بازگشت

مقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا الشيخ ابوالفرج محمد بن علي بن يعقوب بن أبي قرة القناني [1] - رحمه الله - قال: حدثنا أبوالحسين محمد بن علي البجلي الکاتب - واللفظ من أصله وکتبت هذه النسخة وهو ينظر في أصله - قال: حدثنا أبوعبدالله محمد بن إبراهيم النعماني بحلب [2] : الحمد لله رب العالمين، الهادي من يشاء إلي صراط مستقيم، المستحق الشکر من عباده بإخراجه إياهم من العدم إلي الوجود، وتصويره إياهم في أحسن الصور، و إسباغه عليهم النعم ظاهرة وباطنة لا يحصيها العدد علي طول الامد کما قال عزوجل: إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [3] ، وبمادلهم عليه وأرشدهم إليه من العلم بربوبيته والاقرار بوحدانيته بالعقول الزکية [4] والحکمة البالغة، والصنعة المتقنة، والفطرة



[ صفحه 19]



الصحيحة، والصبغة الحسنة، والآيات الباهرة، والبراهين الظاهرة، وشفعه ذلک ببعثه إليهم الخيرة من خلقه رسلا مصطفين، مبشرين ومنذرين، دالين هادين، مذکرين ومحذرين، ومبلغين مؤدين، بالعلم ناطقين، وبروح القدس مؤيدين، وبالحجج غالبين، وبالايات لاهل الباطل قاهرين، وبالمعجزات لعقول ذوي - الالباب باهرين، أبانهم من خلقه بما أولاهم من کرامته، وأطلعهم علي غيبه، ومکنهم فيه من قدرته، کما قال عزوجل: عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول [فإنه يسلک من بين يديه ومن خلفه رصدا] [5] ترفعا لاقدارهم، وتعظيما لشأنهم لئلا يکون للناس علي الله حجة بعد الرسل، ولتکون حجة الله عليهم تامة غير ناقصة.

والحمد لله الذي من علينا بمحمد سابق بريته إلي الاقرار بربوبيته، وخاتم أصفيائه إنذارا برسالته، وأحب أحبائه إليه، وأکرم أنبيائه عليه، وأعلاهم رتبة لديه، وأخصهم منزلة منه، أعطاه جميع ما أعطاهم، وزاده أضعافا علي ما آتاهم، وأحله المنزلة التي أظهر بها فضله عليهم، فصيره إمامالهم إذ صلي في سمائه بجماعتهم وشرف مقامه علي کافتهم، وأعطاه الشفاعة دونهم، ورفعه مستسيرا إلي علو ملکوته [6] حتي کلمه في محل جبروته بحيث جاز مراتب الملائکة المقربين، ومقامات الکروبيين والحافين.

وأنزل عليه کتابا جعله مهيمنا علي کتبه المتقدمة، ومشتملا علي ما حوته من العلوم الجمة وفاضلا عليها بأن جعله کما قال تعالي تبيانا لکل شئ [7] لم يفرط فيه من شئ، فهدانا الله عزوجل بمحمد (صلي الله عليه وآله) من الضلالة والعمي، وأنقذنا به من الجهالة والردي، وأغنانا به وبما جاء به من الکتاب المبين - وما أکمله لنا من



[ صفحه 20]



الدين، ودلنا عليه من ولاية الائمة الطاهرين الهادين - عن الآراء والاجتهاد، و وفقنا به وبهم إلي سبيل الرشاد [8] .

صلي الله عليه وعلي أخيه أمير المؤمنين تاليه في الفضل ومؤازره في اللاواء والازل [9] وسيف الله علي أهل الکفر والجهل، ويده المبسوطة بالاحسان والعدل، والسالک نهجه في کل حال [10] والزائل مع الحق حيثما زال، والخازن علمه [11] ، والمستودع سره، الظاهر علي مکنون أمره، وعلي الائمة من آله الطاهرين الاخيار الطيبين الابرار.

معادن الرحمة، ومحل النعمة، وبدور الظلام، ونور الانام، وبحور العلم وباب السلام الذي ندب الله عزوجل خلقه إلي دخوله، وحذرهم النکوب عن سبيله حيث قال: يا أيهاالذين آمنوا ادخلوا في السلم کافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لکم عدو مبين أفضل صلواته وأشرفها، وأذکاها وأنماها، وأتمها وأعلاها وأسناها، وسلم تسليما کثيرا کما هو أهله وکما محمد وآله (عليه السلام) أهله منه.

أما بعد: فإنا رأينا طوائف من العصابة المنسوبة إلي التشيع المنتمية [12] إلي نبيهامحمد وآله صلي الله عليهم - ممن يقول بالامامة التي جعلها الله برحمته دين الحق ولسان الصدق وزينا لمن دخل فيها [13] ونجاة وجمالا لمن کان من أهلها وفاز بذمتهاو تمسک بعقدتهاو وفي لها بشروطها من المواظبة علي الصلوات وإيتاء الزکوات والمسابقة



[ صفحه 21]



إلي الخيرات، واجتناب الفواحش والمنکرات، والتنزه عن سائر المحظورات، ومراقبة الله تقدس ذکره في الملا والخلوات، وتشغل القلوب وإتعاب الانفس والابدان في حيازة القربات - قد تفرقت کلمها [14] ، وتشعبت مذاهبها، واستهانت بفرائض الله عز وجل، وحنت [15] إلي محارم الله تعالي، فطار بعضها علوا، وانخفض بعضها تقصيرا، وشکوا جميعا إلا القليل في إمام زمانهم وولي أمرهم وحجة ربهم التي اختارها بعلمه کما قال عزوجل: [وربک] يخلق ما يشاء ويختار ما کان لهم الخيرة [16] من أمرهم، للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ذکرها، وتقدم من أمير المؤمنين (عليه السلام) خبرها، ونطق في المأثور من خطبه والمروي عنه من کلامه وحديثه بالتحذير من فتنتها، وحمل أهل العلم والرواية عن الائمة من ولده (عليهم السلام) واحدا بعد واحد أخبارها حتي ما منهم أحد إلا وقد قدم القول فيها، وحقق کونها ووصف امتحان الله - تبارک وتعالي اسمه - خلقه بها بما أوجبته قبائح الافعال ومساوي الاعمال، والشح المطاع، والعاجل الفاني المؤثر علي الدائم الباقي، والشهوات المتبعة، والحقوق المضيعة التي اکتسبت سخط الله عز وتقدس، فلم يزل الشک والارتياب قادحين في قلوبهم - کما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في کلامه لکميل ابن زياد في صفة طالبي العلم وحملته: أو منقادا لاهل الحق لابصيرة له، ينقدح الشک في قلبه لاول عارض من شبهة [17] - حتي أداهم ذلک إلي التيه والحيرة والعمي والضلالة ولم يبق منهم إلا القليل النزر الذين ثبتوا علي دين الله وتمسکوا بحبل الله ولم يحيدوا عن صراط الله المستقيم، وتحقق فيهم وصف الفرقة الثابتة علي الحق التي لا تزعزعها الرياح ولا يضرها الفتن، ولا يغرها لمع السراب، ولم تدخل في دين الله بالرجال فتخرج منه بهم.



[ صفحه 22]



کما روينا عن أبي عبدالله جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: من دخل في هذا الدين بالرجال أخرجه منه الرجال کما أدخلوه فيه.ومن دخل فيه بالکتاب والسنة زالت الجبال قبل أن يزول.

ولعمري ما اتي من تاه وتحير وافتتن وانتقل عن الحق وتعلق بمذاهب أهل الزخرف والباطل إلا من قلة الرواية والعلم وعدم الدراية والفهم فإنهم الاشقياء لم يهتموا لطلب العلم ولم يتعبوا أنفسهم وفي اقتنائه وروايته من معادنه الصافية علي أنهم لوروواثم لم يدروا لکانوا بمنزلة من لم يرو، وقد قال جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): اعرفوا منازل شيعتنا عندنا علي قدر روايتهم عنا وفهمهم منا فإن الرواية تحتاج إلي الدراية، و خبر تدريه خير من ألف خبر ترويه.

وأکثر من دخل في هذه المذاهب إنما دخله علي أحوال، فمنهم من دخله بغير روية ولاعلم، فلما اعترضه يسير الشبهة تاه.

ومنهم من أراده طلبا للدنيا وحطامها [18] فلما أماله الغواة والدنياويون إليها مال مؤثرا لها علي الدين، مغترا مع ذلک بزخرف القول غرورا من الشياطين الذين وصفهم الله عزوجل في کتابه فقال: شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلي بعض زخرف القول غرورا [19] .

والمغتر به فهو کصاحب السراب [20] الذي يحسبه الظمآن ماء، يلمعه عند ظمائه لمعة ماء، فإذا جاء لم يجده شيئا کما قال الله عزوجل [21] .

ومنهم من تحلي بهذا الامر للرياء والتحسن بظاهره، وطلبا للرئاسة، و شهوة لها وشغفا بها [22] من غير اعتقاد للحق ولا إخلاص فيه، فسلب الله جماله وغير



[ صفحه 23]



حاله، وأعد له نکاله.

ومنهم من دان به علي ضعف من إيمانه، ووهن من نفسه بصحة ما نطق به منه فلما وقعت هذه المحنة التي آذننا أولياء الله صلي الله عليهم بها مذ ثلاثمائة سنة تحير ووقف کما قال الله عزوجل من قائل: کمثل الذي استوقد نارا فلما أضاء‌ت ما حوله ذهب الله بنورهم وترکهم في ظلمات لايبصرون [23] ، وکما قال: کلما أضاء لهم مشوافيه وإذا أظلم عليهم قاموا [24] .

ووجدنا الرواية قدأتت عن الصادقين (عليهم السلام) بما أمروا به من وهب الله عزوجل له حظا من العلم وأوصله منه إلي ما لم يوصل إليه غيره من تبيين ما اشتبه علي إخوانهم في الدين، وإرشادهم في الحيرة إلي سواء السبيل، وإخراجهم عن منزلة الشک إلي نور اليقين.

فقصدت القربة إلي الله عزوجل بذکر ما جاء عن الائمة الصادقين الطاهرين (عليهم السلام) من لدن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلي آخر من روي عنه منهم في هذه الغيبة التي عمي عن حقيتها [25] ونورها من أبعده الله عن العلم بها والهداية إلي ما اوتي عنهم (عليهم السلام) فيها ما يصحح [26] لاهل الحق حقيقة ما رووه ودانوابه، وتؤکد حجتهم بوقوعها ويصدق ما آذنوا به منها.

وإذا تأمل من وهب الله تعالي له حسن الصورة وفتح مسامع قلبه، ومنحه جودة القريحة [27] وأتحفه بالفهم وصحة الرواية بما جاء عن الهداة الطاهرين صلوات الله



[ صفحه 24]



عليهم علي قديم الايام وحديثها من الروايات المتصلة فيها، الموجبة لحدوثها، المقتضية لکونها مما قد أوردناه في هذا الکتاب حديثا حديثا، وروي فيه، وفکر فکرا منعما [28] ولم يجعل قراء‌ته نظره فيه صفحا دون شافي التأمل ولم يطمح ببصره عن حديث منها يشبه ما تقدمه دون إمعان النظر فيه والتبيين له ولما يحوي من زيادة المعاني بلفظه من کلام الامام (عليه السلام) بحسب ما حمله واحد من الرواة عنه - علم [29] أن هذه الغيبة لو لم تکن ولم تحدث مع ذلک ومع ما روي علي مر الدهور فيها لکان مذهب الامامة باطلا لکن الله تبارک وتعالي صدق إنذار الائمة (عليهم السلام) بها، وصحح قولهم فيها في عصر بعد عصر، وألزم الشيعة التسليم والتصديق والتمسک بما هم عليه وقوي اليقين في قلوبهم بصحة ما نقلوه، وقد حذر أولياء الله صلوات الله عليهم شيعتهم من أن تميل بهم الاهواء أو تزيغ بهم [و] بقلوبهم الفتن واللاواء في أيامها، ووصفوا ما يشمل الله تعالي خلقه به من الابتلاء عند وقوعها بتراخي مدتها وطول الامد فيها ليهلک من هلک عن بينة ويحيي من حي عن بينة.

فإنه روي عنهم (عليهم السلام) ما حدثنا به محمد بن همام قال: حدثنا حميد بن زياد الکوفي قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة قال: حدثنا أحمد بن الحسن الميثمي، عن رجل من أصحاب أبي عبدالله جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: سمعته يقول: نزلت هذه الآية التي في سورة الحديد ولا تکونوا کالذين اوتوا الکتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وکثير منهم فاسقون في أهل زمان الغيبة، ثم قال عز وجل: إن الله يحيي الارض بعد موتها قد بينا لکم الآيات لعلکم تعقلون [30] وقال: إنما الامد أمدالغيبة.

فإنه أراد عزوجل يا امة محمد أو يا معشر الشيعة: لا تکونوا کالذين اوتوا الکتاب من قبل فطال عليهم الامد، فتأويل هذه الآية جاء في



[ صفحه 25]



أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم من أهل الازمنة وإن الله تعالي نهي الشيعة عن الشک في حجة الله تعالي، أو أن يظنوا أن الله تعالي يخلي أرضه منها طرفة عين، کما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في کلامه لکميل بن زياد: بلي اللهم لا تخلوا الارض من حجة لله إما ظاهر معلوم أو خائف مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته وحذرهم من أن يشکوا ويرتابوا، فيطول عليهم الامد فتقسو قلوبهم.

ثم قال (عليه السلام) [31] ألا تسمع قوله تعالي في الآية التالية لهذه الآية اعلموا أن الله يحيي الارض بعد موتها قد بينا لکم الآيات لعلکم تعقلون أي يحييها الله بعدل القائم عند ظهوره بعد موتها بجور أئمة الضلال، وتأويل کل آية منها مصدق للآخر وعلي أن قولهم صلوات الله عليهم لابد أن يصح في شذوذ من يشذ، وفتنة من يفتتن ونکوص من ينکص علي عقبيه من الشيعة بالبلبلة والتمحيص [32] والغربلة التي قد أوردنا ما ذکروه (عليهم السلام) منه بأسانيد في باب ما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرق والفتنة، إلا أنا نذکر في هذا الموضع حديثا أو حديثين من جملة ما أوردنا في ذلک الباب لئلا ينکر منکر ما حدث من هذه الفرق العاملة بالاهواء، المؤثرة للدنيا.

وهو ما أخبرنا به أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة الکوفي - وهذا الرجل ممن لا يطعن عليه في الثقة ولا في العلم بالحديث والرجال الناقلين له [33] - قال: حدثنا علي ابن الحسن التيملي [34] من تيم الله قال: حدثني أخواي أحمد ومحمد ابنا الحسن بن علي ابن فضال، عن أبيهما، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي کهمس، عن عمران بن ميثم، عن مالک بن ضمرة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لشيعته: کونوا في الناس کالنحل



[ صفحه 26]



في الطير، ليس شئ من الطير إلا وهو يستضعفها، ولو يعلم ما في أجوافها لم يفعل بها کما يفعل.

خالطوا الناس بأبدانکم وزايلوهم بقلو بکم وأعمالکم، فان لکل امرئ ما اکتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب، أما إنکم لن تروا ما تحبون وما تأملون يا معشر الشيعة حتي يتفل بعضکم في وجوه بعض، وحتي يسمي بعضکم بعضا کذابين وحتي لا يبقي منکم علي هذا الامر إلا کالکحل في العين والملح في الطعام وهو أقل الزاد [35] وسأضرب لکم في ذلک مثلا: وهو کمثل رجل کان له طعام قد ذراه [36] وغربله ونقاه وجعله في بيت وأغلق عليه الباب ماشاء الله، ثم فتح الباب عنه فإذا السوس قد وقع فيه [37] ثم أخرجه ونقاه وذراه، ثم جعله في البيت وأغلق عليه الباب ما شاء الله ثم فتح الباب عنه فاذا السوس قد وقع فيه [وأخرجه ونقاه وذراه ثم جعله في البيت وأغلق عليه الباب، ثم أخرجه بعد حين فوجده قد وقع فيه السوس]، ففعل به کما فعل مرارا حتي بقيت منه رزمة کرزمة الاندر [38] [الذي] لا يضره السوس شيئا وکذلک أنتم تمحصکم الفتن حتي لا يبقي منکم إلا عصابة لا تضرها الفتن شيئا.

وروي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال: والله لتمحصن والله لتطيرن يمينا وشمالا حتي لا يبقي منکم إلا کل امرئ أخذ الله ميثاقه، وکتب الايمان في قلبه وأيده بروح منه.

وفي رواية اخري عنهم (عليه السلام) حتي لا يبقي منکم علي هذا الامر إلا الاندر فالاندر.

وهذه العصابة التي تبقي علي هذا الامر وتثبت وتقيم علي الحق هي التي امرت بالصبر في حال الغيبة، فمن ذلک ما أخبرنا به علي بن احمد البندنيجي، عن



[ صفحه 27]



عبيد الله بن موسي العلوي العباسي [39] ، عن هارون بن مسلم، عن القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) في معني قوله تعالي: يا أيها الذين آمنو اصبروا وصابروا ورابطو [40] قال: اصبروا علي أداء الفرائض، وصابروا عدوکم، ورابطوا إمامکم المنتظر.

وهذه العصابة القليلة هي التي قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لها: لا تستوحشوا في طريق الهدي لقلتها فيما أخبرنا أبوالعباس أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة الکوفي قال: حدثنا ابوعبدالله جعفر بن عبدالله المحمدي من کتابه في المحرم سنة ثمان وستين ومائتين قال: حدثني يزيد بن إسحاق الارحبي - ويعرف بشعر - قال: حدثنا مخول، عن فرات بن أحنف، عن الاصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) علي منبر الکوفة يقول: أيها الناس أنا أنف الايمان، أنا أنف الهدي وعيناه أيها الناس لا تستو حشوا في طريق الهدي لقلة من يسلکه، إن الناس اجتمعوا علي مائدة قليل شبعها، کثير جوعها، والله المستعان، وإنما يجمع الناس الرضا والغضب، أيها الناس إنما عقر ناقة صالح واحد فأصابهم الله بعذابه بالرضا لفعله، وآية ذلک قوله عزوجل فنادوا صاحبهم فتعاطي فعقر فکيف کان عذابي



[ صفحه 28]



ونذر [41] وقال: فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولايخاف عقباها [42] ألا ومن سئل عن قاتلي فزعم أنه مؤمن فقد قتلني، أيها الناس من سلک الطريق ورد الماء، ومن حاد عنه وقع في التية - ثم نزل -.

ورواه لنا محمد بن همام ومحمد بن الحسن بن محمد بن جمهور جميعا، عن الحسن بن محمد بن جمهور، عن أحمد بن نوح، عن ابن عليم، عن رجل، عن فرات بن أحنف قال: أخبرني من سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) - وذکر مثله - إلا أنه قال: لا تستوحشوا في طريق الهدي لقلة أهله.

وفي قول أمير المؤمنين (عليه السلام) من سلک الطريق ورد الماء ومن حاد عنه وقع في التيه بيان شاف لمن تأمله ودليل علي التمسک بنظام الائمة [43] وتحذير من الوقوع في التيه بالعدول عنها والانقطاع عن سبيلها، ومن الشذوذ يمينا وشمالا والاصغاء إلي ما يزخرفه المفترون المفتونون في دينهم من القول الذي هو کالهباء المنثور، وکالسراب المضمحل کما قال الله عزوجل: الم أحسب الناس أن يترکوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الکاذبين [44] .

وکما روي عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال: إياکم وجدال کل مفتون فإنه ملقن حجته إلي انقضاء مدته فاذا انقضت مدته ألهبته خطيئته وأحرقته [45] ؛ أخبرنا بذلک عبدالواحد بن عبدالله بن يونس قال: حدثنا محمد بن جعفر القرشي، قال: حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثنا محمد بن سنان، عن أبي محمد الغفاري [46] ، عن أبي عبدالله، عن آبائه (عليه السلام) قال: قال



[ صفحه 29]



رسول الله (صلي الله عليه وآله) - وذکر الحديث.

وقد جمعت في هذا الکتاب ما وفق الله جمعه من الاحاديث التي رواها الشيوخ عن أمير المؤمنين والائمة الصادقين (عليهم السلام) في الغيبة وغيرها مما سبيله أن ينضاف إلي ما روي فيها بحسب ما حضر في الوقت إذ لم يحضرني جميع ما رويته في ذلک لبعده عني وأن حفظي لم يشمل عليه، والذي رواه الناس من ذلک أکثر وأعظم مما رويته ويصغر ويقل عنه ما عندي، وجعلته أبوابا صدرتها بذکر ما روي في صون سر آل محمد (عليهم السلام) عمن ليس من أهله، والتأدب بآداب أولياء الله في ستر ما أمروا بسترة عن أعداء الدين والنصاب المخالفين وساير الفرق من المبتدعين والشاکين والمعتزلة الدافعين لفضل أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله أجمعين المجيزين تقديم المأموم علي الامام والناقص علي التام خلافا علي الله عزوجل حيث يقول: أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فمالکم کيف تحکمون [47] وإعجابا بآرائهم المضلة وقلوبهم العمية کما قال الله جل من قائل: فإنها لا تعمي الابصار ولکن تعمي القلوب التي في الصدور [48] ، وکما قال تبارک وتعالي: قل هل ننبئکم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [49] الجاحدين فضل الائمة الطاهرين وإمامتهم (عليه السلام) المحلول في صدورهم لشقائهم ما قد تمکن فيها من العناد لهم بعد وجوب الحجة عليهم من الله بقوله عزوجل: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [50] ؛ ومن رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) بقوله في عترته: إنهم الهداة وسفينة النجاة، وإنهم أحد الثقلين اللذين أعلمنا تخليفه إياهما علينا والتمسک بهما بقوله إني مخلف فيکم الثقلين کتاب الله وعترتي أهل بيتي حبل ممدود بينکم وبين الله، طرف بيدالله وطرف بأيديکم ما إن تمسکتم به لن تضلوا [51] خذلانا من الله



[ صفحه 30]



شملهم به استخفافهم ذلک وبما کسبت أيديهم، وبإيثارهم العمي علي الهدي کما قال عزوجل: فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمي علي الهدي [52] وکما قال: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله علي علم [53] يريد علي علم لعناده للحق [54] واسترخائه إياه ورده له واستمرائه الباطل وحلوه في قلبه وقبوله له، و الله لا يظلم الناس شيئا ولکن الناس أنفسهم يظلمون وهم المعاندون لشيعة الحق ومحبي أهل الصدق، والمنکرون لما رواه الثقات من المؤمنين عن أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وعليهم، الرادون العائبون لهم بجهلهم وشقوتهم، القائلون بما رواه أعداؤهم، العاملون به، الجاعلون أئمتهم أهواء‌هم وعقولهم وآراء‌هم دون من اختاره الله بعلمه - حيث يقول: ولقد اخترنا هم علي علم علي العالمين [55] - ونصبه واصطفاه وانتجبه وارتضاه، المؤثرون الملح الاجاج علي العذب النمير الفرات [56] ، فإن صون دين الله، وطي علم خيرة الله [سبحانه] عن أعدائهم المستهزئين به أولي ما قدم، وأمرهم بذلک أحق ما امتثل.

ثم ابتدأ نا بعد ذلک بذکر حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به وترک التفرق عنه بقوله: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [57] وما روي في ذلک.

وأردفناه بذکر ما روي في الامامة وأنها من الله عزوجل وباختياره کما قال تبارک وتعالي: وربک يخلق ما يشاء ويختار ما کان لهم الخيرة [58] من أمرهم، وأنها عهد من الله وأمانة يؤديها الامام إلي الذي بعده.



[ صفحه 31]



ثم ما روي في أن الائمة (عليه السلام) اثنا عشر إماما وذکر ما يدل عليه من القرآن والتوراة [والانجيل] من ذلک.

بعد نقل ما روي من طريق العامة في ذکر الائمة الاثني عشر.

ثم ما روي فيمن ادعي الامامة، ومن زعم أنه إمام وليس بإمام، وأن کل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت.

[ثم الحديث المروي من طرق العامة] [59] .

ثم ما روي فيمن شک في واحد من الائمة صلي الله عليهم، أو بات ليلة لا يعرف فيها إمامه، أو دان الله بغير إمام منه.

ثم ما روي في أن الله تعالي لا يخلي أرضه من حجة.

ثم ما روي في أنه لو لم يبق في الارض إلا اثنان لکان أحدهما الحجة.

ثم ما روي في غيبة الامام (عليه السلام) وذکر أمير المؤمنين والائمة صلوات الله عليهم أجمعين بعده لها وإنذارهم بها.

ثم ما روي فيما امر به الشيعة من الصبر والکف والانتظار في حال الغيبة.

ثم ما روي فيما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرق والتشتت عند الغيبة حتي لا يبقي علي حقيقة الامر إلا الاقل.

ثم ما روي في الشدة التي تکون قبل قيام القائم (عليه السلام).

ثم ما روي في صفته (عليه السلام) وسيرته.

ثم ما نزل من القرآن فيه (عليه السلام).

ثم ما روي من العلامات التي تکون قبل ظهوره تدل علي قيامه وقرب أمره.

ثم ما جاء من المنع في التوقيت والتسمية لصاحب الامر (عليه السلام).

ثم ما جاء فيما يلقي القائم منذ قيامه (عليه السلام) فيبتلي من جاهلية الناس.

ثم ماجاء في ذکر جيش الغضب وهم أصحاب القائم (عليه السلام) وعدتهم.



[ صفحه 32]



ثم ماجاء في ذکر السفياني وأن أمره من المحتوم الکائن قبل قيام القائم (عليه السلام).

ثم ماجاء في ذکر راية رسول الله (صلي الله عليه واله وسلم) وأنه لا ينشرها بعد يوم الجمل - إلا القائم (عليه السلام)، وصفتها.

ثم ماجاء في ذکر أحوال الشيعة عند خروج القائم (عليه السلام) وقبله وبعده.

ثم ماروي في أن القائم (عليه السلام) يستأنف دعاء جديدا، وأن الاسلام بدا - غريبا وسيعود غريبا کما بدا.

ثم ماروي في مدة ملک القائم (عليه السلام) بعد ظهوره.

ثم ماروي في ذکر إسماعيل بن أبي عبدالله (عليه السلام) وبطلان مايدعيه - المبطلون الذين هم عن السمع والعلم معزولون.

ثم ماروي في أن من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الامر أم تأخر.

ونحن نسأل الله بوجهه الکريم وشأنه العظيم أن يصلي علي الصفوة المنتجبين من خلقه والخيرة من بريته، وحبله المتين وعروته الوثقي التي لا انفصام لها محمد وآله الطاهرين، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يجعل محيانا ومماتنا وبعثنا علي ما أنعم به علينا من دين الحق وموالاة أهله الذين خصهم بکرامته، وجعلهم السفراء بينه وبين خلقه، والحجة علي بريته، وأن يوفقنا للتسليم لهم والعمل بما أمروا به، والانتهاء عما نهوا عنه، ولا يجعلنا من الشاکين في شئ من قولهم، ولا المرتابين بصدقهم، وأن يجعلنا من أنصار دينه مع وليه، والصادقين في جهاد عدوه حتي يجعلنا بذلک معهم، ويکرمنا بمجاورتهم في جنات النعيم، ولا يفرق بيننا وبينهم طرفة عين أبدا، ولا أقل من ذلک ولا أکثر إنه جواد کريم.



[ صفحه 33]




پاورقي

[1] القناني - بفتح القاف ونونين بينهما ألف - نسة إلي قنان بن سلمة بن وهب بن عبدالله بن ربيعة بن الحارث بن کعب من مذحج کما في اللباب لابن الاثير.

والرجل عنونه النجاشي وقال محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن أبي قرة أبوالفرج القناني الکاتب، کان ثقة، وسمع کثيرا وکتب کثيرا، وکان يورق لاصحابنا - إلي آخر ما قال.

[2] وفي نسخة: حدثني محمد بن علي أبوالحسين الشجاعي الکاتب - حفظه الله - قال: حدثني محمد بن ابراهيم ابوعبدالله النعماني رحمه الله تعالي في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة قال:.

وفي بعض النسخ مکان أبوالحسين ابوالحسن ولعله هو الصواب.

[3] ابراهيم: 34.

[4] في بعض النسخ المرضية.

[5] الجن: 26.

[6] في بعض النسخ ورفعه مستزيدا إلي علو مملکته.

[7] النحل: 89.

[8] الضمير المفرد راجع إلي الکتاب أو النبي صلي الله عليه وآله، والضمير الجمع راجع إلي الائمة عليهم السلام.

[9] اللاواء: الشدة والمحنة.

والازل - بالزاي الساکنة - الضيق والشدة.

[10] في بعض النسخ علي کل حال.

[11] في بعض النسخ والحاوي علمه.

[12] الانتماء: الانتساب.أي المنتسبة إلي النبي صلي الله عليه وآله.

[13] في بعض النسخ زينة لمن دخل فيها.

[14] قد تفرقت الجملة مفعول ثان لرأينا وما بينهما جملة معترضة.

[15] کذا صححناه، وفي النسخ وخفت والمعني استخفت محارم الله تعالي.

[16] القصص: 68.

[17] في اللغة قدح الشئ في صدري أي أثر.

[18] حطام الدنيا: ما فيها من مال، کثير أو قليل.

[19] الانعام: 112.

[20] کذا، ولعل الصواب کطالب السراب.

[21] يعني به قوله تعالي في سورة النور آية 39.

[22] شعف به وشغف - بالمعجمة - اي أولع به وأحبه مفرطا.

[23] البقرة: 17 و 20.

[24] البقرة: 17 و 20.

[25] في بعض النسخ عن حقيقتها.

[26] أي قصدت بذکر ما جاء عنهم عليهم السلام - لازالة الشبهات - ما يصحح لاهل الحق ما رووه ودانوابه، ولتؤکد بذلک حجتهم.

[27] منحه - کمنعه - أي اعطاه، والقريحة الطبيعة، وقريحة الشاعر أو الکاتب: ملکة يقتدربها علي نظم الشعر او الکتابة، والجودة: الصلاح والحسن.

[28] أي شافيا دقيقا بالغا.وفي بعض النسخ ممعنا من الامعان.

[29] جواب قوله واذا تأمل - الخ.

[30] السورة: 16 و 17.

[31] يعني أباعبدالله عليه السلام في الحديث السابق.

[32] البلبلة - بالفتح -: شدة الهم والحزن، وأريد بها ههنا الاختبار والامتحان والابتلاء.والتمحيص الاختبار والابتلاء، ومحص الله العبد من الذنوب أي طهره.

[33] ستأتي ترجمته في أول الباب الاول من الکتاب ص 33.

[34] يعني به علي بن الحسن بن علي بن فضال.

وعلي بن الحسين کما في بعض النسخ تصحيف من النساخ.

[35] في بعض النسخ أو قال في الزاد مکان وهو أقل الزاد.

[36] ذري الحنطة: نقاها في الريح.

[37] السوس: دود يقع في الطعام والثياب والشجر فيفسده.

[38] الاندر: کدس القمح، البيدر.

[39] عبيد الله بن موسي العلوي من الاعلام الشاسعة في هذا الکتاب، وفي کثير من المواضع عبدالله مکبرا وکأنه عبيدالله بن موسي الروياني المعنون في تهذيب التهذيب ج 7 ص 53 تحت عنوان تمييز وقال: يکني ابا تراب روي عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، وروي عنه علي بن أحمد بن نصر البندنيجي - اه‍.

ولا يبعد أن يکون عبدالله بن موسي الهاشمي المعنون في جامع الرواة بعنوان عبدالله بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب عليهما السلام حيث لقبه بالعلوي.وذکر الخطيب في تاريخ بغداد من مشايخ ابن عقدة عبدالله بن موسي الهاشمي.وابن عقدة وعلي بن أحمد البندنيجي في طبقة واحدة، غير أنه زاد في کثير من الموارد العلوي العباسي وکأن العباسي نسخة بدل عن العلوي فأورد هما الناسخ معا.

[40] آل عمران: 200.

[41] القمر: 30 و 31.

[42] الشمس: 14 إلي 16.

[43] في بعض النسخ بنظام الامامة.

[44] العنکبوت: 2 و 3.

[45] ألهبه أي هيجه والهبها: أوقدها.وفي بعض النسخ الهبته حجته وأحرقته.وفي بعض الروايات احرقته فتنته بالنار.

[46] هو عبدالله بن ابراهيم بن أبي عمير الغفاري وقد يقال له الانصاري المعنون في الرجال.

[47] يونس: 35.

[48] الحج: 46.

[49] الکهف: 104.

[50] آل عمران: 103.

[51] الحديث متواتر، متفق عليه بين الفريقين.

[52] فصلت: 17.

[53] الجاثية 23.

[54] في بعض النسخ معناه عند ما علم عناده للحق.

[55] الدخان: 33.

[56] النمير - بفتح النون -: الزاکي من الماء والحسب، والکثير.

[57] آل عمران: 103.

[58] القصص: 68.قوله من أمرهم ليس من الاية.

[59] ليس هذا الکلام الذي بين القوسين في الاصل انما أضيف اليه بعد.