في ذکر مخرجيه و التعريف بحال رواته
فنقول وبالله تعالي التوفيق:
أخرج ابن ماجة في سننه، قال: حدّثنا يونس بن عبـد الاَعلي، حدّثنا محمّـد بن إدريس الشافعيّ، حدّثني محمّـد بن خالد الجَنَدي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالک، أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: لا يزداد الاَمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ علي شرار الناس، ولا المهديّ إلاّ عيسي بن مريم [1] .
وفي رواية الحاکم: «ولا الدين» بدل «ولا الدنيا» ولا مهدي إلاّ عيسي ابن مريم.. [2] .
قال الحاکم في المستدرک: فذکرتُ ما انتهي إليَّ من علّة هذا الحديث تعجّباً لا محتجّاً به في المستدرک علي الشيخين [3] .
[ صفحه 4]
وقد أخرجه ابن مندة في فوائده، والقضاعي في مسند الشهاب [4] ، وأبو يوسف الميانجي من طريق ابن خزيمة وابن أبي حاتم وزکريّا الساجي بطريقهم عن يونس بن عبـد الاَعلي [5] .
والکلام عليه يقع تارةً في متن الحديث، وأُخري في إسناده.
أمّا متنه:
فإنّه ورد من غير طريق محمّـد بن خالد الجَنَدي، مجرّداً عن هذه الزيادة المنکَرة، فقد أخرجه الطبراني والحاکم في المستدرک [6] ، کلاهما من طريق مبارک بن سحيـم، حدّثنا عبـد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالـک، قـال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «لـن يزداد الزمان إلاّ شدّة، ولا يزداد الناس إلاّ شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ علي شرار الناس» [7] .
وهذا اللفظ لم تذکر فيه تلک الزيادة المنکَرة الباطلة التي يدرکها کلّ عاقل بالبداهة، فدلّ علي أنّها من صنيع الجَنَدي [8] .
قال الاِمام المحدّث أبو الفيض أحمد بن محمّـد بن الصدّيق الحسنيّ
[ صفحه 5]
الغُماريّ المغربيّ في کتابيه إبراز الوهم المکنون و فتح الوهّاب [9] وتلک عادته، فقد زاد أيضاً زيادةً باطلةً في حديثٍ صحيحٍ متّفق عليه، وذلک ممّا يدلّ علي القطع بکذبه، فقد ذکر ابن عبـد البرّ في ترجمة يزيد بن عبد الهاد من التمهيد: أنّ محمّـد بن خالد الجَنَديّ هذا روي عن المثنّي بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه مرفوعاً: تُعمل الرحال إلي أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الاَقصي، ومسجد الجَنَد.
قال ابن عبـد البرّ ـ عقب ذکر الحديث ـ: محمّـد بن خالد متروک، والحديث لا يثبت.
قال المحقّق الغُماري: يعني بهذه الزيادة التي زادها هذا الدجّال (محمّـد بن خالد الجَنَدي) من إعمال الرحلة إلي مسجد بلده الجَنَد.
وأمّا إسناده:
ففيه: يونس بن عبـد الاَعلي الصَدَفي.
وقد طعن الناس فيه مع کونه من رجال مسلم وابن ماجة والنسائي بسبب تفرّده بهذا الحديث عن الشافعي.
فأورده الذهبيّ في الضعفاء وقال: وثّقه أبو حاتم وغيره ونعتوه بالحفظ إلاّ أنّه تفرّد عن الشافعي بذاک الحديث «لا مهديّ إلاّ عيسي بن مريم» وهو منکر جدّاً [10] .
[ صفحه 6]
وقال أيضاً في تذکرة الحفّاظ ـ بعد نقل توثيقه ـ: قلت: له حديث منکر عن الشافعيّ [11] ، ثمّ ساقه بإسناده.
وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب [12] : قال مسلمة بن قاسـم: کـان حافظاً، وقد أنـکروا عليه تفرّده بروايته عن الشـافعيّ حديث «لا مهديّ إلاّ عيسي بن مريم» أخرجه ابن ماجة عنه [13] ، وکذا الذهبيّ يدّعي أنّ يونس دلّسه [14] .
وذکر الحلواني في رسائله الخمس عن بعضهم: أنّه رأي الشافعي في المنام وهو يقول: کذب عليَّ يونس بن عبد الاَعلي، ليس هذا من حديثي [15] .
وفي إسناده أيضاً: محمّـد بن خالد الجَنَدي، وقد رموه بنکارة الحديث وضعفه.
قال الحافظ شمس الدين الذهبيّ بترجمته في ميزان الاعتدال: قال الاَزدي: منکر الحديث. [16] انتهي.
وقال الحاکم وأبو حاتم وأبو الحسين الآبري وابن الصلاح في أماليه والحافظ في التقريب: مجهول [17] .
[ صفحه 7]
وقال ابن عبـد البرّ: متروک.
وقال ابن تيميّة: لا يحتجّ به.
وحکي الاِمام الحافظ الکنجي في البيان عن الشافعي أنّه قال: کان فيه تساهل في الحديث.
قال: وقد ذکر الشافعيّ في کتاب الرسالة ـ وکتابه أصل ـ قال: اتّفقوا علي أنّ الحديث لا يقبل إذا کان الراوي معروفاً بالتساهل في روايته. [18] انتهي.
فظهر بذلک أنّ ما ذکره الحافظ عماد الدين ابن کثير في النهاية [19] من کونه شيخ الشافعي، وأنّه ليس بمجهولٍ ـ کما زعم الحاکم ـ بل قد حُکي عن ابن معين أنّه ثقة؛ ليس بشيء، لاَنّهم قد ردّوا علي ابن معين توثيقه، ولم يقبلوه منه.
قال الآبري: وإنْ وثّقه يحيي فهو غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلـم والنقـل، وقد اختلفوا في إسناد حديثـه هذا ـ کما ذکره المحقّق ابن الصدّيق في الردّ علي ابن خلدون ـ.
ومن المعلوم المقرّر في محلّه أنّ الجرح مقدّم علي التعديل، ومَن جرحه قد ذکر سبب جرحه ـ وهو مخالفته وانفراده بما عارض القطعي، مع جهالته ـ، ولم يأتِ ابن معين ـ مع انفراده بتوثيقه ـ بما يثبت عدالته، ولا بما يرفع جهالته، فقول من جرحه مقدّم علي جميع الاَقوال ـ کما أفاده المحقّق المذکور ـ.
[ صفحه 8]
هذا، مع شهادة الاَئمّة بجهالته وسقوطه ونکارة حديثه، بل جزم في إبراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون بأنّه: کذّاب وضّاع.
قلت:
وناهيک بکلام هذا الاِمام المتتبّع الخرّيت المتضلّع في معرفة الاَحاديث وطرقها قولاً فصلاً وحُکْماً جزماً، والله يؤتي الحکمة من يشاء.
وفي إسناده أيضاً: أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي، مولاهم.
قال ابن عبـد البرّ في التمهيد: أبان بن صالح ضعيف.
وقال ابن حزم في المحلّي: أبان ليس بالمشهور ـ کما بترجمته في تهذيب التهذيب ـ.
وقال العظيم آبادي في عون المعبود: متروک الحديث [20] .
قلت:
وسيأتي في کلام الحافظ الذهبي بيان الانقطاع بين يونس بن عبـدالاَعلي وبين الشافعيّ، وکذا بين أبان بن صالح وبين الحسن.
علي أنّه اختلف عليه ـ أعني الجَنَدي ـ في حديث الترجمة، فتارةً
[ صفحه 9]
جعله عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس کما تقدّم.
وتارةً جعله عن أبان بن أبي عيّاش، عن الحسن مرسلاً.
قال الحاکم [21] .
: قال صامت بن معاذ: عدلتُ إلي الجَنَد ـ مسيرة يومين من صنعاء ـ فدخلت علي محدّث لهم فطلبت هذا الحديث فوجدته عنده، عن محمّـد بن خالد الجَنَدي، عن أبان بن أبي عيّاش، عن الحسن، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، مثله.
قال البيهقي: فرجع الحديث إلي محمّـد بن خالد الجَنَدي ـ وهو مجهـول ـ، عـن أبان بن أبي عيّاش ـ وهو متروک ـ، عـن الحسن، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم؛ وهو منقطع.
قال: والاَحاديث في التنصيص علي خروج المهدي أصحّ ألبتّة [22] .
فانکشف ووهي ـ کما قال الذهبيّ في الميزان [23] بعد حکايته هذه العلّة عن البيهقيّ ـ.
قلت:
وفي إسـناده أبـان بـن أبي عيّاش، وهـو ضـعيف متروک لا يحتجّ به ـ کما بترجمته في تهذيب التهذيب [24] .
[ صفحه 10]
قال الفلاّس وابن سعد: متروک الحديث.
وقال البخاريّ: کان شعبة سيّيَ الرأي فيه.
وقال أحمد بن حنبل: متروک الحديث، ترک الناس حديثه منذ دهر.
وقال أيضاً: لا يُکتب عنه، قيل: کان له هويً؟ قال: کان منکر الحديث.
وکذا قال وکيع.
وقال ابن معين: ليس حديثه بشيءٍ؛ وقال مرّة: ضعيف؛ وقال مرّة: متروک الحديث.
وکذا قال النسائي والدارقطني وأبو حاتم.
وقال النسائي أيضاً: ليس بثقة، ولا يکتب حديثه.
وقال أبو عوانة: لا أستحلّ أن أروي عنه شيئاً.
وقال ابن حبّان: لعلّه حدّث عن أنس بأکثر من ألفٍ وخمسمائة حديثٍ، ما لکثير شيءٍ منها أصل.
وقال شعبة: ردائي وخماري فـي المـساکين صـدقة إن لم يکن ابن أبي عيّاش يکذب في الحديث.
وقال أيضاً: لاََنْ يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان.
وفي تلخيص المستدرک [25] : عن الحاکم قال: حدّثني به ـ يعني حديث (لا مهديّ إلاّ عيسي بن مريم) ـ عبـد الرحمن بن يزداد المزکّي ببخاري من أصله، ثنا عبـد الرحمن بن أحمد الرشديني بمصر، ثنا المفضّل الجَنَدي، ثنا صامت بن معاذ، ثنا يحيي بن السکن، ثنا محمّـد بن خالد
[ صفحه 11]
الجَنَدي، فذکره.
قال الذهبي: يحيي بن السکن ضعّفه صالح جزرة وقال: ليس بقوي الحديث [26] .
وکذا ضعّفه الدارقطني [27] .
والله الموفّق والمستعان.
[ صفحه 12]
پاورقي
[1] سنن ابن ماجة 2 :1340 ـ 1341 ح 4039.
[2] المستدرک علي الصحيحين 4: 441 ح 8363.
[3] المستدرک علي الصحيحين 4: 442 ضمن ح 8363.
[4] مسند الشهاب 2: 68 ح 198.
[5] إبراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي 7 عند أهل السُنّة 2: 376 ـ584.
[6] انظر: المعجم الکبير ـ للطبراني ـ 19: 357 ح 835، المستدرک علي الصحيحين 4: 442.
[7] ورواه ابن السمعاني ـ کما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 441 ـ بلفظ: «لا يزداد الاَُمراء إلاّ شدّة»، وهو تصحيف ظاهر.
[8] إبراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي 7 عند أهل السُنّة 2: 376 ـ 584.
[9] إبراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2: 378 ـ 586، فتح الوهّاب بتخريج أحاديث الشهاب 2: 109.
[10] ميزان الاعتدال 7: 317 ح 9917.
[11] تذکرة الحفّاظ 2: 527.
[12] تهذيب التهذيب 6: 278.
[13] سنن ابن ماجة 2: 1340 ـ 1341 ح 4039.
[14] سير أعلام النبلاء 12: 351.
[15] ذکـره في رسـائله الخمـس المسـمّاة: منظومة القطـر الشهدي في أوصاف المهـدي عليه السلام ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2: 118 ـ 45.
[16] ميزان الاعتدال 3: 535.
[17] تقريب التهذيب 2: 157 رقم 6.
[18] البيان في أخبار صاحب الزمان: 28 ـ 29.
[19] البداية والنهاية 1:32.
[20] عون المعبود شرح سنن أبي داود 11: 362.
[21] المستدرک علي الصحيحين 4: 441.
[22] إبراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2: 937 ـ: 578.
[23] ميزان الاعتدال 3: 535.
[24] تهذيب التهذيب 1: 65 ـ 67.
[25] تلخيص المستدرک 4: 441.
[26] ميزان الاعتدال 7: 183 رقم 9533.
[27] لسان الميزان 1: 29.