بازگشت

مسألة وضع الحديث


حاول البعض جعل أحاديث المهديّ من موضوعات الشيعة ونقل عمّن سمّاهم «مؤرّخي الحرکة الفکرية في العالم الإسلامي» [1] قولهم:

إنّ الوضع في الحديث بدأ بشکلٍ متعمَّد لخدمة أغراض سياسيّة أيّام الفتنة بين عليّ ومعاوية، کما استغلّ الوضع لخدمة أغراض واتّجاهات ومناهج اعتقادية.

وإنّ بداية الوضع في الحديث کانت علي أيدي الشيعة الّذين وضعوا أحاديث کثيرة تفضِّل عليّاً وآل البيت علي غيرهم من الصحابة.

والحماس لآل البيت کلمة حقّ أُريد بها باطل، فقد تستّر بها أعداد کبيرة من الزنادقة، وضعيفي الدين، والموتورين من الشعوب التي ذهبت دولها، تطلّعاً إلي هدم الإسلام، وإضعاف السلطة العربية. [2] .

وهذه المسألة ليست من البساطة بحيث يُکتفي في تأصيلها، والبتّ فيها، بهذه الکلمات المنقولة عن مجهولين ولو بعنوان «مؤرّخي الحرکة الفکرية...» ولو أنّها دخلت في عقول من ليس من أهل هذا الشأن، فإنّ تناقلها لا يخرجها عن الدعوي المحتاجة إلي البيّنة والبرهان!

ويمکن مناقشتها توّاً من خلال هذه الکلمات المنقولة نفسها، فإذا کانت



[ صفحه 57]



الأغراض السياسيّة هي وراء وضع الحديث، واستغلّ الوضع لخدمة أغراض واتّجاهات ومناهج اعتقادية.

فلماذا لا يکون الاتّجاه المخالف للشيعة هو الذي بدأ بالوضع؟!

وإذا کان الحماس لآل البيت کلمة حقّ أُريد بها باطل، فلماذا لايکون الحماس للصحابة کلمة حقّ أُريد بها باطل؟!

ولماذا لا تکون أعداد کبيرة من الزنادقة وضعيفي الدين والموتورين من الشعوب التي ذهبت دولها، وضعوا الأحاديث في فضائل الصحابة، تطلُّعاً إلي هدم الإسلام، ليتقرّبوا بذلک إلي الخلفاء الولاة، ليتمکّنوا من القضاء علي هذا الدين بقتل الأتقياء والوعّاظ الّذين کانوا يحاربون الانحراف عن الدين القويم، وخاصّة العلماء من أهل بيت النبيّ وصحابته الأبرار؟!

والدليل علي ذلک، أنّ هؤلاء الأتقياء، وعلماء أهل البيت والصحابة کانوا هم الضحايا والمطارَدين طيلة حکم الخلفاء في القرن الأوّل.

حتي أُبعد من أُبعد، ونُفي من نُفي، وحُبس من حُبس، وقُتل من قُتل، حرباً، أو صبراً!

ولماذا لا يُنسَبُ وضع الحديث إلي قريش، التي أسلمت رغماً علي أنفها، وخاصّة مسلمة الفتح، الّذين لم ينفکّوا عن حرب الإسلام حتي آخر لحظة من استسلامهم، ولمّا توفّي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لم يألوا جهداً في زعزعة کيان الإسلام بإبعاد أهل البيت، والصحابة الکرام، وإيذائهم وحبسهم.

فلماذا لا يُنسب إليهم وضع الحديث بهدف هدم کيان الإسلام، الّذي أفقدهم عزّهم وکرامتهم الجاهلية، فلمّا لم يجدوا بُدّاً من الاستسلام أخذوا في التخريب السرّي، والتسلّل إلي مناطق النفوذ والسلطة من خلال التزلّف إلي الحکّام والسير في رکبهم؟!

ولماذا يخصّ الوضع بالأُمم الأُخري الّذين دخلوا الإسلام فقط؟!



[ صفحه 58]



وإذا صحّ القول بأنّ الشعوب الأُخري - وليس الشعب العربي - هم الّذين قاموا بالوضع للحديث، لأنّ الإسلام أفقدهم عزّهم ودولتهم، فلماذا يخصّ الوضع بإيران القديمة، دون الروم، واليهود، والنصاري الموجودين في الشام وفلسطين وبلاد الروم المغلوبة کذلک؟!

ثمّ إنّ إيران القديمة التي يؤکّد علي نسبة الوضع إليها، لم تکن - حين الوضع للأحاديث - في القرون الأُولي شيعيّةً، بل کانت کلّها من أهل السُنّة، فعلي ذلک الأساس، هل يُحکم بوضع ما نقلوه من أحاديث فضائل الصحابة!؟

بينما البلاد العربيّة کانت مليئة بالشيعة، وخاصة المدن الکبري!

بل کانت إيران في زمن الفتنة وما بعدها إلي قرون سبعة «سُنيّة» المذهب، ولم يدخل التشيّع إلي إيران بشکل رسمي إلّا بعد القرن السابع.

بينما کان التشيّع منتشراً بين العرب وفي البلاد العربية منذ القرون الأُولي!

فإلي متي يبقي کُتّاب أهل السنّة علي هذا «التلّ» من المزاعم الکاذبة يتناقلونها من دون خجلٍ! ولا يُحاولون النزوح عنها رغم «غروب شمس»الاتّهامات والعصبيّة والدَجَل؟!

وإلي متي يقصع کلّ کاتب بِجِرّة مَنْ سبقه، من دون تأمّل في المنقولات وأبعادها؟!

وإلّا، فمن الواضح الذي يعترف به کلّ حرٍّ: أنّ في روايات المهديّ، وبطرق أهل السُنّة، لا الشيعة، ما رواه کعب الأحبار «اليهوديّ الذي انبهر بعلمه الکثيرون.. فقد استغلّ ثقة الرواة فيه، وجعل من مسألة المهديّ معرضاً لمفاخر اليهود». [3] .

مع أنّ کعباً ليس محسوباً علي الشيعة، إطلاقاً، بل هو من الموثوق بهم عند أهل السُنّة، اعتمدوا عليه، وملأوا کتبهم من مرويّاته، وفيها الکثير من الإسرائيليّات



[ صفحه 59]



المکذوبة علي اللَّه ورسوله.

فلماذا لا يُثير وجود هذا اليهوديّ المحترف، وأخباره في کتب أهل السُنّة، أن يکون لليهود، بواسطة کعب هذا، تأثير علي الفکر السُنّي؟!

ولکنّهم يصرّون علي أنّ الفکر الشيعي قد تأثّر باليهودية من خلال عبد اللَّه بن سبأ اليهودي الآخر المحسوب علي الشيعة.

مع أنّ الشيعة يتبرّأون من ابن سبأ، وتروي کتب التاريخ والرجال أنّ الإمام عليّاً عليه السلام قتله وأحرقه بالنار، وهو من المنبوذين الملعونين عندهم، ولا تعتمد له رواية في کتبهم.

أمّا کعب فيتمتّع بکلّ ثقة واحترام عند علماء أهل السُنّة! يمجّدون به وبعلمه، ويتناقلون خرافاته الإسرائيليّة.

فهل هذا منطق العدالة؟!

أو هل هذا عدالة الکتاب والقلم؟!

وهل هو موضوع قابل للإلقاء في محاضرة علميّة رصينة؟!

ثمّ إنّ لنا حديثاً آخر في موضوع «وضع الحديث» ونسبته إلي الشيعة، ذکرناه مفصّلاً في کتابنا «تدوين السُنّة الشريفة» [4] فلا نعيده حذراً من الإطالة.

وأمّا رأي علماء السُنّة في اتّهام الشيعة بوضح أحاديث المهديّ، فقد قال الشيخ محمّد الخضر حسين:

يقول بعض المنکرين لأحاديث المهديّ جملةً: إنّ هذه الأحاديث من وضع الشيعة، لا محالة.

ويُرَدّ هذا: بأنّ هذه الأحاديث مرويّة بأسانيدها ومنها ما تقصّينا رجال سنده فوجدناهم عُرفوا بالعدالة والضبط، ولم يتّهمه أحد من رجال التعديل والتجريح



[ صفحه 60]



بتشيّع مع شهرة نقدهم للرجال. [5] .

وقد ردّ العبّاد هذه المزعومة، فقال:

ما قالوه من أنّ فکرة المهديّ نبعت من عقائد الشيعة وکانوا هم البادئين باختراعها، وأنّهم استغلّوا أفکار الجمهور... وضعوا الأحاديث يروونها عن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله وسلم في ذلک وأحکموا أسانيدها، وأذاعوها من طرق مختلفة وصدّقها الجمهور الطيّب لبساطته!

فقال العبّاد: هذا القول يشتمل علي تنقيص سلف هذه الأُمّة، أوعية السُنّة ونقلة الآثار، والنيل منهم ووصف أفکارهم بالسذاجة، وأنّهم يصدّقون بالموضوعات لبساطتهم.

ولا شکّ أنّه کلام في غاية الخطورة. [6] .


پاورقي

[1] من هم هؤلاء مجهولو الهوية؟! والحسب؟! والنسب؟! الّذين تعلّموا علي أيدي ماسينيون اليهوديّ، وجولد زيهر، وفان فلوتن، وغيرهم من صنائع الصهيونية والصليبيّة الحاقدة علي الإسلام والمسلمين، من أمثال أحمد أمين، وطه حسين، وقاسم أمين، وجرجي زيدان، ذيول الغرب وأبواقه!!.

[2] تراثنا وموازين النقد (ص9-168).

[3] تراثنا وموازين النقد (ص195).

[4] اُنظر: تدوين السُنّة الشريفة، ص504-497.

[5] نظرة في أحاديث المهديّ، مجلّة التمدّن الإسلامي - الدمشقية.

[6] مجلّة الجامعة الإسلاميّة - المدينة المنوّرة، العدد 45.