بازگشت

صلة الشيخ المفيد بالناحية المقدسة


عند وقوع الغيبة الکبري انقطعت النيابة الخاصّة وکذب مَن ادّعي البابية، وصارت النيابة عامّة للفقهاء العدول.

وهذا لا يدلّ علي عدم إمکان رؤية الإِمام في الغيبة الکبري والتشرف بخدمته، حتّي مع معرفة المشاهد له في حال الرؤية، لأن الّذي نقطع بکذبه هو ادعاء الباب والنيابة الخاصّة.

قال الشيخ المفيد في هذا الکتاب الفصول العشرة: فأمّا بعد انقراض مَن سمّيناه من اصحاب أبيه وأصحابه (عليهم السلام)، فقد کانت الأَخبار عمّن تقدّم من أئمّة آل محمّد (عليهم السلام) متناصرة: بأنّه لا بدّ للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما أطول من الأُخري، يعرف خبرَه الخاصُّ في القصري، ولا يعرفُ العالمُّ له مستقرّاً في الطولي، إلاّ من تولّي خدمته من ثقاة أؤليائه، ولم ينقطع عنه إلي الاشتغال بغيره [1] .

فما ذکره الشيخ المفيد من الحديث صريح بأنّ في الغيبة الکبري المعبّر عنها بالطولي يمکن أن يعرف خبره مَن تولّي خدمته من ثقاة أوليائه ولم ينقطع عنه إلي الاشتغال بغيره.

إذا عرفت هذا فقد روي الشيخ الطبرسي توقيعين وردا من الناحية المقدسة إلي الشيخ المفيد، قال:

ذکرُ کتابٍ ورد من الناحية المقدّسة حرسها الله ورعاها في أيّام بقيت من صفر سنة عشر وأربعمائة علي الشيخ المفيد أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان



[ صفحه 22]



قدّس الله روحه ونوّر ضريحه، ذکر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز، نسخته:

للأخ السديد الوليّ الرشيد الشيخ المفيد أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ علي العباد ….

وجاء في آخر التوفيع:

نسخة التوقيع باليد العليا علي صاحبها السلام:

هذا کتابنا إليک إيّها الأخ الوليّ والمخلص في ودّنا الصفيّ، والناصر لنا الوفيّ، حرسک الله بعينه الّتي لا تنام، فاحتفظ به، ولا تظهر علي خطّنا الّذي سطرناه بماله ضمناه أحداً، وأدّ ما فيه إلي مَن تسکن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين [2] .

قال الطبرسي أيضاً يروي التوقيع الثاني:

ورد عليه کتاب آخر من قبله صلوات الله عليه يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجّة سنة اثنتي عشر واربعمائة، نسخته:

من عبدالله المرابط في سبيله إلي ملهم الحقّ ودليله...

وجاء في آخر التوفيع:

وکتب في غرّة شوّال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة نسخة التوفيع باليد العليا صلوات الله علي صاحبها:

هذا کتابنا إليک أيّها الوليّ الملهم للحقّ العليّ، بإملائنا وخطّ ثقتنا، فاخفه عن کلّ أحد، واطوه، واجعل له نسخة تطلع عليها مَن تسکن إلي أمانته من أوليائنا شملهم الله ببرکتنا إن شاء الله، والحمد لله والصلاة علي سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين [3] .



[ صفحه 23]



وروي هذين التوقيعين يحيي بن بطريق في رسالة نهج العلوم إلي نفي المعدوم کما حکي عنه، وزاد عليهما توقيعاً آخر لم تصل إلينا صورته [4] .

وعند التأمل في التوقيعين الواصلين إلينا نستطيع أن نجزم بأنهما لا يفيدان النيابة الخاصّة او البابية، بل شأنهما شأن مَن يري الإِمام في غيبته الطولي ويعرفه، ولا يفهم من الاحاديث المکذّبة لرؤيته إلاّ النيابة الخاصّة.

والّذي يزيدنا اطمئناناً بهذين التوقيعين ما ذکره الطبرسي في مقدّمة کتابه الاحتجاج في بيان علّة عدم ذکر الاسانيد:

ولا نأتي في اکثر ما نورده من الأَخبار بإسناده:

إمّا لوجود الاجماع عليه.

أو موافقته لِما دلّت العقول إليه.

أو لاشتهاره في السير والکتب بين المخالف والمؤالف.

إلاّ ما أوردته عن أبي محمد بن الحسن العسکري (عليه السلام)، فانه ليس في الاشتهار علي حدّ ما سواه، وإن کان مشتملاً علي مثل الّذي قدّمناه، فلأجل ذلک ذکرت اسناده في أول جزءٍ من ذلک دون غيره، لأن جميع ما رويت عنه صلوات الله عليه إنّما رويته بإسناد واحد من جملة الأَخبار الّتي ذکرها (عليه السلام) في تفسيره … [5] .

فالتوقيعان اللذان رواهما بدون ذکر الاسناد لا يخلوان من ثلاثة وجوه: وجود الاجماع عليهما،

موافقتهما لِما دلّت العقول إليه،

اشتهارهما في السير والکتب بين المخالف والمؤالف.

وهذه الدقّة الموجودة عند الطبرسي في روايته، ووثاقة الطبرسي عند الکافّة تعطينا اطمئناناً لقبول التوقيعين.



[ صفحه 24]



والّدي يزيدنا اطمئناناً ايضاً بهذين التوفيعين، ما ذکره المحدّث البحراني في اللؤلؤة بعد ما نقل أبياتاً في رثاء الشيخ المفيد منسوبة لصاحب الأَمر وجدت مکتوبة علي قبر الشيخ المفيد:

وليس هذا ببعيد بعد خروج ما خرج عنه (عليه السلام) من التوقيعات للشيخ المذکور المشتملة علي مزيد التعظيم والإجلال …

ثمّ قال:

هذا وذکر الشيخ يحيي بن بطريق الحلّي ـ وقد تقدّم ـ في رسالة نهج العلوم إلي نفي المعدوم [المعروفة بسؤال أهل حلب] طريقين في تزکية الشيخ المفيد:

احدهما: صحّة نقله عن الأَئمة الطاهرين، بما هو مذکور في تصانيفه من المقنعة وغيرها...

وأمّا الطريق الثاني في تزکيته: ما ترويه کافّة الشيعة وتتلقّاه بالقبول: من أنّ صاحب الأَمر ـ صلوات الله عليه وعلي آبائه ـ کتب إليه ثلاث کتب، في کلّ سنة کتاباً، وکان نسخة عنوان الکتاب: للأخ السديد … وهذا أوفي مدح وتزکية وأزکي ثناء وتطرية بقول إمام وخلف الأَئمة، انتهي ما في اللؤلؤة [6] .

اقول: وکلامه صريح ان التوقيعين مجمع عليهما، ونستنتج من کلامه أيضاً أنّ ما ذکره الطبرسي في مقدّمة الإِحتجاج ـ من ذکر الأَسباب الّتي دعته إلي عدم ذکر السند للأحاديث الّتي يرويها ـ ان التوقيعين من قسم الأَحاديث الّتي انعقد الاجماع عليها، لهذا لم يذکر سندها.

وإن کان بعض المتأخرين قد شکّک في هذين التوقيعين، لکن الإِطمئنان الحاصل عند التأمّل فيهما کافٍ في المقام، والله العالم.



[ صفحه 25]



وقال ابن شهرآشوب في معالمه: ولقّبه الشيخ المفيد صاحبُ الزمان صلوات الله عليه، وقد ذکرت سبب ذلک في مناقب آل أبي طالب [7] .

والظاهر أن المراد من عبارته «ولقّبه الشيخ المفيد صاحب الزمان» ما رود في التوقيع: للأخ السديد والوليّ الرشيد الشيخ المفيد.

وأما ما أحال به علي المناقب، فهو غير موجود في المناقب المطبوع وفي نسخة المتوفرة لدينا والنسخ التي اعتمدها المحدث المجلسي والنوري، لأن کلّ هذه النسخ ناقصة غير موجودة فيها البحث عن صاحب الأَمر (عليه السلام).

وشکک السيد الخوئي في هذا، بناءً علي أنّ تسميته بالمفيد کانت من قِبَل علي بن عيسي الرماني حيث قال له بعد مناظرةٍ: أنت المفيد حقّاً، وکون التوقيع صادراً في أواخر حياة الشيخ المفيد وانّما لقّب الشيخ المفيد في عنفوان شبابه [8] .

وما ذکره السيد الخوئي لا يقدح في سند التوقيعين ولا في متنيهما، وإنما هو اعتراض علي علي ابن شهرآشوب حيث قال: ولقب الشيخ المفيد صاحب الزمان، إذ ليس في التوقيع ما يوحي ان صاحب الزمان هو الذي لقب المفيد بالمفيد، فلعلّه کان قد لقب بالمفيد، والتوفيع الخارج من الناحية جري علي ما هو المتعارف عليه من لقبه.

وبناءً علي صدور هذين التوقيعين من الناحية المقدسة، نستطيع أن نصل إلي الصلة العميقة بين هذا الشيخ المفيد وبين إمام زمانه الحجّة المنتظر، لِما فيهما من مدح وثناء عميقين من قبل الناحية المقدّسة لهذا الشيخ الذي أوقف عمره للذبّ عن هذه الطائفة المظلومة.

فورد في التوقيع الأول من الناحية للشيخ المفيد من المدح:

للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد … سلام عليک أيّها الوليّ المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين … ونعلمک أدام الله توفيقک لنصرة الحّق، وأجزل مثوبتک علي نطقک عنّا بالصدق … هذا کتابنا إليک أيّها الوليّ، المخلص في ودّنا الصفيّ، والناصر لنا الوافي، حرسک الله بعينه الّتي لا تنام … [9] .



[ صفحه 26]



وفي الثاني:

سلام عليک أيّها الناصر للحق، الداعي إليه بکلمة الصدق، … ونحن نعهد إليک أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظالمين، أيّدک الله بنصره الّذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين … هذا کتابنا إليک أيّها الوليّ الملهم للحقّ العليّ… [10] .

وکفي بهذا عزّاً وفخراً للشيخ المفيد، وهو أهل لذلک.



[ صفحه 27]




پاورقي

[1] المسائل العشر: 82 من طبعتنا هذه.

[2] الاحتجاج 2: 495 ـ 498.

[3] الاحتجاج 2: 498 ـ 499.

[4] معجم رجال الحديث 17: 208 ـ 209.

[5] الاحتجاج 1: 14.

[6] لؤلؤة البحرين: 363 ـ 367، وراجع حياة ابن بطريق في کتاب اللؤلؤة: 283، ووفاة ابن بطريق سنة 600.

[7] معالم العلماء: 113 رقم 765.

[8] معجم رجال الحديث 17: 209 ـ 210.

[9] الاحتجاج 2: 497 ـ 498.

[10] الاحتجاج 2: 498ـ499.