الصبر
الثاني: إنَّ هذا الرفض لا يمکن أن يستقرَّ في ضمير الإنسان إلا بعد تعزيزه بخصال حميدة أخري وهي:
ألف: الصبر
وهذه الصفة هي أهم تلک الصفات لأنَّها في الواقع الضمان لتلک الحالة، والصبر هاهنا يختلف عن الصبر في المواطن الأخري بل الصبر الحقيقي الذي هو کالأم لسائر المصاديق هو هذا النوع من الصبر حيث اشتماله علي جميع أنواع الصبر التي نطقت بها أحاديثنا الشريفة وهي ثلاثة کما في الحديث الذي نقله المحدِّث الکليني قدِّس سرُّه:
(بإسناده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلَّم الصبر ثلاثة: صبرٌ عند المصيبة، وصبرٌ علي الطاعة، وصبرٌ عن المعصية...) [1] .
وقد ذکرت هذه الرواية درجاتٍ أخروية لکلٍّ من تلک الأصناف الثلاثة
ولکنَّ الصبر الملازم للانتظار قد استوعب هذه المراحل الثلاثة وذلک لأنَّه:
- هناک أعظم مصيبة ابتلي بها المؤمن المنتظر وهي مصيبة فقدان قائده الروحي وإمامه الثاني عشر الحجَّة بن الحسن المهدي عجَّل الله تعالي فرجه الشريف، فهو يعيش حالة اليتم وهذه المعضلة العظمي بطبيعتها تتطلَّب الصبر.
- هناک طاعة تتجسد في التبري من کل ما و من هو يزاحم هذه الروحيَّة(أعني روحيَّة الانتظار) (فإنهم عدولي إلاّ ربّ العالمين).
- وهناک معاصي محيطة بهذا الإنسان المؤمن إحاطة کاملة، تلک الأمور التي تقصم الظهر من المُغريات المادِّية والتسويلات الشيطانية المنتشرة علي مستوي وسيع بحيث لا يلتفت الإنسان يميناً أو يساراً إلاّ وهي بارزة أمامَه خصوصاً في عصرنا الحالي حيث الأقمار الصناعية وحيث الشبکات الدوليَّة مثل الإنترنت والأجهزة الإعلاميّة التّي مهمَّتُها الرئيسي نقل الفساد إلي العالم الثالث.
فالمنتظر للدولة المبارکة سوف يعيش کلَّ تلک المغريات طوال حياته فيشاهد بأمّ عينيه أنَّه يسير إلي جهة والعالم بأجمعه يسير إلي جهة أخري مضادَّة له تماماً ومن ناحية أخري يشاهد أنَّ جنود الشيطان وأهل الدنيا يمثِّلون السواد الأعظم فهم الملأ الذين يملئون الأعيُن.
ومن المؤسف جدّاً أنَّ أرباب الدنيا ربَّما ينطلقون من منطلق النصيحة والإصلاح والحب في مسيرتهم الباطلة حيث يُترائي أنهّا حرکة إصلاحية بل إسلامية يتقرب بها إلي الله، ومن الصعب أن يقتنعوا بخطأهم أو يحتملوا ذلک، ومن الواضح أنَّ هذا الأمر سوف يجعل المؤمن المنتظر الصابر يعيش حالة صعبة أخري وهي حالة:(الغربة) ولا تتلخَّص هذه الغربة في الغربة الاجتماعية بل هناک غربة أصعب من ذلک ألا وهي الغربة الفکرية والأيديولوجية التي تؤکد عليها الأحاديث الشريفة وتجعلها من صفات وعلائم المنتظر الحقيقي کالحديث التالي:
(..علي بن موسي الرضا عليه السلام… قال بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبي للغرباء قيل يا رسول الله ثم يکون ما ذا قال ثم يرجع الحق إلي أهله) [2] .
التصابر:
فماذا يفعل إذاً هذا الصابر کي يستمرَّ في صبره ولا يهون؟ لابدّ وأن ينتقل من مرحلة الصبر إلي مرحلة أرقي وهي التصابر کي يخلق الصبر في الآخرين حتَّي ينسجموا معه فيستمرَّ في مسيرته ويصمد في مواقفه حتي تحقق تلک الدولة العالميَّة المبارکة،وسورة العصر هي التِّي ترسم الطريق للمؤمنين المنتظرين قال تعالي:
(بسم الله الرحمن الرحيم والعَصر)
أي قسماً بالعصر وربَّما يکون المقصود من العصر في هذه السورة هو عصر الحجَّة عجلّ الله تعالي فرجه الشريف.
أو ما ذکره الإمام قدِّس سرُّه حيث قال:(يقال:أن العصر هو الإنسان الکامل، وهو إمام الزمان سلام الله عليه أي عصارة جميع الموجودات أي قسماً بعصارة جميع الموجودات قسما بالإنسان الکامل) ولا منافاة بين التفسيرين.
(إنَّ الإنسان لفي خُسر)
هذا الإنسان الذي قد حُکم عليه بالخسران المطلق هو الإنسان الذي يعيش خارج العصر أي يعيش حالة الغيبة.
والإنسان المذکور هنا يشمل جميعهم
(إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
والاستثناء بطبيعته يدلُّ علي النُدورة والغربة فالنادر من الناس والقليل منهم يتَّسمون بهذه السمات الأربعة المتوالية والتِّي ترجع بالأخير إلي صفة فاردة وهي(انتظار الفرج) علي ضوء ما قدمنا.
پاورقي
[1] الکافي ج 2 ص 91 رواية 15.
[2] بحار الأنوار ج 25 ص 134 رواية 6 باب 4.