولا متأخرين عنهم، فإن من تقدم عليهم مرق، و من تخلف عنهم غرق، ومن خالفهم محق، ومن لزمهم لحق، وکذلک قال رسول - الله (صلي الله عليه واله وسلم).
پاورقي
[1] في بعض النسخ يوالي يزيد بن معوية ومن الثقات وهو تصحيف.
[2] علي بن هاشم بن بريد البريدي الخزاز، وثقه ابن معين، وقال أحمد بن حنبل والنسائي: ليس به بأس، وذکره ابن حبان في الثقات وقال کان غاليا في التشيع، وقال ابوحاتم: يتشيع، کما نقله العسقلاني في تهذيبه، واما الحسين بن السکن القرشي کان بصريا سکن بغداد عنونه الخطيب في تاريخه ج 8 ص 50 وقال مات سنة 258.
[3] عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميري من المشاهير عنونه ابن حجر في تهذيبه ج 6 ص 311 وأطال الکلام في ترجمته ونقل عن الصوري عن علي بن هاشم عنه - يعني عن عبدالرزاق - أنه قال: کتبت عن ثلاثة لا ابالي أن لا أکتب عن غيرهم، کتب عن ابن الشاذکوني وهو من احفظ الناس، وکتبت عن ابن معين وهو من أعرف الناس بالرجال، وکتبت عن أحمد بن حنبل وهو من أثبت الناس.
وبالجمله روي عن ابيه همام وهو من رواة مينا بن أبي مينا الزهري الخزاز الذي ذکره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: تبين علي أحاديثه أنه يغلو في التشيع.
[4] بسست الناقة وأبسستها اذا سقتها وزجرتها وقلت لها: بس بس بکسر الباء و فتحها.وفي منقوله في البحار يبشون بشيشا من البشاشة أي طلاقة الوجه.
[5] اي علائق سيوفهم الجلد.والمسک - بفتح الميم وآخره الکاف بمعني الجلد، وفي بعض النسخ المسد - بالدال المهملة محرکة - حبل من ليف أو خوص.
[6] آل عمران: 103.
[7] آل عمران: 112.
[8] الزمر: 56 جنب الله أي حقه أو طاعته أو أمره وأول بأمير المؤمنين (ع).
[9] الفرقان: 27 والعض کناية عن الغيظ، والتحسر.
[10] ابراهيم: 47.
[11] في بعض النسخ غرية وفي بعضها عزية.
[12] في بعض النسخ أنتم بحمد الله عرفتم.
[13] حن - بتشديد النون - اليه أي مال واشتاق.ورجف أي اضطرب.وفي بعض النسخ رجعت.
[14] انجاشت أي اضطربت، والاکباد جمع کبد، وهملت أي فاضت دموعا، و انثلجت نفسي به أي ارتاحت به واليه.
وفي بعض النسخ وتبلجت.
[15] في نسخة منه.
[16] الظاهر کونه جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثني الذي هو من وجوه الطالبيين وکان ثقة في الحديث مات في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثمائة وله نيف وتسعون سنة (جش).
[17] کذا في بعض النسخ وفي بعضها الخيبري والظاهر تصحيفهما والصواب الاحمري وهو أبواسحاق ابراهيم بن اسحاق النهاوندي وکان ضعيفا متهما في مذهبه کما في الخلاصة، وقال الشيخ في الفهرست نحوه وقال صنف کتبا جملتها قريبة من السداد وذکرفي جملتها کتاب الغيبة.
[18] في بعض نسخ الحديث اذا تجده مرفقا.
[19] في بعض النسخ والا فلا غفر الله لک.
[20] فرطکم - بفتح الفاء والراء - اي متقدمکم اليه، يقال: فرط يفرط فهو فارط وفرط - بفتح الراء - اذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء ويهيئ لهم الدلاء والارشية. (النهاية).
[21] وزاد في نسخة وفي رواية اخري: طرف بيدالله وطرف بأيديکم.
[22] البقرة: 58.
[23] کذا.ويمکن أن يکون فتذلوا بالذال، والاول من الزلة.
[24] في بعض النسخ وانصرفوا غنهم صفحا.
[25] الانبياء: 7.
[26] النساء: 60.
[27] في بعض النسخ وادعوا.
[28] الکهف: 103.
[29] کذا.
[30] الفرقان 31 و 32 و 33.
[31] الطلاق: 10.
[32] الانبياء: 7.
[33] في النهاية الاثيرية ليردن علي الحوض أقوام ثم ليختلجن دوني بصيغة المفعول أي يجتذبون ويقتطعون.
[34] قال في النهاية: في حديث الحوض سحقا سحقا اي بعدا بعدا.راجع مسند احمد ج 1 ص 453 و 454، وصحيح البخاري کتاب الرقاق.
[35] آل عمران: 144.
[36] النور: 63.
[37] الشوري: 33.
[38] يونس: 35.
[39] في بعض النسخ التي تستحي ولا تباهت ولا تزغ إلي الکذب ولا تباهت أي لا يأتي بالبهتان والزور.
وزاغ أي مال واعوج.
[40] الشنار- بفتح الشين المعجمة- أقبح العيب، وفي بعض النسخ ولا فيها شنار فالضمير المؤنث راجع إلي لفظ المصيبة.
[41] في بعض النسخ حتي قبضت وفي بعضها لما قبضت فاطمة (ع) غضبي علي امة أبيها ولما أوصت بان لا يصلي عليهاأحد منهم فضلا عما سوي ذلک، وذلک منبه لاهل الغفلة.
[42] أي مؤذيها والقاهر لها من ضهده ضهدا، واضطهده أي قهره وآذاه واضطره، والمضطهد بصيغة الفاعل هو الذي قهر وآذي غيره.
[43] الحج: 46.
[44] ق: 23.
[45] المؤمن: 52.
[46] روي الترمذي وأبوداود مسندا عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلي الله عليه وآله لما بعثه إلي اليمن قال: کيف تقضي اذاعرض لک قضاء؟ قال: أقضي بکتاب الله، قال: فان لم تجد في کتاب الله؟ قال: فبسنه رسول الله صلي الله عليه وآله قال: فان لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال: فضرب رسول الله صلي الله عليه وآله علي صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي به رسول الله.
وفي رواية قال له رسول الله: فان أشکل عليک أمر فسل ولا تستحي واستشر ثم اجتهد، فان الله ان يعلم منک الصدق يوفقک، فان التبس عليک فقف حتي تثبته أو تکتب إلي فيه، واحذر الهوي فانه قائد الاشقياء إلي النار وعليک بالرفق.
انتهي.
أقول: ان صح هذا الکلام عنه صلي الله عليه وآله لا يدل علي مدعاهم لاحتمال أن يکون المراد السعي والاجتهاد والفحص في تحصيل مدرک الحکم بل هو الظاهر من قوله اجتهد بعد قوله فسل ولا تستحي واستشر فان من له قوة الاجتهاد بمعني المتعارف لا يحتاج إلي السؤال والاستشارة وهذا شأن المقلد دون المجتهد.
[47] النحل: 89.
[48] الانعام: 38.
[49] يس: 12.
[50] النبأ: 29 و کتابا أي مکتوبا في اللوح المحفوظ.
[51] الانعام: 50.
[52] المائدة: 49.
[53] في بعض النسخ الذي يفتنون بهم.
[54] أي خزنة الکتاب وورثته کمافي قوله تعالي ثم أورثنا الکتاب الذين اصطفينا من عبادنا فاطر: 32.
[55] النساء: 83 أي يستخرجون تدبيره أوحکمه.
[56] النساء 82.
[57] آل عمران: 105.
[58] في بعض النسخ أن يثبتنا بالقول الثابت، ودلنا - الخ.