الامانة الالهية
إنَّ الخلافة الإلهية تعني النيابة عنه تعالي في جميع شئونه وصفاته الجمالية والجلالية وهو أمر عظيم بل هو الأمر کما أنَّ الأوصياء هم أولوا الأمر ولعلها هي الأمانة الإلهية التيِّ يتطرق إليها سبحانه في قوله:
(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ کَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) (الأحزاب/72).
وحيث أنَّ الإنسان قد حمل تلک الأمانة فلا بدَّ إذاً من أن يُمدح ويُحمد علي ذلک لا أن يُذمّ ويُعاتب، وبالفعل قد مدحَه الله سبحانه بأنَّه کان ظلوماً جهولاً، فانظر إلي لطافة هذا التعبير وتمعَّن في محتواه فإنَّ الإنسان کان من أوّل الأمر ظلوماً بالنسبة إلي ما سوي الله سبحانه، وجهولاً بجميع الموجودات سوي بارئه تعالي، فلم يکن يطلب إلاّ الله ولم يکن يعرف إلاّ المطلق.
(من بخال لبت أي دوست کرفتار شدم)
فالخال کناية عن وحدة الذات المطلقة وهو مبدأ ومنتهي الکثرة الاعتبارية وهو الهوية الغيبية المحتجبة عن الإدراک والشعور.
هکذا فسَّر إمامُنا قدِّس سرُّه هذه الآية المبارکة وما أعظمه من تفسير!! وقال في بعض أشعاره:
(عارفان رخ تو جمله ظلوم اند وجهول....اين ظلومي وجهولي، سر وسوداي من است)
أي عرفاء وجهک کلهم ظلومون وجهولون.... هذا الظلوم والجهول من أعظم ما يختلج في خاطري. قال الإمام قدس الله روحه:
(وهاتان الصفتان(أعني الظلومية والجهوليّة) هما أحسنُ صفتين اتصف بهما الإنسان من بين سائر صفاته)
أقول: إنَّ هذا التفسير نابعٌ من ذلک الفکر العرفاني الذي يبني عليه إمامُنا سائَر أفکارِه المميَّزة والذي هو أهم أساس لرؤيتِه العرفانيَّة وأفکاره النورانيَّة بل حتّي مواقفه الثورية ضد الطغاة المستکبرين.
وهذا الأساس هو(العشق بالکمال المطلق) (الأربعون حديثا، الحديث11 ص 179 الي 187 و کتاب شرح دعاء السحر) والحديث عن هذا الموضوع ذو جوانب عديدة وشُعب کثيرة لعلِّي وُفقت لإفراد رسالة عنه إنشاء الله تعالي.
هذا:
الملائکة لم تتوفر لديها أرضيَّة الخلافة وکذا سائر الموجودات حيث أن الملائکة مظاهر جمال الله ليس إلا کما أنّ هناک موجودات کثيرة وبالأخص في جنس الحيوانات هي مظاهر الجلال الإلهي.