بازگشت

الملائکة اقتنعوا


وهاهنا يأتي دور الخطاب الموَّجَه إلي آدم عليه السلام وهو نهاية المطاف وآخر مراحل الحديث مع الملائکة ومن خلال هذا الخطاب وجوابه وصل الملائکة إلي درجة الاطمئنان إن صح هذا التعبير بخصوص الملائکة!!

(قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأَهم بأسمائهم قال ألم أقل لکم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما کنتم تکتمون) [1] .

أقول: إنَّ الله سبحانه في هذه المرحلة يخاطب آدم عليه السلام ويطلب منه أن يُنبأ الملائکة بتلک الأسماء، والإنباء ليس هو مجرَّد الإعلام بل يُطلَق علي خبرٍ ذي فائدةٍ عظيمة وذلک الذي يحصل منه علم أو غلبة الظن. قال الراغب الاصفهاني في مُفرداته

(النبأ خبرٌ ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظنٍّ، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتَّي يتضمَّن هذه الأشياء الثلاثة..)

ومراجعة موارد استعمال الکلمة في القرآن الکريم أحسن دليل علي ذلک قال تعالي:

(فقد کذبوا فسيأتيهم أنباء ما کانوا به يستهزئون) [2] (ولقد جاءک من نبأ المرسلين) [3] (لکل نبأ مستقر وسوف تعلمون) [4] (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه) [5] (قل هو نبأ عظيم) [6] (ألم يأتکم نبأ الذين کفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم) [7] (تلک القري نقص عليک من أنبائها) [8] (نَبِّأْ عبادي إنِّي أنا الغفور الرحيم) [9] (قال هذا فراق بيني وبينک سأنبئک بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) [10] .

ومن الواضح أنَّه تعالي کان يريد تثبيت شخصية آدم عليه السلام وبيان منزلته العظيمة لا کآدم عليه السلام فحسب بل باعتبار أنَّه المَنشأ للخلق الجديد الذي يُطلَق عليه إنسان ذو الخصوصيّات المتميِّزة بين سائر الموجودات.

وهل الله سبحانه کان يريد أن يتعرف الملائکة علي مستوي علم آدم عليه السلام وعلي ضوئه يخضعوا له بالسجود؟ هذا ما اعتقد به جمعٌ من المفسرين مع ما يتوجَّه إليهم من الملاحظات التي لا يمکن التخلُّص من الکثير منها.

أقول: هناک احتمال آخر أقوي ممّا ذُکر يتلاءم مع الأحاديث الشريفة أيضاً، وهو أنَّه سبحانه بعد أن عرض علي الملائکة تلک الأنوار الطاهرة خلفائَه علي البرية وحججه علي خلقه ولم يتعرف الملائکة لا علي أشخاصهم ولا علي أسمائهم، فبطبيعة الحال لم يسکن غليلهم ولم يطمئنوا حيث لم تتمُّ لديهم فلسفة خلق الإنسان، فأراد سبحانه من آدم عليه السلام أن يُعرِّفهم للملائکة بذکر أسمائهم قال يا آدم أنبأهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم أذعنوا بالأمر واستسلموا و انحلت تلک الشبهة الغامضة التي نشأت من رؤيتهم غير الصحيحة بالنسبة إلي خلق آدم وهي أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفک الدماء!

ولابأس بالإشارة إلي حديثين في هذا المجال:

1- ما نقله العلامة المجلسي عن کتاب إکمال الدين:

(عن الصادق عليه السلام أن الله تبارک وتعالي علم آدم عليه السلام أسماء حجج الله کلها ثم عرضهم وهم أرواح علي الملائکة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن کنتم صادقين أنکم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحکم وتقديسکم من آدم قالوا سبحانک لا علم لنا إلا ما علمتنا إنک أنت العليم الحکيم قال الله تبارک وتعالي يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنباهم بأسمائهم وقفوا علي عظيم منزلتهم عند الله تعالي ذکره فعلموا أنهم أحق بأن يکونوا خلفاء الله في أرضه وحججه علي بريته ثم غيَّبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم وقال لهم ألم اقل لکم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما کنتم تکتمون) [11] .

ما نقله العلامة المجلسي عن تفسير فرات ابن إبراهيم الکوفي:

(عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله تبارک وتعالي کان ولا شئ فخلق خمسة من نور جلاله واشتق لکل واحد منهم اسما من أسمائه المنزلة فهو الحميد وسمّاني محمَّدا وهو الأعلي وسمي أمير المؤمنين عليا وله الأسماء الحسني فاشتق منها حسنا وحسينا وهو فاطر فاشتق لفاطمة من أسمائه فلما خلقهم جعلهم الميثاق عن يمين العرش وخلق الملائکة من نور فلما أن نظروا إليهم عظموا أمرهم وشأنهم ولقنوا التسبيح فذلک قوله تعالي وإنا لنحن الصافون وإنّا لنحن المسبحون فلما خلق الله تعالي آدم عليه السلام نظر إليهم عن يمين العرش فقال يا رب من هؤلاء قال يا آدم هؤلاء صفوتي وخاصتي خلقتهم من نور جلالي وشققت لهم اسما من أسمائي قال يا رب فبحقک عليهم علمني أسماءهم قال يا آدم فهم عندک أمانة سرّ من سرِّي لا يطَّلع عليه غيرک إلا بإذني قال نعم يا رب قال يا آدم أعطني علي ذلک العهد فاخذ عليه العهد ثم علمَّه أسماءهم ثم عرض علي الملائکة ولم يکن علمهم بأسمائهم فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن کنتم صادقين قالوا سبحانک لا علم لنا إلا ما علمتنا إنک أنت العليم الحکيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال و أوفوا بولاية علي عليه السلام فرضا من الله أوف لکم بالجنَّة) [12] .

أقول: يستفاد من هذا الحديث أنَّ الملائکة کانوا قد شاهدوا هذه الأنوار قبل أن يُخلق آدم عليه السلام و ذلک بعد أن خلقهم الله حيث ورد في الحديث:

(وخلق الملائکة من نور فلما أن نظروا إليهم عظَّموا أمرهم وشأنهم ولقنوا التسبيح فذلک قوله تعالي وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون)

فکانوا يعرفون شأنهم ومرتبتهم عند الله ولکنَّهم لم يتوقَّعوا أنَّ هناک علاقة بينهم وبين خلق آدم عليه السلام ومن هنا نشاهد أنَّهم وبمجرَّد أن عَرفوا أسمائهم وصلوا إلي القناعة الکاملة وقالوا:

(سبحانک لا علم لنا إلاّ ما علَّمتنا إنَّک أنت العليم الحکيم)

ولعلَّهم أشاروا بقولهم هذا أنَّه لا علم لنا أنَّ خلق آدم عليه السلام له علاقة بتلک الأنوار التي رأيناها سابقاً ولو کنّا نعلم ذلک لما اعترضنا أصلاً.

والجدير بالذکر أنَّه ورد حديث في الکافي الشريف يقول:

(محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عمير أو غيره عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له جعلت فداک إن الشيعة يسألونک عن تفسير هذه الآية عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم قال: ذلک إليَّ، إن شئتُ أخبرتهم وإن شئت لم أخبرهم ثم قال: لکنِّي أخبرک بتفسيرها قلت عمَّ يتساءلون قال: فقال هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه کان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول ما لله عز و جل آيه هي أکبر مني و لا لله من نبأ أعظم مني) (الکافي ج1 ص207 رواية3).

والحديث ينطبق مع ما نحن فيه حيثُ أنَّ الولاية العظمي هي التِّي کانت السبب لخلق آدم عليه السلام ومن هنا قال

(أنبأهم بأسمائهم)


پاورقي

[1] البقرة 33.

[2] الشعراء 6.

[3] الأنعام 34.

[4] الأنعام 67.

[5] يونس 71.

[6] ص 67.

[7] التغابن 5.

[8] الأعراف 101.

[9] الحجر 49.

[10] الکهف 78.

[11] بحار الأنوار ج 11 ص 145 رواية 15 باب 2، ج 26 ص 183 رواية 38 باب 6.

[12] بحار الأنوار ج 37 ص 62 رواية 31 باب 50.