بازگشت

قبول توبة آدم لا ينافي هبوطه


قال تعالي:

(ثم اجتباه ربُّه فتاب عليه وهدي قال اهبطا منها جميعاً بعضُکم لبعض عدوٌّ فإمّا يأتينکم مني هديً فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي ومن أعرضَ عن ذِکري فإن له معيشةً ضنکا ونحشُره يوم القيامة أعمي قال ربِّ لم حشرتني أعمي وقد کنت بصيرا قال کذلک أتتک آياتنا فنسِيتها وکذلک اليومَ تُنسي) [1] .

الآيات تدلُّ علي أنَّ الله سبحانه اجتبي آدم فتاب عليه وهذا لا ينافي بقائه خارج الجنَّة لأنَّ قبول التوبة شيء والرجوع إلي الجنَّة شيء آخر ولتوضيح ذلک نذکر مثالاً فنقول:

لو أنَّ رجلاًَ کان يسکن مع أبيه في البيت من دون أن يدفع مبلغاً مقابل سکناه بل يتمتَّع بجميع ما في بيت أبيه من غير مقابل ثمَّ إنَّه وبسوء تصرُّفه نازع أباه وتشاجر معه وجرّاء ذلک طرده أبوه من البيت وحرمه من جميع تلک التسهيلات التي کان يتنعَّم بها فاضطرَّ إلي العيش في مکان ضيِّق وذلک مقابل إيجار وتحمُّل المشاق والصعوبات فابتلي بمصيبتين:

1-الحرمان من أبيه کمصدر للعاطفة والحنان(وهو أمرٌ معنوي بحت).

2-الخسارة المالية التي يتحمَّلها اثر إخراجه من البيت(وهو أمر مادِّي).

فلو فرض أنَّه اعتذر من أبيه، وطلب منه قبولَ عذره وأصرَّ علي ذلک وبالفعل اکتسب رضاه، فهذا لا يعني أنَّه سوف يرجعه إلي البيت مرَّةً ثانية حيث لا تلازم بينهما بل الخير والمصلحة في بقائه خارج البيت لعلَّه يَعتبر فيسعي لإرجاع نفسه إلي ما کان فيه مرَّةً أخري.

فإذاً قبول عذره قد حلَّ مشکلةً واحدةً من مشاکله أعني المشکلة المعنوية وهي الأهمّ ولکن تبقي المشکلة الثانية ولکن المشکلة الأولي باقية علي ما کانت، وحلُّها الحاسم يتطلَّب السعي والجدّ في کسب الرضا القلبي للأب مضافاً إلي جبر ما حدث کي لا يبقي شيء من الخجل أصلاً.

ولو فُرض أنَّ الأب أرجعه إلي بيته مباشرةً فلا جدوي في ذلک حيث لا رغد في هذا العيش بعد ما حدث من التقصير.

ومن هنا صار الأصلح(بعد الخروج) البقاء خارج البيت والسعي للوصول إليه مرَّةً ثانية ولکن بالسعي المتواصل.

وعلي ضوء المثال الذي بيَّناه نقول:

بعد أن أکل آدم من الشجرة حدثت له مشکلتان:

1- ابتعد عن رحمة ربِّه.

2- ابتلي بالهبوط وعاش في عالم الدنيا الذي ليس هو إلاّ متاع.

فبعد أن رجع إلي ربِّه وتاب وقبلت توبته اقترب إلي ربِّه مرَّةً ثانية وعاش في ظل رحمته ولکن هذا لا يعني أنَّه رجع إلي ما کان فيه بل لم يکن الرجوع حينئذٍ يُجديه بعد اللتيا والتي حيث الخجل من ربِّه العطوف في حقِّه فکان الحلُّ الوحيد للرجوع إلي جنته هو أداء تکاليفه(والخير فيما حدث) لا(الخير في حدوثه). فمادام حدث ما حدث فلا بدَّ من حلٍّ!! فيا تري ما هو الحل؟ هذا ما سنبيِّنه فيما بعد.

ولأنَّ إبليس نجح في إغوائه لآدم عليه السلام واستطاع أن يخرجه من الجنَّة ويورِّطه في عالم الکثرة والاختلاف صار الدنيا متاعاً للإنسان ووسيلةً لرُقيِّه أو انحطاطه فهو:


پاورقي

[1] طه 122-126.