بازگشت

مسألة الوحدة، و رواية الحديث


مع أنّ الالتزام بالمهديّ علي أساس من الأحاديث المتوفّرة، هو داعية قويّة لجمع کلمة المسلمين علي هذه القضيّة، فإنّ بعض المفرّقين للکلمة يحاولون نفيه، مع أنّهم يتظاهرون بحبّ الوحدة والاتّحاد.

والشيعة، بما أنّهم يلتزمون بإمامة المهديّ المنتظر تبعاً لتلک الأحاديث، فإنّهم يحرصون وبکلّ ما وسعهم للتأکيد علي هذه الفکرة وتعميمها بين الاُمّة.

کما أنّهم يحاولون دائماً تألّف فرق المسلمين بشتّي الطرق حتّي أنّ فقهاءهم يستندون في مجال أحکام الفقه والشريعة إلي أخبار العامة وصحاح أهل السنّة، وهذا ديدنهم قديماً وحديثاً.

وبدلاً من أن يکون مثل هذا محلاً للإکبار والإعجاب، فقد أصبح مثاراً



[ صفحه 61]



لغضب بعض الکتّاب من هُواة التفرقة، فقال متهجّماً علي الشيعة: «إنّ في دراسات المعاصرين من الشيعة الإماميّة استدلالهم بأحاديث ثابتة في صحاح أهل السُنّة...، ولکنّها يؤتي بها لإقناعنا نحن، أو لمجرّد الاستئناس، ويسمّونها «ممّا روته العامة» بينما استنباط الحکم يکون من أحاديثهم لأنّها منقولة عن الأئمّة المعصومين.

بينما نجد أهل السُنّة حريصين علي وحدة الأُمّة وجمع کلمتها، فلا يصمون أحداً بالفسق أو الکُفر...». [1] .

ولکن: إذا کان الشيعة يذکرون أحاديث العامة، ولو للاستئناس والإقناع، فإنّهم يحاولون تألّف العامة بهذا القدر.

أمّا أهل السُنّة فهل يذکرون أحاديث الشيعة، ولو بنفس الغرض؟! أو إنّهم يتغافلون عن آراء الشيعة في الفقه والأحکام، ويهملون أحاديث أهل البيت وفقههم مطلقاً؟!

وإذا کان الشيعة يستدلّون علي الأحکام برواياتهم عن المعصومين، فذلک لأنّهم يرون حجّيّة هذه الروايات باعتبارها سُنّة مأخوذة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأصحّ الطرق وأسلمها.

أفي هذا عيبٌ وإشکال، حتي يطرحَ بهذا الشکل، المريب؟!

أم إنّ الإشکال في مراجعة الشيعة لأحاديث العامة، والاستناد إليها، للاحتجاج بها علي مخالفيهم، ليقنعوهم، أو يتأکّدوا بدلالاتها علي ما وصلوا إليه؟!

وليس هذا عمل الشيعة المعاصرين فحسب، بل قدماء الشيعة قاموا بهذا العمل أيضاً، في کتب الفقه المقارن الذي سبقوا إلي إبداعه، والتأليف فيه؟!

فأيّ الفريقين يبدو أحرصَ علي الوحدة وجمع الکلمة؟!

وأمّا أنّ أهل السُنّة يعتمدون علي الرواة من الفرق الأُخري، فإنّ الشيعة



[ صفحه 62]



کذلک يعتمدون علي الرواة من الفرق المخالفة، والشرط الأساسي في الراوي عندهم «الوثاقة والسداد».

فإذا کان الراوي «ثقة» وکان «سديد الحديث» قُبلت روايته.

وکم من راوٍ من العامة، مذکور في رجال الحديث عند الشيعة ومصرّح بوثاقته والاعتماد عليه؟! وحتي من مشاهيرهم وقضاتهم: کحفص بن غياث.

وکذا تجد في کتب الشيعة الرواية عن کبار العامّة: کابن جريج، وسفيان، ومالک، والزهري، وغيرهم من أعلام الحديث عند أهل السُنّة.

ثمّ قوله: إنّ أهل السُنّة لا يصمون أحداً بالفسق والکفر.

هل هو صحيح علي إطلاقه؟!

ولو کان أحد يلتزم به عملياً، لکان أمراً جيّداً نُکْبِرهُ عليه، إلّا أنّ الظاهر عدم اطّلاع القائل علي ما يُصدره قضاة أهل السُنّة - بين الحين والآخر - من الفتاوي الظالمة ضدّ الشيعة، بالتکفير وإهدار الدماء والأعراض، وأحدثها: فتوي ابن جبرين الوهّابيّ السعوديّ، عضو مجلس الإفتاء بالمملکة السعودية في الرياض، التي لم يجفّ حِبْرُها، بعدُ.

فأين القائل - وهو من أهل المغرب - ممّا يجري في مشرق أرض العرب؟!

ومقالة الکاتب المغربي «تراثنا وموازين النقد» التي طبعها في مجلّة کلية الدعوة الإسلاميّة في ليبيا، العدد العاشر، سنة 1993 نوع آخر من التفسيق، والاعتداء علي کرامة الشيعة، لما تحتويه من الاتّهامات بوضع الحديث، وتشويه السمعة بالتزام السخافات.

فهل هذا نموذج من الحرص علي وحدة الأُمّة وجمع کلمتها؟!

وموضوع نقده: «المهديّ المنتظر»:

فبدلاً من أن يُتّخذ أداةً للّقاء والأُلفة وجمع الکلمة، بعد أن أجمعت الفرق الإسلامية کلّها علي روايته، وقبوله وتصحيح أخباره، ليکون نقطة تجتمع عندها



[ صفحه 63]



الکلمة، وتتّفق عليها الآراء، وتتحطّم علي صخرتها کلّ النزاعات والخلافات!

بدلاً من کلّ ذلک، يحاول الکاتب بکلّ الأساليب في ردّه، وتشويه صورته، وتنفير الناس عنه.

وبدلاً من أن يؤکّد علي النقاط الإيجابية فيه، فهو يرکّز علي سلبيّاته، وجزئيّاته المختلف فيها.

ويتغافل عن أصلها الثابت، المسلَّم، المتّفق عليه.

وقبل ذلک، هل إثارة قضيّة المهديّ المنتظر، في هذا الوقت بالذات، وفي خضمّ الأزمات التي تحيط بالأُمّة الإسلاميّة - وأُمّة العرب بالأخصّ - فيها دلالة علي حرصٍ علي الوحدة وجمع الکلمة؟!


پاورقي

[1] تراثنا وموازين النقد (ص170-169).