بازگشت

فماذا حصل بعد الأکل؟


الذي حصل ليس هو إلاّ الهبوط من الحالة الروحانيَّة النورانيَّة إلي الحالة الجسمانية الظلمانيَّة.

وقد ذکر الله ذلک من خلال لازمه حيث قال:

(فبدت لهما سوآتهما)

وهذا إن دلَّ علي شيءٍ فإنَّما يدلُّ علي تغيير حالتهما ليس إلاّ والشاهد علي ذلک قوله تعالي

(وطفقا يخصفان عليهما من ورقِ الجنة)

فلا يَزالا يعيشان في الجنَّة وهما خارجان منها وذلک لأنَّهم کانا يحتاجان لستر عورتهما إلي ورقها وهذا معني الهبوط الذي يلازمه الشقاء والتعب وقد شرحناه سابقاً وسنُبيِّنه في مطاو کلامنا والدليل علي ذلک قوله تعالي:

(فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما کانا فيه و قلنا اهبطوا بعضکم لبعض عدو و لکم في الأرض مستقر و متاع إلي حين) [1] .

تأمَّل في قوله تعالي:

(فأخرجهُما ممّا کانا فيه)

فکلمة ما تُشير إلي الحالة التِّي کانا فيها وتبيِّن الصفة التِّي کانا مُتصفين بها لأنَّ الضمير في عنها يرجع إلي الجنَّة فهما قد أُزِّلا عن الجنَّة وجرّاء الإزلال و الانزلاق عن الجنَّة حصلت حالة أخري وهي أنَّهما أخرجا ممّا کانا فيه أي من تلک النورانية التي کانا فيها(هذا ما يستفاد من الفاء في قوله تعالي فأخرجهما).

وقد ذکر القرآن الکريم هبوط آدم في مواضع ثلاثة:

الأوَّل: بتثنية الفعل:

(قال اهبطا منها جميعا بعضکم لبعض عدو فإما يأتينکم مني هدي فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي) [2] .

الثاني: بجمع الفعل:

ألف:(فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما کانا فيه وقلنا اهبطوا بعضکم لبعض عدو ولکم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين) [3] .

ب:(قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينکم مني هدي فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون) [4] .

ج:(قال اهبطوا بعضکم لبعض عدو ولکم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين) [5] .

ونفس الحالة ولکن بمستوي آخر قد حدثت فيما بعد لبني إسرائيل حيث لن يصبروا علي طعام واحد:

(وإذ قلتم يا موسي لن نصبر علي طعام واحد)

وکانوا يطلبون من موسي أن يدعوَ الله أن يُخرج لهم الأطعمة المتنوِّعة

(فادع لنا ربک يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها)

وهذه الأطعمة المستخرجة من الأرض هي أطعمة الدنيا ومن هذا المنطلق صارت هي الأدني

(قال أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير)

ولابدَّ من الهبوط عن تلک الحالة الخاصَّة المعنويَّة لمثل هذا الإنسان الحريص علي الدنيا:

(اهبطوا مصرا فإن لکم ما سألتم)

وبطبيعة الحال لم يکن موسي عليه السلام يرغبُ لبني إسرائيل هذا الهبوط الذي يؤدِّي إلي الذلة:

(وضربت عليهم الذلة والمسکنة وباءوا بغضب من الله) [6] .


پاورقي

[1] البقرة 36.

[2] طه 123.

[3] البقرة 36.

[4] البقرة 38.

[5] الأعراف 24.

[6] البقرة 57-61.