بازگشت

البداء وعلامات الظهور


إن الحديث عن الإمام المهدي (عليه السلام) وعلامات ظهوره هو حديث عن أخبار غيبية وحوادث في المستقبل.. فيثار تساؤل: هل کل الروايات التي وردت عن المعصومين عليهم السلام، والتي تتحدث عن علامات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وبعد التأکد من سند الرواية وصحتها، وصدق مقولتها عن المعصوم (عليه السلام)؟ هل لا بدّ لکل تلک الأخبار الغيبية والتنبؤات المستقبلية من أن تتحقق.. أم أن هناک ما يمنع ذلک، ويحول دون وقوع ما أخبر عنه المعصوم (عليه السلام)؟

وهنا يلزم علينا التطرق إلي (البداء) کموضوع فلسفي وعقائدي، له علاقة وطيدة وحساسة بموضوع الإمام المهدي (عليه السلام) وعلامات ظهوره.

البداء في اللغة: الظهور بعد الخفاء.

البداء في الإصطلاح: ظهور شيء بعدما کان خافياً علي الناس. ويمکن توضيح ذلک بمعني: أن الله سبحانه وتعالي قد يظهر شيئاً علي لسان نبيه أو وليه أو في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلک الإظهار، ثم يمحوه فيکون غير ما قد ظهر أولا.. وهذا منطلق من قوله تعالي في کتابه الکريم:[يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ] [1] ، وقوله تعالي[وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا کَسَبُوا] [2] ، أي ظهر لهم ما کان خافياً عليهم سيئات ما کسبوا.. وقوله تعالي[ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ] [3] ، وهذا المعني من البداء: أي الظهور بعد الخفاء، يحصل کثيراً للإنسان فقط.. ولا يحصل في حق الله (عليه السلام) لأنه يلزم الجهل عليه، ونحن نعتقد بأن سبحانه وتعالي لايجهل شيئاً بل هو عالم بالحوادث کلها، غابرها وحاضرها ومستقبلها، لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فلا يتصور فيه الظهور بعد الخفاء، ولا العلم بعد الجهل، بل الأشياء دقيقها وجليلها حاضرة لديه، ومصداق ذلک قوله تعالي[إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَي عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ]. [4] .

ولذا، ينسب البداء إلي الله سبحانه وتعالي بمعني: أظهر الله ما کان خافياً علي الناس لا خافياً عليه.. وبعبارة أخري: فکل ما ظهر بعد الخفاء فهو بداء من الله للناس، وليس بداء لله وللناس، ويقرب ذلک قوله تعالي[وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَکُونُوا يَحْتَسِبُونَ]. [5] .

ولتوضيح وتبسيط الصورة، نقول إن الآيات الکريمة والأحاديث الشريفة، دلت علي أن مصير العباد، يتغير بحسب أفعالهم وصلاح أعمالهم، من الصدقة والإحسان وصلة الرحم وبر الوالدين والإستغفار والتوبة وشکر النعمة وأداء حقها، إلي غير ذلک من الأمور التي تغير المصير، وتبدل القضاء، وتزيد في الأرزاق والأعمار والآجال، کما أن لسيء الأعمال تاثيراً في تغيير مصيرهم بعکس ذلک.. ويدل علي هذا قوله تعالي [إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ]. [6] .

وخلاصة القول: البداء إذا نسب إلي الله سبحانه وتعالي فهو بداء منه، وإذا نسب إلي الناس فهو بداء لهم، فالبداء من الله هو إظهار ماخفي علي الناس، والبداء من الناس بمعني ظهور ما خفي لهم.

هناک نوع من البداء ما اصطلح علي تسميته (بالبداء الغيبـي أو الإخباري) ومورده خبر النبي صلي الله عليه وآله أو خبر الأئمة عليهم السلام عن وقوع أمر ما في المستقبل.. وما يعنينا البحث عنه هنا، هو خصوص الخبر في علامات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) لا کل خبر.. ولا بدّ من توضيح: بأن لله تبارک وتعالي لوحين:

الأول: اللوح المحفوظ، وهو اللوح الذي لا تغيير لما کتب فيه، ولا تبديل لما قدر فيه، وهو مطابق لعلم الله تعالي، قال تعالي[بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ! فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ]. [7] .

الآخر: لوح المحو و الإثبات، فيکتب فيه شيء، حسب وجود مقتضيه، ولکنه لا يلبث أن يمحي لفقدان شرطه أو وجود مانعه، قال تعالي:[يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ] [8] ، وقوله تعالي:[ثُمَّ قَضَي أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّي عِنْدَهُ]. [9] .

وهنا يثار سؤال: هل کل علامات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) التي دونت في کتب الأخبار و أُثبتَ صحة سندها، لا بدّ من وقوعها وتحققها؟ أم أن البداء يتطرق إليها؟

وللجواب علي السؤال.. لا بدّ من تقسيم علامات الظهور إلي قسمين:

1- أمور وعلامات موقوفة.

2- أمور وعلامات محتومة.

وکما جاء في الروايات عن الفضل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن من الأمور أموراً موقوفة وأموراً محتومة) [10] .. وعن معلي بن خنيس قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (من الأمر محتوم، ومنه ما ليس بمحتوم) [11] ، ولهذا نوضح البداء وعلاقته بـ:


پاورقي

[1] سورة الرعد (39).

[2] سورة الزمر (48).

[3] سورة يوسف (35).

[4] سورة آل عمران (5).

[5] سورة الزمر (47).

[6] سورة الرعد (11).

[7] سورة البروج (21-22).

[8] سورة الرعد (39).

[9] سورة الأنعام (2).

[10] غيبة النعماني ص204، بحار الأنوار ج52 ص249.

[11] غيبة النعماني ص202.