بازگشت

الذکر


فعند التأمُّل في التکاليف جميعها نري بأنَّ الجامع بينها هو أمرٌ واحد وهو الذکر فالذکر هو الغاية النظرية لجميع العبادات وهو الحلُّ الوحيد للإنسان الهابط ذلک الإنسان الذي افتقد حالةً معنويةً ساميةً، حيث کان يعيش في جوار ربه عيشةً يأکل من جنته حيث شاء رغداً ويتنعم بنعيمه.

فبعد هبوطه من ذلک المقام ينبغي له(علي أقلِّ التقدير) أن لا ينسي ذلک فيکون دائما في ذُکرٍ ممّا کان فيه ولا يغفل عن الله علي أيِّ حال ولا تشغله الأموال والأولاد وظواهر الدنيا عن الذکر(يا أيها الذين آمنوا لا تلهکم أموالکم و لا أولادکم عن ذکر الله و من يفعل ذلک فأولئک هم الخاسرون) [1] .

وهذا الذکر المستمر سوف يجعله دائماً يتوقع الوصول إلي ذلک المقام ويرغب فيه و ينتظره وتبَعاً لذلک سوف يجعله يشمئز وينزجر من الدنيا وزخارفها ويفکِّر في خلاص نفسه منها وهذان الجانبان هما اللذان يُشکِّلان روح جميع المناسک والعبادات. ومن هذا المنطلق صار الذکر هو أفضل من جميع العبادات حيث أنَّه هو روح العبادة!!

ويکفي في إثبات أفضليَّته أنَّ الصلاة التي هي عمود الدين وأهم العبادات لم تشرَّع إلاّ للذکر يقول سبحانه:

(إنني أنا الله لا اله إلا أنا فاعبدني و أقم الصلاة لذکري) [2] .

وقال تعالي(وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنکر ولذکر الله أکبر والله يعلم ما تصنعون) [3] .

فالنهي عن الفحشاء والمنکر ليس هو الغاية القصوي من الصلاة بل ذلک يرجع إلي ظاهر الصلاة وللصلاة روح وواقع وهو يتمثَّل في الذِکر وهو أکبر من سائر الجوانب الإيجابيَّة فيها.

والذکر لا بد وأن يصل إلي مستوي بحيث يتولَّي علي جميع حرکات الإنسان وسکناته ويسيطر علي کافة تصرفاته لا في حال أداء الصلاة فحسب بل في جميع الحالات قال تعالي:(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله و اذکروا الله کثيرا لعلکم تفلحون) [4] وقال تعالي:(فإذا قضيتم الصلاة فاذکروا الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة کانت علي المؤمنين کتابا موقوتا) [5] .. وقال تعالي:(واذکر ربک في نفسک تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تکن من الغافلين) [6] ولا يُجدي الذکر القليل المتقطع بل لا بدَّ وأن يکون کثيراً دائماً(يا أيها الذين آمنوا اذکروا الله ذکرا کثيرا) [7] .

هذا و قد بلغت أهمية الذکر عند هبوط بني آدم إلي مستوي بحيث لا يمکن العيش في الدنيا إلا به و مع الإعراض عنه سوف يبتلي الإنسان بضنک العيشِ وعمي البصيرة(ومن أعرض عن ذکري فإن له معيشة ضنکا ونحشره يوم القيامة أعمي) [8] .

والجدير بالذکر أنَّ هذه الآية وردت بعد آيات الهبوط و قد مرَّ الحديث عنها فراجع، وفي قبال هذه المعيشة هي الحالة المعنوية التِّي يشير إليها سبحانه بقوله(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذکر الله ألا بذکر الله تطمئن القلوب) [9] .


پاورقي

[1] المنافقون 9.

[2] طه 15.

[3] العنکبوت 45.

[4] الجمعة 11.

[5] النساء 104.

[6] الأعراف 206.

[7] الأحزاب 42.

[8] طه 125.

[9] الرعد 28.