الوسوسة
الشيطان بعد أن طُرد من رحمة الله وقربه وشمله اللعن الإلهي صار عدوّاً بيِّناً للإنسان کما صرَّح بذلک القرآن الکريم في مواضعَ ثمانية بأنَّ الشيطان للإنسان عدوّاً مبينا وبخصوص إبليس قال تعالي مخاطباً لآدم:
(يا آدم إن هذا عدوّ لک و لزوجک فلا يُخرجنکما من الجنَّة فتشقي) [1] .
أقول: أمّا عداوة إبليس لآدم فذلک واضح، کيف وهو الذي أبي وأستکبر ولم يُطع الله فيما أمره من السجود و لهذا فقد لعنه الله سبحانه وأبعده عن رحمته ومن الطبيعي أنَّ من يبتعد عن الخير المطلق سوف ينغمر في الشرّ المطلق.
والظاهر أنَّ الخطاب هنا خاص لآدم ويتعلق بخصوص إبليس وذلک لمکان قوله تعالي إنَّ هذا.
ثمَّ إنَّ التصريح بزوج آدم في الآية المبارکة وتکرار حرف الجرّ أعني اللام في ولزوجک ربما يستهدف أمرين:
1- الإهتمام البالغ بالمسألة وعدم التهاون بها حيث أنَّ العداوة تشمل الزوجة أيضاً ومن الطبيعي أنَّ آدم کان متعلقاً بزوجته ومستأنساً بها.
2- التنبيه المسبق لآدم عمّا سيحدث و هو أنَّ زوجتَه هي التِّي سوف تدعوه إلي الأکل من تلک الشجرة.
ولکنْ:
مع ذلک استطاع أن يُغوي آدم وذلک من خلال الوسوسة إليه(فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلک علي شجرة الخلد وملک لا يبلي) [2] .
والوسواس هو صوت الحلي والهمس الخفي ويستعين به الشيطان دائماً لإغواء الناس حيث يوسوس في صدورهم فلا بدَّ من الالتجاء و الاستعاذة بربِّ الناس لأجل النجاة من شرِّه کما قال تعالي:
(قل أعوذ برب الناس ملک الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) [3] .
ومن الواضح أنَّ الإنسان لا يمکنه أن يعرف ربَّه إلاّ أن يعرف نفسَه مُسبقاً وبمعرفة النفس يمکنه أن ينجو من شرّ وساوس الشيطان فتأمَّل تعرف. ومن هنا نعرف السرّ في أهميَّة ذکر الله عندما يبتلي الإنسان بالشيطان لأنَّ الشيطان خنّاس فعند ذکر الله يفرّ وعند الغفلة يرجع ومن هنا سمِّيَ خنّاساً.(والمقصود الذي يخنس أي ينقبض إذا ذکر الله تعالي) وقوله تعالي:
(فلا أقسم بالخنس)
أي الکواکب التي تخنس بالنهار، والإنسان يمکنه أن يتخلص من الشيطان بمجرد أن يذکر الله:
(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذکروا فإذا هم مبصرون) [4] .
فعلي الرغم من أنَّ الله سبحانه قد حذَّر آدم من التقرُّب إلي تلک الشجرة إلاّ أن الشيطان قد استغل أسلوبه الخطير الذي هو التسويل والتزيين
(قال يا آدم هل أدلک علي شجرة الخلد وملک لا يبلي) [5] .
لأنَّ آدم عليه السلام کان يرغب في الخلود و البقاء في الجنَّة وشجرةُ الخلد تعني أنَّه سوف يُرسِّخ من خلالها جذوره في الجنَّة ومن ثمَّ سوف يصل إلي مُلکٍ لا يزول أصلاً.
ولکن کان هدف الشيطان أن يُزيل آدم وزوجته من تلک الحالة النورانيَّة التِّي شرحناها سابقاً حيث لم يکن يحتاج إلي اللباس ولم يکن يجوع حيث أنَّه لم يکن يطلق عليه الجسم بالمعني الفعلي حتَّي يحتاج إلي الغذاء الجسماني نعم کان يتنعَّم بالأغذية الروحانية والمعنوية کما ورد في شأن رسول الله صلي الله عليه و آله وسلَّم:
(إن الملائکة طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس)
ومن هنا نشاهد أنَّ الوصال في الصوم کان مباحا للنبي صلي الله عليه وآله وحرام علي أمته ومعناه أنه يطوي الليل بلا أکل وشرب مع صيام النهار لا أن يکون صائما لأن الصوم في الليل لا ينعقد بل إذا دخل الليل صار الصائم مفطرا إجماعا فلما نهي النبي صلي الله عليه وآله وسلَّم أمته عن الوصال قيل له انک تواصل فقال:
(إني لست کأحدکم إنِّي أظل عند ربي يطعمني و يسقيني) [6] (وقد قال صلي الله عليه وآله أن عيني تنامان ولا ينام قلبي) [7] (العطار عن أبيه عن الاشعري عن الجاموراني عن منصور بن العباس عن عمرو بن سعيد عن الحسن بن صدقه قال قال أبو الحسن الأول عليه السلام قيلوا فان الله يُطعم الصائم و يسقيه في منامه) [8] .
وإذا نجح في هذه المرحلة فسوف يمکنه أن يغويهما بسهولة في المراحل الأخري:
(فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وُرِي عنهما من سوآتهما وقال ما نهاکما ربکما عن هذه الشجرة إلا أن تکونا ملکين أو تکونا من الخالدين وقاسمهما إني لکما لمن الناصحين فدلَّهما بغرور) [9] .
والظاهر أنَّ آدم کان معجباً بالملائکة حيث استغلَّ الشيطان هذا الإعجاب فقال إلا أن تکونا ملکين ولو کان آدم عارفاً نفسَه حقَّ المعرفة لکان من اللازم أن لا ينخدع بمثل هذا الکلام ومن المفروض أن يَردَّ علي الشيطان بأنَّه أفضل من الملک! ولکنَّه لم يکن يعرف السرّ الکامن فيه والهدف الذي خلق لأجله حقَّ المعرفة کما شرحنا سابقاً ومن هنا نراه قد اقتنع بکلام الشيطان خصوصاً عندما استعان بالقسم الکاذب وأنَّه بالفعل من الناصحين!
فماذا حدث؟ يقول سبحانه:
(فأکلا منها فبدَت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورقِ الجنة وعصي آدم ربَّه فغوي). [10] .
پاورقي
[1] طه 117.
[2] طه120.
[3] الناس 1-6.
[4] الأعراف 199.
[5] طه120.
[6] بحار الأنوار ج 16 ص 389 رواية 96 باب 11.
[7] بحار الأنوار ج 67 ص 253 رواية 88 باب 12.
[8] بحار الأنوار ج 96 ص 290 رواية 8 باب 36.
[9] الأعراف 20-21.
[10] طه 121.