بازگشت

الغيبة عند الشيعة


و ممّا أثاروه ضدّ أمر المهديّ وتفرقة أمر المسلمين في الالتزام به وتخطئة أحاديثه: إنّ فکرة الغَيْبة والعودة عند الشيعة، فکرة مشترکة بين اليهود والنصاري وتأثّر التفکير الشيعي بهذين المصدرين غير مستبعد! لانضواء کثيرين من غير العرب وأصحاب الأديان والحضارات السابقة، تحت لواء التشيّع ليثأروا لأنفسهم من سلطة الحاکم العربي تحت ستار الغيرة علي حقوق آل البيت، وفي مقدّمة هؤلاء عبد اللَّه بن سبأ. [1] .

إنّ وجود أُمور مشترکة - بين الأديان السماوية - أمر لا يمکن إنکاره للباحثين والعلماء.

وأمّا نسبة تأثّر التفکير في مذهب من مذهب آخر، فأمر يحتاج إلي دليل جازم، وليس مجرّد وجود الفکرة عند المذهبين کافياً للحکم بالتأثير والتأثّر.

فهل يحقّ لأحد أن يقول: إنّ المذهب السُنّي الملتزم التکتُّف في الصلاة،



[ صفحه 64]



مأخوذ من فعل المجوس مثلاً، لأنّ المجوس يفعلون ذلک في عبادتهم أو أمام کبرائهم؟!

أو قولهم: «آمين» بعد سورة الحمد في الصلاة مأخوذٌ من النصاري واليهود، لأنّهم يقولون ذلک بعد قراءتهم للأدعية؟!

أو يقول: إنّ التفکير السُنّي متأثّر بالدين اليهودي والمسيحي، لأنّ کثيرين من أصحاب هذه الديانتين من أهل الحضارات السابقة کالروم والأقباط قد انضووا تحت لواء التسنُّن، ليثأروا لأنفسهم من سلطة الدين الإسلامي، تحت ستار الغيرة للصحابة ولعثمان الخليفة المقتول؟!

وقد کان لکثير منهم نفوذ کبير وتسلّل عميق في البلاط الاموي وفي مقدّمة هؤلاء کعب الأحبار اليهوديّ!

إنّ مثل هذه الأحکام الاعتباطيّة، لا تصدر ممّن يعرف طرق النقد، ويتحاکم إلي الإنصاف، ويريد أن يبني علي أُسس العقل والمنطق، ويزن الأحاديث والنقول بموازين النقد العقلي!

فکيف يتقبّل المسلم مثل هذه التّرهات، ويبني عليها في بحث يريد أن يکون «علميّاً ورصيناً»؟!

ولو راجع واحداً من کتب الشيعة التي أُلّفت في موضوع «الغَيْبة» و «الرجعة» لعرف أنّ الشيعة لم يعتمدوا في التزامهم بذلک، لا علي اليهود، ولا النصاري، ولا کعب الأحبار، ولا عبد اللَّه بن سبأ.

وإنّما استندوا فيها إلي أخبار وسنن وروايات، موصولة الأسانيد إلي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وأهل البيت، ووافقهم علي کثير منها أهل السُنّة أنفسهم.

وبحثوا عنها سنداً، ومتناً، وعقلاً، فلم يجدوا ما يعارضها من کتاب کريم، أو سُنّة ثابتة، أو عقل، أو عرف.

فلم يکن التزامهم بها إلّا مثل التزام المسلمين بما ورد في أحاديثهم من



[ صفحه 65]



أخبار المستقبل، لا أکثر ولا أقلّ!

کما يلتزم أهل السُنّة بأخبار الدجّال، ونزول عيسي، وبالمهديّ المنتظر.

فلماذا لا يتّهم الفکر السُنّي بأنّه تأثّر في هذه الالتزامات باليهود الّذين ينتظرون مخلِّصاً، أو بالنصاري الّذين ينتظرون عودة المسيح؟!

فهل يحقّ لأحد أن يعترض عليهم في ذلک، وينسبهم - بمجرّد عدم موافقته لهم - إلي اتّباع اليهودية والنصرانية؟!

وکذلک نسبة الاعتقاد بالمهدي إلي المجوسية، لوجود غائب عندهم، کما نقله بعض المؤرخين لملوکهم قبل الإسلام، واعتمده القاضي عبد الجبار المعتزلي.

مع قطع النظر عن وجه اعتماد المسلم علي إخبار المؤرخين من الاُمم السابقة، وبالخصوص ممّن يشکک في أخبار المؤرخين المسلمين، ورواة الحديث - لمجرّد کونهم من شيعة أهل البيت - لکنّه يحتجّ بأخبار مؤرخين من اليهود والنصاري والمجوس، ويرتّب علي ذلک اتّهام طائفة کبيرة من المسلمين، باليهودية والنصرانية والمجوسية؟

إنّ في الالتزام بحجيّة أقوال المؤرّخين من الأديان السابقة هو عين التبعيّة لهم، والالتزام بمبادئهم؟!

لکنّ الشيعة إنّما تلتزم بما تلتزم من الاعتقاد بالمهدي استناداً إلي أحاديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم والسنّة الصحيحة المتواترة المنقولة في کتب الحديث من الصحاح والجوامع والمسانيد والمصنفات والمعاجم التي ألّفها أئمة المسلمين من الشيعة وأهل السنّة.



[ صفحه 66]




پاورقي

[1] تراثنا وموازين النقد (ص184).