إنَّ جميع اللذات الدنيوية إنَّما هي ترجع إلي نفس الإنسان فهي التِّي تلتذ وهي التي تبتهج ولکن حيث أنَّ النفس مسجونة في الجسم نراها بواسطة الحواس الخمسة تتعامل مع الأشياء فتنظر إلي الوردة الجميلة فتلتذ من تلک الرؤية فهي في الواقع لا تلتذ من الوردة ولا تريدها کوردة بل النفس تلتذ بالجمال وتحبُّ الجمال فلو فقدت الوردة جمالَها فلا تحبُّها أصلاً، وهکذا بالنسبة إلي کلِّ هالک وآفل،فالمطلوب إذاً هو الجمال والکمال غير المحدود وغير المؤطَّر، وهو الله سبحانه ومن هنا نشاهد النبي إبراهيم ينفي کلَّ آفل وبالأخير يصل إلي الربّ

(وکذلک نري إبراهيم ملکوت السماوات والأرض وليکون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأي کوکبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأي القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأکوننَّ من القوم الضالين فلما رأي الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أکبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشرکون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشرکين) [1] .

وللإمام في کتابه القيِّم شرح دعاء السحر بيان حول الآية نحيل القرّاء الکرام إلي مراجعة الکتاب [2] .

فالله سبحانه هو الذي يکون مطلوباً للإنسان وهو الذي يأنس به العارف لا غيره(يا من اسمه دواء وذکره شفاء) [3] .

ولا يمکن أن يسرَّ العارف إلاّ الله نفسه کما في دعاء الجوشن الکبير:

(يا سرور العارفين يا مني المحبين يا أنيس المريدين يا حبيب التوابين يا رازق المقلين يا رجاء المذنبين يا قره عين العابدين) [4] (يا سرور الأرواح و يا منتهي غاية الأفراح) [5] .

وعلي ضوء ذلک يمکننا معرفة الأحاديث الکثيرة التِّي تؤکِّد علي عبادة الأحرار التي تنبع عن الحبِّ والعشق بالله:

(الطالقاني عن عمر بن يوسف بن سليمان عن القاسم بن إبراهيم الرقي عن محمد بن احمد بن مهدي الرقي عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن انس قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: بکي شعيب عليه السلام من حب الله عز و جل حتي عمي فرد الله عز و جل عليه بصره ثم بکي حتي عمي فرد الله عليه بصره ثم بکي حتي عمي فرد الله عليه بصره فلما کانت الرابعة أوحي الله إليه يا شعيب إلي متي يکون هذا أبدا منک إن يکن هذا خوفا من النار فقد آجرتک و إن يکن شوقا إلي الجنَّة فقد أبحتک فقال إلهي وسيدي أنت تعلم إني ما بکيت خوفا من نارک و لا شوقا إلي جنتک و لکن عقد حبک علي قلبي فلست أصبر أو أراک فأوحي الله جل جلاله إليه أما إذا کان هذا هکذا فمن أجل هذا سأخدمک کليمي موسي بن عمران) (بحار الأنوار ج12 ص380 رواية1 باب11).

(وقال أمير المؤمنين و سيد الموحدين صلوات الله عليه ما عبدتک خوفا من نارک و لا طمعا في جنتک لکن وجدتک أهلا للعبادة فعبدتک) [6] .

وفي قبال لذَّة الوصال هناک نار الفراق الذي لا يمکن تصوُّر شدته ذکره أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء الکميل.

قال الإمام قدِّس سرُّه(إنَّ دعاء الکميل دعاء عجيب للغاية، بعض فقراته لا يمکن أن تصدر من البشر العادي(إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت علي عذابک فکيف أصبر علي فراقک) فمن يمکنه أن يقول هذا الکلام؟ من يمتلک هذا العشق للجمال الإلهي بحيث لا يخاف من النار، لکنَّه يخاف أنَّه إذا دخل النار ينزل من مقامه ويصل إلي مرتبة يُحرم من عشقه؟ إنَّه يصرخ من فراق ذلک العشق بالله المجمر في قلبه الذي لا يعمل عملاً إلا من منطلق ذلک العشق) [7] .

وقال في کلمة أخري:

(إنَّ نار جهنَّم مضافاً إلي أنَّها تُحرق الجسم تُحرق القلب(القلب المعنوي)أيضاً فهي تدخل القلب، مع ذلک يقول أمير المؤمنين عليه السلام(فهبني صبرت علي عذابک..)!) [8] .