السجود لآدم
والظاهر أنَّ کل ما جري بين الله والملائکة لم يکن إلاّ تمهيداً لأمرٍ واحدٍ وهو السجود لآدم عليه السلام، لا لأنَّه آدم بل لأنَّه مَجريً للخلافة الإلهيَّة ومحلاً للفيض الربّاني، فالسجود في الواقع کان لله سبحانه وتعالي فإنَّ أحاديثنا الشريفة تُبَيِّن لنا حقيقةَ الأمر في ذلک:
(ففي رواية عن إمامنا موسي بن جعفر عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليه السلام(في رواية طويلة حول أسئلة سألها يهودي من أمير المؤمنين عليه السلام فقال علي في جواب إحدي تلک الأسئلة) ولئن اسجد الله آدم ملائکته فان سجودهم لم يکن سجود طاعة أنَّهم عبدوا آدم من دون الله عز وجل ولکن اعترفوا لآدم بالفضيلة ورحمة من الله له) (بحار الأنوار ج10 ص29 رواية1 باب2).
ولم يأمر الله ملائکته بالسجود لآدم إلاّ بعد أن سوّاه ونفخ فيه من روحه حيث يقول:
(وإذ قال ربک للملائکة إني خالق بشرا من صلصال من حمأٍ مسنون فإذا سويتُه ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين) [1] .
ففي الواقع لم يکن السجود لجسم آدم بل إنَّما هو لروحه المنتسب إلي الله تعالي وهو من أمر الله
(ويسألونک عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) [2] .
وهناک أحاديث دالَّة علي ذلک قد ذکرها المحدِّث الکليني رضوان الله تعالي عليه ننقل ثلاثة منها:
1-(عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بحر عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروون إن الله خلق آدم علي صورته فقال هي صوره محدثه مخلوقه واصطفاها الله واختارها علي سائر الصور المختلفة فأضافها إلي نفسه کما أضاف الکعبة إلي نفسه و الروح إلي نفسه فقال بيتي ونفخت فيه من روحي). [3] .
2-(محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن القاسم بن عروه عن عبد الحميد الطائي عن محمد بن مسلم قال سالت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل ونفخت فيه من روحي کيف هذا النفخ؟ فقال إن الروح متحرک کالريح وإنما سمي روحا لأنه اشتق إسمه من الريح وإنما أخرجه عن لفظة الريح لأن الأرواح مجانسة الريح و إنما أضافه إلي نفسه لأنه اصطفاه علي سائر الأرواح کما قال لبيت من البيوت بيتي ولرسول من الرسل خليلي وأشباه ذلک وکل ذلک مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبَّر). [4] .
والظاهر أنَّ المراد من التصوير أيضاً ذلک حيث أنّه لا يُطلق علي الإنسان إنسان إلاّ بعد أن تکتمل صورته الإنسانيَّة(لأنَّ شيئيَّة الشيء بصورته لا بمادته تأمَّل) وهذه الصورة تمثِّل ذلک الروح ومن هنا قال سبحانه وتعالي:
(ولقد خلقناکم ثم صورناکم ثم قلنا للملائکة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يکن من الساجدين) [5] .
ومن هنا تعرف السرّ في الحديث الأوَّل من الأحاديث الثلاثة التِّي ذکرناها من کتاب الکافي الشريف:
(...محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروون إن الله خلق آدم علي صورته..) [6] .
وللإمام قدِّس سرُّه شرح عميق ومختصر لهذا الحديث في کتابه القيِّم الأربعون حديثاً الحديث 38 فراجع.
ولا بأس بذکر بعض النقاط التِّي ذکرها إمام الأمَّة هناک مع تلخيص:
قال:
(ويستفاد ممّا ذکرناه أنَّ الإنسان الکامل مظهر الاسم الجامع، ومرآة تجلِّي الاسم الأعظم).
ثمَّ ذکر آية الأمانة التِّي شرحناها سابقاً وقال:
(وتکون الأمانة لدي العرفاء الولاية المطلقة التِّي لا يليق بها غير الإنسان، وقد أشير إليها في القرآن الکريم بقوله تعالي: کلُّ شيء هالک إلاّ وجهه)
وفي کتاب الکافي بسنده:
(عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن محمد بن حمران عن أسود بن سعيد قال کنت عند أبي جعفر عليه السلام فانشأ يقول ابتداء منه من غير أن أساله نحن حجه الله ونحن باب الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن عين الله في خلقه ونحن ولاة أمر الله في عباده) [7] .
وفي دعاء الندبة
(أين وجه الله الذي يتوجَّه إليه الأولياء؟ أين السبب المتصل بين الأرض والسماء)
وفي زيارة الجامعة
(والمثل الأعلي)
وهذا المثل الأعلي وذلک الوجه الإلهي هو الوارد في الحديث الشريف
(إنَّ الله خلق آدم علي صورته)
ومعناه أنَّ الإنسان هو المثل الأعلي للحق سبحانه، وآيته الکبري، ومظهرها الأتم، وأنَّه مرآةٌ لتجلِّي الأسماء والصفات وأنَّه وجه الله وعين الله ويد الله وجنب الله.
انتهي کلامه رُفع في الخلد مقامه.
پاورقي
[1] الحجر 28،29.
[2] الإسراء 85.
[3] الکافي ج 1 ص 134 رواية 4.
[4] الکافي ج 1 ص 133 رواية 3.
[5] الأعراف 11.
[6] الکافي ج 1 ص 134 رواية 4.
[7] الکافي ج 1 ص 145 رواية 7.