اهمية إحياء ذکرهم
ومن هنا نصل إلي سر التأکيد البالغ علي ذکرهم عليهم السلام و أن من ذکرهم أو ذکروا عنده فخرج من عينه ماء و لو مثل جناح البعوضة بني الله له بيتا في الجنة و قد ورد في الحديث
(ما المفيد عن ابن قولوية عن القاسم بن محمد عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن جده عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن جميل بن دراج عن معتب مولي أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لداود بن سرحان يا داود ابلغ موالي عني السلام و إني أقول رحم الله عبدا اجتمع مع آخر فتذاکر امرنا فان ثالثهما ملک يستغفر لهما و ما اجتمع اثنان علي ذکرنا إلا باهي الله تعالي بهما الملائکة فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذکر فان في اجتماعکم و مذاکرتکم أحياؤنا و خير الناس من بعدنا من ذاکر بأمرنا و دعا إلي ذکرنا)
وأنت تري بأنَّ الإمام عليه السلام يطلق الکلمة(الذکر) من غير تقييد حيث يقول(فاشتغلوا بالذکر) ومع ذلک يُطبِّقه علي ذکرهم عليهم السلام وهذا دليل علي عدم انفصال ذکرهم عن ذکر الله تعالي.
ولا يخفي أنَّ ذکرهم عليهم السلام لا يعني الحديث عن سيرتهم من تاريخ ولادتهم وشهادتهم وبيان مناقبهم فحسب، بل الأحاديث تؤکِّد علي ذکر أمرهم والأمر له الأهمية القصوي کما سنشرح عنه فيما بعد بالتفصيل ومن هذا المنطلق يطلق عليهم أولوا الأمر ويعبَّر عن بقيَّة الله الحجة بن الحسن عليه السلام ولي الأمر وإمام الأمر.
فذکرُهم عليهم السلام يعني ذکر ما سيتحقق من أمرهم ودولتهم تلک الدولة المرتقبة و هي دولة المهدي المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف.
وقد ورد في تفسير قوله تعالي وذکرهم بأيام الله(العطار عن سعد عن ابن يزيد عن محمد بن الحسن الميثمي عن مثني الحناط قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول أيام الله ثلاثة يوم يقوم القائم ويوم الکره ويوم القيامة) (بحار الأنوار ج51 ص50 رواية23 باب5).
وأيضاً قد ورد في زيارة الجامعة الکبيرة(ويردَّکم في أيّامه) وهي أيّام الله.
والحاصل:
أن فلسفة جميع العبادات تکمن في أمرٍ واحدٍ و هوا لذِکر البنَّاء الذي يجعل الإنسان منتظراً لأيّام الله و مشتاقاً إليها ومتوقِّعاً حصولها والعيش في ظلِّها ومن ثمَّ رفض کلِّ ما يُشغله عن الذکر، ولا يصح إطلاق کلمة الذکر إلاّ مع فقد تلک الحالة المعنوية التِّي لا بدَّ للإنسان من إرجاعها في ذاکرته إلي أن يأتي ذلک اليوم الذي يرجع الکل فيه إلي الله تعالي(إنّا لله وإنّا إليه راجعون) وذلک حينما يعيش الإنسان مرَّةً أخري في جنته التِّي أُخرج منها وقال عليٌّ عليه السلام بشأن تلک الجنّة(ثم اسکن سبحانه آدم داراً أرغد فيها عيشه وآمن فيها محلته وحذَّره إبليس وعداوته، فاغتره عدوُّه نفاسةً عليه بدار المُقام ومرافقةِ الأبرار فباع اليقين بشکه والعزيمةَ بوهنه واستبدل بالجدل وجلاً وبالاغترار ندما ثم بسط الله سبحانه له في توبته ولقّاه کلمة رحمتِه ووعده المردَّ إلي جنتِه فأهبطه إلي دار البليةِ وتناسل الذرِّية). [1] .
پاورقي
[1] بحار الأنوار ج 11 ص 122 رواية 56 باب 1.