بازگشت

ابليس يبرر موقفَه


من خصوصيات العبد المؤمن أن يُسلِّم جميع أموره إلي مولاه ويعلم أنَّه لا يملک لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فهو الفقير بالذات کما أنَّ ربَّه هو الغني بالذات فالتساؤل والتردُّد في قبال أوامره تعالي دليل علي عدم الإيمان به فکيف بالوقوف ومحاولة تبرير الموقف وتوجيه الجريمة وذلک بالقياس الباطل، وهذا ما صدر من إبليس وعلَّم أولياءه حيث اعتمدوا علي نفس الأسلوب فانظر إلي طريقة توجيه إبليس ومستوي جهله بل تجاهله

(قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) [1] (قال يا إبليس مالک ألا تکون مع الساجدين- قال لم أکن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون، قال فاخرج منها فإنک رجيم) [2] .

وإطلاق کلمة بشر يدلُّ علي أنَّ إبليس تغافل عن الجانب الإنساني والنوراني فيه وقايس ما خُلق به هو النار ما خلق به آدم الطين ومن الطبيعي أنَّ هذا النمط من القياس ليس صحيحاً من جهات شتَّي:

منها: ما ورد الإشارة إليها سابقاً من أنَّ اللازم علي العبد تسليم جميع أموره إلي مولاه لا ينحرف عنه قيد أنملة لأنَّ دينَ الله لا يُصاب بالعقول وقد وردت أحاديث کثيرة في ذلک نکتفي بحديثين منها:

(ابن عصام عن الکليني عن القاسم بن العلاء عن إسماعيل بن علي عن ابن حميد عن ابن قيس عن الثمالي قال قال علي بن الحسين عليه السلام عليه السلام: إن دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة و الآراء الباطلة و المقاييس الفاسدة و لا يصاب إلا بالتسليم فمن سلم لنا سلم و من اهتدي بنا هدي ومن دان بالقياس و الرأي هلک..) [3] .

ومن المعلوم أنَّ الدين لا يُراد منه العبادات والمعاملات فحسب بل يشمل جميع القضايا التِّي تمسُّ الدين فليس للعقول طريق للوصول إلي کنهها ومحتواها، والدليل عليه الحديث التالي:

(محمد بن الحسن القطان عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي زرعه عن هشام بن عمار عن محمد بن عبد الله القرشي عن ابن شبرمه قال: دخلت أنا وأبو حنيفه علي جعفر بن محمد عليه السلام فقال لأبي حنيفة اتق الله ولا تقس الدين برأيک فان أول من قاس إبليس أمره الله عز وجل بالسجود لآدم فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ثم قال أتحسن أن تقيس رأسک من بدنک قال لا قال جعفر عليه السلام: فأخبرني لأي شئ جعل الله الملوحة في العينين والمرارة في الأذنين والماء المنتن في المنخرين والعذوبة في الشفتين قال لا أدري..الخ الحديث) [4] .

ونفس الحديث بتفصيل آخر وأمثلة أخري نقله صاحب کتاب دعائم الإسلام فراجع [5] .

ولا يخفي علي القارئ الکريم أنّنا لا نريد القول ببطلان الاستنتاج العقلي بنحو مطلق حتّي ما اعتمد عليه علماء الأصول من الحسن والقبح العقليَين فإنَّ ذلک بابٌ آخر لا مجالَ للحديث عنه هنا فراجع مظانّه.

منها: أنَّ الله سبحانه يمکنه أن يخلق الأشياء لا من شيء أصلاً فالطين والنار ليس لهما دور في مستوي المخلوق منهما ولا علاقة کبيرة بين المخلوق والمخلوق منه، نعم هناک آثار خاصَّة لخصوص جسم کلٍّ منهما، ومن هنا نشاهد سرعة انتقال الجنّ ودخولهم وخروجهم وحرکتهم بحيث لا يمکن رؤيتهم بسهولة، حتي أنَّه تعالي في معجزة العصي شبَّه سرعة العصي واهتزازها بالجان:

(وألق عصاک فلما رآها تهتز کأنها جان..) [6] .

لو قلنا أنَّ الآية تعني الجن.

کلُّ ذلک لأنَّ الجن قد خُلق من النار والنار سريع الانتقال دون الإنسان الذي خُلق من الطين، ولکن ليست هذه فضيلة في الجنّ مادام أنَّه لا يملک ما يملکه الإنس، ومن هنا نشاهد أنَّ الإنسان لو أراد أن يستغلَّ روحانيته ونورانيته استغلالاً صحيحاً لتمکَّن من الوصول إلي مستويات من الرقي والعلوّ والنورانيَّة ما لا يخطر ذلک لدي الملائکة المخلوقين من النور ناهيک عن الجنّ ولهذا نشاهد وصول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلَّم في عروجه إلي مرحلةٍ بحيث

(قال جبرئيل تقدَّم يا رسول الله ليس لي أن أجوز هذا المکان و لو دنوت أنملة لاحترقت) [7] .

يقول سبحانه وتعالي عنه:

(ثمَّ دني فتدلَّي فکان قاب قوسين أو أدني). [8] .

وقد وردت الأحاديث الکثيرة التِّي تُفضِّل الإنسان المؤمن علي الملائکة وأنَّ:

(الملائکة خدام المؤمنين) [9] (وإن الملائکة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضيً به) [10] (وإذا مات المؤمن بکت عليه الملائکة) [11] .

منها: أنَّه ما الدليل علي أفضليَّة النار علي الطين بل ربَّما تکون القضيَّة بالعکس کما ثبت علمياً أهميَّة الطين من نواحٍ مختلفة والجدير بالذکر أنَّه لولا الطين لما أمکن للخبراء أن يُسيطروا علي آبار النفط حين حفرها!! فتأمَّل في نتائج ذلک.

ثمَّ إنَّ هناک آيةً تدلّ علي مستوي عداوة إبليس لآدم وذريتَه:

(قال أ رأيتک هذا الذي کرمت عليَّ لئن أخرتن إلي يوم القيامةِ لأحتنکنَّ ذريته إلا قليلا) [12] .

وفي اللغة حنک: يجوز أن يکون من قولهم حنکت الدابة أصبت حنکها باللجام والرسن …. فيکون معناه لأستولين عليهم.


پاورقي

[1] ص 75و76.

[2] الحجر32-34.

[3] بحار الأنوار ج 2 ص 303 رواية 41 باب 34.

[4] بحار الأنوار ج 2 ص 291 رواية 11 باب 34.

[5] بحار الأنوار ج 10 ص 221 رواية 22 باب 13.

[6] النمل 10.

[7] بحار الأنوار ج 18 ص 380 رواية 86 باب 3.

[8] النجم 9.

[9] الکافي ج 2 ص 33 رواية 2.

[10] الکافي ج 1 ص 34 رواية 1.

[11] الکافي ج 1 ص 38 رواية 3.

[12] الإسراء 62.