المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وأوصيائه الطيبين الطاهرين لا سيما خاتمهم المهدي المنتظر، واللعنة علي أعدائهم أجمعين.
أما بعد: فلقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم تنص علي (أن الله تعالي سيبعث رجلا في آخر الزمان من أهل البيت، فيملأ الله تعالي به الأرض قسطا وعدلا، بعدما ملئت ظلما وجورا) ولذلک أصبح الاعتقاد بالمهدي عجل الله تعالي فرجه من المجمع عليه بين المسلمين، بل من الضروريات التي لا يدانيها أي شک. وهکذا أجمعوا - إلا من شذ - علي أنه أرواحنا فداه من ولد فاطمة الزهراء (ع). ثم أجمع الشيعة الإمامية - ووافقهم أغلب علماء أهل السنة - علي أنه (ع) من ولد الإمام أبي عبد الله الحسين السبط عليه السلام. وذهب بعضهم - وهم قلة يعدون بالأصابع - إلي أنه: من ولد الإمام الحسن الزکي السبط (ع)، لحديث واحد زعموا أنه من الصحاح، وتخيلوا أنه يدل علي ذلک. وأجمع الشيعة الإمامية - ووافقهم الجمهور من غيرهم - علي أنه (ع) خلف الإمام الحسن العسکري (ع)، وأنکر ذلک بعضهم لحديث ضعيف استندوا إليه. وهکذا أجمعوا - وذهب إليه أکثر علماء أهل السنة وهو المشهور بينهم - علي أنه عليه السلام مولود حي موجود. وخالف فيه بعضهم. وهم قليلون جدا.
[ صفحه 1]
هذا أهم المواضيع التي کانت - ولا تزال - موضع البحث بين العلماء، وهناک مباحث أخري فرعية، مثل: کيفية غيبته، ومحل غيبته عليه الصلاة والسلام.
ولما کان عمره - روحي فداه - منذ غيبته حتي الآن يتجاوز الأحد عشر قرنا، فقد أصبح موضع شبهة لبعض الناس واستغراب الآخرين. ثم تساءلوا: لماذا هذه الغيبة الطويلة؟ وما السبب الداعي لغيبته؟ وما الفائدة من إمام غائب؟ وکيف يکون إماما وهو في الخامسة من عمره؟ وقد اتخذ آخرون هذه الشبهات ذريعة للطعن في مذهب أهل البيت الطاهرين، والتشنيع علي شيعتهم!!.. والکتب المؤلفة في أخبار الإمام المهدي المنتظر - أرواحنا فداه - من الشيعة وغيرهم - قديما وحديثا - کثيرة جدا، هذا بالإضافة إلي الکتب المؤلفة في الأئمة الاثني عشر (ع) حيث ذکرت أخباره فيها باعتبار أنه الإمام الثاني عشر، وخاتم أئمة أهل البيت (ع). بل من النادر خلو أي کتاب سواء کان في التاريخ أو الحديث أو الأنساب أو غيرها - من أخباره (ع) أو من طرف منها. وقد تصدي العلماء لدفع تلک الشبهات - التي أشرنا إليها سابقا - بالأدلة القويمة والشواهد الثابتة من الکتاب والسنة والتاريخ، فأظهروا الحق جليا واضحا کالشيخ المفيد في (الفصول العشرة) و (العيون والمحاسن) والسيد الشريف المرتضي في (تنزيه الأنبياء والأئمة) (ع)
[ صفحه 2]
وله في (الأمالي) کلام في المعمرين وطول العمر أجاب به علي دعوي استحالته عادة - وشيخ الطائفة في (الغيبة) والشيخ الإربلي في (کشف الغمة في معرفة الأئمة) والشيخ الطبرسي في (إعلام الوري بأعلام الهدي) والشيخ المجلسي في (بحار الأنوار) وغيرهم من علمائنا المتقدمين والمتأخرين.. وکالشيخ الحافظ الکنجي الشافعي في (البيان في أخبار صاحب الزمان) والشيخ کمال الدين ابن طلحة الشافعي في (مطالب السؤال في مناقب آل الرسول) والشيخ الحافظ سبط ابن الجوزي في (تذکرة خواص الأمة) و قد کثرت في عصرنا الکتب المؤلفة في الموضوع، إذا أصبح البحث عن المهدي المنتظر عليه السلام من أهم البحوث التي تناولتها أفکار العلماء، وأقلام الکتاب والمؤلفين ولکن يمکن القول بأن کتاب (الإمام الثاني عشر للمرحوم الحجة السيد محمد سعيد الموسوي) من أحسن ما کتب حول هذا الموضوع فقد حوي - علي صغر - أمهات المسائل المتعلقة بهذا الإمام عليه السلام، واشتمل علي فوائد جليلة ومباحث قيمة، فنقل کلمات جملة من علماء أهل السنة وحفاظهم وعرفائهم الصريحة في أنه - عجل الله فرجه - حي موجود وأنه ولد الإمام الحسن العسکري من ولد الإمام الحسين بن علي، مع ترجمة لکل منهم باختصار، منوها عن جلالة الرجل
[ صفحه 3]
وعظمته لدي تلک الطائفة. ثم تکلم - باختصار - عن عصمة الأئمة (ع) وأنهم محصورون - بمقتضي الأحاديث المتواترة - في اثني عشر إماما من قريش وبني هاشم وأهل البيت خاصة. ثم تطرق إلي موضوع صغر سن الإمام ومشکلة العمر، وبالتالي بين - باختصار – سبب غيبته وأشار إلي نظير ذلک في التاريخ. وقد ألف السيد الموسوي قدس سره هذا الکتاب ردا علي کلمة لمحمد أمين السويدي البغدادي في (سبائک الذهب)، الکلمة التي قال شيخنا الحجة الأکبر الشيخ اغا بزرگ الطهراني قدس سره أنها قد حذفت في الطبعة الثانية من الکتاب [1] وسيأتي نصها في مقدمة المؤلف. وقد طبع الکتاب (الإمام الثاني عشر) في النجف الأشرف سنة 1355 في مطبعة الغري. أما مؤلف الکتاب: فهو [2] : السيد محمد سعيد ابن السيد ناصر حسين ابن السيد حامد حسين ابن السيد محمد قلي الموسوي النيسابوري الهندي الکنتوري اللکنهوي. ولد سنة 1333 هجرية بمدينة (لکنهو)، وتوفي بالقرب منها قبل بضع سنين. وکان: عالما، فاضلا، مجتهدا، بارعا، متکلما، محققا، مؤلفا. دراسته العلمية: کان رحمه الله قد تتلمذ عند والده المرحوم وکبار علماء الهند في عهده، ثم هاجر إلي النجف الأشرف لإکمال دراسته العلمية، فحضر البحوث العالمية لدي أعاظم المجتهدين، حتي بلغ الدرجات السامية، وأصبح من فضلاء الحوزة العلمية، وشهد له أساتذته بالاجتهاد
[ صفحه 4]
ومن أشهر أساتذته في الفقه والأصول:
1 - آية الله العظمي السيد أبو الحسن الأصفهاني قدس سره. 2 - آية الله العظمي الشيخ اغا ضياء العراقي قدس سره. مؤلفاته: وقد ألف السيد المترجم له- بالإضافة إلي ما کتب من مجلدات عبقات الأنوار - کتبا قيمة علمية کثيرة الفائدة، وهي: - 1- مسانيد الأئمة، وهو کتاب ضخم، رأينا قسما کبيرا منه في المکتبة الناصرية العامة بلکنهو 2 - الإيمان الصحيح وهو: (کتاب تحقيقي علمي يبحث عن العقائد الصحيحة تحت أشعة القرآن الشريف) [3] 3 - مدينة العلم. بحث فيه قول النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (أنا مدينة العلم وعلي بابها) ووجوه دلالته علي إمامة أمير المؤمنين (ع)، وکان قد ألفه عندما کان في النجف الأشرف، ويظهر من (الذريعة) [4] أنه کان قد قدمه إلي الطبع حينذاک، إلا أنه لم يتم طبعة. 4 - معراج البلاغة. کتاب جمع فيه خطب الرسول الأعظم (ص). 5 - آية الولاية، کتاب فيه بعض الأدلة الرصينة الدالة علي إمامة أمير المؤمنين عليه السلام علي ضوء قوله تعالي: (إنما وليکم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزکاة وهم راکعون) [5] .
[ صفحه 5]
6 - آية التطهير [6] ، وهي قوله تعالي: (إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهرکم تطهيرا) [7] 7 - الإمام الثاني عشر (وهو هذا الکتاب). أسرته: والمؤلف من أسرة عريقة في الفضل والفضيلة والجهاد.. قال الشيخ الحجة الطهراني ما نصه: (إن هذا البيت الجليل من البيوتات التي غمرها الله برحمته. فقد صب سبحانه وتعالي علي أعلامه المواهب، وأمطر عليهم المؤهلات، وأسدل عليهم القابليات، وغطاهم بالإلهام، وأحاطهم بالتوفيق، فقد عرفوا قدر نعم الله عليهم فلم يضيعوها بل کرسوا حياتهم، وبذلوا جهودهم وأفنوا أعمارهم في الذب عن حياض الدين، وسعوا سعيا حثيثا في تشييد دعائم المذهب الجعفري. فخدماتهم للشرع الشريف، وتفانيهم دون إعلان کلمة الحق غير قابلة للحد والإحصاء، ولذا وجب حقهم علي جميع الشيعة الإمامية، ممن عرف قدر نفسه، واهتم لدينه ومذهبه..) [8] والده: من أعلام هذه الأسرة، ومن کبار مجتهدي الطائفة... کان: فقيها عظيما،
[ صفحه 6]
ومحدثا جليلا، ومتکلما کبيرا، ومؤلفا محققا... حائزا لجميع العلوم، إماما في کافة المجالات قال سيدنا الحجة الأمين العاملي: (إمام في الرجال والحديث، واسع التتبع، کثير الاطلاع، قوي الحافظة لا يکاد يسأله أحد عن مطلب إلا ويحيله إلي مظانه من الکتب مع الإشارة إلي عدد الصفحات، وکان أحد الأساطين والمراجع في الهند، وله وقار وهيبة في قلوب العامة...) [9] وقال العلامة الشيخ محمد علي المدرس: (السيد ناصر حسين الملقب ب (شمس العلماء) ابن صاحب (العبقات) المتقدم ذکره:..... کان: عالما متبحرا، فقيها أصوليا، محدثا رجاليا، کثير التتبع واسع الاطلاع، دائم المطالعة، من أعاظم علماء الهند، والمرجع في الأحکام لأهالي تلک البلاد) [10] . وقال العلامة الشيخ محمد هادي الأميني: (إمام في الفقه والحديث والرجال والأدب) [11] جده: وجده السيد حامد حسين... أثني عليه کل من ذکره الثناء البالغ، وإليک بعض الکلمات في حقه:
[ صفحه 7]
قال سيد الأعيان الحجة الأمين: (کان من أکابر المتکلمين الباحثين عن أسرار الديانة، والذابين عن بيضة الشريعة وحوزة الدين الحنيف، علامة نحريرا، ماهرا بصياغة الکلام والجدل، محيطا بالأخبار والآثار، واسع الاطلاع، کثير التتبع، دائم المطالعة لم ير مثله في صناعة الکلام والإحاطة بالأخبار والآثار في عصره، بل وقبل عصره بزمان طويل، وبعد عصره حتي اليوم. ولو قلنا: أنه لم ينبغ مثله في ذلک بين الإمامية بعد عصر (المفيد) و (المرتضي) لم نکن مبالغين. يعلم ذلک من مطالعة کتابه (العبقات)، وساعده علي ذلک ما في بلاده من حرية الفکر والقول والتأليف والنشر، وقد طار صيته في الشرق والغرب وأذعن لفضله عظماء العلماء. وکان جامعا لکثير من فنون العلم، متکلما. محدثا، رجاليا، أديبا، قضي عمره في الدرس والتصنيف والتأليف والمطالعة، [12] وقال شيخنا الحجة الطهراني: (... من أکابر متکلمي الإمامية، وأعاظم علماء الشيعة المتبحرين في أوليات هذا القرن... کان کثير التتبع، واسع الاطلاع والإحاطة بالآثار والأخبار والتراث الإسلامي، بلغ في ذلک مبلغا لم يبلغه أحد من معاصريه ولا المتأخرين عنه، بل ولا کثير من أعلام القرون السابقة... وقال سيدنا الحسن الصدر في (التکملة): کان من أکابر المتکلمين، وأعلام
[ صفحه 8]
وقال الشيخ العلامة المدرس التبريزي: (حجة الإسلام والمسلمين، لسان الفقهاء والمجتهدين، ترجمان الحکماء والمتکلمين، علامة العصر مير حامد حسين. من ثقات وأرکان علماء الإمامية، ومن وجوه وأعيان فقهاء الاثني عشرية، وکان جامعا للعلوم العقلية والنقلية، بل من آيات الله وحجج الفرقة المحقة، ومن مفاخر الشيعة بل العالم الإسلامي بأسره، ومن أسباب افتخار قرننا بصورة خاصة علي سائر القرون...) [13] وقال الشيخ المحدث المحقق القمي: (السيد الأجل العلامة، والفاضل الورع الفهامة، الفقيه المتکلم المحقق، والمفسر المحدث المدقق، حجة الإسلام والمسلمين، آية الله في العالمين، وناشر مذهب آبائه الطاهرين، والسيف القاطع، والرکن الدافع، والبحر الزاخر، والسحاب الماطر الذي شهد بکثرة فضله العاکف والبادي، وارتوي من بحار علمه الظمآن والصادي...) [14] . بهذه الکلمات وأمثالها وصفوا السيد حامد حسين صاحب (عبقات الأنوار) وجد المؤلف.
[ صفحه 9]
وقد رأيت من الضروري - في هذه الأيام - إعادة طبع الکتاب ونشره، بمقدمة وجيزة تشير إلي مکانة المؤلف وأسرته، وتعاليق جيدة [15] تتم بها فائدة الکتاب... والله من وراء القصد، وهو ولي التوفيق. کربلاء المقدسة علي الحسيني الميلاني 10 رمضان المبارک 1392.
[ صفحه 10]
پاورقي
[1] الذريعة ج 2 ص 319.
[2] هذه الترجمة ملخصة من تقديمنا لکتاب (عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار) بتعريبنا بالاشتراک مع السيد فاضل الميلاني.
[3] الذريعة ج 2 ص 514.
[4] نفس المصدر ج 20 ص 251.
[5] سورة المائدة.
[6] من الآيات الواردة في فضل أهل البيت (ع) والدالة علي عصمتهم وإمامتهم وأهليتهم للاقتداء بهم.
[7] سورة الأحزاب.
[8] أعلام الشيعة (الکرام البررة) ج 2 ص 148.
[9] أعيان الشيعة ج 49 ص 107 - 108.
[10] ريحانة الأدب في المعروفين بالکنية واللقب ج 4 ص 144 - 145
[11] معجم رجال الفکر والأدب في النجف الأشرف منذ ألف عام ص 39.
[12] أعيان الشيعة ج 18 ص 371.
[13] ريحانة الأدب ج 3 ص 432.
[14] الفوائد الرضوية ص 91 - 92. وانظر هدية الأحباب له ص 177.
[15] هي الهوامش المبدوة بالنجمة هکذا.