بازگشت

شرائط الظهور


إن قانون العرض والطلب، يقتضي أن يکون الطلب متناسباً مع العرض، لأنه في غير هذه الصورة، يختل نظام الحياة والتعادل، ويسود نظام المجتمع الفوضي والاضطراب والفساد.

وکما نعلم، فإن جميع الأنبياء الذين أرسلهم الله سبحانه و تعالي إلي البشر عبر التاريخ لهداية الناس، واجهوا - أثناء أداء عملهم المقدس - ردود فعل شديدة ومضادة، من قبل الناس المجحدين، من غير أن يهتموا بالهدف السامي والرسالة الإنسانية للأنبياء.. فقام الجاهلون بالتعرض والأذي للأنبياء والقادة السماويين الکبار، لدرجة أن أعظمهم وهو النبي الأکرم محمد صلي الله عليه وآله يقول: (لم يؤذ نبي من قومه کما أوذيت)، وسبحانه وتعالي يقول[يَاحَسْرَةً عَلَي الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ کَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون] [1] إن استمرار هذا الاصطدام أدي إلي نتائج عنيفة کسجن ونفي وأذي الأنبياء عليهم السلام،

وأکثرهم فقد حياته العزيزة في هذا السبيل، ورغم ذلک فإن الله العطوف الرحيم، ولإتمام حجته لم يبخل بنعمة وجودهم علي عبادة، بل استمر العطاء، وأوجد أحد عشر رجلاً فذاً لانظير لهم (بدءاً من أمير المؤمنين (عليه السلام) - حتي الإمام الحسن العسکري (عليه السلام)) أفضل خلف لرسول الله صلي الله عليه وآله، وکانوا يمتلکون أبرز الصفات الإنسانية والفضائل الإسلامية، وکانوا أفضل أفراد الأمة الإسلامية في عصرهم، وکانوا يهدفون من قيادة المجتمع الإنساني الفضيلة والعدل الإلهي، ومع ذلک وبشاهدة التاريخ، فإنهم طيلة قرنين ونصف، بعد رحيل خاتم الأنبياء صلي الله عليه وآله کانوا بعيدين أو أبعدوا عن الساحة السياسية الإسلامية، لدرجة إنهم ما إن شرعوا يقومون في إرشاد الناس الغافلين، حتي کانوا يواجهون بالاضطهاد والسجن والقتل.. ومن هنا نستنتج أن هذا العرض السماوي (المتمثل ببعث الأنبياء والأئمة عليهم السلام)،لم يکن متناسباً مع هذا الطلب الإنساني (المتمثل بإجحاد بني البشر لرسالة السماء).

إن سوء تصرف البشر علي مر التاريخ، وردود فعلهم السيئة، التي تجاوزت الحدود،کان لا بدّ أن يري الإنسان نتائج أفعاله الدالة علي التمرد والعصيان، ولهذا السبب شاءت الحکمة الإلهية أن يغيب آخر شخص من القادة العظام (الإمام المهدي (عليه السلام)) عن الأنظار لمدة طويلة، ليظهر لدي الناس، حس الطلب لمثل هذا الإمام العالي القدر، وفي ذلک الزمن، التي تکون فيه الأرض ممهدة، فإن الله تبارک وتعالي سيظهره ويجعله بين طالبيه.. فعندما يتهيأ الوقت المناسب في کل الأمور، وتصبح الأوضاع مساعدة لذلک، ويدب اليأس في قلوب معظم الناس، ويطلبوا من أعماق قلوبهم من الله العزيز الحکيم قائداً ومنقذاً، فإنه سبحانه وتعالي سيظهر منجي العالم لإصلاح الأوضاع المنحرفة والفاسدة إصلاحاً جذرياً، ولتبدأ عملية إنقاذ الناس من الظلم والجور، ونشر العدل والقسط.

ولکن.. لا بدّ لهذا اليوم الموعود، وهذا الفجر المقدس المنتظر من علامات وشروط.. علامات تدل عليه، وشروط تحقق نجاحه.. فإن انتصار ثورة ما أو تحقيق هدف منشود إنما يتوقف علي توفر الظروف المناسبة، فمتي تهيأت الأجواء ومقومات النجاح تحقق الهدف.. فحرکة ونهضة مثل ثورة الإمام المهدي (عليه السلام) التي تختزل مجهود کل الأنبياء والرسل والأئمة الأطهار عليهم السلام، وتهدف إلي تحقيق العدل الإلهي، وهداية البشرية جميعاً نحو شريعة الله الخالدة.. إذاً فنهضة المهدي (عليه السلام) المبتدئة بيوم ظهوره المقدس، هي حرکة عميقة وشاملة ومتجذرة ودائمة وإنسانية، تتجاوز فوارق اللغة واللون والعرق والقومية، وتحقق تحرير الإنسان، ورد إعتباره وکرامته المهدورة عبر العصور، وتحاول إجتثاث الفساد والإنحراف والظلم، بکل أشکاله والوانه وصوره.

ولا يمکن لحرکة شاملة وعميقة کهذه، أن تحدث من لاشيء بل ينبغي أن تسبقها إرهاصات، تهيء الأرضية المناسبة لنجاحها، ولا بدّ من توفر مقومات وشروط النجاح، ولعل أهم هذه الشروط [2] هي:

اولا: الأيدلوجية الفکرية الکاملة والقابلة للتنفيـذ في کـــل الأمکنــه والأزمنة والتي تضمن الرفاة للبشرية جمعاء

لا بدّ أن تکون هذه الأيدلوجية، هي القانون السائد في المجتمع، وأن تکفل حل کل مشاکل البشرية، وتستأصل جميع مظالمها.. وکما نعرف أن الدين الإسلامي هو آخر الشرائع السماوية، وأن العقل البشري قاصر عن إيجاد العدل الکامل في العالم، وأن الله سبحانه وتعالي وعد في القرآن الکريم بتطبيق العدل الکامل، والعبادة المخلصة علي وجه الأرض، بل کان هذا هو الغرض الأساسي للخلق:[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]. [3] .

إذاً.. ينحصر وجود هذه الأيدلوجية في الإسلام، لعدم إمکان حصولها من العقل البشري، وعدم إمکان نزول شريعة أخري بعد الإسلام،[وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ]. [4] .

إذاً.. في زمن الظهور، سوف تتم تربية العالم ثقافياً من جهة الإسلام الواقعي (الأيدلوجية الفکرية)، الذي يقوم عليه نظام الإمام المهدي (عليه السلام) في دولته العالمية.. فالشعوب غير المسلمة، سوف تدعي إلي الإسلام، وسوف تعتنقه باقتناع وسهولة، وبالتالي تتم إزالة الإختلافات في العقائد الفکرية ويتبع الجميع الحق والحقيقة.. وکل من أسلم من جديد، أو هو کان مسلماً سلفاً، سوف يربي علي الثقافة الإسلامية العامة الضرورية، ومن ثم يبدأ التصاعد والتکامل الثقافي، کل حسب قابليته وجهوده.

وللتعريف بالأيدلوجية الفکرية الکاملة المتمثلة بالإسلام نوضح:

1- الأحکام الإسلامية الحقيقة، التي کانت معلنة قبل الظهور.

2- الأفکار والمفاهيم، التي يتم تجديدها يومئذ.

3- الأفکار والمفاهيم الناتجة عن تطور الفکر الإسلامي.

4- الأحکام والمفاهيم المؤجلة، التي لم تعلن قبل ذلک، وکان إعلانها منوطاً بتحقيق الدولة العالمية

5- الأنظمة التفصيلية، التي يسنها القائد المهدي (عليه السلام) نفسه في حدود الشريعة من أجل ضبط الوقائع المختلفة.

6- القواعد العامة، التي يضعها القائد المهدي (عليه السلام) للحکام الذين يوزعهم علي الأرض.

7- القواعد العامة، التي يضعها الإمام المهدي (عليه السلام) لخاصته من أجل استمرار تربية البشرية، وتکاملها في المدي البعيد. [5] .

وبهذه الأحکام والقواعد تستطيع الأيدلوجية الفکرية الکاملة أن تأخذ طريقاً إلي التطبيق وتربية البشرية بالتدريج.

ثانيا: وجود القائد المحنک العظيم، الذي يمتلک القابلية الکاملـة لقيـادة العالم کله ونشر العدل

صفات هذا القائد المحنک، وفرها الله تعالي في المهدي (عليه السلام) کقائد أمثل للبشرية ليتکفل بعلمه وتعاليمه تطبيق الإسلام الصحيح في اليوم الموعود.. وبقاؤه الطويل مع أجيال عديدة من البشر، ضروري لتولية مهام القيادة في يوم الفجر المقدس.

إذاً.. قابلية المهدي (عليه السلام) لقيادة العالم تکتمل في:

1- العصمة.. بالإضافة إلي الإلهام والوحي.. ونقصد بالإلهام والوحي کما حصل لـ: مريم بنت عمران عليها السلام، وأم النبي موسي (عليه السلام):[وَأَوْحَيْنَا إِلَي أُمِّ مُوسَي أَنْ أَرْضِعِيهِ … ]. [6] .

2- الرصيد الضخم من التجارب، التي يکتسبها من خلال طول الزمن في عصر الغيبة، ما يوجب له الاطلاع المباشر علي قوانيين تطور التاريخ، وتسلسل حوادثه، وما يؤثر علي المجتمعات البشريه.

3- الأعمال والتضحيات، التي يقوم بها في عصر الغيبة في سبيل الإسلام والمسلمين، ومالها من بالغ الأثر في تصاعد کماله وترسخه.

من هذا الفهم، نستطيع أن نبرهن بانفصال المهدي (عليه السلام) عن العصمة والإلهام، وعدم تکامله الطويل خلال الزمان.. ما يحجب عنه قابليه القيادة العالمية ولذا يلزمنا افتراض أن المهدي يولد في آخر الزمان (کما تعتقد العامة). إذاً.. بهذا التصور، المهدي (عليه السلام) ليس أکثر من فرد من المؤمنين المخلصين، وإذا کان القائد کذلک فکيف بالجنود والأنصار، ومع هذا التصور يستحيل القيام بالمهمة الکبري لليوم الموعود وتنفيذ الوعد الإلهي فيه ومن هنا، لا بدّ من التأکيد علي اطروحة الشيعة الإمامية لفهم المهدي (عليه السلام) القائمة علي الإيمان بوجوده وغيبته حتي يظهره الله تعالي.

بهذا الشکل، استطعنا أن نستوعب بکل سهولة ووضوح (فضلاً عن الأدلة والنصوص) تصور الشيعة الإمامية في الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يتميز بخصائص مهمة:

أ‌- الإيمان بعصمة الإمام المهدي (عليه السلام) باعتباره الإمام الثاني عشر من الإئمة المعصومين عليهم السلام.

ب‌- الإيمان بکونه القائد الشرعي الوحيد للعالم عامة، ولقواعده الشعبية خاصة، طيلة زمان وجوده، سواء کان غائباً أو حاضراً.

ت‌-معاصرته لأجيال عديدة من الأمة الإسلامية خاصة والبشرية عامة.

ث‌-کونه علي مستوي الإطلاع علي الأحداث يوماً فيوماً وعاماً فعاماً، عارفاً بأسبابها ونتائجها وخصائصها.

ج‌-کونه علي ارتباط مباشر بالناس خلال غيبته، يراهم ويرونه ويتفاعل معهم ويتفاعلون معه، إلا إنهم لا يعرفون بحقيقته. [7] .

إننا ينبغي أن نذعن بأن خصائص الإمام المهدي (عليه السلام) في التصور الإمامي ليست من وهم الخيال، بل هي خصائص أساسية في تکوين قيادته وتمکنه من تحقيق المجتمع العادل، کما أراده الله تعالي، وکما وعد به.. وعليه نشير إلي أن القائد العظيم، الذي هو نداء الملايين ومهوي أفئدة الأجيال ومحط أنظار الأمم ومحقق آمال الشعوب:

· ولد يوم (15) شعبان عام 255 هـ، وأبوه الإمام الحسن العسکري (عليه السلام)، وأمه السيدة نرجس (مليکة بنت يشوعاء بن قيصر ملک الروم، وأمها من ولد أحد الحواريين المنتسب إلي وصي المسيح شمعون).

· لايزال حياً، ويعيش إلي الآن علي وجه الأرض، يأکل ويشرب ويعبد الله، وينتظر الأمر له بالخروج والظهور.

· غائب عن الأبصار، وقد يراه الناس ولا يعرفونه.

· له اشراف علي العالم، واحاطته بأخبار العباد والبلاد وکل ما يجري في العالم بإذن الله.

· سيظهر في يوم معلوم عند الله، مجهول عندنا وتحدث علامات حتمية قبل ظهوره (أشرنا إليها في الفصل الثالث بالتفصيل).

· إذا ظهر يحکم الکرة الأرضية کلها، وتخضع له جميع الدول والشعوب في العالم.

· يطبق الإسلام الصحيح، کما جاء به النبي محمد صلي الله عليه وآله وتنقاد له کافة الأديان والملل.

· ينزل النبي عيسي (عليه السلام) من السماء، ويصلي خلفه.

ثالثا: وجود العدد الکافي من الناصرين المؤازرين المنفذين بين يدي القائد العظيم

يحتاج القائد في تطبيق العدل علي کافة أرض المعمورة (العالم) إليعدد کافي من الرجال الناصرين والمؤيدين، لکي ينتشر الإسلام بالجهاد انتشاراً طبيعياً، لذا يلزم لتحقيق ثورة الإمام المهدي (عليه السلام) إعداد جيش وقوة ضاربه (قدرة تنفيذية) تدعم الإمام (عليه السلام) وتطيع أوامره، وهذا أمر ضروري وحاجة ماسة لاغني عنها.. وهنا لا بدّ من التفريق بين قادة الجيش وأفراده.


پاورقي

[1] سورة يس (30).

[2] لمزيد من التوسع في هذا الموضوع (شروط الظهور) يمکن الرجوع إلي موسوعة الإمام المهدي تاريخ الغيبة الکبري، وتاريخ ما بعد الظهور للسيد محمد صادق الصدر.

[3] سورة الذاريات (56).

[4] سورة آل عمران (85).

[5] تاريخ ما بعد الظهور للسيد الصدر ص470.

[6] سورة القصص (7).

[7] تاريخ ما بعد الظهور للسيد الصدر ص39.