بازگشت

في ايراد ما ذکروه من وجوه الجمع بين حديث لا مهدي إلا عيسي بن


وقد تقدّم آنفاً أنّ الحديث موضوع، وأحاديث المهدي متواترة کما سيأتي إن شاء الله تعالي فلا تعارض بينهما، فلا وجه حينئذٍ لتجشّم تلک الوجوه التي لا ترجع إلي محصّل.

لکن لمّا ذکرها جماعة في کتبهم وتداولوها آثرنا ذکرها هنا والجواب عنها ليسفر القناع عن وجهها، ويُعلم ما فيها، فإنّه قد يعوِّل عليها ويستأنس بها بعض مَن لا فطنة له، وهو غافل عن حقيقتها، فکان التنبيه علي ذلک من المهمّات.

فنقول وبالله التوفيق:

قد ذکروا للجمع في هذا المقام ثلاثة أوجه:

الاَوّل: أنّه لا مهديّ في الحقيقة سوي عيسي بن مريم وإن کان غيره مهديّاً أيضاً، لحکمه بکتاب الله، وقتله اليهود والنصاري، ووضعه الجزية، وإهلاک أهل الملّة في زمانه [1] .



[ صفحه 18]



وأنت خبير بأنّه لو صحّ هذا فإنّ المهديّ المنتظر عليه الصلاة والسلام يکون أَوْلي بکونه المهديّ علي الحقيقة کما هو کذلک؛ لاَنّه الذي يملاَ الله تعالي به الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وهذا أعظم أمر يقع في آخر الزمان.

ومعلومٌ أنّ عيسي عليه السلام يکون مقتفياً لشرع الاِسلام الذي يحيي المهديّ معالمه بعدما اندرست، ويرفع أعلامه بعدما انتکست، والحکم بکتاب الله تعالي، وقتل أهل الاِلحاد إنّما يکون بيد المهديّ عليه السلام، وعيسي ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه يساعده في ذلک، لا استقلال ابن مريم به کما قد يظهر من کلام بعضهم.

فالمهديّ حقّ، والمهديّ هو من يفعل ذلک، وليس ذاک إلاّ المهديّ الموعود من آل محمّـد صلي الله عليه وآله وسلم.

فظهر أنّه أفضل من المسيح بن مريم عليهما الصلاة والسلام ـ کما سيأتي في کلام الحافظ الکنجي أيضاً ـ فضلاً عن أبي بکر وعمر، فقد أخرج نعيم بن حمّاد عن محمّـد بن سيرين أنّه ذکر فتنةً تکون، فقال: إذا کان ذلک فاجلسوا في بيوتکم حتّي تسمعوا علي الناس بخيرٍ من أبي بکر وعمر، قيل: أفيأتي خيرٌ من أبي بکر وعمر؟! قال: قد کان يُفضّل علي بعض.

وفي المصنّف لابن أبي شيبة، عن ابن سيرين، قال: يکون في هذه الاَُمّة خليفة، لا يفضّل عليه أبو بکر وعمر کما في العرف الوردي [2] .



[ صفحه 19]



الثاني: أنّ المراد بذلک أنّه لا مهديّ کاملاً معصوماً إلاّ ابن مريم عليهما السلام.

وفيه: أنّ المهدي عليه الصلاة والسلام معصوم أيضاً کالمسيح بن مريم.

أمّا علي مذهب أهل الحقّ فظاهر غاية الظهور.

وأمّا علي مذهب مخالفيهم: فإن أُريد عصمته في الاَحکام فإنّ ذلک حاصل له.

قال الشيخ محيي الدين ابن عربي في الفتوحات المکّيّة [3] : إنّه يحکم بما ألقي إليه مَلَک الاِلهام من الشريعة، وذلک بأن يلهمه الشرع المحمّـدي فيحـکم به کمـا أشـار إليه حـديث: «المهـديّ يقفـو أثـري لا يخطئ» فعرَّفَنا صلي الله عليه وآله وسلم أنّه مُتَّبِع لا مبتدع، وأنّه معصوم في حُکْمه، إذ لا معني للمعصوم في الحکم إلاّ أنّه لا يخطئ، وحکم الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لا يخطئ، فإنّه (لا ينطق عن الهوي ، إن هو إلاّ وحي يوحي) [4] وقد أخبر عن المهديّ أنّه لا يخطئ، وجعله ملحقاً بالاَنبياء في ذلک الحکم.

قلت:

وقضية کونه خليفة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يثبت له ما کان ثابتاً له صلي الله عليه وآله وسلم في الجملة، ومنه العصمة في الاَحکام، وهذا ظاهر جليّ، فلا وجه لتخصيص العصمة بعيسي بن مريم.



[ صفحه 20]



وقد شرح المعين بن الاَمين السندي في کتابه دراسات اللبيب في الاَُسوة الحسنة بالحبيب کلام الشيح المتقدّم بما لا غنيً لذوي الفضل والتحقيق من الوقوف عليه.

هذا، وإن أُريد عصمته عليه الصلاة والسلام في الاَفعال، فإنّ ذلک حاصل له أيضاً.

قال الاِمام الحافظ الکنجي في البيان ـ في ذِکر تقدّم المهدي عليه السلام في الصلاة والجهاد علي عيسي بن مريم عليه السلام ـ: هما قدوتان نبيّ وإمام، وإن کان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما ـ وهو الاِمام ـ يکون قدوة للنبيّ عليه السلام في تلک الحال، وليس فيهما مَن تأخذه في الله لومة لائم، وهما أيضـاً معصـومان من ارتکـاب القبـائح کـافّةً، والمداهنة والرياء والنّفاق، ولا يدعو الداعي لاَحدهما إلي فعل ما يکون خارجاً عن حکم الشريعة ولا مخالفاً لمراد الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم.

قال: وإذا کان الاَمر کذلک، فالاِمام أفضل من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمّـدية بذلک بدليل قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «يؤمّ القوم أقرؤهم لکتاب الله، فإن استووا فأعلمهم، فإن استووا فأفقههم، فإن أستووا فأقدمهم هجرةً، فإن استووا فأصبحهم وجهاً».

فلو عَلِم الاِمام أنّ عيسي أفضل منه لَما جاز له أن يتقدَّم عليه لاِحکامه علم الشريعة، ولموضع تنزيه الله تعالي له من ارتکاب کلّ مکروه.

وکذلک لو عَلِم عيسي أنّه أفضل منه لما جاز له أن يقتدي به، لموضع تنزيه الله تعالي له من الرياء والنفاق والمحاباة، بل لمّا تحقَّق أنّه أعلم منه جاز أن يتقدّم عليه، وکذلک قد تحقّق عيسي أنّ الاِمام أعلم منه،



[ صفحه 21]



فلذلک قدَّمه وصلّي خلفه، ولولا ذلک لم يسعه الاقتداء بالاِمام [5] .

ثمّ بيّن تقدّم المهدي في الجهاد، فراجع ثمّة إن شئت.

الثالث: أنّه لا قول للمهديّ إلاّ بمشورة عيسي، بناءً علي أنّه من وزرائه [6] .

والجواب: أنّه لو سُلِّم ـ مع ما فيه من مخالفة ظاهر الحديث ـ فغاية ما يـدلّ عـليه: أنّ المهـديّ عليه السلام لا يقـطع أمـراً إلاّ بمشـورة المسيح بن مريم عليهما السلام ـ وهذا مبنيّ علي القول بأنّه من وزرائه، وهو غير ثابت ـ وذلک لا ينافي کون مآل الاَمر إلي المهديّ عليه الصلاة والسلام، فإنّه إذا عزم علي أمرٍ توکّل علي الله تعالي وفعله کما کان ذلک شأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم مع أصحابه.

مضافاً إلي عصمته المطلقة ـ وقد تقدّم الکلام علي ذلک آنفاً ـ فلا يحتاج إلي مشورة عيسي عليه السلام بالاَصالة، بحيث لولاها لما نفذ له قول ولا أمر، لمکان تلک العصمة والتسديد من الله تعالي، وإنّما هي ـ أعني المشورة علي تقدير ثبوتها ـ سياسة أدبية منه مع عيسي بن مريم عليه السلام، وهذا لا ضير فيه، ولا يقدح في شيء من أمر المهديّ عليه الصلاة والسلام وإمامته وتقدّمه علي جميع أهل عصره، ووجوب طاعته کالنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم حذو القذّة بالقذة، کما لا يخفي.



[ صفحه 22]




پاورقي

[1] انظر: المنار المنيف في الصحيح والضعيف ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1: 289 ـ 148.

[2] مصنّف ابن أبي شيبة 15: 198 ح 19496، عن أبي أُسامة، عن عوف، عن محمد ـ وهو ابن سيرين ـ، رسالة العرف الوردي المطبوعة ضمن کتاب الحاوي 1: 103 للفتاوي ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1: 384.

[3] الفتوحات المکّيّة ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1: 111 ـ ج 3 الباب 366.

[4] سورة النجم 53: 4 و 5.

[5] البيان: 21.

[6] مشارق الاَنوار في فوز أهل الاعتبار ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2: 62 ـ 115.