بازگشت

احاديث المهدي بين الصحّة والضَعْف


إنّ بعضهم يصف أحاديث المهديّ بأنّها «موضوعة» ويکرّر نسبة «الوضع» لها إلي الشيعة!

ولکن من المسلَّم به عند دارسي علوم الحديث - کافّة - أنّ مثل أحاديث المهديّ، المثبتة في الکتب المعتمدة ومنها الصحاح والمسانيد والسنن، ممّا له طرق عديدة وأسانيد متعدّدة، إن لم تکن صحيحة، فهي لا توصف کلّها بالوضع، وإنّما أسوأ ما يجرؤ أحدٌ هو أن يعبّر عنها بالضعف.

والواقع الملموس: أنّ أسانيد أحاديث المهديّ فيها الصحيح المتّفق عليه، وفيها الحسن، وفيها الضعيف، وقد يکون فيها الموضوع!

ولم يعبِّر أحدٌ عنها کلّها بالوضع، ولم يصفها بأنّها کلّها موضوعة إلّا ثلّة من المتأخّرين، ممّن لا خبرة لهم بالحديث ومصطلحاته، وتبعهم الکاتب في التعبير. [1] .

فالحاکم بوضع أحاديث المهدي قد جانب الإنصاف في أمرين:

الأوّل: أنّه وَصَفَ الأحاديث بأنّها موضوعة، من دون أن يعرف معني «الوضع» ولا أن يفرّق بينه وبين «الضعف».

وهذا ممّن يدّعي الاجتهاد في نقد الحديث أمر بعيد! إلّا أن نحمله علي اعتماد التقليد في هذه التسمية لمن لا خبرة له في المصطلح کأحمد أمين، وابن محمود القطريّ، وأضرابهما.



[ صفحه 15]



الثاني: أنّه نقل - عن بعض من سبقه - الحکم بضعف أحاديث المهديّ، کابن خلدون، وابن حجر، وغيرهما.

ولم يُشر - لا من قريب ولا بعيد - إلي أنّ هناک جمعاً غفيراً من المحدّثين قد صحّحوا أحاديث المهديّ.

أهذا التصرّف يصدر ممّن يحاول «نقد الحديث» بالطرق العلميّة الرصينة؟!

ومهما يکن، فلماذا يُحاول عبثاً أن يهوّن أمر تصحيح أسانيده، بينما هو يصرّ علي تضعيفها، وينقل تضعيف ابن خلدون لها، وبعد أن ينقل مقطعاً من کلامه حول أحاديث المهديّ، يقول: «وقد تتّبع ابن خلدون هذه الأحاديث بالنقد وضعّفها حديثاً حديثاً». [2] .

ثمّ ينسب إلي ابن حجر أنّه أحصي الأحاديث المرويّة في المهديّ فوجدها نحو «الخمسين» وقال: إنّها لم تثبت صحّتها عنده. [3] .

أما کان من حقّ البحث العلميّ الرصين! أن ينقل عن بعض الأعلام الّذين صحّحوا بعض أحاديث المهديّ ممّن سبق ابن خلدون، أو عاصره، أو لحقه؟!

والأفضل أن نذکر هنا أسماء المحدّثين والعلماء الّذين أثبتوا أحاديث المهديّ في کتبهم، وننقل ما ذکروه حولها من النقد [4] تکميلاً لأطراف البحث. [5] .

1 - أخرجها عبد الرزّاق (ت211) في المصنّف، الجزء 11، الأحاديث 20779-20769.



[ صفحه 16]



طبعة حبيب الرحمن الأعظميّ، منشورات المجلس العلمي الهند.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 315:7 في بعض أحاديثه: إنّ رجاله رجال الصحيح.

2 - أخرجها ابن ماجة (ت273) في السنن 22:2-24، الأحاديث 4088-4082.

طبعة محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الکتب، عيسي البابي، مصر.

والحديث 4084 إسناده صحيح، رجاله ثقات، وقال الحاکم فيه: صحيح علي شرط الشيخين - البخاري ومسلم -.

3 - وأخرجها أبو داود (ت275) في السنن 109:4-106، کتاب المهديّ، الأرقام 4290-4279.

طبعة محمّد محيي الدين عبد الحميد - دار إحياء السُنّة النبوية - مصر.

4 - وأخرجها الترمذي (ت297) في الجامع الصحيح المسمّي بالسنن، ج4، الأحاديث 2232-2230.

طبعة إبراهيم عطوة عوض - شرکة مصطفي البابي، مصر.

قال في اثنين من أحاديثه: حسن صحيح.

5 - وأخرجها الطبراني (ت360) في المعجم الکبير، الجزء 10، الأحاديث 1231-1213 في مسند عبد اللَّه ابن مسعود.

طبعة حمدي السلفي - مطبعة الوطن العربي - بغداد.

6 - وأخرجها الحاکم (ت405) في المستدرک علي الصحيحين 464:4 و 557:4. ومنها حديث: «... إذا رأيتموه فبايعوه، ولو حَبْواً علي الثلج، فإنّه خليفة اللَّه المهديّ».

قال الحاکم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين. ووافقه الذهبي علي ذلک في ذيله.



[ صفحه 17]



7 - أخرجها البغويّ (ت510) في مصابيح السُنّة 192:1.

(مطبعة محمّد علي صبيح - القاهرة) وعدّ بعضها «من الصحاح» وبعضها «من الحسان».

8 - ابن تيميّة (ت728).

قال في منهاج السُنّة 211:4 (دار إحياء السُنّة النبوية): إنّ الأحاديث التي يحتجّ بها علي خروج المهديّ أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم [وأورد بعضها] وهذه الأحاديث غلطَ فيها طوائف أنکروها!

9 - الذهبي (ت748) في تلخيص المستدرک للحاکم صحّح بعض الأحاديث، في ذيل ذکر الحاکم لها.

وقال العبّاد: أمّا الذهبي فقد صحّح أحاديث کثيرة من أحاديث المهديّ في تلخيص المستدرک.

ذکر ذلک في الفقرة 19 من مقاله المنشور في مجلّة الجامعة الإسلامية - المدينة المنوّرة - عدد 45، في الردّ علي ابن محمود القطري المنکِر للمهديّ.

10 - ابن قيّم الجوزيّة (ت751) في المنار المنيف في الصحيح والضعيف، فصل 45، ص143-129، ح325 فما بعد، تحقيق أحمد عبد الشافي، ط. دار الکتب العلمية - بيروت/لبنان 1408 ه.

أورد فيه الأحاديث 339-326 وقال: وهذه الأحاديث أربعة أقسام: صحاح، وحسان، وغرائب، وموضوعة.

11 - ابن کثير الشامي (ت774) في کتابه النهاية 32:1-24، تحقيق طه محمّد الزيني - دار الکتب الحديثة - مصر.

أورد قسماً من أحاديث المهديّ وصحّحها.

12 - الهيثمي (ت807) في مجمع الزوائد318:7-313 باب ما جاء في المهديّ، نشر مکتبة القدسي - 1353 ه، وصحّح بعض أحاديثه.



[ صفحه 18]



13 - البرزنجي المدني (ت1103) في کتاب «الإشاعة لأشراط الساعة» ص121-87، فصل الحديث عن المهديّ، وصحّح کثيراً من الروايات الواردة فيه.

14 - محمّد صدّيق حسن خان القنوجي (ت1307) في کتاب «الإذاعة لِما کان وما يکون بين يدي الساعة» طبع مطبعة المدني - القاهرة.

قال في ص113-112: الأحاديث الواردة فيه - علي اختلاف رواياتها - کثيرة جدّاً، وتبلغ حدّ التواتر.

وأحاديث المهديّ عند الترمذي، وأبي داود، وابن ماجة، والحاکم، والطبراني، وأبي يعلي الموصلي، وأسندوها إلي جماعة من الصحابة.

فتعرُّضُ المنکِرين لها ليس کما ينبغي.

والحديث يشدّ بعضُه بعضاً، ويتقوّي أمره بالشواهد والمتابعات، وأحاديث المهديّ بعضُها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين الکافّة من أهل الإسلام، علي ممرّ الأعصار.

ونقل عن الشوکاني في «التوضيح في تواتر ما جاء في المهديّ والمسيح» قوله: الأحاديث الواردة في المهديّ التي أمکن الوقوف عليها منها «خمسون» حديثاً، فيها الصحيح، والحسن، والضعيف المنجبر، وهي «متواترة» بلا شکٍّ ولا شبهةٍ.

بل يصدق وصف «التواتر» علي ما هو دونها، علي جميع الاصطلاحات المحرّرة في الأُصول.

وأمّا الآثار عن الصحابة المصرِّحة بالمهديّ، فهي کثيرة - أيضاً - لها حکم الرفع، إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلک.

انتهي المنقول عن الشوکاني.

وقال صدّيق حسن خان في «الإذاعة»: ص145، في ردّه علي ابن خلدون: لا شکّ أنّ المهديّ يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام، لما «تواتر» في



[ صفحه 19]



الأخبار في الباب، واتّفق عليه جمهور الأُمّة سلفاً عن خلف، إلّا من لا يعتدّ بخلافه.

وإنّماقال به أهل العلم، لورود الأحاديث الجمّة في ذلک.

فلا معني للريب في أمر ذلک «الفاطمي الموعود المنتظر» المدلول عليه بالأدلّة.

بل إنکار ذلک جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة، البالغة حدّ التواتر.

ونقل صدّيق حسن خان في الإذاعة، ص146، عن السفاريني الحنبلي في «لوامع الأنوار» قوله: قد روي عمّن ذکر من الصحابة، وغير من ذکر منهم، بروايات متعدّدة، وعن التابعين ومَن بعدهم، ما يفيد مجموعه العلم القطعي.

فالإيمان بخروج المهديّ واجب، کما هو مقرّر عند أهل العلم، ومدوّن في عقائد أهل السُنّة والجماعة.

انتهي کلام السفاريني.

15 - العظيم آبادي الهندي (ولد 1273) في عون المعبود شرح سنن أبي داود 361:11، تحقيق عبد الرحمن محمّد عثمان، نشر محمّد عبد المحسن، المدينة المنوّرة.

قال في ص361، في شرح الحديث 4259، في بداية کتاب المهديّ: اعلم أنّ المشهور بين الکافّة من أهل الإسلام علي ممرّ الأعصار أنّه لا بُدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيّد الدين...

وخرّج أحاديث المهديّ جماعة من الأئمّة... وإسناد حديث هؤلاء بين صحيح، وحسن، وضعيف.

وقد بالغ الإمام المؤرّخ عبد الرحمن ابن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهديّ کلّها، فلم يُصِبْ، بل أخطأ.



[ صفحه 20]



16 - محمّد بن جعفر الکتّاني (ت1345) في نظم المتناثر من الحديث المتواتر، الطبعة الأُولي: المطبعة المولوية بفاس المغرب، سنة 1328، والطبعة الثانية، دار الکتب السلفية - مصر.

في الحديث رقم 298، أحاديث خروج المهديّ الموعود المنتظر الفاطمي.

فذکر رواية 20 من الصحابة ومخرّجيها، ثمّ قال: وقد نقل غير واحد عن الحافظ السخاوي: أنّها «متواترة» والسخاوي ذکر ذلک في «فتح المغيث» ونقله عن أبي الحسين الآبري.

وفي تأليفٍ لأبي العلاء إدريس بن محمّد بن إدريس الحسيني العراقي في المهديّ هذا: إنّ أحاديثه متواترة، أو کادت، وجزم بالأوّل [أي التواتر] غير واحد من الحفّاظ.

وفي شرح الرسالة للشيخ جسوس ما نصّه: ورد خبر المهديّ في أحاديث، ذکر السخاوي: إنّها وصلت إلي حدّ التواتر.

وفي «شرح المواهب» نقلاً عن أبي الحسن الآبري في «مناقب الشافعي» قال: تواترت الأخبار أنّ المهديّ من هذه الأُمّة.

وفي «مغاني الوفا بمعاني الاکتفا» نقل کلام الآبري ونصّه: قد تواترت الأخبار واستفاضت بکثرة رواتها عن المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم بمجي ء المهديّ، وأنّه سيملک سبع سنين، وأنّه يملأ الأرض عدلاً.

وفي شرح عقيدة السفاريني محمّد بن أحمد الحنبلي ما نصّه: قد کثرت بخروجه الروايات حتي بلغت حدّ التواتر المعنويّ، وشاع ذلک بين علماء السُنّة، حتي عدّ من معتقداتهم.

ثمّ نقل عبارة السفاريني کما أوردها صدّيق حسن خان في «الإذاعة» وعقّبها بذکر کلام حسن خان في ردّ ابن خلدون کما نقلناه.



[ صفحه 21]



17 - المبارکفوري (ت1353) في تحفة الأحوذي 484:6، رقم 2331، تحقيق عبد الرحمن محمّد عثمان، مطبعة الفجالة، مصر، نشر المکتبة السلفية الحديثة.

18 - الشيخ محمّد الخضر حسين المصري (ت1377) في مقال «نظرة في أحاديث المهديّ» المنشورة في مجلّة «التمدّن الإسلامي» التي تصدرها جمعيّة التمدّن الإسلامي - بدمشق - سوريا، في المجلّد 16، العددين 35 و 36، الصادرين سنة 1370.

فقد ردّ فيه ردّاً حاسماً علي منکري أحاديث المهديّ، وممّا قال: اعترف ابن خلدون «بأنّ بعض الأحاديث خلص من النقد، إذ قال: فهذه جملة الأحاديث التي خرّجها الأئمّة في شأن المهديّ وخروجه آخر الزمان، وکما رأيت: لم يخلص منها من النقد إلّا القليل والأقلّ».

قال الخضر حسين: ونحن نقول: متي ثبت حديث واحد من هذه الأحاديث وسلم من النقد کفي في العلم بما تضمّنه من ظهور رجلٍ في آخر الزمان.

إذ أنّ مسألة المهديّ لم تکن من قبيل العقائد التي لا تثبت إلّا بالأدلّة القاطعة.

والصحابة الّذين رويت من طرقهم أحاديث المهديّ نحو 27 صحابياً.

والواقع أنّ أحاديث المهديّ، بعد تنقيتها من الموضوع والضعيف القريب منه، فإنّ الباقي منها لا يستطيع العالِمُ الباحثُ علي بصيرة أن يصرف عنها نظره.

وقال في خلاصة کلامه: إنّ في أحاديث المهديّ ما يُعدّ في الحديث الصحيح، وبما أنّي درستُ علم الحديث، ووقفت علي ما يُميَّز به الطيّب من الخبيث، أراني مُلجَأً إلي أن أقول - کما قال رجال الحديث من قبلي -: إنّ قضيّة المهديّ ليست قضيّة متصنّعة.

19 - الشيخ منصور علي ناصف، في التاج الجامع للأُصول 344:344-341 ، وقال في شرح غاية المأمول في ذيله: الباب السابع في الخليفة المهديّ رضي اللَّه



[ صفحه 22]



عنه: اشتهر بين العلماء - سلفاً وخلفاً - أنّه في آخر الزمان لا بُدّ من ظهور رجل من أهل البيت يُسمّي «المهديّ» وقد روي أحاديث المهديّ جماعة من خيار الصحابة، وخرّجها أکابر المحدّثين.

ولقد أخطأ من ضعّف أحاديث المهديّ کلّها کابن خلدون وغيره.

20 - الشريف أحمد بن محمّد بن الصدّيق أبو الفيض الغماري الحسيني المغربي (ت1380) في کتابه القيّم: إبراز الوهم المکنون في کلام ابن خلدون، الذي وضعه للردّ علي شبهات ابن خلدون وترّهاته التي لفّقها حول أحاديث المهديّ المنتظر.

طبع الکتاب في مطبعة الترقّي في دمشق الشام عام 1347 ه.

قال الصدّيق في مقدّمته: ظهور الخليفة الأکبر... محمّد ابن عبد اللَّه المنتظر، قد تواترت بکونه من أعلام الساعة وأشراطها الأخبارُ، وصحّت عن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله وسلم في ذلک الآثار، وشاع ذکره وانتشر خبره بين الکافّة من أهل الإسلام علي ممرّ الدهور والأعصار.

فالإيمان بخروجه واجب، واعتقاد ظهوره - تصديقاً لخبر الرسول - محتّم لازب.

ثمّ نقل الصدّيقُ الأقوال بتواتر حديث المهديّ، عن علماء الأُمّة ومؤلّفاتهم، منهم: الآبري صاحب مناقب الشافعي، والسخاوي صاحب فتح المغيث، والسيوطي في الفوائد المتکاثرة في الأحاديث المتواترة، وفي اختصاره: الأزهار المتناثرة وغيرهما من کتبه، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة، وغيره من مصنّفاته، والزرقاني في المواهب اللدنيّة، وجمّ غفير من الحفّاظ النقّاد للحديث، والمحدّثين المتقنين لفنون الأثر.

ثمّ نقل کلمات القنوجي في الإذاعة، والسفاريني في الدرّة المضيّة في عقيدة الفرقة المرضيّة، وشرحه المسمّي: لوامع الأنوار، حيث قال: وقد کثرت بخروجه



[ صفحه 23]



الروايات حتي بلغت حدّ التواتر المعنوي، وشاع ذلک بين علماء السُنّة حتي عُدَّ ذلک من معتقداتهم.

وقد روي عمّن ذُکر من الصحابة وغير من ذُکر منهم، روايات متعدّدة، وعن التابعين من بعدهم، ممّا يُفيد مجموعهُ «العلم القطعيّ».

ثمّ عقد الصدّيق فصلاً في البحث عن «التواتر» وتعريفه، واختلاف الناس فيه، وهو الفصل الأوّل.

ثمّ ذکر رواة أحاديث المهديّ علي کثرتهم، وقال في نهاية الفصل: المراد بالتواتر المعنويّ: أنّ القدر المشترک هو المتواتر.

فقال: فکلّ قضيّة منها باعتبار إسناده لم يتواتر، ولکن «القدر المشترک» فيها، وهو «وجود الخليفة المهديّ آخر الزمان» تواتر باعتبار المجموع.

ثمّ تصدّي لابن خلدون - الذي أصبح مرجعاً للمنکرين - فنقل کلامه المذکور في فصل من مقدّمته بعنوان: «أمر الفاطميّ، وما يذهب إليه الناس من شأنه، وکشف الغطاء عن ذلک». [6] .

حيث قال: إعلم أنّ المشهور بين الکافّة من أهل الإسلام علي ممرّ الأعصار: أنّه لا بُدّ في آخر الزمان من ظهور رجلٍ من أهل البيت، يؤيّد الدين، ويُظهر العدل، ويتّبعه المسلمون، ويستولي علي الممالک الإسلامية، ويُسمّي بالمهديّ، ويحتجّون في الباب بأحاديث خرّجها الأئمّة...

إلي آخر کلامه.. حيث ذکر الأحاديث ونقدها حديثاً حديثاً، وضعّف أکثرها.

فبدأ الصدّيق الغماري بنقض کلامه حرفاً حرفاً، وکشف الغطاء عن أهدافه کشفاً، وأبرز أوهامه إبرازاً، وناقش تضعيفاته للأحاديث، وأثبت خطأه في نقده.

إلي أن نقل قول ابن خلدون: فهذه جملة الأحاديث التي خرّجها الأئمّة في شأن المهديّ وخروجه آخر الزمان.



[ صفحه 24]



فقال الصدّيق رادّاً عليه: إنّ جميع ما ذکره من الأحاديث «ثمانية وعشرون» حديثاً، لکنّ الوارد في الباب أضعاف أضعاف ذلک.

وها أنا مورد من أخبار ما أُکمل به المائة من المرفوعات والموقوفات، دون المقطوعات، إذ لو تتّبعتها، خصوصاً الوارد عن أهل البيت، لأتيتُ منها بعدد کبير، وقدر غير يسير.

ثمّ أورد الحديث «التاسع والعشرين» إلي «المائة»، ثمّ قال في آخر الفصل: ولنقتصر علي هذا القدر من الوارد في المهديّ، فإنّه لا محالةَ مُبطلٌ لدعوي الطاعن [ابن خلدون].

وإلّا، فالأخبار في الباب کثيرةٌ جدّاً، ولو جمع منها الوارد عن خصوص أئمّة أهل البيت لکان مجلّداً حافلاً.

انتهي کلام الصدّيق الغماري رحمه الله.

يقول الجلالي: ومن هنا فإنّ الاعتماد علي (28) حديثاً فقط، ونقدها، يُعتبر عملاً ناقصاً، حتي لو توصّل إلي ضعفها جميعاً، لفرض وجود أحاديث کثيرة أُخري لم ينقدها ولم يفحص أسانيدها.

فکيف يدّعي عدم صحّة الأحاديث کلّها، وکيف يطمئنّ إلي النتيجة المعتمدة علي الاستقراء الناقص؟!

مع أنّ ابن خلدون نفسه لم يدّع ضعف الأحاديث کلّها، بل اعترف بوجود الصحيح - ولو قليلاً - فيها، حيث قال عن أحاديث المهديّ التي نقدها ما نصّه: وهي کما رأيت لم يخلص منها من النقد إلّا القليل أو الأقلّ.

ولَنِعم ما قال الصدّيق في ردّه:

وقد عرفت استنقاذنا - بالحقّ - لها عن نقده - بالباطل -، وأنّ نقده لم يبق موجّهاً إلّا في القليل أو الأقلّ، عکس ما قال.

وعلي فرض تسليم دعواه، وأنّه لم يسلم منها إلّا القليل أو الأقلّ منه: فما الشبهة - عنده - في دفع ذلک القليل السالم من النقد؟!



[ صفحه 25]



وما الاعتذار عن عدم قبول ذلک الأقلّ الذي اعترف بصحّته؟! وأقرّ بخلاصه من النقد وسلامته؟!

إنّما هو عنادٌ ظاهر، واختفاء عن الحقّ واضح، وتکبّر عن الإذعان لِما لم يوافق الهوي والمزاج.

فکم رأيناه يحتجّ بأحاديث أفراد، ليس لها إلّا مخرج واحد، وفي ذلک المخرج - أيضاً - مقالٌ!

نعم، تلک لا ضررَ فيها علي الناصبة.

وهذه الأحاديث المتواترة [في المهديّ]، غير موافقة لأُصول مذهب النواصب والخوارج.

فلذلک انتقد منها ما وجد له سبيلاً ولو في غير محلّه...

يقول الجلالي: والحقّ أنّ الشريف أحمد الصدّيق الغماريّ قد أحفي القول في إثبات الحقّ في المسألة والردّ علي باطل المنکرين للمهديّ، بما لا مزيد عليه، وأبدي بطولة في العلم والمعرفة بعلوم الحديث، مع أدب جمّ وباع طويل وصدر رحب، بما يجب أن يشکر عليه، جزاه اللَّه عن الإسلام والمسلمين خيراً.

ويا حسرةً علي الذي يقول لمثل هذا العالم المخلص: إنّه «من أنصار القديم لِقدمه»!

21 - ناصر الدين الألباني الشامي (معاصر) نشر بعنوان «حول المهديّ» بحثاً في حقل «من القرّاء وإليهم» من مجلّة «التمدّن الإسلامي» الدمشقيّة، في الجزءين 27 و 28، الصفحة 642، للسنة 22.

قال فيه: فليعلم أنّ في خروج المهديّ أحاديث کثيرة صحيحة، قسم کبير منها له أسانيد صحيحة.

ثمّ أورد قسماً منها، ونقل کلام صدّيق حسن خان في «الإذاعة» وقال بعنوان: «شُبهات حول أحاديث المهديّ»: إنّ السيّد رشيد رضا وغيره لم يتتّبعوا ما ورد في المهديّ من الأحاديث حديثاً حديثاً، ولا توسّعوا في طلب ما لکلّ حديثٍ منها من الأسانيد.



[ صفحه 26]



ولو فعلوا، لوجدوا فيها ما تقوم به «الحجّة» حتي في الأُمور الغيبيّة التي يزعم البعضُ أنّها لا تثبتُ إلّا بحديث متواتر.

وممّا يدلّک علي ذلک: أنّ السيّد رشيد رحمه الله ادّعي أنّ أسانيدها لا تخلو من شيعيّ!

مع أنّ الأمر ليس کذلک علي إطلاقه، فالأحاديث الأربعة التي أوردها ليس فيها رجل معروف بالتشيّع.

إلي أن يقول الألبانيّ:

وخلاصة القول: إنّ عقيدة خروج المهديّ عقيدة ثابتة متواترة عنه صلي الله عليه وآله وسلم، يجب الإيمان بها، لأنّها من أُمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتّقين، کما قال تعالي: «الم ، ذلک الکتاب لا ريب فيه هُديً للمتّقين ، الّذين يؤمنون بالغيب».

وإنّ إنکاره لا يصدر إلّا من جاهلٍ أو مُکابرٍ.

22 - الشيخ عبد المحسن بن حمد العبّاد المدني، عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلاميّة، بالمدينة المنوّرة (المعاصر) في محاضرة «عقيدة أهل السُنّة والأثر في المهديّ المنتظر» ألقاها في الجامعة المذکورة، ونشرت في مجلّة الجامعة الإسلاميّة، العدد الثالث، من السنة الأُولي، لشهر ذي القعدة سنة 1388 ه.

وقد احتوت علي عناصر عشرة، هي:

الأوّل: ذکر أسماء الصحابة الّذين رووا أحاديث المهديّ، عن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله وسلم، وعددهم - عنده - ستّة وعشرون.

الثاني: ذکر أسماء الأئمّة الّذين خرّجوا الأحاديث في کتبهم، وعددهم ثمانية وثلاثون، منهم: أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والنسائي، وأحمد، وابن حبّان، والحاکم، وابن أبي شيبة، وأبو نعيم الأصفهاني، والطبراني، والدارقطني، وأبو يعلي الموصلي، والبزّار، والخطيب، وابن عساکر، والديلمي، والبيهقي،



[ صفحه 27]



وغيرهم من الأئمّة والمحدّثين والعلماء.

الثالث: ذکر الّذين أفردوا مسألة المهديّ بالتأليف، وهم: أبو خيثمة، وأبو نعيم، والسيوطي، وابن کثير، وابن حجر المکّي الهيتمي، والمتّقي الهندي، والملّا علي القاري، والشوکاني، والأمير الصنعاني، وغيرهم.

الرابع: ذکر الّذين حکوا تواتر أحاديث المهديّ.

الخامس: ذکر بعض ما ورد في الصحيحين [البخاري ومسلم]من الأحاديث التي تبشّربالمهديّ، ولهاتعلّق بشأنه.

السادس: ذکر بعض الأحاديث بشأن المهديّ.

السابع: ذکر بعض العلماء الّذين احتجّوا بأحاديث المهديّ.

الثامن: ذکر من حکي عنه إنکار أحاديث المهديّ.

مع مناقشة کلامه.

التاسع: ذکر ما يُظنّ تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهديّ.

العاشر: کلمة ختاميّة.

وقال في آخر الفصل السابع: وليعلم أنّ الأحاديث في المهديّ قد تلقّتها الأُمّة من أهل السُنّة والأشاعرة بالقبول.

وردّ علي کلام ابن خلدون مفصّلاً.

وقال في الکلمة الختاميّة:

إنّ أحاديث المهديّ الکثيرة - التي ألّف فيها المؤلّفون وحکي تواترها جماعةٌ، واعتقد موجبها أهل السُنّة والجماعة وغيرهم - تدلّ علي حقيقة ثابتة بلا شکّ من حصول مقتضاها في آخر الزمان...

وقال: فلاعبرة بقول من قفا ماليس له به علمٌ فقال: إنّ الأحاديث في المهديّ لا تصحّ نسبتُها إلي رسول اللَّه صلي الله عليه وآله وسلم، لأنها من وضع الشيعة!

وإذن، فإنّ أحاديث المهديّ علي کثرتها وتعدّد طرقها وإثباتها في



[ صفحه 28]



دواوين أهل السُنّة، يصعب کثيراً القول بأنّه لا حقيقة لمقتضاها، إلّا علي جاهل، أو مکابر، أو مَنْ لم يُمعن النظرَ في طرقها وأسانيدها، ولم يقف علي کلام أهل العلم المعتدَّ بهم فيها.

والتصديق بها داخل في الإيمان بأنّ محمّداً رسولُ اللَّه صلي الله عليه وآله وسلم، لأنّ من الإيمان به صلي الله عليه وآله وسلم تصديقه فيما أخبر به، وداخل في الإيمان بالغيب الذي امتدح اللَّه المؤمنين به، بقوله: «الم ، ذلک الکتاب لا ريب فيه هُديً للمتّقين ، الّذين يؤمنون بالغيب».

23 - عبد العزيز بن باز السعوديّ الوهابيّ (معاصر) رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة، في تعليق له علي محاضرة الشيخ عبد المحسن العبّاد، التي ذکرناها آنفاً، نشر في مجلّة الجامعة نفسها، العدد 3، السنة الأُولي 1388، في ذيل المحاضرة ذاتها.

قال فيه:

أمر المهديّ معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة، بل «متواترة» وقد حکي غيرُ واحد من أهل العلم تواترها.

وهي متواترة تواتراً معنوياً، لکثرة طرقها، واختلاف مخارجها، وصحابتها، ورواتها، وألفاظها، فهي - بحقٍّ - تدلّ علي أنّ هذا الشخص الموعود به أمره ثابت، وخروجه حقّ.

وقال: وقد رأينا أهل العلم أثبتوا أشياء کثيرة بأقلّ من ذلک.

والحقّ أنّ جمهور أهل العلم، بل هو الاتّفاق: علي ثبوت أمر المهديّ، وأنّه حقّ، وأنّه سيخرج في آخر الزمان.

وأمّا من شذّ من أهل العلم - في هذا الباب - فلا يُلتفتُ إلي کلامه في ذلک.

24 - وللشيخ عبد المحسن بن حمد العبّاد - أيضاً - مقال بعنوان «الردّ علي من کذّب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهديّ» نشر في مجلّة الجامعة الإسلاميّة، العددين 45 و 46، الأوّل والثاني من السنة 12.



[ صفحه 29]



ردّ فيه بحزم وتفصيل علي القاضي ابن محمود القطريّ رئيس المحاکم في دولة قطر، فيما کتبه في رسالة سمّاها «لا مهديّ يُنتظر بعد الرسول خير البشر».

وهو ردّ قويّ، ومتين، ومستوعبٌ لجميع ما عرضه ذلک الکاتب وغيره من البحوث، وأجاب عن اعتراضاته وسلبيّات ما نسبه إلي قضيّة المهديّ.

والنتيجة: أنّنا - وإن أطلنا الموقف مع هذه القائمة لأسماء من صحّح أحاديث المهديّ - فإنّ الذي قصدناه من هذه الإطالة:

1 - أن يطّلع القرّاء الکرام علي وجهات نظر المصحّحين للحديث، من دون الاقتصار علي ذکر المضعِّفين له.

2 - أن ندلّ علي عدم موضوعيّة من تعمّد إخفاء هذه التصحيحات، وعدم ذکر شي ء منها، مع أنّه يدعو إلي البحث العلميّ الرصين!

مع أنّ إکمال البحث غير ممکن إذا أغفلنا هذه المجموعة من الآراء وخاصّة ما في کتب المتأخّرين من المعلومات القيّمة.

«فإنْ کانَ» المتعمّد للإخفاء «لا يَدْري» عن هذه المعلومات شيئاً «فتلک مصيبةٌ» علي علمية البحث الذي يُقدم عليه ورصانته.

«وإنْ کان يَدْري» بها، ولکنّه تغافل ولم يذکرها في بحثه «فالمصيبةُ أعظمُ» علي صدق نيّته وإخلاصه وأمانته.



[ صفحه 30]




پاورقي

[1] وقد عدّدهم الشيخ العبّاد، وفنّد مزاعمهم في الرقم 40 من ردّه علي ابن محمود القطري: أوّلهم رشيد رضا، وأحمد أمين، وتبعهم ابن محمود، والکاتب.

[2] تراثنا وموازين النقد (ص187).

[3] نقل عن: المهديّ والمهدويّة لأحمد أمين، ص108، دار المعارف - مصر، سلسلة إقرأ.

[4] اعتمدنا في هذا المجال علي کتاب «الإمام المهديّ عند أهل السُنّة» تأليف الشيخ مهدي الفقيه، المطبوع في دار التعارف - بيروت، طبعة ثانية سنة 1402 ه.

[5] وأمّا القادحون في الأحاديث فأوّلهم ابن خلدون، وقد نقلنا بعض کلامه، وسيجي ء ذکر من قلّده في ذلک من المتأخّرين من أمثال محمّد رشيد رضا المصري الشامي، وأحمد أمين المصري، وابن محمود القطري، وآخرين.

[6] مقدّمة ابن خلدون، ص311، طبع المکتبة التجارية - مصر.