بازگشت

الرفض من العبادات الاجتماعية


إنَّه من النتائج الخبيثة والآثار السيِّئة التي نشأت جرّاء عزل الدين عن المجتمع و فصلة عن الحُکم خلال قرونٍ متواليةٍ، هو تحريف المفاهيم الدينية وتفسيرها تفسيراً مؤطَّراً بإطار الفرد لا يتخطاه قيد أنملة وکأنَّ الدين لا يمسُّ المجتمع بصلة، وهذه الآفة قد تسرَّبت بشدّة في تقييم المفاهيم الأخلاقية الواردة في القرآن الکريم والأحاديث الشريفة،فقد فُسرَّت جميعها أو أکثرها تفسيراً فردياً وکأنها لا علاقة لها بالمجتمع ولا مساس لها بالأمَّة وکأن الغاية من بعث الرسل وإنزال الکتب هو إيصال الأفراد کأفرادٍ إلي الکمال المطلوب ليس إلاّ.

ومن المؤسف أنَّ هذا النوع من التفسير مع غاية بعده عن روح الإسلام صار کالبديهي عند أکثر المسلمين حتي عند علماء الإسلام، وقد ترکزت هذه الأفکار في المجتمع-من خلال هؤلاء الجهلة- ترکيزاً شديداً بحيث أصبح کلُّ من يخالفها من جملة الشاذِّين عن الدين وفي زمرة المنحرفين عن الصراط المستقيم!! وبالنتيجة من المطرودين والخارجين عن ربقة الإسلام والمسلمين.

هذا والقرآن بصريح العبارة يبيِّن السرّ في بعث الرسل بقوله:

(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الکتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) [1] .

ومن الواضح أنَّ للحديد الذي هو کناية عن القدرة دورٌ مهم وأساسي في بناء المجتمع فهو الساعد الآخر الذي يضمن تنفيذَ قوانين الدين بعد الإيمان بالله. ولم يکتف القرآن بذلک بل حرَّضَ کافة المؤمنين بالقيام بالقسط فقال:

(يا أيها الذين آمنوا کونوا قوامين بالقسط شهداء لله) [2] .

وعلي ضوئه: ينبغي أن لا ننظر إلي المفاهيم الإسلامية من منظار فردي فحسب بل لا بد أن يکون المنظار الاجتماعي هو الحاکم و هو المخيم علي التحليلات الإسلاميَّة والمفاهيم الأخلاقية.

فمثلا: التقوي ليس هو مفهوم أخلاقي فردي فحسب بل هو مفهوم اجتماعي أيضا فهناک تقوي في الإنسان کفرد و هناک تقوي أهمّ وهو التقوي بمفهومه الاجتماعي الذي يرجع إلي الأمة المؤمنة ولکلٍ منهما أثره الخاص به ولکل جزاءه المترتب عليه وثوابه المنسجم معه.

وکذلک مفهوم الإيثار و الإخلاص و الکرم و الجود و الغيرة و الشجاعة وغيرها من القيم الإنسانية الإسلامية.

نفس الحديث يتأتّي في المفاهيم اللا إنسانية و القيم اللا أخلاقية و اللا إسلامية..کالبخل و الرياء والنفاق و الخيانة والشره و الجبن وغيرها من المفاهيم.

نعم هناک بعض المفاهيم(وهي قليلة) يتغلب عليها الجانب الفردي کما أن هناک مفاهيم يتغلب عليها الجانب الاجتماعي، و لکن هذا لا يعني أن نتمسک بها کمفاهيم خاصّة فرديَّة.

والمتأمل في القرآن الکريم والأحاديث الشريفة سوف يذعن بما قلناه. ولا بأس بذکر مثال واحد فنقول:

مثلا قوله تعالي في سورة الشعراء في ثمان آيات عن لسان الأنبياء(فاتقوا الله و أطيعون) [3] وکذلک في سورة الزخرف [4] ، هو خطاب للمجتمع الذي کانوا يعيشونه، ذلک المجتمع المبتعد عن واقع الدين. وليس الخطاب متوجِّهٌ إلي الأفراد خاصَّةً.

ومن هذا المنطلق نقول لو أن القيم الأخلاقية أو المفاهيم الاعتقادية رسخت في عدد من الأفراد حق الرسوخ ولکن لم تتجسد تلک المفاهيم في الأمة الإسلامية کأمة فهل يجدي ذلک نفعا للأمة؟ وهل يرتفع الضرر عن الأمة؟ من الواضح أن ذلک لا يجلب منفعة للأمَّة کما أنه سوف لا يدفع شراً عنها بل المصيبة سوف تشمل الأفراد أيضا مهما کانوا يتحلَّون بالصلاح والخير قال تعالي:

(فلما نسُوا ما ذکّروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما کانوا يفسقون) [5] (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منکم خاصّة واعلموا أنَّ الله شديد العقاب) [6] .

وذلک حيث لا استثناء في القانون الإلهي الذي يتعلَّق بالأمَّة.

بل لو دققنا النظر وتعمقنا في الأمر لوصلنا إلي حقيقة أخري قد استترت عن الکثير وهي: أنه من الصعب أن نحکم بصلاح فرد وهو يعيش في أمة فاسدة ذلک الفرد الذي لم يوصل نفسَه إلي مستوي القيادة والإشراف علي أمَّته أو لم يهجرهم هجراً جميلاً کي يسلم من آفاتهم!!

وربما نستلهم هذا الأمر من الآتيين السابقتين:

فبالنسبة إلي الآية الأولي نلاحظ أنَّ الذين نجَوا هم الذين(ينهون عن السوء) وأمّا الذين ظلموا الذين هم الفسّاق سواء المظهر فسقه أو الساکت عن الجريمة فإنَّ الله قد أهلکهم.

وبالنسبة إلي الآية الثانية نشاهد أنَّ غير الظالمين أيضاً قد شملتهم الفتنة حيث أنَّ استسلامهم للظلم هو ظلمٌ في القاموس الإلهي.


پاورقي

[1] الحديد 25.

[2] النساء 135.

[3] الشعراء 108،110،126،131،144،150،163،179.

[4] الزخرف 63.

[5] الأعراف165.

[6] الأنفال 25.