بازگشت

اعتراف الامامية بان الله تعالي اباح للامام الاستتار عن الخلق


وأمّا الکلام في الفصل التاسع [1] .

وهو قول الخصوم: إنّ [2] الإِماميّة تناقض مذهبها في إيجابهم الإِمامة [3] ، وقولهم بشمول [4] المصلحة للأنام بوجود الإِمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره، واستشهادهم علي ذلک بحکم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمکّنه من [5] البلاد والعباد.

وقولهم مع ذلک: إنّ الله تعالي قد أباح للإمام [6] الغيبة عن الخلق وسوّغ له [7] الاستتار [8] عنهم، وأنّ ذلک هو المصلحة وصواب التدبير للعباد.

وهذه مناقضة لا تخفي علي العقلاء.



[ صفحه 114]



فصل:

وأقول: إنّ هذه الشبهة الداخلة علي المخالف إنّما استولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار ووجوه [9] الصلاح وأسباب الفساد، وذلک أنّ المصالح تختلف باختلاف الأحوال، ولا تتفق مع تضادّها، بل يتغيّر تدبير الحکماء في حسن النظر والاستصلاح بتغيّر [10] آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الأعمال.

ألا تري أن الحکيم من البشر يدبّر ولده وأحبّته [11] وأهله وعبيده وحشمه بما [12] يکسبهم [13] المعرفة والآداب، ويبعثم علي الأعمال الحسنات، ليستثمروا [14] بذلک المدح وحسن الثناء والإِعظام من کلّ أحدٍ والإِکرام، ويمکّنوهم من المتاجر والمکاسب للأموال [15] ، لتتصل مسارّهم بذلک، وينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذات [16] ، وذلک هو الأصلح لهم، مع توقّرهم [17] علي ما دبّرهم به من أسباب ما ذکرناه.

فمتي أقبلوا علي العمل بذلک والجِدّ فيه، أداموا لهم ما يتمکّنون به



[ صفحه 115]



منه، وسهّلوا عليهم سبيله، وکان ذلک [18] هو الصلاح العام، وما أخذوا بتدبيرهم إليه وأحبّوه منهم وأبرّوه لهم.

وإن عدلوا عن ذلک إلي السفه والظلم، وسوء الأدب والبطالة، واللهو واللعب، ووضع المعونة علي الخيرات في الفساد، کانت المصلحة لهم قطع موادّ السِعة [19] عنهم في الأموال، والاستخفاف بهم، والإِهانة والعقاب.

وليس في ذلک تناقض بين أغراض العاقل، ولا تضادّ في صواب التدبير والاستصلاح.

وعلي الوجه الّذي بيّناه کان تدبير الله تعالي لخلقه، وإرادته عمومهم بالصلاح.

ألا تري أنّه خلقهم فأکمل عقولهم وکلّفهم الأعمال الصالحات، ليکسبهم [20] بذلک حالاً [21] في العاجلة، ومدحاً وثناءً حسناً وإکراماً وإعظاماً وثواباً في الآجل، ويدوم نعيمهم في دار المقام.

فان تمسّکوا بأوامر الله ونواهيه وجب في الحکم إمدادهم بما يزدادون به منه، وسهّل عليهم سبيله، ويسّره لهم.

وإن خالفوا ذلک وعصوه تعالي وارتکبوا نواهيه، وتغيّرت [22] الحال فيما يکون فيه استصلاحهم، وصواب التدبير لهم، يوجب [23] قطع موادّ [24] .



[ صفحه 116]



التوفيق عنهم، وحَسُنَ منه وذمّهم وحربهم، ووجب عليهم [25] به العقاب، وکان ذلک هو الأصلح لهم [26] والأصوب [27] في تدبيرهم ممّا کان يجب في الحِکمة لو أحسنوا ولزموا السداد.

فليس ذلک بمتناقض في العقل ولا متضادّ في قول أهل العدل، بل هو ملتئم علي المناسب والاتّفاق.

فصل:

ألا تري أنّ الله تعالي دعا الخلق إلي الإِقرار به وإظهار التوحيد والإِيمان برسله (عليهم السلام) لمصلحتهم، وأنّه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلک، فمتي اضطرّوا إلي إظهار کلمة الکفر للخوف علي دمائهم کان الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم ترک الإِقرار بالله والعدول عن إظهار التوحيد والمظاهرة بالکفر بالرسل، وإنّما تغيّرت المصلحة بتغيّر الأحوال، وکان في تغير التدبير الّذي دبّرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين، وإن کان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحاً منهم ومفسدةً يستحقّون به العقاب الأليم.

وقد فرض الله تعالي الحجّ والجهاد وجعلهما صلاحاً للعباد، فإذا تمکّنوا منه عمّت به المصلحة، وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين کانت المصلحة لهم ترکه والکفّ عنه، وکانوا في ذلک معذورين وکان المجرمون به ملومين [28] .

فهذا نظيرٌ لمصلحة الخلق بظهور الأئمّة (عليهم السلام) وتدبيرهم إيّاهم



[ صفحه 117]



متي أطاعوهم وانطووا علي النصرة لهم والمعونة، وإن عصوهم وسعوا في سفک دمائهم تغيّرت الحال فيما يکون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته وتغييبه [29] واستتاره، ولم يکن عليه في ذلک لوم، وکان الملوم [30] هو المسبّب له بإفساده وسوء اعتقاده.

ولم يمنع کون الصلاح باستتاره [31] وجوب وجوده وظهوره، مع العلم ببقائه وسلامته وکون [32] ذلک هو الأصلح والأولي في التدبير، وأنّه الأصل [33] الّذي أجري [34] بخلق العباد إليه وکلّفوا من أجله حسبما ذکرناه.

فصل:

فإنّ الشبهة الداخلة علي خصومنا في هذا الباب، واعتقادها أنّ مذهب الإِماميّة في غيبة إمامها مع عقدها في وجوب الإِمامة متناقضّ، حسبما ظنّوه في ذلک وتخيّلوه، لا يدخل إلاّ علي عميً منهم مضعوف بعيد عن معرفة مذهب سلفه وخلفه في الإِمامة، ولا يشعر بما يرجع إليه في مقالهم به:

وذلک أنّهم بين رجلين:

أحدهما: يوجب الإِمامة عقلاً وسمعاً، وهم البغداديّون من



[ صفحه 118]



المعتزلة [35] وکثير من المرجئة [36] .

والآخر: يعتقد وجوبها [37] سمعاً وينکر أن تکون العقول توجبها، وهم البصريّون من المعتزلة [38] وجماعة المجبّرة [39] وجمهور الزيدية.

وکلّهم وإن خالف الإماميّة في وجوب النصّ علي الأئمّة بأعيانهم، وقال بالاختيار أو الخروج بالسيف والدعوة إلي الجهاد، فإنّهم يقولون: إنّ وجوب اختيار الأئمّة إنّما هو لمصالح الخلق، والبغداديّون من المعتزلة خاصّة يزعمون أنّه الأصلح في الدين والدنيا معاً، ويعترفون بأنّ وقوع الاختيار وثبوت الإِمامة هو المصلحة العامّة، لکنّه متي تعذّر ذلک بمنع الظالمين منه کان الّذين إليهم العقد والنهوض [40] بالدعوة في سعةٍ من ترک ذلک وفي غير حرجٍ من الکفّ عنه، وأنّ ترکهم له حينئذٍ يکون هو الأصلح، وإباحة الله تعالي لهم التقيّة في العدول عنه هو الأولي في الحِکمة وصواب التدبير في الدنيا والدين.



[ صفحه 119]



وهذا هو القول الّذي أنکره المستضعفون منهم علي الإِمامية: في ظهور الإِمام وغيبته، والقيام بالسيف وکفّه عنه وتقيته، وإباحة شيعته عند الخوف علي أنفسهم ترک الدعوة إليه علي الإعلان، والإِعراض عن ذلک للضرورة إليه، والإِمساک عن الذکر له باللسان.

فيکف خفي الأمر فيه علي الجهّال من خصومنا، حتّي ظنّوا بنا المناقضة وبمذهبنا في معناه التضادّ، وهو قولهم بعينه علي السواء، لولا عدم التوفيق لهم وعموم الضلالة لقلوبهم بالخذلان، والله المستعان.



[ صفحه 121]




پاورقي

[1] ع. ل: فصل: وأمّا الکلام في الفصل التاسع.

[2] ع. ل. ر: وإنّ.

[3] ع. س: للإمامة.

[4] ع. ر. س. ط: لشمول.

[5] في س. ط: وتمکنه في البلاد والعباد.

[6] ع. ل: الإِمام.

[7] ع. ل. س: وسوّغه.

[8] ع. س: للإِستتار.

[9] ل. ط: ووجود.

[10] س. ط: بتغيير.

[11] ل: وأخيه.

[12] ع. س. ط: ما.

[13] ل. ط: ينبؤهم، ويحتمل في ع. ر: يکسهم.

[14] ل. ط: ليستمرّوا.

[15] ل: الأموال، ط: في الأعمال.

[16] ع. ل. ر: اللذات.

[17] ع. ط: توفّرهم.

[18] لفظ: ذلک، لم يرد في ل. ط.

[19] ع. ل. ر. س: الشيعة، ويحتمل: الشنعة.

[20] ل: ليکسهم.

[21] س. ط: جمالاً.

[22] ل: لغيّرت.

[23] ل: لوجب.

[24] ع. ل. ر: موات.

[25] ل. ط: وحسن منه ذمهم وحر عليهم، وفي س. ع: جربهم، بدلاً من: حربهم.

[26] إلي هنا انتهت نسخة ع، فالاعتماد في ضبط النصّ يکون علي نسخة: ل. ر. س. ط.

[27] ر. س: والأحقّ.

[28] ل. ر: ملومون.

[29] ل: وتغيبته.

[30] ل. ر: المليم.

[31] ل. ر: باستتار.

[32] ل. ر. س: کون، بدون واو.

[33] ر. س: للأصل.

[34] س. ط: احري.

والمعني: أن الصلاح الالهي الذي اقتضي غيبة الإِمام هو الأصل الذي کان خلق العباد للتوصل إليه ومن أجله.

[35] وهم أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط مع تلميذه أبي القاسم بن محمّد الکعبي ويعبّر عن مذهبهما بالخياطيّة والکعبية.

الملل والنحل 1: 73.

[36] ل: وهم البغداديّون من المعتزلة وکثير من المعتزلة وکثير من المرجئة.

[37] ر. ل. س: أنّ وجوبها.

[38] وهم أصحاب أبي عليّ محمّد بن عبد الوهاب الجبائي وابنه أبي هاشم عبد السلام، ويعبّر عن مذهبهما بالجبائية والبَهشَميّة.

الملل والنحل 1: 73.

[39] الجبريّة اصناف، فالجبرية الخالصة: هي الّتي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة علي الفعل أصلاً، وأمّا من أثبت للقدرة الحادثة أثراً ما في الفعل وسمّي ذلک کسباً فليس بجبريّ.

الملل والنحل 1: 79.

[40] ع. ط: النهوض، بدون واو.