بازگشت

مشاهدة المؤمنين بعضهم بعضاً


وفي هذا المجال أيضاً وردت أحاديث کثيرة منها ما ورد في الکافي

(عن أبي الربيع الشامي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إنَّ قائمنا إذا قام مد الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم حتي لا يکون بينهم وبين القائم بريد يکلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مکانه) [1] .

والمستفاد من هذا الحديث أنَّ القدرة التِّي تُکتسب آن ذاک ليست هي قدرةٌ ماديَّة يصل إليها الإنسان من منطلق العلم والتکنولوجيا کما يتصوَّر من ليس له إلمام بواقع الشريعة المقدَّسة و يحاول أن يفسِّرَ کلَّ شئ من منظاره المادِّي الضيِّق فيفسِّر مثل هذه الأحاديث بانتشار أجهزة التلفزيون والإنترنت وما‍‍‍‍‍ شابه ذلک‍‍!! بل الأمر فوق مستوي هذه التخيُّلات الباطلة الزائفة إنَّها قدرةٌ إلهيَّة وقوَّةٌ ربّانية تابعة من مبدأ الکون بنحو مباشر ذلک الذي إذا أراد شيئاً يقول له کنْ فيکون ولذلک نلاحظ اختصاصها بخصوص الشيعة کما ورد في الحديث لشيعتنا فهم الذين يهمُّهم هذا الأمر فيتميَّزون بهذه الصفات حيث يسمعونه عليه السلام و ينظرون إليه و هو في مکانه من غير بريدٍ ولا يفرق ذلک بين ما إذا کانوا يعيشون في حياةً مدنيَّةً يمتلکون تلک الأجهزة أو کانوا من أهل القري والبوادي لم يحضوا من الکهرباء فضلاً عن الأجهزة الکهربائيَّة، فالسبب لوصولهم إلي ذلک المستوي في السمع والبصر ليس هو إلاّ کونهم موالين لذلک الإمام روحي له الفداء والسائرين علي نهجه القويم.

وأمّا غير الشيعة فلا يصلوا إلي ذلک المقام مهما ارتفعت مستواهم المادي وکثرت إمکانيّاتهم الظاهريَّة، فإذاً هذه الحالة المميَّزة هي حالةٌ معنوية بحتة لا دخل للمادة وعوارضها في ذلک أصلاً ولم يحدث هذا الأمر إلاّ لأنَّ العالم الذي يعيشه المؤمن آن ذاک هو أعلي مستوي من عالم الدنيا الذي هبط فيه آدم وبنوه بل هو جنَّة آدم عليه السلام التي بعث جميع الأنبياء لأجل إرجاع الناس إليها.

وفي حديث آخر عن ابن مسکان قال(سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إنَّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليري أخاه الذي في المغرب وکذا الذي في المغرب يري أخاه الذي في المشرق) [2] .

و هذا الحديث أيضاً يؤکِّد أنَّ الذي سوف يکتسب تلک المواصفات إنّما هو المؤمن لا غيره من الناس و ذلک في خصوص زمان القائم عليه السلام فهو يري أخاه فهذه الرؤية إنّما هي رؤية معنوية نابعة من إيمانه من ناحية وبلوغه ذلک الزمان من ناحيةٍ أخري.

ثمَّ إنَّ الأخوَّة في ذلک الزمان ليس هي الأخوَّة النسبيَّة الناشئة من الولادة بل هل نوع خاص من الأخوَّة أشار إليها الإمام الصادق عليه السلام في قوله

(إنَّ الله تبارک وتعالي آخي بين الأرواح في الأظلَّة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام فلو قد قام قائمنا أهلِ البيت ورث الأخ الذي آخي بينهما في الأظلة و لم يورث الأخ في الولادة) (الفقيه ج4 ص352 رواية5761 باب2).

أقول: إنَّ عالم الأظلة هو عالم ما قبل انتقال الروح إلي الجسد وهو ذلک الحين الذي کان الإنسان شيئاً غير مذکور وغير معروف وهو العالم الذي يطلق عليه العرفاء بعالم ألست إشارة إلي قوله تعالي(ألست بربکم قالوا بلي) [3] تفصيل الحديث عن ذلک العالم يُطلب في محلِّه.

و في حديث أبي بصير قد ذکر الإمام عليه السلام سرَّ ما قد مرَّ فقال أبو بصير(قال أبو عبد الله عليه انه إذا تناهت الأمور إلي صاحب هذا الأمر رفع الله تبارک وتعالي له کل منخفض من الأرض وخفض له کل مرتفع حتي تکون الدنيا عنده بمنزلة راحته فأيُّکم لو کانت في راحته شعرةٌ لم يُبصرها) [4] .

فمع التأمُّل في هذا الحديث نعرفُ نقاطاً کثيرة نشير إلي بعضها، فقوله إذا تناهت الأمور يدلُّ علي أنَّ في بداية ظهوره ليس الأمر کذلک وبذلک يمکن تفسير الأحاديث التي ربَّما يُستشمُّ منها خلاف ما نحن بصدد إثباته فهي إنَّما تشير إلي ما قبل أن تستقرَّ الأمور ويُظهر الله الدين علي الدين کلِّه، وأمّا بعد ذلک فالحالة تنعکس تماماً فيرجع المجتمع الإيماني بأکمله إلي الله سبحانه وتعالي.

ثمَّ لا تخفي عليک لطافة المناسبة بين قوله عليه السلام إذا تناهت الأمور وبين قوله إلي صاحب هذا الأمر وأمّا قوله عليه السلام رفع الله يدلُّ علي أنَّ ذلک أمرٌ إلهي لا تحکمه السنن الماديَّة مضافاً إلي کلمة له في قوله عليه السلام رفع الله تبارک وتعالي له.. وأيضاً خفض له، فهي تشير إلي أنَّ ذلک يختص به عليه السلام فهو الذي يري الأرض هکذا، وألطف من ذلک کلِّه قوله عليه السلام حتي تکون الدنيا عنده فالدنيا خاصَّة لا الأرض تکون عنده وقدَّ مرَّ تفصيل الفرق بين الدنيا والأرض، کما أنَّ الدنيا لا تکون عند غيره کذلک والحاصل أنَّ هذا الحديث أيضاً يؤکِّد علي ما أثبتناه من أنَّ دولة المهدي و إن کانت في الدنيا إلاّ أنَّ الظواهر المُلکيَّة الدنيويَّة لا تأثير لها في حکومته عليه السلام.


پاورقي

[1] الکافي ج 8 ص 240 رواية 239 باب 8.

[2] بحار الأنوار ج 52 ص 391 رواية 213 باب 27.

[3] الأعراف 172.

[4] بحار الأنوار ج 52 ص 328 رواية 46 باب 27.