انکار جعفر بن علي بن محمد بن علي و دعوي الامامية ولدا له
الکلام في الفصل الثاني
وأمّا المتعلّق بإنکار جعفر بن عليّ شهادة الإٍمامية [1] بولدٍ لأخيه الحسن ابن عليّ (عليهما السلام) وُلد في حياته بعده، والحوز لترکته بدعوي استحقاقها بميراثه مثلاً دون ولدٍ له، وما کان منه من حمل أمير الوقت علي حبس جواري الحسن (عليه السلام) واستبذالهنّ [2] بالاستبراء لهنّ من الحمل ليتأکّد [3] بقيّة [4] لولد أخيه، إباحته دماء شيعة الحسن بدعواهم خلفاً من بعده کان أحقّ بمقامه من بعده من غيره وأولي بميراثه مّمن حواه.
فليس بشبهةٍ [5] يعتمدها عاقلٌ في ذلک، فضلاً عن حجّةٍ، لا تفاق الأُمّة علي أنّ جعفراً لم تکن له عصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلک إنکار حقٍّ ودعوي باطلٍ، بل کان من جملة الرعيّة الّتي يجوز عليها الزلل، ويعتريها السهو، ويقع منها الغلط، ولا يؤمن منها تعمد الباطل، ويتوقّع منها
[ صفحه 62]
الضلال.
وقد نطق القرآن بما کان من أسباط يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ـ عليه وعلي ولده الأنبياء وآبائه المنتجبين الأصفياء وکافّة المرسلين الصلاة الدائمة والتحيّة والسلام ـ في ظلم أخيهم يوسف (عليه السلام)، وإلقائهم له في غيابة الجبّ، وتغريرهم [6] بدمه بذلک، وبيعهم إيّاه بالثمن البخس، ونقضهم [7] عهده في حراسته، وتعمدهم معصيته في ذلک وعقوقه [8] ، وإدخال الهمّ عليه بما صنعوه بأحبّ ولده إليه وأوصلوه إلي قلبه من الغمّ بذلک، وتمويههم علي دعواهم علي الذئب أنّه أکله بما جاءوا به علي قميصه من الدم، ويمينهم بالله العظيم علي براءتهم ممّا اقترفوه في ظلمه من الإِثم، وهم لِما أنکروه متحقّقون، وببطلان ما ادعوه في أمر يوسف (عليه السلام) عارفون [9] .
هذا وهو أسباط النبييّن، وأقرب الخلق نسباً بنبيّ الله وخليله إبراهيم.
فما الذي يُنکر [10] مّمن هو دونهم في الدنيا والدين: أنِ اعتمدَ باطلاً يُعلم خطؤه فيه علي اليقين، ويَدفع حقّاً قد قامت عليه الحجج الواضحة والبراهين.
[ صفحه 63]
فصل:
وما أري المتعلّق [11] في إنکار [12] وجود ولد الحسن بن عليّ بن محمّد (عليهم السلام) وقد قامت بيّنة العقل والسمع به، ودلّ الاعتبار الصحيح علي صواب معتقده، بدفع عمّه [13] لذلک مع دواعيه الظاهرة کانت إليه، بحوز [14] ترکة أخيه دونه، مع جلالتها وکثرتها وعظم خطرها، لعتجّل المنافع بها، والنهضة بمآربه عند تملّکها، وبلوغ شهواته من الدنيا بحوزها، ودعوي مقامه الّذي جلّ قدره عند الکافة، باستحقاقه له دون مَن عداه من الناس، وبخعت [15] الشيعة کلّها بالطاعة له بما انطوت عليه [16] من اعتقادها ولوجوبه له دونَ من سواه، وطمعه بذلک في مثل ما کان يصل إليه من خمس الغنائم التي کانت تحملها شيعته إلي وکلائه في حياته، واستمرارها [17] علي ذلک بعد وفاته، وزکوات الأموال، لتصل إلي مستحقّها من فقراء أصحابه.
إلاّ کتعلّق أهل الغفلة من الکفار في إبطال عمّه [18] أبي لهب [19] صدق
[ صفحه 64]
دعوته، وجحد الحقّ في نبوّته، والکفر بما جاء به، ودفع رسالته، ومشارکة أکثر ذوي نسبه من بني هاشم وبني أميّة لعمّه في ذلک، واجتماعهم علي عداوته [20] ، وتجريدهم السيف في حربه، واجتهادهم في استئصاله ومتّبعيه علي ملّته.
هذا مع ظهور حجّته، ووضوح برهانه في نبوّته، وضيق الطريق في معرفة ولادة الحجّة بن الحسن علي جعفر وأمثاله من البعداء عن علم حقيقته.
ومَن صار في إنکار شيءٍ أو إثباته أو صحّته وفساده [21] إلي مثل التعلّق بجعفر بن عليّ في جحد وجود خلف لأخيه، وما کان [22] من أبي جهل [23] وشرکائه من أقارب النبيّ صلّي الله عليه وآله وجيرانه وأهل بلده والناشئين معه في زمانه والعارفين بأکثر سرّ أمره [24] وجهره وأحواله في دفع نبوّته وإنکاره صدقه في دعوته.
سقط کلامه عند العلماء ولم يعدّ في جملة الفقهاء، وکان في أعداد ذوي
[ صفحه 65]
الجهل والسفهاء.
فصل:
وبعد، فإنّ الشيعة وغيرهم مّمن عني بأخبار الناس والجواد من الآراء وأسبابها، والأغراض کانت له فيها، قد ذکروا أخباراً عن أحوال جعفر بن عليّ في حياة أخيه أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، وأسباب إنکاره خلفاً له من بعده، وجحد ولدٍ کان له في حياته، وحمل السلطان علي ما سار به في [25] مخلّفيه وشيعته [26] ، لو أوردتها علي وجهها لتصور [27] الأمر في ذلک علي حقيقته، ولم يخف علي متأمل بحاله، وعرفه علي خطيئته.
لکنّه يمنعني عن ذلک [28] موانع ظاهرة:
أحدها: کثرة مَن يعترف [29] بالحقّ من وُلد جعفر بن عليّ في وقتنا هذا، ويُظهر التدّين بوجود ولد الحسن بن عليّ في حياته، ومقامه بعد وفاته في الأمر مقامه، ويکره [30] إضافة خلافه لمعتقده فيه إلي جدّه [31] ، بل لا أعلم أحداً من وُلد جعفر بن عليّ في وقتنا هذا يُظهر خلاف الإِماميّة في وجود ابن الحسن (عليهما السلام) والتديّن بحياته والانتظار لقيامه.
[ صفحه 66]
والعشرة الجميلة لهؤلاء السادة أيّدهم الله بترک إثبات ما سبق به مَن سمّيت في الأخبار الّتي خلّدوها [32] فيما وصفتُ أولي.
مع غناي عن ذلک بما أثبتُّ من موجز [33] القول في بطلان الشبهة، لتعلّق ضعفاء المعتزلة [34] والحشوية [35] والزيديّة [36] و الخوارج [37] والمرجئة [38] في
[ صفحه 67]
إنکار جعفر بن عليّ لوجود [39] ابن الحسن بن عليّ، حَسَبَ ما أورده السائل عنهم فيما سأل في الشبهات في ذلک، والله الموفّق للصواب.
[ صفحه 69]
پاورقي
[1] ل. ع: الإِمامة. وهو خطأً.
[2] الاستبذال: ترک الاحتشام والتصرّف.
وفي ر. ل. ع: واستبدالهنّ.
[3] ر: لتأکّد.
[4] ل. س. ط: نفيه.
[5] س. ط: لشبهةٍ.
[6] ط: وتقريرهم.
[7] ع. ل: وبغضهم. ر: وبعضهم.
والضمير في عهده يعود علي والدهم، وکذا الضمائر الآتية، تعود علي يعقوب والدهم.
[8] س. ط: وحقوقه.
[9] انظر: سورة يوسف 14: 8 ـ 20.
[10] ل: نکر. ط: انکر.
[11] ط: التعلّق.
[12] ل. ط: إنکاره.
[13] س. ط: همّه.
[14] س: يجوز.
[15] أي: أقرّت به وأذعنت. ولعل الصحيح: بخوع الشيعة.
[16] لم يرد: ر. ل. ط.
[17] س. ط: واستمراره.
[18] أي: النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم).
[19] عبد العزي بن عبد المطلب بن هاشم، من قريش، عمّ النبيّ، وأحد الشجعان في الجاهلية، ومن أشدّ الناس عداوةً للمسلمين في الإسلام، کان غنيّاً عتيّاً، کبُر عليه أن يتبع ديناً جاء به ابن اخيه، فآذاه وآذي انصاره وحرّض عليهم وقاتلهم، وفيه الآية: (تبّت يدا أبي لهب وتب ما أغني عنه ماله وما کسب) مات بعد وقعة بدر بأيّام.
راجع: الأعلام 4: 12، وراجع المصادر التي ذکرها.
[20] ر. ع: عدوانه.
[21] ط: أو فساده.
[22] ع. ل. ر: ما کان، والمثبت من س. ط.
[23] ل. ع. ر. س: وما کان ابن أبي جهل، والمثبت من ط.
وأبو جهل هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي، کان من اشدّ الناس عدواة للنبي، قتل يوم بدرٍ کافراً، وأخباره مع النبيّ وکثرة اذاه إيّاه مشهورة.
الکني والالقاب 1: 38، الأعلام 5: 87 وراجع المصادر التي ذکرها.
[24] ط: سراره.
[25] ل: شارکه في، س. ط: وشي به في.
[26] راجع: کمال الدين 2: 383 ـ 484، البحار 50: 227 ـ 232 باب 6 أحول جعفر و37: 8.
[27] س: لنصوّر.
[28] س. ط: من ذلک.
[29] ل. ر: يعرف.
[30] ر. س: ونکره، ل: وذکره.
[31] أي ويکره إضافة خلاف الحقّ الّذي يعتقد به إلي جدّه، وذلک لِما ورد في بعض الأخبار من توبة جعفر.
[32] ر. ل: جلدوها.
[33] ل: مؤخّر القول.
[34] أوّل من سمّي بهذا اللقب: جماعة بايعوا عليّاً (عليه السلام) بعد قتل عثمان واعتزلوا عنه وامتنعوا عن محاربته والمحاربة معه، منهم سعد بن مالک وعبدالله بن عمر.
فرق الشيعة: 4ـ5.
[35] جماعة قالوا: انّ عليّاً وطلحة وزبير لم يکونوا مصيبين في حربهم، وأنّ المصيب هو الّذي قعد عنهم، وهو يتولّونهم جميعاً ويتبرّؤون من حربهم ويردّون امرهم إلي الله عزّوجلّ.
فرق الشيعة: 15.
[36] فرقة تدّعي أنّ من دعا إلي الله عزّ وجلّ من آل محمّد فهو مفترض الطاعة، وکان عليّ بن أبي طالب إماماً في وقت ما دعا الناس وأظهر أمره، ثمّ کان بعده الحسين اماماً عند خروجه، ثمّ زيد بن عليّ بن الحسين المقتول بالکوفة، ثمّ يحيي بن زيد بن عليّ المقتول بخراسان.
فرق الشيعة: 58.
[37] جماعة قالوا: الحکمان کافران، وکفّرا عليّاً حين حکّمهما.
ومسألة التحکيم کان مفروضة علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذلک عندما أبي أصحابه إلاّ التحکيم وامتنعوا من القتال، رضي التحکيم بشرط الحکم بکتاب الله، فخالف الحکمان، فالحکمان هما اللذان ارتکبا الخطأ وهو الّذي اصاب.
فرق الشيعة: 16.
[38] لّما قتل عليّ (عليه السلام) اتفق الناکثون والقاسطون وتَبَعه الديا علي معاوية، وسمّوا بالمرجئة، وزعموا أنّ أهل القبلة کلّهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان، ورجوا لهم جميعاً المغفرة، وافترقت المرجئة علي أقسام:...
فرق الشيعة: 6.
[39] ل: بوجود.