و لايضاح هذه الفکرة بشيء من التفصيل نؤکد
إن الغيبة الصغري وقعت والشيعة آنذاک کانت لهم صلة مباشرة بإمامهم المعصوم (عليه السلام)، ولم يکونوا مهيئين للانقطاع التام عن الإمام (عليه السلام).. ذلک أنهم لم يکونوا يستوعبون کيف يأتلفون ويجتمعون دونما رابطة مباشرة بإمامهم المعصوم (عليه السلام)، ولا کيف يستنبطون الأحکام الإسلامية والتعاليم الشرعية وغيرها من عشرات الموضوعات التي يرجعون فيها إلي الإمام (عليه السلام) في زمان حضوره، وهي موضوعات عليهم أن يتعهدوها بأنفسهم في زمن الغيبة.
إن أحداً لا يصل إلي الإمام (عليه السلام) في غيبته الصغري، ولکن ارتباط الشيعة بالإمام (عليه السلام) کان بواسطة السفراء الأربعة، ولئلا يقع الناس في حيرة. فمن خلال مدة الغيبة الصغري - سبعين سنة تقريبا - يکونون قد وطنوا أنفسهم علي ذلک، وولد جيل يکون مهيأ ذهنيا للدخول في عصر الغيبة الکبري.
والعکس صحيح من ناحية أخري، فکما حدث لتدرج موضوع الغيبة من صغري إلي کبري ليعتادها الناس ويألفوها، کذلک الأمر بالنسبة للظهور، من ظهور أصغر إلي الظهور الأکبر (الفجر المقدس)، ومعني هذا إن الظهور الأصغر - رغم أن الناس لا يلتقون خلاله بالإمام بقية الله (أرواحنا فداه) مباشرة - يشهد ظهور أحداث منطقية متتابعة تعد مقدمة للظهور الأکبر [1] .. ويمکن تشبيه ذلک کما جاء في بعض الروايات – وقد ذکرنا إحداها في صدر الکتاب– بالشمس المنيرة، ونحن نعلم بأن الشمس وقبل غروبها تماماً تبقي أشعتها لمدة معينة حتي تغيب تماماً ويحل الظلام الدامس، وکذلک طلوع الشمس فانه لا يکون مباشرة بل يبدأ الخيط الأبيض ثم الفجر ثم نور باهت يزداد تدريجياً حتي طلوع الشمس ساطعة في السماء. وهکذا فان ظهور الحجة بن الحسن (عليه السلام) وهو کالشمس المنيرة في سماء الولاية، لابدّ أن يسبقه ظهور أصغر يهيئ الأرضية للظهور الکامل لوجوده المقدس، وهذا ما حصل فعلا في غيبته، إذ سبقت غيبته الکبري، غيبة صغري، ولا شک فان طريقة الغيبة الصغري تختلف حتماً عن طريقة الظهور الأصغر، حيث يشع نور الأفق بظهوره الأصغر متمثلاً بالقضايا التالية: [2] .
پاورقي
[1] معراج الروح – السيد حسن الأبطحي ص57.
[2] المصلح الغيبي – السيد حسن الأبطحي ص144.