بازگشت

علل الشرائع و الأحکام


وعلي هذا الأساس نتمکَّن من معرفة الفلسفة العملية للأحکام والتکاليف المتنوِّعة فکُلُّ الأحکام والتکاليف ترجع إلي ما حدث في تلک الجنَّة(أعني جنَّة آدم)، تلک الحوادث التِّي أدَّت إلي خروج آدم منها ومن ثمَّ ابتلائه بعالم الکثرة کما مرَّ، کما أنَّ العمل بتلک التکاليف هي التِّي تضمن رجوع الإنسان إلي جوار ربِّه.

وقد اعتمد الإمام قدّس سرّه علي هذا الأمر اعتماداً أساسياً وتحدَّث عنه في کتبه المختلفة قال إمامنا قدِّس سرُّه في کتاب الآداب المعنوية للصلاة بعد أن نقل الحديث التالي:

(عن معاوية بن عمار عن الحسن بن عبد الله عن أبيه عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال جاء نفر من اليهود إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فقال يا محمد أنت الذي تزعم انک رسول الله وإنک الذي يوحي إليک کما أوحي إلي موسي بن عمران فسکت النبي صلي الله عليه وآله وسلم ساعة ثم قال صدقت يا محمد فأخبرني لأي شئ توضأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لما أن وسوس الشيطان إلي آدم ودنا آدم من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ثم قام وهو أول قدم مشت إلي الخطيئة ثم تناول بيده ثم مسها فأکل منها فطار الحلي والحلل عن جسده ثم وضع يده علي أم رأسه وبکي فلما تاب الله عز وجل عليه فرض الله عز وجل عليه وعلي ذريته الوضوء علي هذه الجوارح الأربع وأمره أن يغسل الوجه لما نظر إلي الشجرة وأمره بغسل الساعدين إلي المرفقين لما تناول منها وأمره بمسح الرأس لما وضع يده علي رأسه وأمره بمسح القدمين لما مشي إلي الخطيئة) [1] .

(عن معاوية بن عمار عن الحسن بن عبد الله عن آبائه عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال جاء نفر من اليهود إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فسأله أعلمهم عن مسائل فکان فيما سأله أن قال لأي شئ فرض الله عز وجل الصوم علي أمتک بالنهار ثلاثين يوما وفرض علي الأمم السالفة اکثر من ذلک فقال النبي صلي الله عليه وآله أن آدم لما أکل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله علي ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش والذي يأکلونه تفضل من الله عز وجل عليهم.. قال اليهودي صدقت يا محمد) [2] .

قال الإمام قدس سرُّه:

فمن هذه الأحاديث لأهل الإشارات و أصحاب القلوب استفادات منها إن خطيئة آدم عليه السلام مع أنها ما کانت من قبيل خطايا غيره بل لعلها کانت خطيئة طبيعية أو أنها کانت خطيئة التوجه إلي الکثرة التي هي شجرة الطبيعة أو کانت خطيئة التوجه إلي الکثرة الأسمائية، بعد جاذبة الفناء الذاتي ولکنها ما کانت متوقعة من مثل آدم عليه السلام الذي کان صفيّ الله والمخصوص بالقرب والفناء الذاتي ولهذا أعلن الذات المقدسة وأذاع بمقتضي الغيرة الحبِّية عصيانَه وغوايته في جميع العوالم وعلي لسان الأنبياء عليهم السلام، وقال تعالي: وعصي آدم ربه فغوي.

ومع ذلک، لابد من التطهير والتنبيه بهذه المثابة له ولذريته التي کانت مستکنة في صلبه ومشترکة في خطيئته بل اشترکوا في الخطيئة بعد الخروج من صلبه أيضا فکما أن لخطيئة آدم وأبنائه مراتب ومظاهر فأول مرتبتها التوجه إلي الکثرات الاسمائية و آخر مظهرها الأکل من الشجرة المنهية التي صورتها الملکوتية شجرة فيها أنواع الثمار والفواکه وصورتها الملکية هي الطبيعة و شؤونها، و إن حب الدنيا و النفس اللذين هما موجودين باستمرار في الذرية لمن شؤون هذا الميل إلي الشجرة والأکل منها کذلک لتطهيرهم وتنزيههم و طهارتهم و صلاتهم و صيامهم للخروج من خطيئة الأب الذي کان هو الأصل أيضا مراتب کثيرة مطابقة لمراتب الخطيئة. وقد علم من هذا البيان إن جميع أنواع المعاصي القالبية لابن آدم هي من شؤون أکل الشجرة، و تطهيرها علي نحو خاص: وإن جميع أنواع المعاصي القلبية لهم أيضا من شؤون تلک الشجرة و تطهيرها بطور آخر. [3] .

وفي موضعٍ آخر نقل الحديث التالي:

(قال اليهودي صدقت يا محمد فأخبرني عن الخامسة لأي شئ أمر الله بالاغتسال من الجنابة و لم يأمر من البول و الغائط قال رسول الله صلي الله عليه وآله إن آدم لما أکل من الشجرة دب ذلک في عروقه و شعره و بشره فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من کل عرق وشعره فأوجب الله علي ذريته الاغتسال من الجنابة إلي يوم القيامة)

ثمّ قال:

وظاهر هذه الأحاديث و إن کان عند أهل الظاهر هو أن النطفة لما کانت تخرج من جميع البدن فوجب غسل جميعه. و هذا مطابق لرأي جمع من الأطباء و الحکماء الطبيعيين ولکن تعليله عليه السلام بأکل الشجرة کما في الحديث الأول ونسبة الجنابة إلي النفس کما في الحديث الثاني يفتح طريقا إلي المعارف لأهل المعرفة والإشارة لان قضية الشجرة وأکل آدم منها من أسرار علوم القرآن وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، وکثير من المعارف مرموز فيها، ولذا جعلوا عليهم السلام في الأحاديث الشريفة قضية آدم، و الأکل من الشجرة علة لتشريع کثير من العبادات ومن جملتها باب الوضوء والصلاة والغسل وصوم شهر رمضان وکونه ثلاثين يوما وکثير من مناسک الحج، وفي نيتي منذ سنين أن أفرد رسالة في هذا الباب ولکن الانشغالات الأخر منعتني عن ذلک، وأسأل الله تعالي التوفيق والسعادة لذلک.

أقول: إنَّ الشجرة هي الأساس في التکاليف إلاّ أنَّ هناک کثير منها يرتبط بما حدث بعد الأکل أو حين الأکل فهناک أحاديث کثيرة تبيِّن أسرار العبادات تُربط هذه العبادات بتلک الحوادث فقد وردت في أسرار الحج أيضا أحاديث کثيرة تدلُّ علي ذلک نذکر واحدة منها:

(عن عبد الله ابن سنان قال بينا نحن في الطواف إذ مر رجل من آل عمر فأخذ بيده رجل فاستلم الحجر فانتهره واغلظ له وقال له بطل حجک إن الذي تستلمه حجر لا يضر ولا ينفع فقلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداک أما سمعت قول العمري لهذا الذي استلم الحجر فأصابه ما أصابه فقال وما الذي قال قلت له قال يا عبد الله بطل حجک إنما هو حجر لا يضر ولا ينفع فقال أبو عبد الله عليه السلام کذب ثم کذب ثم کذب أن للحجر لسانا ذلقا يوم القيامة يشهد لمن وافاه بالموافاة ثم قال إن الله تبارک وتعالي لما خلق السماوات والأرض خلق بحرين بحرا عذبا وبحرا أجاجا فخلق تربه آدم من البحر العذب وشن عليها من البحر الأجاج ثم جبل آدم فعرک عرک الأديم فترکه ما شاء الله فلما أراد أن ينفخ فيه الروح أقامه شبحا فقبض قبضه من کتفه الأيمن فخرجوا کالذر فقال هؤلاء إلي الجنَّة وقبض قبضه من کتفه الأيسر وقال هؤلاء إلي النار فأنطق الله عز وجل أصحاب اليمين وأصحاب اليسار فقال أهل اليسار يا رب لما خلقت لنا النار ولم تبين لنا ولم تبعث إلينا رسولا فقال الله عز وجل لهم ذلک لعلمي بما أنتم صائرون إليه وإني سأبتليکم فأمر الله عز وجل النار فأسعرت ثم قال لهم تقحموا جميعا في النار فإني اجعلها عليکم بردا وسلاما فقالوا يا رب إنما سألناک لأي شئ جعلتها لنا هربا منها ولو أمرت أصحاب اليمين ما دخلوا فأمر الله عز و جل النار فأسعرت ثم قال لأصحاب اليمين تقحموا جميعا في النار فتقحموا جميعا فکانت عليهم بردا وسلاما فقال لهم ألست بربکم قال أصحاب اليمين بلي طوعاً وقال أصحاب الشمال بلي کرهاً فأخذ منهم جميعا ميثاقهم وأشهدهم علي أنفسهم قال وکان الحجر في الجنَّة فأخرجه الله عز وجل فالتقم الميثاق من الخلق کلهم فذلک قوله عز وجل وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وکرها وإليه ترجعون فلما أسکن الله عز وجل آدم الجنَّة وعصي أهبط الله عز وجل الحجر وجعله في رکن بيته وأهبط آدم عليه السلام علي الصفا فمکث ما شاء الله ثم رآه في البيت فعرفه وعرف ميثاقه وذکره فجاء إليه مسرعا فأکب عليه وبکي عليه أربعين صباحا تائبا من خطيئة ونادما علي نقضه ميثاقه قال فمن أجل ذلک أمرتم أن تقولوا إذا استلمتم الحجر أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة يوم القيامة..) (البحار ج5 ص245 رواية35 باب10)

وقد ورد في خصوص فلسفة الطواف حول البيت حديثٌ يُربط هذا التکليف بموضوع خلق آدم إليک نصُّه:

(في علل ابن سنان عن الرضا عليه السلام عله الطواف بالبيت أن الله تبارک وتعالي قال للملائکة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها ويسفک الدماء فردوا علي الله تبارک وتعالي هذا الجواب فعلموا أنهم أذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله عز وجل أن يتعبد بمثل ذلک العباد فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش فسمي الضراح ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمي المعمور بحذاء الضراح ثم وضع البيت بحذاء البيت المعمور ثم أمر آدم عليه السلام فطاف به فتاب الله عليه وجري ذلک في ولده إلي يوم القيامة) [4] .

واللطيف ما ورد في سهم الميراث وأنَّ للذکر مثل حظ الأنثيين:

(عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي عليه السلام...وسأله لم صار الميراث للذکر مثل حظ الأنثيين فقال من قبل السنبلة کان عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حواء فأکلت منها حبه و أطعمت آدم حبتين فمن اجل ذلک ورث الذکر مثل حظ الانثيين) [5] .

(علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن يزيد عن علي بن أبي حمزه عن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله عز وجل لما أهبط آدم عليه السلام أمره بالحرث والزرع وطرح إليه غرسا من غروس الجنَّة فأعطاه النخل والعنب والزيتون والرمان فغرسها ليکون لعقبه وذريته فأکل هو من ثمارها فقال له إبليس لعنه الله يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أکن أعرفه في الأرض وقد کنت فيها قبلک ائذن لي آکل منها شيئا فأبي آدم عليه السلام أن يدعه فجاء إبليس عند آخر عمر آدم عليه السلام وقال لحواء انه قد أجهدني الجوع والعطش فقالت له حواء فما الذي تريد قال أريد أن تذيقيني من هذه الثمار فقالت حواء إن آدم عليه السلام عهد إلي أن لا أطعمک شيئا من هذا الغرس لأنَّه من الجنَّة ولا ينبغي لک أن تأکل منه شيئا فقال لها فاعصري في کفي شيئا منه فأبت عليه فقال ذريني أمصه ولا آکله فأخذت عنقودا من عنب فأعطته فمصه ولم يأکل منه لما کانت حواء قد أکدت عليه فلما ذهب يعض عليه جذبته حواء من فيه فأوحي الله تبارک وتعالي إلي آدم عليه السلام أن العنب قد مصه عدوي وعدوک إبليس وقد حرمت عليک من عصيره الخمر ما خالطه نفس إبليس فحرمت الخمر لأن عدو الله إبليس مکر بحواء حتي مص العنب ولو أکلها لحرمت الکرمة من أولها إلي آخرها وجميع ثمرها وما يخرج منها ثم إنه قال لحواء فلو أمصصتني شيئا من هذا التمر کما أمصصتني من العنب فأعطته تمره فمصها وکانت العنب والتمرة أشد رائحة وأزکي من المسک الأذفر وأحلي من العسل فلما مصهما عدو الله إبليس لعنه الله ذهبت رائحتهما وانتقصت حلاوتهما قال أبو عبد الله عليه السلام ثم إن إبليس لعنه الله ذهب بعد وفاه آدم عليه السلام فبال في أصل الکرمة والنخلة فجري الماء علي عروقهما من بول عدو الله فمن ثم يختمر العنب والتمر فحرم الله عز وجل علي ذريه آدم عليه السلام کل مسکر لأن الماء جري ببول عدو الله في النخلة والعنب وصار کل مختمر خمرا لأن الماء اختمر في النخلة والکرمة من رائحة بول عدو الله إبليس لعنه الله) (الکافي ج6 ص393 رواية2).

هذا:


پاورقي

[1] بحار الأنوار ج 9 ص 294 رواية 5 باب 2.

[2] بحار الأنوار96 ص 368 رواية 49 باب 46.

[3] الآداب المعنوية للصلاة136-138.

[4] بحار الأنوار ج 99 ص 33 رواية 10 باب 4.

[5] بحار الأنوار ج 10 ص 75 رواية 1 باب 5.