بازگشت

لقاء الله في القصيدة العرفانية للإمام


ومن هنا يمکننا أن نصل إلي محتوي القصيدة العرفانية التِّي أنشدها الإمام قدّس سرُّه، تلک القصيدة التِّي أهداها إلي الأمَّة الإسلاميَّة نجله السيد أحمد رضوان الله تعالي عليه وذلک بعد وفات الإمام ونحن نحاول أن نشرح البيتَ الأوَّل والثاني منها فحسب قال إمامنا:

(من بخال لبت أي دوست کرفتار شدم جشم بيمار تورا ديدم وبيمار شدم)

يقول الإمام: أنا ابتليت بخال شفتک يا محبوب وقد شرحنا معني الخال سابقاً فراجع. [1] ونظرت إلي عينک الخمول والعين الخمولة هي التي نوصفها بالغض فهي لا تتصف بالغمض ولا بالفتح وهذه الحالة للعين تُبرِز جمال المحبوب وتضفي من جماله وإنَّما يقصد الإمام من ذلک الجذبات الإلهيَّة وأسرارها التِّي تصل إلي العاشق وتُفهمُه أنَّ معشوقه ومحبوبه مع علمه الکامل بحاله ومعرفته بعبده، مع ذلک فهو يستر علي ذنوبه ويتغاضي عن زلاّته.

(غافل از خود شدم وکوس أنا الحق بزدم همجو منصور خريدار سر دار شدم)

ثمَّ يقول الإمام قدِّس سرُّه:

إنِّي قد غفلت عن نفسي وهذه مرتبة راقية جدّاً لا يصل إليها إلاّ الأوحدي والمقصود من کلامه هو أنَّني قد انفصلت عن کلِّ شئٍ يرجع إلي شخصيتي الموهومة وتباعدت عن کلِّ أمر يمسُّ أنا والأنانيَّةُ رأس کلِّ خطيئة حيث أنَّها تبعدُ الإنسان عن الله وتغمسُه في متاهات الدنيا وآثارها الدنيَّة وزخرفها وزبرجها،فبمقدار إبتعاد الإنسان عن الجانب السفليِّ من نفسه سوف يتقرَّب إلي الجانب العلويِّ منه وهذا يعني تقرُّبه إلي الحقّ المطلق وهو الله سبحانه وتعالي، فحينئذٍ بري نفسَه مظهر تامّ من مظاهر الحق وآية من آياته جلَّ وعلا فينادي أنا الحق ولکن عندما يرجع إلي هويَّته يري أنَّ هذا النداء والصراخ لم يکن في محلِّه لأنَّه لا زال فقيراً ولا زال ناقصاً فماذا يطلب بعد ذلک؟

يقول إمامنا قدِّس سرُّه:(همجو منصور خريدار سر دار شدم) فحينئذٍ تمنِّيت الموت کما تمنَّي ذلک منصور الحلاج وکنت من المشترين الطالبين للمشنقة لأنَّه رأيت مادام أنَّني محبوس في هذا البدن المادِّي فمن المستحيل أن أصل إلي اللقاء الإلهي وأستقرَّ تحت ولايته إلاّ أن أموت(قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنکم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن کنتم صادقين) [2] .

ومن هنا نصل إلي أمر آخر وهو أنَّ العارف لا يمکنه أن يصل إلي لقاء الله الأتَّم إلاّ بعد انفصاله عن الجسم المادِّي ورجوعه إليه تعالي إمّا بالقتل في سبيل الله والوصول إلي الشهادة وإمّا بالموت المتداول حيث الانفصال من عالم الطبيعة(وفي الحديث القدسي من عشقته فقد قتلته ومن قتلته فعلي ديته ومن علي ديته فأنا ديته) [3] وعلي ضوء ذلک يمکننا أن نعرف معني الآيتين

(من کان يرجو لقاء الله فان أجل الله لآتٍ وهو السميع العليم) [4] (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربِّهم وأنَّهم إليه راجعون) [5] .

فتأمَّل فيهما وتدبَّر محتواهما لتعرف أنَّ کلام الإمام إنَّما هو نابع من القرآن الکريم. وفي قبال هؤلاء هناک من لا يرجو لقاء الله وذلک لانغماره في الدنيا التي تُبعده عن تمنِّي الموت کما قال تعالي:

(إن الذين لا يرجون لقاءنا و رضوا بالحياة الدنيا و اطمأنوا بها و الذين هم عن آياتنا غافلون) [6] .

والمهمُّ هو العمل طبقاً للشريعة المقدَّسة فهو الذي يجعل المؤمن بالفعل من مصاديق الراجين لقاء الله وقد بيَّن سبحانه ذلک في قوله تعالي:

(فمن کان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرک بعبادة ربه أحدا) [7] .


پاورقي

[1] الصفحة 9.

[2] الجمعة 6.

[3] شرح الأسماء الحسني للسبزواري ج ص وأيضاً الحديث المنقول من مجالس الشيخ عن ابن عبدون عن ابن الزبير عن ابن فضال عن فضل بن محمد الاموي عن ربعي بن عبد الله عن الفضيل بن يسار عن ابي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال الله عز و جل الصوم لي و انا أُجزي به دليل علي ذلک فجزاء الصوم إنِّما هو الله کما أکَّد علي ذلک الإمام قدس سرُّه أيضاً. راجع بحار الأنوار ج 96 ص 255 رواية 35 باب 30.

[4] العنکبوت 5.

[5] البقرة 46.

[6] يونس 7.

[7] الکهف 110.